الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[باب قول الله تعالى وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ]
باب قول الله تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ} [الأعراف: 180][الأعراف: 180] .
ذكر ابن أبي حاتم عن ابن عباس: {يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ} [الأعراف: 180] يشركون، (1) . وعنه: سمو اللات من الإله، والعزى من العزيز. وعن الأعمش: يدخلون فيها ما ليس منها ".
فيه مسائل: الأولى: إثبات الأسماء.
الثانية: كونها حسنى.
الثالثة: الأمر بدعائه بها.
الرابعة: ترك من عارض من الجاهلين الملحدين.
الخامسة: تفسير الإلحاد فيها.
السادسة: وعيد من ألحد.
ــ
[التمهيد لشرح كتاب التوحيد]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(1) أخرجه ابن أبي حاتم في التفسير كما في الدر المنثور (613) .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[التمهيد لشرح كتاب التوحيد]
الأسماء البالغة في الحسن نهايته، فالخلق يتسمون بأسماء، لكن قد لا تكون حسنة، أو قد تكون حسنة، ولكن ليست بالغة في الحسن نهايته؛ لأن الحسن في الأسماء يكون راجعا إلى أن الصفة التي اشتمل عليها ذلك الاسم تكون حقا، موجودة فيمن تسمى بها، والإنسان وإن تسمى باسم فيه معنى فقد لا يكون فيه من ذلك المعنى شيء، فيسمى صالحا وقد لا يكون صالحا، ويسمى خالدا وقد لا يكون خالدا، ويسمى محمدا وقد لا يكون كثير خصال الحمد وهكذا، فإن الإنسان قد يسمى بأسماء لكن لا تكون في حقه حسنى، والله -جل وعلا- له الأسماء الحسنى البالغة في الحسن نهايته، وهي الأسماء المشتملة على صفات الكمال، والجلال، والجمال، والقدرة، والعزة، والجبروت وغير ذلك، وله من كل اسم مشتمل على صفة أعلى وأعظم وأسمى المعاني التي اشتملت عليها الصفة.
وأهل العلم إذا فسروا الأسماء الحسنى فإنما هو تقريب، ليدلوا الناس على أصل المعنى، أما المعنى بكماله فإنه لا يعلمه أحد إلا الله جل جلاله ولهذا قال صلى الله عليه وسلم في دعائه:«لا نحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك» (1) . فالناس حين يفسرون أسماء الله- جل وعلا- فإنهم يفسرون ذلك بما يقرب إلى الأفهام المعنى، أما حقيقة المعنى على كماله فإنهم لا يعونه؛ لأن ذلك من الغيب، وكذلك الكيفية فإنهم لا يعلمونها؛ لأن ذلك من الغيب، فالله- جل وعلا- له الأسماء الحسنى، والصفات العلى.
(1) أخرجه الترمذي (3566) ، وابن ماجه (1179) .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[التمهيد لشرح كتاب التوحيد]
ومن الأسماء ما لا يكون حسنا إلا بقيد مثل: الصانع، والمتكلم، والمريد، والفعال أو الفاعل، ونحو ذلك، فهذه الأسماء لا تكون كمالا إلا بقيد، وهو أن يكون متكلما بما شاء إذا شاء بما تقتضيه الحكمة وتمام العدل، فهذا يكون محمودا؛ ولهذا ليس من أسماء الله المتكلم، وكذلك الصانع قد يصنع خيرا، وقد يصنع غير ذلك، والله- جل وعلا- ليس من أسمائه الحسنى الصانع؛ لاشتماله على هذا وهذا، فإذا أطلق من جهة الخبر فيعنى به ما يقيد بالمعنى الذي فيه كمال، وكذلك فاعل أو فعال فإن الفعال قد يفعل أشياء لا توافق الحكمة، وقد يفعل أشياء لا يريدها بل مجبر عليها، والكمال أن يفعل ما يريد ولا يكون مجبرا لكمال عزته وقهره؛ ولهذا قال الله- جل وعلا- عن نفسه:{فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} [البروج: 16][البروج: 16]- لأن تقييد كونه فعالا بما يريد، يدل على الكمال في أشياء كثيرة، وهي معروفة في مباحث الأسماء والصفات.
