المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل في مقالات طوائف الاتحادية في كلام الرب جل جلاله - نونية ابن القيم الكافية الشافية - ط عطاءات العلم - جـ ٢

[ابن القيم]

فهرس الكتاب

- ‌فصلٌ في ذكرِ مذهبِ أهلِ الحديث

- ‌فصلٌ في إلزامِهم القولَ بنفي الرّسالةِ إذا انتفتْ صفة الكلام

- ‌فصلٌ في التَّفريقِ بينَ مَا يضافُ إلى الرَّبِّ تعالى(1)من الأوْصَافِ(2)والأعْيانِ

- ‌فصلٌ

- ‌فصلٌ في مقالات(1)الفلاسفةِ والقَرامِطَةِ(2)فِي كلامِ الرَّبِّ جل جلاله

- ‌فصلٌ في مقالاتِ طوائفِ الاتّحاديَّةِ في كلامِ الرَّبِّ جل جلاله

- ‌فصلٌ

- ‌مسألة العذر بالجهل

- ‌فصلٌ في الرد على الجَهْمِيَّةِ المعطِّلةِ القائلينَ بأنَّه ليسَ علي العرشِ إلهٌ يُعبَد، ولا فوقَ السماء(1)إله يُصلّى لهُ ويُسْجَد(2)، وبيان فسادِ قولهمْ عقلًا ونقلًا ولغةً وفطرةً

- ‌فصلٌ في سياق هذا الدَّليلِ(1)على وجْهٍ آخرَ

- ‌فصلٌ في الإشارةِ إلي الطُرقِ النَّقليَّةِ الدَّالّة على أنَّ اللَّهَ سُبْحَانَه(1)فوق سماواته على عرشِهِ

- ‌فصلٌ فِي الإشَارة إلى ذلك من السنة

- ‌فصلٌ فيمَا يلزم مدعي التَّأويل لِتصحّ دعواه

- ‌فصلٌ في تشبيه(1)المحرِّفينَ للنصوصِ باليهودِ وإرثهم التَّحريفَ منهم، وبراءةِ أهلِ الإثباتِ مما رموهم به من هذا الشَّبه

- ‌فصلٌ في بيان تدليسهم وتَلْبِيسهم الحقَّ بالباطِل

- ‌فصلٌ في المطالبةِ بالفرقِ بينَ ما يُتأوَّلُ ومَا لا يُتأَوَّلُ

- ‌فصلٌ في ذكرِ فرق آخر لهمْ(1)وبيانِ بطلانِهِ

- ‌فصلٌ في بيان(1)مخالفةِ طريقهمْ لطريق أهلِ الاستقامةِ(2)نقلًا وعقلًا

- ‌فصلٌ في بيانِ كذبِهم ورمْيهم أهلَ الحقِّ بأنَّهم أشباهُ الخَوارجِ وبيانِ شَبَهِهمْ المحقَّق بالخوارجِ

- ‌فصلٌ فِي تلقيبهِمْ أهلَ السُّنَّةِ بالحشويةِ وبيانِ منْ أوْلَي بالوصفِ المذمومِ منْ هذا اللَّقبِ مِنَ الطَّائفتين وذكرِ أوَّلِ من لَقَّبَ بهِ أهلَ السُّنَّةِ مِن أهلِ البدعِ

- ‌فصلٌ فِي بيانِ عُدْوانِهمْ فِي تلقيبِ أهلِ القرآنِ والحديثِ بالمجَسِّمَةِ، وبيانِ أَنَّهمْ أَوْلى بكلِّ لقبٍ خبيثٍ

- ‌فصلٌ فِي بيانِ موردِ أهلِ التَّعْطيلِ وأنَّهمْ تعوَّضوا بالقَلُّوطِ(1)عن موردِ السَّلْسَبِيل

- ‌فصلٌ فِي بيانِ هدْمِهمْ لقواعدِ الإِسلامِ والإِيمانِ بعزْلهمْ نصوصَ السُّنَّةِ والقُرْآنِ

- ‌فصلٌ في إبطالِ(1)قول الملحدينَ إنَّ الاستدلالَ بكلام الله ورسولِهِ لا يفيدُ العلمَ واليقينَ

- ‌فصلٌ في تنزيهِ أهلِ الحديثِ وحَمَلَةِ(1)الشَّريعةِ عَنِ الألْقابِ القَبيحَةِ والشَّنِيعَةِ

- ‌فصلٌ في نُكْتةٍ بديعةٍ تُبَيِّنُ ميراثَ الملقِّبينَ والملقَّبينَ(1)من المشركينَ والموحّديِن

- ‌فصلٌ(1)في جوابِ الرَّبِّ تبارك وتعالى(2)يومَ القيامة إذا سألَ المعَطِّلَ والمُثْبِتَ(3)عن قولِ كلِّ واحدٍ منهما

- ‌[فصلٌ]

- ‌فصلٌ في تحميلِ أهلِ الإِثْبَاتِ لِلمعطِّلِينَ شهادَةً تؤدَّى عندَ رَبِّ العَالَمينَ

- ‌فصلٌ في عهودِ المثبتينَ لِرَبِّ العالمينَ

- ‌فصلٌ في شهادةِ أهلِ الإثباتِ على أهلِ التعطيل أنَّه ليسَ في السَّماءِ إلهٌ(1)ولَا لِلَّه بيننا كلامٌ ولا في القبرِ رَسولٌ

- ‌فصلٌ فيما احتجُّوا بهِ على حياةِ الرُّسُلِ في القبورِ

- ‌فصلٌ في أحكام هذِهِ التَّراكيبِ السِّتةِ

الفصل: ‌فصل في مقالات طوائف الاتحادية في كلام الرب جل جلاله

‌فصلٌ في مقالاتِ طوائفِ الاتّحاديَّةِ في كلامِ الرَّبِّ جل جلاله

815 -

وأتَتْ طَوَائِفُ الاتِّحَادِ بمِلَّةٍ

طَمَّتْ عَلَى مَا قَالَ كُلُّ لِسَانِ

816 -

قَالُوا كَلَامُ الله كُلُّ كَلَامِ هَـ

ـذا الْخَلْقِ مِنْ جِنٍّ وَمِنْ إِنْسَانِ

817 -

نَظْمًا وَنَثْرًا زُورُهُ وصَحِيحُهُ

صِدْقًا وَكِذْبًا وَاضِحَ البُطْلَانِ

818 -

فالسَّبُّ والشَّتْمُ القَبِيحُ وقَذْفُهُم

لِلمُحْصَنَاتِ وَكُلُّ نَوْعِ أَغَانِ

815 - طمَّت: علت وكثرت وغلبت. اللسان 12/ 370.

ومراد الناظم: أن مقالة الاتحادية فاقت في الكفر والضلال مقالات الطوائف الأخرى.

- تقدم في كلام الناظم عرض مذهب الاتحادية في الخالق جلّ وعلا. انظر البيت: 265 وما بعده. أما مذهبهم في الكلام فهو مبني على أصلهم الذي أصلوه وهو أن الله سبحانه عين هذا الوجود، فصفاته هي صفات الله وكلامه هو كلام الله، وأصل هذا المذهب الملعون إنكار مسألة المباينة والعلو فإنهم لما أصلوا أن الله تعالى غير مباين لهذا العالم المحسوس صاروا بين أمرين لا ثالث لهما: أحدهما: أنه معدوم لا وجود له، إذ لو كان موجودًا لكان إما داخل العالم وإما خارجًا عنه. الثاني: أن يكون هو عين هذا العالم، فإنه يصح أن يقال فيه حينئذ إنه ليس داخل العالم ولا خارجه ولا مباينًا له ولا حالاًّ فيه إذ هو عينه. والشيء لا ينافي نفسه ولا يحايثها فرأوا أن هذا خير من إنكار وجوده والحكم عليه بأنه معدوم. انظر مختصر الصواعق 2/ 472، وراجع ما تقدم عن مذهبهم في الأبيات: 265 وما بعده.

816 -

حتى قال عارفهم ابن عربي:

وكل كلام في الوجود كلامه

سواء علينا نثره ونظامه

انظر: الفتوحات المكية 4/ 141، ومختصر الصواعق 2/ 472.

818 -

المحصنات: جمع محصنة وهي المرأة المصونة العفيفة. النهاية 1/ 397.

ص: 248

819 -

والنَّوْحُ والتَّعْزِيمُ والسِّحْرُ المُبِيـ

ـنُ وَسَائِرُ البُهْتَانِ والهَذَيَانِ

820 -

هُوَ عَينُ قَوْلِ اللهِ جل جلاله

وَكَلامُهُ حَقًّا بِلَا نُكْرَانِ

821 -

هَذَا الذِي أَدَّى إِلَيهِ أصْلُهُم

وعَلَيهِ قَامَ مُكَسَّحُ البُنيَانِ

822 -

إذْ أصْلُهُم أَنَ الإلهَ حَقِيقَةً

عَينُ الوُجُودِ وَعَينُ ذِي الأكْوَانِ

823 -

فَكَلَامُهَا وَصِفَاتُهَا هُوَ قَوْلُهُ

وَصِفَاتُهُ مَا هاهُنَا غَيْرانِ

824 -

وَلذاكَ قَالُوا إِنَّهُ المْوصُوفُ بِالضِّـ

ـدَّيْنِ مِنْ قُبْحٍ وَمِن إِحْسَانِ

825 -

ولذَاكَ قَدْ وَصَفُوهُ أَيْضًا بالكَمَا

لِ وَضِدِّهِ مِنْ سَائِر النُّقْصَانِ

826 -

هَذِي مَقَالَاتُ الطَّوَائِفِ كُلِّهَا

حُمِلَتْ إِلَيكَ رَخِيصَةَ الأثْمَانِ

827 -

وأَظُنُّ لَوْ فَتَّشْتَ كُتْبَ النَّاسِ مَا

أَلْفَيتَهَا أبَدًا بِذَا التِّبيَانِ

819 - النوح: رفع الصوت بالبكاء على الميت. اللسان 2/ 627.

