المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[باب من الإيمان بالله الصبر على أقدار الله] - التمهيد لشرح كتاب التوحيد

[صالح آل الشيخ]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة شرح كتاب التوحيد

- ‌[باب فضل التوحيد وما يكفر من الذنوب]

- ‌[باب من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب]

- ‌[باب الخوف من الشرك]

- ‌[باب الدعاء إلى شهادة أن لا إله إلا الله]

- ‌[باب تفسير التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله]

- ‌[باب من الشرك لبس الحلقة والخيط ونحوهما لرفع البلاء أو دفعه]

- ‌[باب ما جاء في الرقى والتمائم]

- ‌[باب من تبرك بشجر أو حجر ونحوهما]

- ‌[باب ما جاء في الذبح لغير الله من الوعيد وأنه شرك بالله جل وعلا]

- ‌[باب لا يذبح لله بمكان يذبح فيه لغير الله]

- ‌[باب من الشرك النذر لغير الله تعالى]

- ‌[باب من الشرك الاستعاذة بغير الله تعالى]

- ‌[باب من الشرك أن يستغيث بغير الله أو يدعو غيره]

- ‌[باب قول الله تعالى أَيُشْرِكَونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ

- ‌[باب قول الله تعالى حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ

- ‌[باب الشفاعة]

- ‌[باب قول الله تعالى إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ]

- ‌[باب ما جاء أن سبب كفر بني آدم وتركهم دينهم هو الغلو في الصالحين]

- ‌[باب ما جاء من التغليظ فيمن عبد الله عند قبر رجل صالح فكيف إذا عبده]

- ‌[باب ما جاء أن الغلو في قبور الصالحين يصيرها أوثانا تعبد من دون الله تبارك وتعالى]

- ‌[باب ما جاء في حماية المصطفى صلى الله عليه وسلم جناب التوحيد وسده كل طريق يوصل إلى الشرك]

- ‌[باب ما جاء أن بعض هذه الأمة يعبد الأوثان]

- ‌[باب ما جاء في السحر]

- ‌[باب بيان شيء من أنواع السحر]

- ‌[باب ما جاء في الكهان ونحوهم]

- ‌[باب ما جاء في النشرة]

- ‌[باب ما جاء في التطير]

- ‌[باب ما جاء في التنجيم]

- ‌[باب ما جاء في الاستسقاء بالأنواء]

- ‌[باب قول الله تعالى وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ]

- ‌[باب قول الله تعالى إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ]

- ‌[باب قول الله تعالى وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ]

- ‌[باب قول الله تعالى أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ]

- ‌[باب من الإيمان بالله الصبر على أقدار الله]

- ‌[باب ما جاء في الرياء]

- ‌[باب من الشرك إرادة الإنسان بعمله الدنيا]

- ‌[باب من أطاع العلماء والأمراء في تحريم ما أحل الله أو تحليل ما حرمه فقد اتخذهم أربابا من دون الله]

- ‌[باب قول الله تعالى أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ

- ‌[باب من جحد شيئا من الأسماء والصفات]

- ‌[باب قول الله تعالى يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها وأكثرهم الكافرون]

- ‌[باب قول الله تعالى فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون]

- ‌[باب ما جاء فيمن لم يقنع بالحلف بالله]

- ‌[باب قول ما شاء الله وشئت]

- ‌[باب من سب الدهر فقد آذى الله]

- ‌[باب التسمي بقاضي القضاة ونحوه]

- ‌[باب احترام أسماء الله تعالى وتغيير الاسم لأجل ذلك]

- ‌[باب من هزل بشيء فيه ذكر الله أو القرآن أو الرسول]

- ‌[باب قول الله تعالى وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي]

- ‌[باب قوله تعالى فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ]

- ‌[باب قول الله تعالى وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ]

- ‌[باب لا يقال السلام على الله]

- ‌[باب قوله اللهم اغفر لي إن شئت]

- ‌[باب لا يقول عبدي وأمتي]

- ‌[باب لا يرد من سأل بالله]

- ‌[باب لا يسأل بوجه الله إلا الجنة]

- ‌[باب ما جاء في اللو]

- ‌[باب النهي عن سب الريح]

- ‌[باب قول الله تعالى يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ

- ‌[باب ما جاء في منكري القدر]

- ‌[باب ما جاء في المصورين]

- ‌[باب ما جاء في كثرة الحلف]