وأسماء الله الحسنى تنقسم باعتبارات من جهة المعنى، قال طائفة من أهل العلم: إن منها أسماء الجمال، وأسماء الجمال لله- جل جلاله هي الأسماء المشتملة على حسن في الذات، أو حسن في المعنى وبر بالعباد والمخلوقين، فيكون من أسماء الجمال صفات الذات، واسم الله الجميل، ويكون من أسماء الجمال: البر، والرحيم، والودود، والمحسن، وما أشبه ذلك. ومن أسماء الله ما هو من الجلال فيقال: هذه أسماء الجلال، وأسماء الجلال لله هي التي فيها ما يدل العباد على جلال الله، وعظمته وعزته- جل وعلا- وجلاله حتى يجل، من مثل: القهار، والجبار، والقدير، والعزيز،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[التمهيد لشرح كتاب التوحيد]
ونحو ذلك، فهذه أسماء الجلال، وهناك أسماء في تقسيمات مختلفة، تطلب من كلام ابن القيم رحمه الله أو من كلام الشراح، فإن المقصود هو أن العبد المؤمن الموحد ينبغي أن يتعرف إلى الله- جل وعلا- بأسمائه وصفاته، ولا تتم حقيقة التوحيد في قلب العبد حتى يعلم أسماء الله- جل وعلا- ويعلم صفات الله- جل وعلا- فإن العلم بها تتم به حقيقة التوحيد.
والعلم بها على مراتب، منها: أن يعلمها إثباتا، يعني: أن يثبت ما أثبت الله لنفسه، وما أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم، فيؤمن أن هذا الاسم من أسماء الله، وأن هذه الصفة من صفات الله جل وعلا.
والثاني: أن يسأل الله- جل وعلا- بأسمائه وصفاته بما يوافق مطلوبه؛ لأن الأسماء والصفات نتعبد لله- جل وعلا- بها، بأن ندعوه بها كما جاء في هذه الآية، وسيأتي بيان ذلك إن شاء الله.
والثالث من الإيمان بالأسماء والصفات: أن ينظر إلى آثار أسماء الله وصفاته في الملكوت، فإذا نظر إلى آثار الأسماء والصفات في الملكوت وتأمل ذلك علم أن كل شيء ما خلا الله باطل، وأن الحقيقة أن الحق الثابت اللازم هو الله- جل وعلا- وأما ما سوى الله فهو باطل، وزائل، وآيل إلى الهلاك {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص: 88] [القصص: 88] .
قوله: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [الأعراف: 180] اللام في قوله {وَلِلَّهِ} [الأعراف: 180] هي لام الاستحقاق، يعني: الأسماء الحسنى البالغة في الحسن نهايته مستحقة لله- جل وعلا- والله مستحق ذلك.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[التمهيد لشرح كتاب التوحيد]
{فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف: 180] يعني: إذا علمتم أن الله هو المستحق لذلك، وآمنتم به، فادعوه بها، وهذا أمر، والدعاء هنا فسر بالثناء والعبادة، وفسر بالسؤال والطلب، وكلاهما صحيح؛ فإننا ندعو الله بها، أي: نحمده، ونثني عليه بها، فنعبده متوسلين إليه بالأسماء الحسنى، وما اشتملت عليه من الصفات العلى، وكذلك أن نسأله بها، يعني: إذا كان لنا مطلوب نتوجه إلى الله، فنسأله بتلك الأسماء بما يوافق المطلوب، فإذا سألنا الله المغفرة نأتي بصفات الجمال، وإذا سألنا الله- جل وعلا- النصرة نأتي بصفات الجلال، وهكذا فيما يناسب، وهناك تفصيلات أيضا لهذا الأمر.
والمقصود أن قوله- جل وعلا- {فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف: 180] يعني: اسألوه بها، أو اعبدوه، واثنوا عليه بها- جل وعلا-، فيشمل دعاء المسألة، ودعاء العبادة.
والباء في قوله {بِهَا} [الأعراف: 195] هي باء الوسيلة، أي: ادعوه متوسلين بها.