التعزيم: قراءة العزيمة وهي الرُقية التي يُعزم بها على الجن والأرواح لتكف أذاها وهي من أنواع الشرك بالله. تيسير العزيز الحميد ص 165، لسان العرب 12/ 400.

821 -

المكسَّح: المصاب بالكُساح، وهو داء تضعف له الرِّجل، فيمشي الإنسان كأنه يكسح الأرض أي يكنسها. وهو من أمراض الإبل أيضًا. يقال: جمل مكسوح: لا يمشي من شدّة الضلع. اللسان 2/ 571، المعجم الوسيط (كسح)، ومراد الناظم: أن بنيانهم ضعيف منهار وهو مع ذلك قائم على هذا الأصل الفاسد فازداد ضعفًا إلى ضعفه.

823 -

ط: "ما ههنا قولان".

824 -

كذا في الأصل، ف، ظ. وفي غيرها:"وكذاك قالوا" وهو تحريف.

- لما كان الله تعالى عند الاتحادية هو عين هذا الوجود صار موصوفًا بالضدين من قبح وإحسان وكمال ونقصان، لأنه عين كل شيء فهو عندهم مجمع للأضداد والمتقابلات، وقد تقدم تفصيل ذلك في الأبيات: 290 وما بعده.

825 -

كذا في الأصل، ف. وفي غيرهما:"وكذاك".

827 -

ألفيتها: وجدتها.

ص: 249

828 -

زُفَّتْ إِلَيكَ فإنْ يَكُنْ لَكَ نَاظِرٌ

أبْصَرتَ ذَاتَ الحُسن والإحْسَانِ

829 -

فَاعْطِفْ عَلَى الْجَهْمِيَّةِ المُغْلِ الأُلَى

خَرقُوا سِيَاجَ العَقْل والقُرآنِ

830 -

شَرِّدْ بِهِم مَنْ خَلْفَهُم واكْسِرهُمُ

بَلْ نَادِ فِي نَادِيهمُ بأذَانِ

831 -

أَفسَدتُمُ المعْقُولَ والمنْقُولَ والـ

ـمَسمُوعَ مِنْ لُغَةٍ بِكُلِّ لِسَانِ

828 - يعني رحمه الله أنك أيها القارئ إن كنت منصفًا خاليًا من التعصب أبصرت حسن هذه المنظومة وبديع جمعها وصياغتها لمذاهب الناس فصارت بحق ذات حسن وإحسان، فحسنت في نفسها وأحسنت إلى غيرها.

829 -

المغل: أي المغول وهم التتار، ولعله وصفهم بذلك لأن التتار بعد غزوهم لبلاد الإسلام عاثوا في الناس فسادًا وقتلوا المسلمين ودخل فريق منهم في الدين فكانوا من أنصار أهل التجهم والتعطيل بتأثير نصير الدين الطوسي، كما سيأتي في كلام الناظم في البيت: 930 وما بعده. انظر البداية والنهاية 13/ 283، إغاثة اللهفان 2/ 267.

- يعني: أنهم خالفوا العقل والنقل بمناقضة أقوالهم لهما.

- بعد أن فرغ الناظم رحمه الله من ذكر مقالات الطوائف في كلام الرب عز وجل وصفاته عطف عليها تفنيدًا وردًّا، فبدأ بالجهمية ومن تبعهم من المعتزلة وغيرهم.

830 -

اقتباس من قوله تعالى: {فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ} [الأنفال: 57] أي: نكل بهم من خلفهم كي يتعظوا بهم، والتشريد: هو الطرد والتبديد. اللسان 3/ 236، تفسير الطبري مجلد 6 / ج 10/ ص 25.

الأذان: الإعلام والإخبار. اللسان 13/ 9، ومراد الناظم: اصرخ بهم بكل قوة وجرأة بأنهم خالفوا العقل والنقل واللغة.

831 -

خالف الجهمية بنفيهم للصفات العقل والنقل واللغة، فخالفوا العقل لأن واهب الكمال أولى به وهم ينفون عن الله صفات الكمال ويثبتونها للمخلوق، وخالفوا النقل لأن النصوص الشرعية جميعها تدل على إثبات صفات الكمال لله تعالى، وخالفوا اللغة بقولهم: عليم بلا علم وقدير بلا قدرة فوصفوه بالمشتق وسلبوا معناه عنه. انظر الرسالة الأكملية لشيخ الإسلام وهي في مجموع الفتاوى ج 6/ 88، شرح الأصول الخمسة ص 195 - 202، 527 وما بعدها.

ص: 250

832 -

أَيَصِحُّ وَصْفُ الشَّيءِ بالمشْتَق لِلْـ

ـمَسلُوبِ مَعْنَاهُ لَدَى الأَذْهَانِ؟

833 -

أَيَصِحُّ صَبَّارٌ وَلَا صَبْرٌ لَهُ

ويَصِحُّ شَكَّارٌ بِلَا شُكْرَانِ

834 -

ويصِحُّ عَلَّامٌ وَلَا عِلْمٌ لَهُ

وَيَصِحُّ غَفَّارٌ بِلَا غُفْرَانِ

835 -

وَيُقَالُ هَذَا سَامِعٌ أوْ مُبصِرٌ

وَالسَّمْعُ والإبْصَارُ مَفْقُودَانِ

836 -

هَذَا مُحَالٌ فِي العُقُولِ وَفِي النُّقُو

لِ وَفِي اللُّغَاتِ وَغَيرُ ذِي إِمْكَانِ

837 -

فَلَئِنْ زَعَمْتُمْ أنَّهُ مُتَكَلِّمٌ

لَكِنْ بِقَوْلٍ قَامَ بالإنْسَانِ

838 -

أَوْ غَيرهِ فيُقَالُ هَذَا بَاطِلٌ

وَعلَيكُمُ فِي ذَاكَ مَحْذُورَانِ

839 -

نَفْيُ اشْتِقَاقِ اللَّفْظِ للموْجُودِ مَعْـ

ـناهُ بِهِ وَثُبُوتُهُ للثانِي

832 - ب، ط:"لذي الأذهان".

- عند إطلاق المشتق على شيء يجب أن يكون ذلك الشيء موصوفًا بهذا الاشتقاق أصلًا فلا يصح أن تصف زيدًا بأنه عالم وهو لا علم عنده أو أنه عاقل وهو فاقد للعقل، لكن الجهمية نفوا صفات الله تعالى، فلما أورد عليهم وصف الله تعالى لنفسه بصفات الكمال كالعلم والقدرة قالوا: نقول عليم بلا علم وقدير بلا قدرة .. إلخ، وقد ردَّ عليهم الناظم بما يأتي من أبيات. وانظر قاعدة في الاسم والمسمى لشيخ الإسلام وهي في مجموع الفتاوى 6/ 185، التدمرية ص 18.

837 -

هذا رد على شبهتهم في الكلام حيث قالوا: إن معنى كون الله متكلمًا أنه خالق للكلام في غيره فليس الكلام وصفًا له وإنما هو وصف لذلك المحل، وقد تقدم ذكر الناظم لقولهم مجملًا في البيت: 42 وما بعده. وسيرد عليهم الناظم فيما يأتي من أبيات، وسيرد مرة أخرى في الأبيات: 865 وما بعده.

838 -

يعني: غير الإنسان كقول بعض الجهمية: إن الكلام قام بالشجرة.

839 -

يلزم الجهمية على قولهم إن معنى كون الله متكلمًا أنه خالق للكلام في غيره محذوران:

الأول: نفي اللفظ المشتق عمن قام به معناه ووجد فيه، فقوله تعالى لموسى:{إِنِّي أَنَا رَبُّكَ} [طه: 12] معناه: أن الكلام قام بالله فهو المتكلم=

ص: 251

840 -

أَعْنِي الذِي مَا قَامَ مَعْنَاهُ بِهِ

قَلْبُ الحَقَائِقِ أقْبَحُ البُهْتَانِ

841 -

ونَظِيرُ ذَا أَخَوَانِ هَذَا مُبصِرٌ

وأَخُوهُ مَعْدُودٌ مِنَ العُمْيَانِ

842 -

سَمَّيتُمُ الأَعْمَى بَصِيرًا إذْ أَخُو

هُ مُبصِرٌ وبِعَكْسِهِ فِي الثانِي

843 -

فَلَئِنْ زَعَمْتُم أنَّ ذَلِكَ ثَابِتٌ

فِي فِعْلِهِ كالخَلْقِ للأكوَانِ

844 -

والفِعْلُ لَيسَ بقَائِمٍ بإلهِنَا

إذْ لَا يَكُونُ مَحَلَّ ذِي حِدْثَانِ

845 -

ويَصِحُّ أَنْ يُشْتَقَّ مِنْهُ خَالِقٌ

فَكَذَلِكَ المتَكَلِّمُ الوَحْدَانِي

846 -

هُوَ فاعِلٌ لِكَلَامِهِ وَكِتَابِهِ

لَيسَ الكَلَامُ لَهُ بِوَصفِ مَعَانِ

= أما الجهمية فيقولون معنى كون الله هو المتكلم -هنا- أنه خلق الكلام في الشجرة.

الثاني: إثبات اللفظ المشتق للذي لم يقم به الوصف أصلًا ولم يشتق منه اللفظ، كما أثبتوا الكلام للشجرة، وقد تقدم تفصيل ذلك في كلام الناظم والتعليق عليه في الأبيات: 832 وما بعده.

وانظر الرد على الجهمية للدارمي ص 85 - 96، الرد على الجهمية للإمام أحمد ص 130.

842 -

كذا في نسخة ف، وفي ح، ط أيضًا، وهو الصواب. وفي غيرها:"مبصرًا". - "بعكسه": أي سموا البصير أعمى.

845 -

"الوحداني": الواحد. وانظر البيت 575 (ص).