- ‌[باب ما جاء في ذمة الله وذمة نبيه]

- ‌[باب ما جاء في الإقسام على الله]

- ‌[باب لا يستشفع بالله على خلقه]

- ‌[باب ما جاء في حماية النبي صلى الله عليه وسلم حمى التوحيد وسده طرق الشرك]

- ‌[باب ما جاء في قوله تعالى وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ

الفصل: ‌[باب من الإيمان بالله الصبر على أقدار الله]

[باب من الإيمان بالله الصبر على أقدار الله]

" باب من الإيمان بالله الصبر على أقدار الله " وقول الله تعالى: {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [التغابن: 11][التغابن: 11]، قال علقمة: هو الرجل تصيبه المصيبة فيعلم أنها من عند الله فيرضى ويسلم (1) وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اثنتان في الناس هما بهم كفر: الطعن في النسب، والنياحة على الميت» (2) ولهما عن ابن مسعود مرفوعا: «ليس منا من ضرب الخدود، وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية» (3) . وعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أراد الله بعبده الخير عجل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد بعبده الشر أمسك عنه بذنبه حتى يوافي به يوم القيامة» (4) .

وقال صلى الله عليه وسلم: «إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله تعالى إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط» (5) . حسنه الترمذي.

ــ

[التمهيد لشرح كتاب التوحيد]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

(1) أخرجه ابن جرير في التفسير 28 / 123.

(2)

أخرجه مسلم (67) .

(3)

أخرجه البخاري (1294) ، و (1297) ، و (3519) ، ومسلم (103) .

(4)

أخرجه الترمذي (2398) ، والحاكم 1 / 340.

(5)

أخرجه الترمذي (2398) وقال: حديث حسن غريب من هذا الوجه.

ص: 388

فيه مسائل: الأولى: تفسير آية التغابن.

الثانية: أن هذا من الإيمان بالله.

الثالثة: الطعن في النسب.

الرابعة: شدة الوعيد فيمن ضرب الخدود، وشق الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية.

الخامسة: علامة إرادة الله بعبده الخير.

السادسة: إرادة الله به الشر.

السابعة: علامة حب الله للعبد.

الثامنة: تحريم السخط.

التاسعة: ثواب الرضا بالبلاء.

ــ

[التمهيد لشرح كتاب التوحيد]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ص: 389

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[التمهيد لشرح كتاب التوحيد]

الحديث القدسي الذي رواه مسلم عن عياض بن حمار قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قال الله تعالى: إنما بعثتك لأبتليك، وأبتلي بك» (1) . فحقيقة بعثة النبي عليه الصلاة والسلام الابتلاء، والابتلاء يجب معه الصبر، والابتلاء الحاصل ببعثته بالأوامر والنواهي.

فالواجبات تحتاج إلى صبر، والمنهيات تحتاج إلى صبر، والأقدار الكونية تحتاج إلى صبر؛ ولهذا قال طائفة من أهل العلم: إن الصبر ثلاثة أقسام: صبر على الطاعة، وصبر عن المعصية، وصبر على أقدار الله المؤلمة.

ولما كان الصبر على المصائب قليلا أفرد له الشيخ رحمه الله هذا الباب لبيان أنه من كمال التوحيد، ومن الواجب على العبد أن يصبر على أقدار الله؛ لأن تسخط العباد وعدم صبرهم، كثيرا ما يظهر في حال الابتلاء بالمصائب، فعقد هذا الباب لبيان أن الصبر واجب على أقدار الله المؤلمة، ونبه بذلك على أن الصبر على الطاعة واجب، وأن الصبر عن المعصية واجب.

وحقيقة الصبر في اللغة: الحبس، ومنه قولهم: قتل فلان صبرا، إذا حبس أو ربط فقتل من دون مبارزة ولا قتال. ويقال للصبر الشرعي إنه صبر؛ لأن فيه حبس اللسان عن التشكي، وحبس القلب عن السخط، وحبس الجوارح عن إظهار السخط من لطم الخدود وشق الجيوب ونحو ذلك، فحبس هذه الأشياء هو حقيقة الصبر، فالصبر إذًا في الشرع هو: حبس اللسان عن التشكي، وحبس القلب عن التسخط، وحبس الجوارح عن إظهار السخط بشق أو نحو ذلك.

(1) أخرجه مسلم (2865) ، وأحمد 4 / 162.