قوله: {وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ} [الأعراف: 180]{ذَرْوًا} [الذاريات: 1] يعني: اتركوا، وهذا يوجب على المسلم أن يبتعد عن حال الذين يلحدون في أسماء الله- جل وعلا-. والإلحاد في أسماء الله هو: الميل والعدول بها عن حقائقها إلى ما لا يليق بالله -جل وعلا-.
وهذا الإلحاد في أسماء الله وصفاته مراتب منها: أن يسمي البشر المعبودين بأسماء الله، كما سموا اللات من الإله، والعزى من العزيز، ونحو ذلك.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[التمهيد لشرح كتاب التوحيد]
ومن الإلحاد في أسماء الله: أن يجعل لله- جل وعلا- ولد، وأن يضاف المخلوق إليه إضافة الولد إلى والده، كحال النصارى.
ومن الإلحاد: إنكار الأسماء والصفات، أو إنكار بعض ذلك، كما فعلت الجهمية الغلاة، فإنهم لا يؤمنون باسم من أسماء الله، ولا بصفة من صفات الله إلا الوجود والموجود، لأن هذه الصفة هي التي يستقيم معها برهانهم بحلول الأعراض في الأجسام، ودليل ذلك على الوحدانية كما هو معروف في موضعه.
ومن الإلحاد أيضا والميل بها عن الحق الثابت الذي يجب لله- جل وعلا- فيها: أن تؤول وتصرف عن ظاهرها إلى معان لا يجوز أن تصرف إليها، فيكون ذلك من التأويل، والواجب الإيمان بالأسماء والصفات وإثباتها، واعتقاد ما دلت عليه، وترك التعرض لها بتأويل ونحوه، وهذه هي قاعدة السلف فنؤمن بها ولا نصرفها عن حقائقها بتأويل أو بمجاز أو نحو ذلك، كما فعل المعتزلة، وفعلته الأشاعرة، والماتريدية وطوائف، كل هذا نوع من أنواع الإلحاد.
وإذا تقرر ذلك علم أن الإلحاد منه ما هو كفر، ومنه ما هو بدعة بحسب ما ذكرنا، فالحال الأخيرة -وهي التأويل، وادعاء المجاز في الأسماء والصفات- بدعة وإلحاد لا يصل بأصحابه إلى الكفر، أما نفي وإنكار وجحد الأسماء والصفات، فهذا كفر، كحال الجهمية، والنصارى، ومشركي العرب.
" ذكر ابن أبي حاتم عن ابن عباس {يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ} [الأعراف: 180] يشركون ": يعني يجعلون اللات من الإله، فينادون اللات، وعندهم أنهم نادوا الإله، فصار شركا.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[التمهيد لشرح كتاب التوحيد]
" وعنه: سمو اللات من الإله، والعزى من العزيز وعن الأعمش: يدخلون فيها ما ليس منها ": وهذه مرتبة من مراتب الإلحاد في أسمائه؛ لأن الله- جل وعلا- له الأسماء الحسنى، فمن أدخل اسما لم يثبت في الكتاب والسنة أنه من أسماء الله فقد ألحد؛ لأنه مال وعدل عن الحق الذي يجب في الأسماء والصفات إلى غيره، والحق هو أن تثبت لله ما أثبته لنفسه، إذ لا أحد أعلم بالله من الله- جل جلاله وتعاظم شانه- وكذلك لا أحد أعلم من الخلق بالله- جل وعلا- من رسوله الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم. فمن أدخل فيها ما ليس منها فقد ألحد، كمن قال: إن من أسماء الله: الماكر، والمستهزئ، والصانع، وجعل ذلك من الأسماء الحسنى، فإن هذا لا يجوز، ومنها ما يجوز بتقييد في باب الإخبار، ومباحث هذا الباب طويلة لاتصالها بالأسماء والصفات وهي معروفة في مبحث توحيد الأسماء والصفات.
مناسبة هذا الباب للباب الذي قبله: أن ترك قول: السلام على الله، هو من تعظيم الأسماء الحسنى، ومن العلم بها، ذلك أن السلام هو الله- جل جلاله، والسلام من أسمائه سبحانه وتعالى، فهو المتصف بالسلامة الكاملة من كل نقص وعيب، وهو المنزه والمبعد عن كل آفة ونقص وعيب، فله الكمال المطلق في ذاته، وصفاته الذاتية، وصفاته الفعلية- جل وعلا-،