846 -

أورد الناظم رحمه الله هنا معارضة من الجهمية ومن تبعهم من المعتزلة، إذ لما قيل لهم: لا يصح لكم وصف الله بالكلام مع عدم قيام الكلام به سبحانه قالوا: إن بعض صفات الله سبحانه يوصف بها مع قيامها بغيره كالخلق والرزق فإنه قائم بغيره ومع ذلك وصف الله بأنه خالق رازق فكذلك الكلام يصح أن يوصف أنه متكلم بمعنى أنه فاعل للكلام دون أن يكون الكلام قائمًا بذاته سبحانه.

وسيتولى الناظم رحمه الله الرد عليهم في الأبيات: 865، وما بعده.

- أي: ليس الكلام وصف معنى قائمٍ بذاته سبحانه، وسيأتي تفصيل حجتهم عند رد الناظم عليهم. انظر الأبيات: 865 وما بعده.

ص: 252

847 -

وَمُخَالِفُ المعْقُولِ والمنْقُولِ والْـ

ـفِطْرَاتِ والمسْمُوعِ للإِنْسَانِ

848 -

مَنْ قَالَ إنَّ كَلَامَهُ سُبحَانَهُ

وَصْفٌ قَدِيمٌ أحْرُفًا وَمَعَانِي

849 -

والسِّينُ عنْدَ البَاءِ لَيسَتْ بَعْدَهَا

لَكِنْ هُمَا حَرفَانِ مُقْتَرِنانِ

850 -

أَوْ قَالَ إنَّ كَلَامَهُ سُبحَانَهُ

مَعْنىً قَدِيمٌ قَامَ بالرَّحْمنِ

851 -

مَا إنْ لَهُ كُلٌّ وَلَا بَعْضٌ وَلا الـ

ـعَرَبِيْ حَقِيقَتُهُ وَلَا العِبرانِي

852 -

والأمْرُ عَيْنُ النَّهْيِ واسْتِفْهَامُهُ

هُوَ عَينُ إِخْبَارٍ بِلَا فُرقَانِ

853 -

وكَلَامُهُ كحَيَاتِهِ مَا ذَاكَ مَقْـ

ـدُورًا لَهُ بَلْ لَازِمُ الرَّحْمنِ

854 -

هَذَا الَّذِي قَدْ خَالَفَ المعْقُولَ والْـ

ـمَنْقُول والفِطْرَاتِ للإِنْسانِ

847 - تقدم تعريف الفطرة، راجع التعليق على البيت رقم 262.

هذا التفات من الجهمية إلى المذاهب الأخرى وذكروا ما فيها من مخالفة العقل والنقل والفطرة واللغة، فبدؤوا بمذهب الاقترانية - وقد تقدم شرح مذهب الاقترانية تفصيلًا في كلام الناظم والتعليق عليه، راجع الأبيات: 611 وما بعده.

848 -

ط: "أحرف" بالرفع، وفي ظ ضبط بالرفع والنصب معًا.

849 -

س: "حرفان مفترقان" وهي تحريف. وانظر البيت 613.

850 -

هذا مذهب الأشاعرة والكلابية وقد تقدم تفصيل مذهبهم في كلام الناظم والتعليق عليه، راجع الأبيات: 571 وما بعده.

851 -

انظر البيت 578. وفي ف، ب، ظ: "حقيقة"، وهو خطأ.

852 -

س: "عين النفي" وهي تحريف. وانظر البيت 575.

853 -

قول الأشاعرة والكلابية في كلام الله: إنه وصف لذاته تعالى، لازم لها أزلًا وأبدًا، لا ينفك عنها ولا يتعلق بالمشيئة والقدرة، بل صفة الكلام عندهم كصفة الحياة. وقد تقدم تفصيل ذلك عند كلام الناظم على مذهبهم، في البيت 571.

854 -

يتهكم الجهمية ومن تبعهم من المعتزلة بمذهب الاقترانية ومذهب الأشعرية والكلابية ويقولون: إنهم قد خالفوا العقل والنقل والفطرة، أما نحن فلم نخالف ذلك.

ص: 253

855 -

أمَّا الَّذِي قَدْ قَالَ إنَّ كَلَامَهُ

ذُو أحْرُفٍ قَد رُتِّبَتْ بِبَيَانِ

856 -

وَكَلَامُهُ بمَشيئَةٍ وإِرادَةٍ

كالفِعْلِ مِنْهُ كِلَاهُما سِيَّانِ

857 -

فَهُوَ الذِي قَدْ قَالَ قوْلًا يَعْلمُ الْـ

ـعُقَلَاءُ صِحَّتَهُ بِلَا نُكْرانِ

858 -

فلأىِّ شَيءٍ كَانَ مَا قَدْ قُلْتُمُ

أَوْلَى وَأقْرَبَ مِنْهُ لِلبُرهَانِ

859 -

ولأيِّ شيء دَائِمًا كَفَّرتُمُ

أَصْحَابَ هَذَا القَوْلِ بِالعُدْوانِ

860 -

فَدَعُوا الدَّعَاوِيَ وابْحَثُوا مَعَنا بِتَحْـ

ـقِيقٍ وإنْصافٍ بِلَا عُدْوَانِ

861 -

وَارْفُوا مَذَاهبَكُم وسُدُّوا خَرقَهَا

إِنْ كَانَ ذَاكَ الرَّفْوُ فِي الإِمْكَانِ

862 -

فَاحْكُمْ هَدَاكَ الله بَينَهُمُ فَقَدْ

أَدْلَوْا إِلَيكَ بحُجَّةٍ وبَيَانِ

856 - "سيان": مستويان، متماثلان. وفي ب، ظ:"شيئان" تصحيف. يعني: أن كلامه سبحانه متعلق بمشيئته وإرادته كما أن فعله متعلق بمشيئته وإرادته.

857 -

لا شك أنه لا ينكر على الجهمية ومن تبعهم من المعتزلة قولهم: إن كلامه تعالى حروف وألفاظ وأنه متعلق بالقدرة والمشيئة كسائر الأفعال، ولكن موضع الإنكار عليهم هو زعمهم أن الكلام ليس صفة قائمة بالله سبحانه بل هو مخلوق منفصل عنه. ويتبع قولهم هذا من الباطل والإلزامات التي تقدح في أصل الشريعة ما سبق تفصيله في الأبيات: 694 وما بعده.

859 -

إن من تأمل في كتب الكلابية والأشاعرة وجد أنهم يعرضون مذهبهم في الكلام ثم يشتغلون بإيراد شبه المخالفين من الجهمية والمعتزلة بل من أهل الحق أهل السنة والجماعة ويردون عليها، وقد يكفرون القائل بها. انظر -مثلًا- ما ذكره الرازي (الأشعري) في كتابه الأربعين في أصول الدين 1/ 247 - 258 فقد ناقش رأي المعتزلة وغيرهم ثم قرر مذهب الأشاعرة.

860 -

"فدعوا الدعاوي": هذا جواب "فلئن زعمتم" الواردة في البيت 843.

861 -

أي: أصلحوا مذاهبكم من: رفوت الثوب: أصلحته. القاموس 1663.

862 -

ينتدب الناظم رحمه الله حكمًا من أهل الحق ليحكم بين هذه الطوائف المتنازعة في الكلام، كما فعل في بداية النظم لما طلب حكمًا يحكم بينهم في معتقدهم في ربهم تعالى بقوله:"فاجلس إذًا في مجلس الحكمين" في الأبيات: 261 وما بعده.

ص: 254

863 -

لَا تَنْصُرَنَّ سوَى الحَديثِ وأهْلِهِ

هُم عَسكَرُ القُرآنِ والإيمَانِ

864 -

وتَحَيَّزَنَّ إِليهِمُ لَا غَيْرِهِمْ

لِتَكُونَ منْصُورًا لَدَى الرحْمَنِ

865 -

فَتقُولُ هَذَا القَدْرُ قَدْ أعْيَا عَلَى

أَهْلِ الكَلَامِ وَقَادَهُ أصْلَانِ

866 -

إحدَاهُمَا هَلْ فِعْلهُ مفعُولُهُ

أَوْ غَيرُهُ فَهُمَا لَهُم قَوْلَانِ

867 -

والقَائِلُونَ بأنَّهُ هُوَ عَينُهُ

فَرُّوا مِنَ الأوصَافِ بالحِدْثَانِ

863 - طت، طه:"الإيمان والقرآن".

865 -

كذا في ب، د، طت، طه. ولم ينقط حرف المضارع في الأصل، ف، ظ. وفي طع:"فنقول". وفي س: "فيقول" وهو خطأ (ص).

- يعني بهذا القدر: هذه المسألة وهي مسألة: هل الكلام قائم بالرب أم غير قائم به؟

866 -

أنَّث الأصل للضرورة. وانظر الأبيات: 181، 262، 518 (ص).

- هذا جواب من الناظم رحمه الله على ما أوردته الجهمية ومن تبعهم من المعتزلة لتصحيح مذهبهم في الكلام بقياسه على الفعل، وقولهم: إن وصف الله تعالى بالكلام لا يستلزم قيام الكلام به، كما لا يقتضي وصفه بالفعل قيام الفعل به. وقد فصل الناظم رحمه الله الردَّ عليهم في أصلين بني عليهما الخلاف.

أحدهما: أن فعل الله تعالى من الخلق والإحسان والرزق وغيرها هو مفعوله وليس هناك فعل ومفعول ورزق ومرزوق وخلق ومخلوق وإنما فعله هو المفعول نفسه وليس هناك فعل قام بذاته تعالى.

والثاني: أن الفعل غير المفعول.

انظر خلق أفعال العباد للبخاري 168 - 175، درء تعارض العقل والنقل 1/ 256، 2/ 12، 123 - 124، قاعدة نافعة في صفة الكلام لشيخ الإسلام ابن تيمية وهي ضمن مجموعة الرسائل المنيرية ج 2/ 64، منهاج السنة النبوية 2/ 376 وما بعدها، وشفاء العليل ص 527، شرح الأصول الخمسة للقاضي عبد الجبار الهمذاني المعتزلي ص 539.