ص: 390

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[التمهيد لشرح كتاب التوحيد]

قال الإمام أحمد رحمه الله: ذكر الصبر في القرآن في أكثر من تسعين موضعا، والصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد؛ لأن من لا صبر له على الطاعة، ولا صبر له عن المعصية، ولا صبر له على أقدار الله المؤلمة، فإنه يفوته أكثر الإيمان.

وقوله: " باب من الإيمان بالله الصبر على أقدار الله " يعني: أن من خصال الإيمان بالله الصبر على أقدار الله، والإيمان له شعب، كما أن الكفر له شعب، فنبه بقوله:«من الإيمان بالله الصبر» على أن من شعب الإيمان الصبر، ونبه في الحديث الذي رواه مسلم على أن النياحة من شعب الكفر، فيقابل كل شعبة من شعب الكفر شعبة من شعب الإيمان، فالنياحة على الميت شعبة من شعب الكفر، يقابلها في شعب الإيمان الصبر على أقدار الله المؤلمة.

" وقول الله تعالى: {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [التغابن: 11] [التغابن: 11] قال علقمة: هو الرجل تصيبه المصيبة فيعلم أنها من عند الله فيرضى ويسلم "(1) . هذا تفسير من علقمة - أحد التابعين - لهذه الآية، وهو تفسير ظاهر الصحة والصواب؛ وذلك أن قوله:{وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} [التغابن: 11] إنما ورد في سياق ذكر ابتلاء الله بالمصائب، فـ {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ} [التغابن: 11] يعني: يعظم الله - جل وعلا - ويمتثل أمره ويتجنب نهيه {يَهْدِ قَلْبَهُ} [التغابن: 11] للصبر، و {يَهْدِ قَلْبَهُ} [التغابن: 11] لعدم السخط، و {يَهْدِ قَلْبَهُ} [التغابن: 11] للعبادات؛ ولهذا

(1) أخرجه ابن جرير في التفسير 28 / 123، وأخرجه عبد الرزاق في التفسير 3 / 95.

ص: 391

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[التمهيد لشرح كتاب التوحيد]

قال: " هو الرجل تصيبه المصيبة فيعلم أنها من عند الله " وهذا هو الإيمان بالله " فيرضى ويسلم "

والمصائب من القدر، والقدر راجع إلى حكمة الله - جل وعلا -، وحكمة الله - جل وعلا - هي وضع الأمور في مواضعها الموافقة للغايات المحمودة منها، فالحكمة بعامة مرتبطة بالغايات المحمودة من وضع الأمر في موضعه، فمن وضع الأمر في غير موضعه فقد ظلم، ومن وضع الأمر في موضعه عدل، وقد يكون غير حكيم، أي قد يكون عادلا ولكن غير حكيم، فإذا وضع الأمر في موضعه الموافق للغاية المحمودة منه فذاك هو الحكيم، والله - جل وعلا - منفي عنه الظلم ومثبت له كمال العدل سبحانه حيث يضع الأمور في مواضعها، ومثبت له - جل وعلا - كمال الحكمة حيث إن وضعه الأمور في مواضعها موافق للغايات المحمودة منها، فنعلم بذلك أن المصيبة إذا أصابت العبد فإن الخير له فيها، إما أن يصبر فيؤجر، وإما أن يتسخط فيؤزر على ذلك، وهذا في حق الخاسرين، فالله - جل وعلا - له الحكمة من الابتلاء بالمصائب؛ لهذا يجب على العبد أن يعلم أن ما جاء من عند الله هو قدر الله - جل وعلا - وقضاؤه الموافق لحكمته فيجب الصبر على ذلك.

قوله: " يعلم أنها من عند الله ": يعني: أن الله هو الذي أتى بها، وهو الذي أذن بها قدرا وكونا.

" فيرضى ويسلم ": الرضا بالمصيبة مستحب وليس بواجب؛ ولهذا يختلط على كثيرين الفرق بين الرضا والصبر، وتحرير المقام في ذلك: أن الصبر على المصائب واجب من الواجبات؛ لأن فيه ترك السخط على قضاء الله وقدره، والرضا له جهتان:

ص: 392

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[التمهيد لشرح كتاب التوحيد]

الجهة الأولى: راجعة إلى فعل الله - جل وعلا -، فيرضى بقدر الله الذي هو فعله، ويرضى بفعل الله، ويرضى بحكمة الله، ويرضى بما قسم الله - جل وعلا -، وهذا الرضا بفعل الله - جل وعلا - واجب من الواجبات، وتركه محرم ومناف لكمال التوحيد.

