الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[باب لا يقال السلام على الله]
باب لا يقال السلام على الله " في الصحيح عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: «كنا إذا كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة قلنا: السلام على الله من عباده السلام على فلان وفلان، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا تقولوا: السلام على الله فإن الله هو السلام» (1) .
فيه مسائل: الأولى: تفسير السلام.
الثانية: أنه تحية.
الثالثة: أنها لا تصلح لله.
الرابعة: العلة في ذلك.
الخامسة: تعليمهم التحية التي تصلح لله.
ــ
[التمهيد لشرح كتاب التوحيد]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(1) أخرجه البخاري (835) ومسلم (402) .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[التمهيد لشرح كتاب التوحيد]
والسلام في أسماء الله معناه أيضا: الذي يعطي السلامة ويرزقها، وأثر هذا الاسم في ملكوت الله أن كل سلامة في ملكوت الله من كل شر يؤذي الخلق، فإنها من آثار هذا الاسم، فإنه لكون الله- جل وعلا- هو السلام فإنه يفيض السلامة على العباد.
إذا كان كذلك فالله- جل جلاله هو الذي يفيض السلام، وليس العباد هم الذين يعطون الله السلامة، فإن الله- جل وعلا- هو الغني عن خلقه بالذات، والعباد فقراء بالذات، قال تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [فاطر: 15][فاطر: 15] ، فالعبد هو الذي يعطى السلامة، والله- جل وعلا- هو الذي يسلم؛ ولهذا كان من الأدب الواجب في جناب الربوبية وأسماء الله وصفاته أن لا يقال: السلام على الله، بل أن يقال: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، السلام على فلان وفلان، السلام عليك يا فلان، ونحو ذلك، فتدعو له بأن يبارك باسم الله (السلام) أو أن تحل عليه السلامة.
فظهر بهذا أن وجه مناسبة هذا الباب للذي قبله ظاهرة. وأما مناسبته لكتاب التوحيد: فهي أن الأدب مع أسماء الله- جل وعلا- وصفاته ألا يخاطب بهذا الخطاب، وأن لا يقال: السلام على الله، لأن في هذا نقصا في تحقيق التوحيد، فتحقيق التوحيد الواجب ألا تقال هذه الكلمة؛ لأن الله غني عن عباده، والفقراء هم الذين يحتاجون إلى السلام.
في الصحيح عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: «كنا إذا كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة قلنا: السلام على الله من عباده السلام على فلان
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[التمهيد لشرح كتاب التوحيد]
وفلان» ، وإنما كانوا يقولون هذا مع كونهم موحدين عالمين بحق الله- جل وعلا- ظنا أنها تحية لا تحوي ذلك المعنى، فجعلوها من باب التحية، والتحية في هذه الشريعة مرتبطة بالمعنى، فالسلام على الله من عباده كأنهم قالوا: تحية لله من عباده، وهذا المعنى- وإن كان صحيحا من حيث القصد- لكنه ليس بصحيح من حيث اللفظ، لأن هذا اللفظ لا يجوز من جهة أن الله - جل وعلا- هو السلام كما قال النبي عليه الصلاة والسلام. والعباد مسلمون، أي: يسلمهم الله- جل وعلا- ويفيض عليهم السلامة وهم الفقراء المحتاجون، فليسوا هم الذي يعطون الله السلام، فمعنى: السلام على الله، يعني: السلامة تكون على الله من عباده، وهذا لا شك أنه باطل وإساءة في الأدب مع ما يجب لله- جل وعلا- في ربوبيته وأسمائه وصفاته.
لهذا قال لهم النبي عليه الصلاة والسلام «لا تقولوا: السلام على الله، فإن الله هو السلام» ، وهذا النهي للتحريم، فلا يجوز لأحد أن يقول: السلام على الله؛ لأن السلام على الله مقتض لانتقاص جناب الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات.
إذا كان كذلك، فما معنى قولك حين تسلم على أحد: السلام عليك يا فلان، أو السلام عليكم ورحمة الله؟ وهي تحية المؤمنين في الدنيا وفي الآخرة {تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ} [الأحزاب: 44] [الأحزاب: 44] . قال بعض أهل العلم: إن معناها: كل اسم لله- جل وعلا- عليكم، يعني: اسم السلام عليكم، فيكون ذلك تبركا بأسماء الله- جل وعلا- وبصفاته، فاسم السلام عليكم، يعني: اسم الله عليكم، فيكون ذلك تبركا بكل الأسماء ومنها اسم الله- جل وعلا- السلام، وهذا أحد المعنيين.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[التمهيد لشرح كتاب التوحيد]
والثاني: ما قاله آخرون من أهل العلم: أن قول القائل: السلام عليكم ورحمة الله، يعني: السلامة التي اشتمل عليها اسم (السلام) عليكم، نسأل الله أن يفيضها عليكم، أو أن يكون المعنى: كل سلامة عليكم مني، فإنك لن تجد مني إلا السلامة، وهذا يصدق حين تنكر فتقول: سلام عليكم ورحمه الله وبركاته، يعني: كل سلامة مني ستأتيك، فلن أخفرك في عرضك، ولن أخفرك في مالك، ولن أخفرك في نفسك، وكثير من المسلمين يقول هذه الكلمة وهو لا يعي معناها، لأنه حين قال لمن أتاه: السلام عليكم، كأنه عاهده بأنه لن يأتيه منه إلا السلامة، ثم هو يخفر هذه الذمة، وربما أضره، أو تناول عرضه، أو تناول ماله، أو نحو ذلك.
فهذا فيه التنبيه على فائدة مهمة، وهي أنه ينبغي لكل طالب العلم، بل كل عاقل بعامة إذا نطق بكلام أن يتبين ما معنى هذا الكلام، فكونه يستعمل كلاما لا يعي معناه، هذا من العيب، إذ ليس من أخلاق الرجال أصلا أن يتكلموا بكلام لا يعون معناه، فيأتي بكلام ثم ينقضه في فعله أو في قوله، هذا ليس من أفعال الذين يعقلون، فضلا أن يكون من أفعال أهل العلم، أو طلبة العلم الذين يعون عن الله- جل وعلا- شرعه ودينه.
والصواب أن قول القائل: السلام عليكم، يشمل المعنيين الأول والثاني، فهو تبرك بكل اسم من أسماء الله، وتبرك باسم الله (السلام) الذي من آثاره السلامة عليك في دينك ودنياك، فهو دعاء لك بالسلامة في الدين، وفي الدنيا، وفي الأعضاء، والصفات، والجوارح، إلى آخر ذلك.
الشرح: حقيقة التوحيد أن يوحد العبد ربه- جل وعلا- بتمام الذل والخضوع والمحبة، وأن يتضرع إلى الله- جل وعلا- ويتذلل إليه بإظهار فقره التام إليه،