867 -

الفريق الأول هم القائلون بأن الفعل هو المفعول، وهم الجهمية والمعتزلة=

ص: 255

868 -

لَكِنْ حَقِيقَةُ قَوْلهِمْ وَصَرِيحُهُ

تَعْطِيلُ خَالِقِ هَذِهِ الأكْوَانِ

869 -

عَنْ فِعْلِهِ إذْ فِعْلُهُ مَفْعُولُهُ

لَكِنَّهُ مَا قَامَ بالرَّحْمنِ

870 -

فَعَلَى الحَقِيقَةِ مَا لَهُ فِعْلٌ إذِ الْـ

ـمَفْعُولُ مُنْفَصِلٌ عَنِ الديَّانِ

871 -

والقَائِلُونَ بأنَّهُ غَيْرٌ لَهُ

مُتَنَازِعُونَ وَهُمْ فَطَائِفَتَانِ

872 -

إحْداهُمَا قَالَتْ: قَديمٌ قَائِمٌ

بالذَّاتِ وَهْوَ كَقُدرةِ المنَّانِ

873 -

سَمَّوْهُ تَكْوِينًا قَديمًا قَالَهُ

أتْبَاعُ شَيْخِ العَالَمِ النُّعْمَانِ

= والأشاعرة والكلابية. وجرهم إلى ذلك أصلهم الذي أصلوه وهو منع قيام الحوادث بذاته سبحانه، وقالوا: لو جعلنا الأفعال كالخلق والرزق صفات لله قائمة به لكان الله محلًا للحوادث، وما كان محلًا للحوادث فهو حادث، ويمتنع علينا أيضًا طريق إثبات الصانع لأننا إنما استدللنا على عدم حدوثه بامتناعه عن حلول الحوادث به. وقد تقدم شرح أصلهم هذا في موضع سابق، راجع البيت 169، وانظر المراجع السابقة. وسيأتي في كلام الناظم الرد مفصلًا على دليلهم في إثبات الصانع في الأبيات: 998 وما بعده.

870 -

حقيقة قول هؤلاء تعطيل الله تعالى عن أفعاله، وذلك لأن الفعل إذا كان هو المفعول، والمفعول -أصلًا- مخلوق لله منفصل عنه، لم يكن لله في الحقيقة فعل يقوم به ويكون صفة من صفاته، فينتج عن ذلك تعطيل الله تعالى عن أفعاله، كما بيّنه الناظم هنا. انظر المراجع السابقة.

871 -

القائلون بأن الفعل غير المفعول طائفتان:

الأولى: الماتريدية وهم أتباع أبي منصور الماتريدي الحنفي، حيث أثبتوا صفات الأفعال لله تعالى كالإحياء والإماتة وغيرهما من الصفات الفعلية، لكنهم يرجعونها إلى صفة التكوين، وهي عندهم صفة أزلية قائمة بذات الله تعالى كقيام القدرة. وستأتي الطائفة الثانية في البيت 875.

كتاب التوحيد للماتريدي ص 47 - 49، شرح الفقه الأكبر للقاري ص 33 - 34، الماتريدية وموقفهم من توحيد الأسماء والصفات 1/ 418، 2/ 424.

873 -

التكوين: هي من صفات الله عند الماتريدية، وهي مبدأ الإخراج من العدم إلى الوجود، وصفات الأفعال راجعة إليها. وهي عبارة عن الإيجاد والخلق =

ص: 256

874 -

وَخُصُومُهُمْ لَمْ يُنْصِفُوا فِي رَدِّهِ

بَلْ كَابَرُوهُمْ مَا أَتَوْا بِبَيَانِ

875 -

والآخَرُونَ رأَوْهُ أَمْرًا حَادِثًا

بالذَّاتِ قَامَ وإنَّهُمْ نَوْعَانِ

= والرزق والإحياء والإماتة. والتكوين عند الماتريدية صفة أزلية قائمة بالله تعالى، والصفات الفعلية متعلقة بالتكوين وليست صفات حقيقية، فرارًا من قيام الحوادث بالله تعالى. انظر المراجع السابقة.

"النعمان": يعني الإمام أبا حنيفة رحمه الله. وهو الإمام الفقيه النعمان بن ثابت بن زوطي التيمي الكوفي، ولد سنة 80 هـ، ويعد في طبقة التابعين. روى عن عطاء بن أبي رباح والشعبي وغيرهما، وبرع في الفقه والرأي حتى صار فيه إمامًا، توفي في بغداد سنة 150 هـ. سير أعلام النبلاء 6/ 390.

انظر تحقيق مسألة انتساب الماتريدية للإمام أبي حنيفة رحمه الله مفصلة في كتاب: الماتريدية وموقفهم من توحيد الأسماء والصفات للشمس السلفي الأفغاني.

874 -

يعني بخصوم الماتريدية: الأشاعرة، وذلك لأن الماتريدية وافقت الأشاعرة في إثبات الصفات السبع لله تعالى، وزادوا عليها صفة التكوين التي أرجعوا إليها الصفات الفعلية. أما الأشاعرة، فلا يعترفون بصفة التكوين وإنما صفات الأفعال عندهم حادثة لا يوصف الله بها. والأقرب أن الخلاف بين الأشاعرة والماتريدية في هذه المسألة خلاف لفظي، وذلك لأنهم جميعًا يرون أن الصفات الفعلية ليست صفات لله على الحقيقة ولا قائمة به سبحانه. انظر المراجع السابقة في البيت 871.

875 -

الطائفة الثانية من القائلين بأن الفعل غير المفعول قالوا: إن فعل الله حادث قائم بذاته متعلق بالقدرة والمشيئة، وهم نوعان:

النوع الأول: الكرامية حيث جعلوا له ابتداء في ذاته بمعنى: أنه لم يكن فاعلًا ثم فعل، وقد دفعهم إلى هذا القول فرارهم من القول بالتسلسل في أفعال الله، فيلزم قدم أنواع المفعولات، فيسدّ ذلك عليهم -في زعمهم- طريق إثبات الصانع. والكلام والفعل عندهم سيّان أي: أن الله متكلم بعد أن لم يكن متكلمًا.

والنوع الثاني سيأتي في التعليق على البيت 878.

انظر درء تعارض العقل والنقل 2/ 19، 147 - 148، وراجع ما سبق عند الكلام على مذهبهم في الكلام في الأبيات: 636 وما بعده.

ص: 257

876 -

إحْدَاهُمَا جَعَلَتْهُ مُفْتَتَحًا بِهِ

حَذَرَ التسَلْسُلِ لَيْسَ ذَا إِمْكَانِ

877 -

هَذَا الَّذِي قَالَتْهُ كَرَّامِيَّةٌ

فَفَعَالُهُ وكَلَامُهُ سِيَّانِ

878 -

والآخَرُونَ أُولُو الحَدِيثِ كأحْمَدٍ

ذَاكَ ابنُ حَنْبلٍ الرِّضَا الشَّيبَانِي

879 -

قَدْ قَالَ: إنَّ الله حَقًّا لَمْ يَزَلْ

مُتَكَلِّمًا إنْ شَاءَ ذُو إحسَانِ

880 -

جَعَلَ الكَلَامَ صِفَاتِ فِعْلٍ قَائمٍ

بالذَّاتِ لَمْ يُفْقَدْ مِنَ الرَّحْمنِ

881 -

وَكَذَاكَ نَصَّ عَلَى دَوَامِ الفِعْلِ بالْـ

إحْسَانِ أَيْضًا فِي مَكَانٍ ثَانِ

876 - سيأتي تعريف التسلسل والكلام عليه تفصيلًا في الأبيات: 956 وما بعده.

877 -

تقدم التعريف بالكرامية، راجع التعليق على البيت 635. وسيأتي رد الناظم عليهم، انظر البيت: 898 وما بعده.

878 -

النوع الثاني من الطائفة القائلين بأن الفعل حادث قائم بذات الرب متعلق بالقدرة والمشيئة هم: أهل الحديث، حيث نصوا على أن الكلام والفعل كليهما لم يزل ولا يزال قائمًا بذات الرب متعلقًا بمشيئته وقدرته، وليس له أول كما قالت الكرامية. وتقدم النوع الأول في البيت:875.

ب: "ذاك الرضى بن حنبل الشيباني" وقد تقدمت ترجمة الإمام أحمد في التعليق على المقدمة.

879 -

قال الإمام أحمد رحمه الله: "نقول: إن الله لم يزل متكلمًا إذا شاء، ولا نقول: إنه كان ولا يتكلم حتى خلق الكلام" الرد على الجهمية ص 133. وقد تقدم حكاية قول أهل السنة في كلام الله تعالى، راجع الأبيات: 649 وما بعده.

881 -

وهو قوله رحمه الله: "لا نقول: إنه قد كان في وقت من الأوقات ولا يقدر حتى خلق له قدرة، والذي ليس له قدرة هو عاجز. ولا نقول: قد كان في وقت من الأوقات ولا يعلم حتى خلق له علمًا فعلم، والذي لا يعلم هو جاهل، ولكن نقول: لم يزل الله عالمًا قادرًا، لا متى ولا كيف" الرد على الجهمية ص 134.

ص: 258

882 -

وَكذَا ابْنُ عَبَّاسٍ فَراجِعْ قَوْلَهُ

لمَّا أجَابَ مَسَائِلَ القُرْآنِ

883 -

وكذَاكَ جَعْفَرٌ الإِمَامُ الصَّادِقُ الْـ

ـمَقْبُولُ عِنْد الخَلْق ذُو العِرْفَانِ

884 -

قَدْ قَالَ لَمْ يَزَلِ المُهَيْمِنُ مُحْسِنًا

بَرًّا جَوَادًا عِنْدَ كُلِّ أَوانِ

882 - عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم حبر الأمة وإمام التفسير. ولد قبل الهجرة بثلاث سنين وصحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وروى عنه، توفي سنة 67 هـ، وقيل: 68 هـ وله من العمر 71 سنة. سير أعلام النبلاء 3/ 331، الاستيعاب 3/ 933.