والجهة الثانية: الرضا بالمقضي، أي بالمصيبة في نفسها، فهذا مستحب، ليس واجبا على العباد أن يرضوا بالمرض، وأن يرضوا بفقد الولد، وأن يرضوا بفقد المال، لكن هذا مستحب وهو رتبة الخاصة من عباد الله، لكن الرضا بفعل الله - جل وعلا - بمعنى الرضا بقضاء الله من حيث هو واجب، أما الرضا بالمقضي فإنه مستحب؛ ولهذا قال علقمة هنا:" هو الرجل تصيبه المصيبة فيعلم أنها من عند الله فيرضى " يعني: على قضاء الله " ويسلم " لعلمه أنها من عند الله جل جلاله، وهذا من خصال الإيمان.

وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اثنتان الناس هما بهم كفر» : يعني. خصلتان من شعب الكفر قائمتان في الناس، وستبقيان في الناس:«الطعن في النسب، والنياحة على الميت» (1) .

وجه الشاهد من هذا الحديث: قوله: " والنياحة على الميت " لأن النياحة مخالفة للصبر، والصبر الواجب فيه: حبس الجوارح عن لطم الخدود وشق الجيوب ونحو ذلك، وحبس اللسان عن التشكي والعويل وهذا هو النياحة، فالنياحة من شعب الكفر؛ لأنها منافية للصبر.

(1) أخرجه مسلم (67) ، وأحمد في المسند 2 / 377 -441.

ص: 393

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[التمهيد لشرح كتاب التوحيد]

وكونها من شعب الكفر لا يدل على أن من قامت به فهو كافرٌ الكفر المطلق المخرج من الملة، بل يدل على أن من قامت به قامت به خصلة من خصال الكفار، وشعبة من شعب الكفر؛ ولهذا قال هنا:«اثنتان في الناس هما بهم كفر» فنكر كلمة " كفر "، والقاعدة في فهم ألفاظ الكفر التي تأتي في الكتاب والسنة: أن الكفر إذا أتى معرفا بالألف واللام فإن المراد به الكفر الأكبر، وإذا أتى منكرا - أي بدون الألف واللام - فإنه يدل على أن الخصلة تلك من شعب الكفر، ومن خصال أهل الكفر، وأن ذلك كفر أصغر كما قال عليه الصلاة والسلام:«لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض» (1) لأن ذلك من خصال الكفار، ونحو ذلك قوله:«سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر» (2) هذا في الكفر الأصغر.

وأما الكفر المعرف بالألف واللام فالقاعدة التي حررها الأئمة كشيخ الإسلام وغيره: أنه إذا أتى فيراد به الكفر الأكبر، كقوله عليه الصلاة والسلام:«بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة» (3) .

" ولهما عن ابن مسعود مرفوعا: «ليس منا من ضرب الخدود، وشق الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية» (4) دل هذا الحديث على أن من فعل هذه الأفعال فهو ليس من أهل الإيمان، وقد سبق بيان أن كلمة " ليس

(1) أخرجه البخاري (121) و (4405) و (6869) و (7080) ، ومسلم (118) .

(2)

أخرجه مسلم (221) .

(3)

أخرجه مسلم (134) .

(4)

أخرجه البخاري (1294) و (1297) ، ومسلم (103) ، وأحمد 1 / 386.

ص: 394

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[التمهيد لشرح كتاب التوحيد]

منا " تدل على أن الفعل من الكبائر؛ ولهذا فإن ترك الصبر وإظهار التسخط كبيرة من الكبائر، والمعاصي تنقص الإيمان؛ لأن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، ونقص الإيمان قد ينقص كمال التوحيد، بل إن ترك الصبر مناف لكمال التوحيد الواجب.

" وعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أراد الله بعبده الخير عجل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد بعبده الشر أمسك عنه بذنبه حتى يوافى به يوم القيامة» (1) هذا فيه بيان حكمة الله - جل وعلا - التي إذا استحضرها المصاب، فإنه يعظم عنده الصبر، ويتحلى بهذه العبادة القلبية العظيمة وهي ترك التسخط، والرضا بفعل الله - جل وعلا - وقضائه؛ لأن العبد إذا أريد به الخير فإن العقوبة تعجل له في هذه الدنيا؛ لأن رفع أثر العقوبة عن العبد يكون بعشرة أشياء، منها: أن تعجل له العقوبة في الدنيا، يعني: أن يعاقب في الدنيا بمرض، أو بفقد مال، أو بمصيبة؛ لأن مخالفة أمر الله في ملكوته لا بد أن تقع لها عقوبة، إن لم يغفر الله - جل وعلا - ويتجاوز، فإذا كانت العقوبة في الدنيا فإنها أهون من أن تكون في البرزخ، أو أن تكون يوم القيامة؛ ولهذا جاء في الحديث الآخر الذي رواه البخاري وغيره قال عليه الصلاة والسلام:«من يرد الله به خيرا يصب منه» (2) ؛ ولهذا كان بعض السلف يتهم نفسه إذا رأى أنه لم يصب ببلاء أو لم يمرض ونحو ذلك، وقد قال عليه الصلاة والسلام في الحمى مثلا: «لا تسبوا الحمى فوالذي نفسي بيده

(1) أخرجه الترمذي (2398) ، والحاكم 1 / 340، وابن حبان 1 / 278.

(2)

أخرجه البخاري (5645) .

ص: 395

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[التمهيد لشرح كتاب التوحيد]

إنها لتنفي الذنوب عن العبد كما ينفي الكير خبث الحديد» (1) ففي المصائب نعم على العبد، والله - جل وعلا - له الحكمة البالغة فيما يصلح عبده المؤمن.

" وقال صلى الله عليه وسلم: «إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله تعالى إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط» (2) دل قوله: " من رضي فله الرضا " على أن الرضا عبادة؛ لأن رضا الله عن العبد إذا رضي عنه دال على أن ذلك الفعل محبوب له، وذلك دليل أنه من العبادات، وكذلك الجملة الثانية دليل على أن السخط محرم، قال: " ومن سخط فله السخط " يعني: من الله - جل وعلا -.

وحقيقة السخط على الله - جل وعلا -: أن يقوم في قلبه عدم محبة ذلك الشيء، وكراهته، وعدم الرضا به، واتهام الحكمة فيه، فمن قامت به هذه الأشياء مجتمعة فقد سخط، ويظهر أثر السخط على اللسان أو على الجوارح، أو في القلب من جهة عدم الرضا بالأوامر، وعدم الرضا بالنواهي، وعدم الرضا بالشرع، فيتسخط الأمر، ويتسخط النهي، ويتسخط الشرع، فهذا كبيرة من الكبائر، ولو امتثل ذلك فإن تسخطه وعدم الرضا بذلك قلبا دليل على انتفاء كمال التوحيد في قلبه، وقد يصل بالبعض إلى انتفاء التوحيد من أصله إذا لم يرض بأصل الشرع وسخطه بقلبه واتهم الشرع أو اتهم الله - جل وعلا - في حكمه الشرعي

الشرح: هذا " باب ما جاء في الرياء " يعني: من الوعيد، وأنه شرك بالله - جل وعلا -.

والرياء حقيقته من الرؤية البصرية، وذلك بأن يعمل عمل العبادة لكي يرى أنه يعمل العمل الذي هو من العبادة، إما صلاة، أو تلاوة، أو ذكر، أو صدقة، أو حج، أو جهاد، أو امتثال أمر، أو اجتناب نهي، ونحو ذلك، لا لطلب ما عند الله، ولكن لأجل أن يراه الناس على ذلك، فيثنوا عليه به. هذا هو الرياء، وقد يكون الرياء في أصل الإسلام كرياء المنافقين، فالرياء على درجتين:

الدرجة الأولى: رياء المنافقين، بأن يظهر الإسلام ويبطن الكفر لأجل رؤية الخلق، وهذا مناف للتوحيد من أصله وكفر أكبر بالله جل جلاله؛ ولهذا وصف الله المنافقين بقوله:{يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء: 142][النساء: 142] . فقوله: {يُرَاءُونَ النَّاسَ} [النساء: 142] يعني: الرياء الأكبر الذي هو إظهار أصل الإسلام وشعب الإسلام، وإبطان الكفر وشعب الكفر.

والنوع الثاني من الرياء: أن يكون الرجل مسلما أو المرأة مسلمة، ولكن يرائي بعمله أو ببعض عمله، فهذا شرك خفي وذلك الشرك مناف لكمال

(1) أخرجه ابن ماجه (3469) .

(2)

أخرجه الترمذي (2396) .

ص: 396