- يشير رحمه الله إلى ما رواه البخاري في صحيحه عن سعيد بن جبير: أن رجلًا سأل ابن عباس قال: إني أجد في القرآن أشياء تختلف علي، فذكر مسائله ومنها قال: وقال تعالى: {وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء: 96]، {وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} [النساء: 158] {وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} [النساء: 134] فكأنه كان ثم مضى، فقال ابن عباس: وقوله: {وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء: 96] سمى نفسه ذلك، وذلك قوله أي: لم يزل كذلك، رواه البخاري 8/ 555 فتح كتاب التفسير، باب سورة حم السجدة.

883 -

جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين السبط الهاشمي القرشي أبو عبد الله أحد الأئمة الاثني عشر عند الإمامية من سادات أهل البيت وهو معدود في أتباع التابعين. قال الذهبي: بر صادق كبير الشأن، لم يحتج به البخاري. أ. هـ، وقال أبو حاتم: ثقة لا يسأل عن مثله أ. هـ، حدث عن أبيه أبي جعفر الباقر وعروة بن الزبير وعطاء بن أبي رباح وغيرهم، وحدث عنه ابنه موسى الكاظم ويحيى بن سعيد الأنصاري وأبو حنيفة وغيرهم، ت 148 هـ.

سير أعلام النبلاء للذهبي 6/ 255، مشاهير علماء الأمصار ص 127، ميزان الاعتدال 1/ 414، الجرح والتعديل 2/ 487، الأعلام 2/ 126.

884 -

يشير إلى ما جاء عن جعفر الصادق أنه سئل عن قوله: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115)} [المؤمنون: 115] لمَ خُلق الخلقُ؟ فقال: "لأن الله كان محسنًا بما لم يزل فيما لم يزل، إلى ما لم يزل، فأراد الله أن يفيض إحسانه إلى خلقه، وكان غنيًا عنهم، لم يخلقهم لجر =

ص: 259

885 -

وَكَذَا الإِمَامُ الدَّارِمِيُّ فإنَّهُ

قَدْ قَالَ مَا فِيهِ هُدَى الحَيْرانِ

886 -

قَالَ الحَيَاةُ مَعَ الفَعَالِ كِلَاهُمَا

مُتَلازِمَانِ فَلَيْسَ يَفْتَرِقَانِ

= منفعة ولا لدفع مضرة. لكن خلقهم وأحسن إليهم وأرسل إليهم الرسل حتى يفصلوا بين الحق والباطل فمن أحسن كافأه بالجنة، ومن عصى كافأه بالنار". رواه الثعالبي في تفسيره بسنده، نقلًا عن شرح ابن عيسى 1/ 350. وقد استعرضت تفسير الثعالبي في مجلداته الأربعة ولم أجد الأثر، فراجعت تفسير الثعلبي وهو مخطوط ويوجد له مصورة ميكروفيلم بجامعة الإمام ولم أجد الأثر، وراجعت كثيرًا من كتب التفسير والعقيدة التي صنفها السلف ونقلوا فيها أقوال الأئمة، ولم أعثر عليه. فراجعت كتب الشيعة فوجدته في "تفسير الصافي" و"علل الشرائع" بلفظ قريب من اللفظ المتقدم، ولفظه في هذين الكتابين: "عن جعفر بن محمد بن عمارة عن أبيه قال: سألت الصادق جعفر بن محمد عليه السلام فقلت له: لمَ خلق الله الخلق؟ فقال: إن الله تبارك وتعالى لم يخلق خلقه عبثًا ولم يتركهم سدى، بل خلقهم لإظهار قدرته وليكلفهم طاعته فيستوجبوا بذلك رضوانه، وما خلقهم ليجلب منهم منفعة، ولا ليدفع بهم مضرة، بل خلقهم لينفعهم، ويوصلهم إلى نعيم أبدي". "تفسير الصافي" للكاشاني 3/ 412، "علل الشرائع" للقمي 1/ 20.

885 -

الدارمي: عثمان بن سعيد بن خالد بن سعيد الدارمي السجستاني أبو سعيد، إمام حافظ ناقد، كان لهجًا بالسنة بصيرًا بالمناظرة، وله في ذلك تصانيف. سمع أبا اليمان وسليمان بن حرب ومسدد بن مسرهد وغيرهم. وحدث عنه مؤمل بن الحسين ومحمد بن يوسف الهروي وغيرهما. من كتبه:"النقض على بشر المريسي" وله "المسند" ت 280 هـ. سير أعلام النبلاء للذهبي 13/ 319، الجرح والتعديل 6/ 153، الأعلام 4/ 205.

886 -

يشير إلى قول الإمام الدارمي رحمه الله عند كلامه عن صفة من صفات الله الفعلية وهي النزول قال: "لأن الحي القيوم يفعل ما يشاء، ويتحرك إذا شاء، وينزل ويرتفع إذا شاء، ويقبض ويبسط ويقوم ويجلس إذا شاء، لأن أمارة ما بين الحي والميت التحرك، كل حي متحرك لا محالة، وكل ميت غير متحرك لا محالة" أ. هـ، من كتابه "النقض على بشر المريسي" وهو =

ص: 260

887 -

صَدَق الإِمَامُ فَكُلُّ حَيٍّ فَهْوَ فَعَّـ

ـالٌ وَذَا فِي غَايَةِ التِّبْيَانِ

888 -

إلَّا إذَا مَا كَانَ ثَمَّ مَوانِعٌ

مِنْ آفةٍ أو قَاسِرِ الحَيَوَانِ

889 -

والرَّبُّ لَيْسَ لِفعْلِهِ مِنْ مَانعٍ

مَا شاءَ كَانَ بِقُدْرَةِ الدَّيَّانِ

890 -

وَمَشِيئَةُ الرَّحمنِ لَازِمَةٌ لَهُ

وَكَذَاكَ قُدْرَةُ رَبِّنَا الرحْمنِ

891 -

هَذَا وَقَدْ فَطَرَ الإلهُ عِبَادَهُ

أنَّ المُهَيْمِنَ دَائِمُ الإحْسَانِ

892 -

أَوَ لَسْتَ تَسْمَعُ قَوْلَ كُلِّ مُوَحِّدٍ

يَا دَائِمَ المَعْرُوفِ والسُّلْطَانِ؟

893 -

وَقَدِيمَ الإحْسَانِ الكثيرِ ودَائِمَ الْـ

ـجُودِ العَظِيم وصَاحِبَ الغُفْرانِ؟

894 -

مِنْ غَيْر إنْكَار عَلَيْهِمْ فطْرَةً

فُطِرُوا عَلَيْهَا لَا تَواصِ ثَانِ

895 -

أَوَ لَيْسَ فِعْلُ الرَّبِّ تَابِعَ وَصْفِهِ

وَكَمَالِهِ أَفَذَاكَ ذُو حِدْثَانِ؟

= موجود ضمن مجموع عقائد السلف ص 379، وانظر خلق أفعال العباد ص 107، ودرء التعارض 2/ 7، 4/ 25.

888 -

القسر: القهر على الكره، يقال: قسره على كذا: أكرهه عليه. اللسان 5/ 91. ومراد الناظم: أن الحياة والفعل متلازمان فكل حي فهو فعال إلا إذا وجد مانع يمنع هذا الحي من الفعل من آفة تعجزه عن الفعل أو مكروه يقهره ويمنعه عنه، وهذا لا يتصور في حق الله تعالى، فإن حياته سبحانه أكمل حياة، ويستحيل أن تطرأ عليه آفة أو أن يمنعه أحد عن فعل أراده. انظر المراجع المذكورة في الحاشية السابقة.

891 -

بعدما قرر الناظم رحمه الله مذهب السلف في دوام فاعلية الله تعالى وكلامه بالأدلة والنقول عن السلف، شرع في الاستدلال على ذلك بالفطرة والعقل، وقد ثبت ذلك بالإجماع أيضًا كما حكى ذلك البغوي رحمه الله عن أهل السنة، شرح السنة للبغوي ج 1 ص 157.

894 -

انظر في الكلام على إدراك الإنسان بفطرته صفات الله تعالى وأفعاله وكماله. شفاء العليل ص 599.

895 -

بدأ الناظم رحمه الله في سياق الدليل العقلي على إثبات صفات الكمال لله تعالى وذلك: "أن الله موصوف بصفات الكمال منزَّه عن النقائص وكل كمال =

ص: 261

896 -

وَكَمَالُهُ سَبَبُ الفِعَالِ وَخَلْقُهُ

أفْعَالَهُمْ سَبَبُ الكَمَالِ الثَّانِي؟

897 -

أَوَ مَا فِعَالُ الرَّبِّ عَيْنَ كَمَالِهِ

أَفَذَاكَ مُمْتَنِعٌ عَلى المنَّانِ؟

898 -

أَزلًا إلَى أَنْ صَارَ فِيمَا لَمْ يَزَلْ

مُتَمَكِّنًا والفِعْلُ ذُو إمْكَانِ

899 -

تاللهِ قَدْ ضَلَّتْ عُقُولُ القَوْمِ إذْ

قَالُوا بِهَذَا القَوْلِ ذِي البُطْلَانِ

900 -

مَاذَا الَّذِي أضْحَى لَهُ مُتَجَدِّدًا

حَتَّى تمكَّنَ فانْطِقُوا بِبَيَانِ؟

= وصف به المخلوق من غير استلزامه لنقص فالخالق أولى به، وكل نقص نزه عنه المخلوق فالخالق أحق بأن ينزه عنه، والفعل صفة كمال كالكلام والقدرة لا صفة نقص، وعدم الفعل صفة نقص كعدم الكلام وعدم القدرة، فدل العقل على صحة ما دل عليه الشرع" اهـ، من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية في درء التعارض ج 2/ 6. وانظر شفاء العليل ص 591، وانظر ما سبق بيانه من إلزامات تقدح في أصل الشريعة لمن نفى صفة الكلام، راجع الأبيات: 694 وما بعده.

896 -

الفعل لازم لكمال الله تعالى من وجهين: الأول: أن عدم الفعل نقص والله منزَّه عن النقص، وله الكمال المطلق سبحانه وتعالى. الثاني: أن الله تعالى قد جعل في عباده صفة الفعل وهي كمال، بل خلق أفعالهم، فواهب الكمال أولى به، انظر درء التعارض 3/ 123.

897 -

هذا رد من الناظم رحمه الله على الكرامية القائلين: بأن الله تعالى لم يكن فاعلًا ثم فعل، فتكلم بعد أن لم يكن متكلمًا وكذا سائر صفاته الفعلية. فرد عليهم: بأنّ فقد صفات الكمال نقص، والفعل صفة كمال، وكيف يصير هذا الفعل ممكنًا بعد أن كان ممتنعًا من غير تجدد سبب أوجب هذا الإمكان؟.

انظر درء التعارض 2 /ص 174 وما بعدها، 2/ 225، شرح الأصبهانية لشيخ الإسلام ابن تيمية ص 139، الأربعين للرازي 1/ص 170، وما بعدها، الإرشاد للجويني 62 - 63. وقد عرض الرازي في كتابه الأربعين ردًا مفصلًا على الكرامية كما في 1/ 170 وقد ناقش ردّه شيخ الإسلام رحمه الله في درء التعارض 2/ 207.

898 -

ف: "أن زال" وهي تحريف.

ص: 262

901 -

والرَّبُّ لَيْسَ مُعَطَّلًا عَنْ فِعْلِهِ

بَلْ كُلَّ يَوْمٍ رَبُّنَا فِي شَانِ

902 -

والأمْرُ والتَّكْوِينُ وَصْفُ كَمَالِهِ

ما فَقْدُ ذَا وَوُجُودُه سِيَّانِ

903 -

وَتَخَلُّفُ التَّأثِيرِ بَعْدَ تَمَامِ مُو

جِبِهِ مُحَالٌ لَيْسَ فِي الإمْكَانِ

904 -

واللهُ رَبِّي لَمْ يَزَلْ ذَا قُدْرَةٍ

وَمشِيئَةٍ وَيَلِيهِمَا وَصْفانِ

905 -

العِلْمُ مَعْ وَصْفِ الحَيَاةِ وَهَذهِ

أوْصَافُ ذَاتِ الخَالِقِ المنَّانِ

906 -

وَبِهَا تَمَامُ الفِعْلِ لَيْسَ بِدُونِهَا

فِعْلٌ يَتِمُّ بِوَاضِحِ البُرْهَانِ

907 -

فَلأَيِّ شَيءٍ قَدْ تَأخَّر فِعْلُهُ

مَعَ مُوجِبٍ قَدْ تَمَّ بالأرْكَانِ؟

908 -

مَا كَانَ مُمْتَنِعًا عَلَيهِ الفِعْلُ بَلْ

مَا زَالَ فِعْلُ اللهِ ذَا إمْكانِ

901 - قال تعالى: {يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} [الرحمن: 29] قال ابن القيم رحمه الله بعد سياقه لهذه الآية: "يغفر ذنبًا، ويفرج كربًا، ويكشف غمًا، وينصر مظلومًا، ويأخذ ظالمًا، ويفك عانيًا، ويغني فقيرًا، ويجبر كسيرًا، ويشفي مريضًا، ويقيل عثرة، ويستر عورة، ويعز ذليلًا، ويذل عزيزًا، ويعطي سائلًا، ويذهب بدولة ويأتي بأخرى" أ. هـ. طريق الهجرتين ص 127.

902 -

يعني بالأمر: كلام الله تعالى، وبالتكوين: خلقه وفعله، وقد تقدم بيان ما في هذين الوصفين من صفات الكمال، راجع الأبيات: 724 وما بعده.

903 -

يعني رحمه الله أن الأمر والتكوين من صفات الله تعالى المستلزمة لظهور تأثيرها وهو الفعل، لأن وجود المؤثر التام مع عدم المانع من تأثيره وتمام الموجب لا يمكن معه إلا ظهور أثره وهو المفعول، والله سبحانه وتعالى لا شيء يمنعه من الفعل والتأثير. انظر درء التعارض 4/ 67 - 71.

907 -

ويقال كذلك لنفاة فعل الله تعالى: إن الله موصوف بتمام القدرة ونفوذ المشيئة والحياة الكاملة والعلم المحيط، وهي صفات ذاتية لله عز وجل، ووجودها يستلزم تمام الفعل ولا يحتاج الفاعل إلى غيرها من الصفات للقيام بالفعل، فلأي شيء تخلف الفعل مع وجود أركانه ومقوماته. انظر درء التعارض 2/ 243 - 244، 3/ 124 - 125.

908 -

هذا رد من الناظم على من قال: إن الله لم يكن فاعلًا ثم فعل، وهم =

ص: 263

909 -

واللَّهُ عَابَ المشْرِكِينَ بأنَّهُمْ

عَبَدُوا الحِجَارَةَ فِي رِضا الشَّيْطَانِ

910 -

وَنَعَى عَلَيْهِمْ كَوْنَهَا لَيْسَتْ بِخَا

لِقَةٍ وَليْسَتْ ذَاتَ نُطْقِ بَيَانِ

911 -

فأبَانَ أنَّ الفِعلَ والتَّكْلِيمَ مِنْ

أَوْثَانِهِم لَا شَكَّ مفْقُودَانِ

912 -

وإذَا هُمَا فُقِدَا فَمَا مَسْلُوبُهَا

بإلهِ حَقٍّ وَهْوَ ذُو بُطْلَانِ

913 -

واللهُ فَهْوَ إلهُ حَقٍّ دَائمًا

أَفَعَنْهُ ذَا الوَصْفَانِ مَسْلُوبَانِ

914 -

أَزَلًا وَلَيْسَ لفَقْدِهَا مِنْ غايةٍ

هَذَا المُحَالُ وأعظَمُ البُطْلَانِ

915 -

إنْ كَانَ رَبُّ الْعَرشِ حَقًّا لَمْ يَزَلْ

أبَدًا إلهَ الحقِّ ذَا سُلْطَانِ

916 -

فكذاكَ أيْضًا لَمْ يَزلْ متكلِّمًا

بَلْ فَاعِلًا مَا شَاءَ ذَا إحْسَانِ

917 -

واللهِ مَا فِي العَقْل مَا يَقْضِي لِذَا

بالرَّدِّ والإبْطَالِ والنُّكْرَانِ

918 -

بَلْ لَيْسَ فِي المعْقُولِ غَيرُ ثُبُوتِهِ

للخَالِقِ الأزَليِّ ذِي الإحْسَانِ

= الكرامية، ومن وافقهم من أهل الكلام، وقد تقدم الكلام على ذلك في الأبيات: 875 وما بعده.

910 -

قال تعالى: {أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ} [الأعراف: 191] وقال: {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ} [الفرقان: 3] وقال ناعيًا على الذين عبدوا العجل من قوم موسى: {أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا} [الأعراف: 148] وقد تقدم الكلام على ذلك في الأبيات: 879 وما بعده.

912 -

يعني رحمه الله: أن صفتي الفعل والتكليم إذا سلبتا من الإله لم يكن إلهًا حقًا لأن سلبهما نقص.

914 -

يعني رحمه الله: أن النفاة سلبوا الله تعالى صفتي الكلام والفعل أزلًا ولم يثبتوها له، ومعلوم أن الأزل لا نهاية له ولا غاية، ونفيهم هذا من أعظم الباطل فإن الله تعالى إله حق ومن كماله ثبوت هاتين الصفتين له. انظر درء تعارض العقل والنقل 2/ 243، 3/ 124، شرح الأصبهانية لشيخ الإسلام ابن تيمية ص 312.

918 -

تقدم الكلام على ثبوت صفات الكمال لله شرعًا وعقلًا وفطرة، انظر الأبيات: 901 وما بعده.

ص: 264

919 -

هَذَا وَمَا دُونَ المهَيْمنِ حَادِثٌ

لَيْسَ القَدِيمُ سِوَاهُ في الأكْوَانِ

920 -

واللهُ سَابِقُ كُلِّ شَيءٍ غَيْرِه

مَا رَبُّنَا والخَلْقُ مقْتَرِنَانِ

921 -

واللهُ كَانَ وَليْسَ شَىْءٌ غَيْرُهُ

سُبْحَانَهُ جَلَّ العظِيمُ الشَّانِ

922 -

لَسْنَا نَقُولُ كَمَا يَقُولُ المُلْحِدُ الزِّ

نْدِيقُ صَاحِبُ منْطِقِ اليُونَانِ

919 - المهيمن: من أسماء الله تعالى كما قال سبحانه: {الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ} [الحشر: 23] ومعنى المهيمن: الرقيب الحفيظ الشهيد على خلقه. انظر تفسير الطبري 6/ 172، تفسير ابن كثير 4/ 343، تفسير الأسماء للزجاج ص 32.

القديم: لم يثبت في شيء من النصوص تسمية الله تعالى بالقديم، ولكن يجوز إطلاق ذلك على الله تعالى من باب الخبر أي: أنه الأول المتقدم على غيره .. وهذا مراد الناظم رحمه الله بدليل أنه قابله بالحادث. انظر شرح العقيدة الطحاوية 1/ 75 - 78، درء التعارض 5/ 50.

- شرع الناظم رحمه الله في الرد على فريقين: الأول: الفلاسفة القائلون بقدم العالم. والفريق الثاني: القائلون بأن إثبات صفات أزلية لله تعالى يستلزم تعدد القدماء، وسيفصل الناظم رحمه الله الرد على هاتين الشبهتين في الفصل التالي. وانظر درء تعارض العقل والنقل 5/ 45 - 49.

920 -

عن عمران بن حصين رضي الله عنه: أن أهل اليمن قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: جئنا نسألك عن هذا الأمر، فقال:"كان الله ولم يكن شيء غيره" الحديث رواه البخاري 6/ 286 الفتح، كتاب بدء الخلق، باب ما جاء في قوله تعالى:{وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} .

- يعرض بقوله: "ما ربنا والخلق مقترنان" بالرد على ابن سينا وأتباعه من الفلاسفة القائلين بقدم العالم، وسيفصل ذلك فيما بعده من أبيات.

921 -

سيفصل الناظم رحمه الله الكلام على حدوث ما سوى الله وأول المخلوقات في الأبيات: 987 وما بعده، وانظر شرح العقيدة الطحاوية 1/ 111 - 116.

922 -

ويعني الناظم هنا: أننا عندما نقول: إن صفات الله تعالى وأفعاله أزلية لا نعني أن شيئًا غير الله تعالى أزلي أو مقارن له في الأزل كما يقول ذلك أرسطو وأتباعه من الفلاسفة الذين يرون أن العالم قديم أزلي لا أول له، =

ص: 265

923 -

بِدَوامِ هَذَا العَالَم المشْهُودِ والـ

أَرْوَاحِ فِي أزَلٍ وَليْسَ بفَانِ

924 -

هَذِي مَقَالَاتُ المَلاحِدَةِ الأُلى

كَفَرُوا بخَالِقِ هَذِهِ الأكْوَانِ

925 -

وَأتَى ابنُ سِينَا بَعْدَ ذَاكَ مُصانِعًا

للمسْلِمِينَ فقَالَ بالإمْكَانِ

926 -

لكنَّهُ الأَزَليُّ لَيْسَ بمُحْدَثٍ

مَا كَانَ معْدُومًا ولَا هُوَ فَانِ

927 -

وأتَى بِصُلْحٍ بَيْنَ طَائِفَتَيْنِ بَيْـ

ـنَهُمَا الحُرُوبُ ومَا هُمَا سِلْمَان

= وكما أنه قديم فهو باق ليس بفان. وسيتولى الناظم الرد عليهم في كل ذلك في الأبيات: 947، 956 وما بعده.

وانظر درء التعارض 1/ 122، 2/ 150 - 153، مجموع الفتاوى 5/ 539، تهافت الفلاسفة للغزالي ص 89 - 124، 125 - 132، رسالة في العقل والروح لشيخ الإسلام ابن تيمية ص 25 - 26 ضمن مجموعة الرسائل المنيرية، شرح حديث النزول ص 414.

925 -

تقدمت ترجمته في التعليق على البيت 94. وانظر البيتين: 486، 786.

أراد ابن سينا أن يوفق بين مذهب الفلاسفة القائل بقدم العالم وأزليته وبين مذهب أهل الحق القائل إن كل ما سوى الله تعالى مخلوق حادث، فقال: إن الوجود ينقسم إلى واجب وممكن، والممكن قد يكون قديمًا أزليًا لم يزل ولا يزال، يمتنع عدمه، وهو واجب بغيره، والفلك والعالم من هذا النوع، فخالف بذلك جميع العقلاء إذ كيف يكون الشيء ممكنًا يمكن أن يوجد وأن لا يوجد ثم مع ذلك يكون قديمًا أزليًا أبديًا ممتنع العدم واجب الوجود بغيره، فابن سينا وافق الفلاسفة في القول بأزلية العالم وقدمه، لكنه عبر بالإمكان ليتقرب بهذا اللفظ إلى المسلمين.

درء تعارض العقل والنقل 1/ 126، رسالة في العقل والروح لشيخ الإسلام ابن تيمية ص 25 - 26، تهافت الفلاسفة للغزالي 119 - 124، والإشارات والتنبيهات لابن سينا ج 3/ 485، وسيتولى الناظم رحمه الله الرد عليه في الأبيات 947 وما بعدها.

926 -

ب: "فليس".

ف: "وما هو".

ص: 266

928 -

أنَّى يكُونُ المسْلِمُونَ وَشيعَةُ الْـ

ـيُونَانِ صُلْحًا قَطُّ فِي الإيمَانِ؟

929 -

والسَّيْفُ بَيْنَ الأَنْبِيَاءِ وبَيْنَهُمْ

والحَرْبُ بَيْنَهُمُ فحَرْبُ عَوَانِ

930 -

وَلذا أتَى الطُّوسِيُّ بالحَرْبِ الصَّرِيـ

ـحِ بصَارِمٍ مِنهُ وسَلِّ لِسَانِ

928 - الشيعة: الجماعة والأتباع والأنصار.

"قط": ظرف لاستغراق الزمان الماضي، ولا يستعمل للحال والمستقبل. قال ابن هشام:"والعامة يقولون: لا أفعله قط، وهو لحن"(مغني اللبيب: 233 نشرة مازن المبارك). وقد ورد لغير الماضي في كلام الزمخشري -كما هنا في كلام الناظم- فقال أبو حيان في البحر: "وكثر استعمال الزمخشري "قط" ظرفًا والعامل فيه غير ماض. وهو مخالف. لكلام العرب في ذلك (8/ 423 ط / دار الفكر 1413 هـ). وقد تكرر هذا الإستعمال في المنظومة. انظر مثلًا الأبيات: 957، 1238، 1600، 1797، 2871. (ص) ".

929 -

العَوانُ: المرأة الثيب، ومن ذلك قيل للحرب التي قوتل فيها مرة بعد أخرى:"حربٌ عوانٌ". قال الشاعر:

حربًا عوانًا لقِحت عن حُولَلِ

وأنشد ابن بري لأبي جهل:

ما تنقِم الحربُ العوانُ منّي؟

اللسان (عون 13/ 299). فتبين أن "الحرب العوان" تركيب وصفي، لا إضافي كما جاء في بيت الناظم رحمه الله (ص).

930 -

كذا في الأصل وف. وفي غيرهما: "وكذا أتى".

- تقدمت ترجمة الطوسي في التعليق على البيت 487.

الصارم: السيف القاطع، وسلّ السيف من غمده: أخرجه برفق. يعني: أن الطوسي سلّ سيفه ولسانه جميعًا لمحاربة المسلمين. وفي نسخة ف: "أسل لسان". والأسَل بفتح السين: الرماح والنبل، والأسَلة: طرف السنان واللسان. فإن لم يكن ما جاء في ف خطأ من الناسخ وجب إسكان السين للضرورة. (ص).

- ولد الطوسي في مدينة طوس الإيرانية سنة 597 هـ وخرج منها إلى نيسابور، ودرس فيها ثم عاد إلى طوس وعمل وزيرًا للإسماعيلية زهاء 28 =

ص: 267

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= سنة. وأثناء وزارته كاتب المغول سرًّا سنة 650 هـ حتى كان توسع المغول لإخضاع البلاد الغربية، فاجتاحوا قلاع الإسماعيلية (الألموت) بقيادة هولاكو سنة 654 هـ، فمال الطوسي إليهم، وساعدهم في الانتصار، فحظي عندهم، وصار وزيرًا لهولاكو حتى احتوى على عقله، فكان لا يركب ولا يسافر إلا في وقت يأمره به الطوسي. وقد كان التتار تهيبوا من اجتياح بغداد وكان المنجمون يحذرون هولاكو من عاقبة ذلك، لكن الطوسي شجعه وأمنه وما زال به حتى انطلق هولاكو ومعه الطوسي والأمراء والوزراء وجند كثير إلى بغداد سنة 656 هـ، وكان الخليفة في بغداد هو المستعصم بالله، وكان قد ركن إلى وزيره ابن العلقمي وهو شيعي رافضي خبيث، وكان ابن العلقمي حاقدًا على أهل السنة بسبب مذهبه الباطني وبسبب ما وقع بين أهل السنة والرافضة في بغداد سنة 655 هـ من حرب أصاب الرافضة على إثرها خزي وأذى. فأشار ابن العلقمي على الخليفة أن يسرح الجند ويلغي إقطاعاتهم فأطاعه الخليفة وسرح الجند ولم يبق منهم إلا عشرة آلاف وقد كانوا مائة ألف حتى رُئي كثير منهم يسألون الناس في الأسواق وأبواب المساجد، ولما أقبل التتار إلى بغداد كان أول من برَز إليهم هذا الرافضي الخبيث ابن العلقمي، فاجتمع بهولاكو واستوثق لنفسه ولمن أراد، ثم رجع إلى الخليفة وقال: إن الملك قد رغب أن يزوج ابنته من ابنك أبي بكر ويبقيك في الخلافة فاخرج إليه، فخرج الخليفة في سبعمائة راكب من العلماء والفقهاء والأمراء فقتلهم هولاكو عن آخرهم، وقتل الخليفة رفسًا بالأقدام -وقيل: خنقًا- بتشجيع الطوسي وإشارته. ثم اجتاح التتار بغداد في يوم الاثنين الحادي عشر من محرم سنة 656 هـ وما زالوا يقتلون كل من وقفوا عليه من الجند وعامة الناس وكان الطوسي يشرف على قتل الناس بنفسه ويشجع جند التتار على ذلك، ووقعت بالناس مقتلة عظيمة وكان الرجل يذبح أمام نسائه وبناته كما تذبح الشاة ثم يختار التتار من شاؤوا من نسائه ويذبحون الباقي، وقتل الخطباء والأئمة وحملة القرآن وتعطلت المساجد والجماعات والجمعات، ولم ينج من القتل إلا من كان يستثنيه =

ص: 268

931 -

وأتَى إلى الإِسْلَام يهْدِمُ أصْلَهُ

مِنْ أُسِّهِ وقواعِدِ البُنْيَانِ

932 -

عَمَرَ المدَارِسَ للفَلاسِفَةِ الأُلَى

كَفَرُوا بِدِين الله والقُرآنِ

933 -

وأَتَى إِلى أوْقَافِ أهْلِ الدِّينِ ينْـ

ـقُلُهَا إليْهم فِعْلَ ذِي أضغانِ

934 -

وأرَادَ تَحْوِيلَ الإِشَارَات التي

هِيَ لابْنِ سِينَا مَوْضِعَ الفُرْقَانِ

= الطوسي أو ابن العلقمي من الرافضة والفلاسفة والمنجمين والسحرة لأجل أن يخدموا هولاكو. ولما انقضت أربعون يومًا بقيت بغداد خاوية والقتلى في الطرقات كأنهم التلول، وقد تغيرت الجيف، وفسد الهواء حتى مات خلق كثير في الشام من سريان الهواء إليهم وانتقال الأوبئة بالرياح، فاجتمع على الناس الغلاء والوباء والفناء والطعن والطاعون. ولما نودي ببغداد بالأمان خرج من كان مختبئًا تحت الأرض في المطامير والمقابر كأنهم موتى نشروا من قبورهم وقد أنكر بعضهم بعضًا، فلم يلبثوا أن أخذهم الوباء فتفانوا ولحقوا بمن مضى. واجتمعوا تحت الثرى بأمر الذي يعلم السر وأخفى، الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى، فإنا لله وإنا إليه راجعون.

انظر: البداية والنهاية 13/ 213 - 217، شذرات الذهب لابن العماد 5/ 339 - 340، نصير الدين الطوسي للدكتور عبد الأمير الأعسم ص 11 - 23، تاريخ العراق في العصر العباسي الأخير للدكتور بدري فهد ص 93، مقال بعنوان "دور الطوسي في الغزو المغولي لبغداد" للدكتور محمد جاسم المشهداني في مجلة المؤرخ العربي العدد 37 السنة الرابعة عشرة 1409 هـ تصدر عن الأمانة العامة لاتحاد المؤرخين العرب بغداد.

931 -

س: "من رأسه".

933 -

"أهل" سقطت من ب.

934 -

يعني: "الإشارات والتنبيهات" لابن سينا. انظر البيت: 492.

الفرقان: القرآن العزيز، وقد شرح الطوسي كتاب الإشارات والتنبيهات في ثلاثة أجزاء كبار وعظمه ونشره بين الناس وعلمهم إياه، انظر إغاثة اللهفان 2/ 267، وراجع ما سبق في التعليق على البيت 487.

ص: 269

935 -

وَأرَادَ تَحْوِيلَ الشَّرِيعَةِ بالنَّوَا

مِيسِ التِي كانتْ لدى اليُونَانِ

936 -

لَكِنَّه عَلِمَ اللَّعِينُ بأنَّ هَـ

ـذَا لَيْسَ فِي المقْدُورِ والإِمْكانِ

937 -

إلَّا إذَا قَتَل الخلِيفَةَ والقُضَا

ةَ وسَائِرَ الفُقَهَاءِ فِي البُلْدَانِ

938 -

فَسَعَى لِذَاكَ وَسَاعَدَ المقْدُورُ بالْـ

أمْرِ الَّذِي هُوَ حِكْمَةُ الرحْمنِ

939 -

فأشَارَ أنْ يَضَعَ التَّتَارُ سُيُوفَهُمْ

فِي عَسْكَرِ الإيمَانِ والقُرْآنِ

940 -

لَكِنَّهُمْ يُبْقُونَ أَهْلَ صَنائِعِ الدُّ

نْيَا لأجْلِ مَصالحِ الأَبْدَانِ

941 -

فَغَدَا عَلَى سَيْفِ التَّتَارِ الألفُ فِي

مِثْلٍ لَهَا مَضْرُوبَةً بِوِزَانِ

942 -

وَكَذَا ثَمَانِ مِئِينِهَا فِي أَلْفِهَا

مَضْرُوبَةً بالعَدِّ والحُسْبَانِ

943 -

حَتَّى بَكَى الإسْلامَ أعدَاهُ اليَهُو

دُ كَذَا المجوسُ وَعَابِدوُ الصُّلْبَانِ

935 - يعني: أنظمة اليونان وقوانينهم.

938 -

أي: سعى لتحقيق ما أراده من قتل المسلمين وساعد على تحقيق غرضه موافقة الأقدار له لحكمة أرادها الله تعالى وهو سبحانه لا يسأل عما يفعل وهم يسألون.

939 -

ف: "وأشار".

- س: "القرآن والإيمان".

941 -

ب: "مصر لها"، ولعله تحريف سماعي (ص).

942 -

ف: "في العدّ".

- وقد ذكر جمع من المؤرخين أن عدد من قتل من المسلمين في سقوط بغداد بلغ ألف ألف وثمانمائة ألف (أي مليون وثمانمائة ألف). مرآة الجنان لليافعي 4/ 137، العبر للذهبي 3/ 378، البداية والنهاية لابن كثير 13/ 202، شذرات الذهب لابن العماد 5/ 271، وذكر العصامي في:"سمط النجوم العوالي" 3/ 386 أن: القتلى بلغوا ثلاثمائة وسبعين ألفًا. وانظر خطط بغداد في العهود العباسية الأولى، د. يعقوب لينسر، ترجمة: د. صالح أحمد العلي ص 274 وما بعدها.

943 -

"أعداه": أعداؤه، حذفت الهمزة للضرورة.

ص: 270

944 -

فشَفَى اللَّعينُ النَّفْسَ مِنْ حِزْبِ الرَّسُو

لِ وَعَسْكَرِ الإِيمَانِ والقُرْآنِ

945 -

وَبِوُدِّهِ لَوْ كَانَ فِي أحُدٍ وَقَدْ

شَهدَ الوَقيعَةَ مَعْ أبي سُفْيَانِ

946 -

لأقَرَّ أعْيُنَهُمْ وأوْفَى نَذْرَهُ

أَوْ أَنْ يُرَى مُتَمزِّقَ اللُّحْمَانِ

947 -

وَشَوَاهدُ الإحْدَاثِ ظَاهِرَةٌ عَلَى

ذَا العَالَمِ المخْلُوقِ بالبُرْهَانِ

948 -

وأَدِلَّةُ التَّوحِيدِ تَشْهَدُ كُلُّهَا

بحُدُوثِ كُلٍّ مَا سِوَى الرحْمنِ

949 -

لَوْ كَانَ غيرُ اللهِ جل جلاله

مَعَهُ قَدِيمًا كَانَ ربًّا ثَاني

950 -

أو كَانَ عَنْ رَبِّ العُلى مُسْتَغْنيًا

فيكونُ حِينَئِذٍ لَنَا ربَّانِ

951 -

والرَّبُّ باسْتِقْلَالِهِ متَوحِّدٌ

أفَممْكِنٌ أنْ يَسْتَقِلَّ اثْنَانِ؟

947 - هذا عود من الناظم رحمه الله إلى الرد على الفلاسفة القائلين بقدم العالم فقال: إن الشواهد الدالة على حدوث هذا العالم ظاهرة عليه، فالموت والولادة والزلازل والأمطار كلّها دالة على أن هذا العالم مخلوق حادث.

949 -

قال ابن القيم رحمه الله عند كلامه على قوله تعالى: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ (91)} [المؤمنون: 91]: "تأمل هذا البرهان فالإله الحق لا بد أن يكون خالقًا فاعلًا، فلو كان معه سبحانه إله فلا بد من أحد أمور ثلاثة: إما أن يذهب كل إله بخلقه وسلطانه، وإما أن يعلو بعضهم على بعض، وإما أن يكونوا كلهم تحت قهر إله واحد يتصرف فيهم ولا يتصرفون فيه، فيكون وحده هو الإله الحق وهم مقهورون. وانتظام أمر العالم من أدل دليل على أن مدبره واحد لا إله غيره، كما دل دليل التمانع على أن خالقه واحد لا رب له غيره" أ. هـ. ملخصًا من الصواعق المرسلة ج 2/ 463 - 464، وانظر درء تعارض العقل والنقل 9/ 336 وما بعدها، الكشف عن مناهج الأدلة في عقائد الملة لابن رشد ص 65 - 66 وهو مطبوع ضمن كتاب فلسفة ابن رشد، رسالة إلى أهل الثغر للأشعري ص 156، اللمع في الرد على أهل الزيغ والبدع للأشعري ص 21 - 22.

950 -

ب، ط:"إذ كان"، تحريف.

ص: 271

952 -

لَوْ كَانَ ذَاكَ تَنَافَيا وتَسَاقَطا

فإذَا هُمَا عَدَمَانِ مُمْتَنِعَانِ

953 -

والقَهْرُ والتَّوحِيدُ يشْهَدُ مِنْهُمَا

كُلٌّ لِصَاحِبِه هُمَا عِدْلَانِ

954 -

ولِذَلِكَ اقْتَرَنَا جَمِيعًا فِي صِفَا

تِ اللهِ فانْظُرْ ذَاكَ فِي القُرْآنِ

955 -

فَالوَاحِدُ القَهَّارُ حَقًّا لَيْسَ فِي الْـ

إمْكَانِ أنْ تَحْظَى بِهِ ذَاتَانِ

* * *

فصلٌ في اعتراضِهمْ على القولِ بدوامِ فاعليَّةِ الرَّبِّ

(1)

وكلامِهِ والانفصالِ عنْهُ

956 -

فَلَئِنْ زَعَمْتُمْ أنَّ ذَاكَ تَسَلْسُلٌ

قُلْنا صَدقْتُمْ وَهْو ذو إمْكَانِ

952 - ف: "تنافيا وتناقضا".

954 -

جاء ذلك في آيات عدة منها قوله تعالى: {قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} [الرعد: 16] وقوله: {سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} [الزمر: 4].

(1)

ما عدا الأصل وف: "الرب تعالى".

956 -

يجيب الناظم رحمه الله في هذا الفصل عن شبهة أخرى للمتكلمين النافين اتصاف الله بالفعل والكلام أزلًا وهي قولهم: إن إثبات ذلك يستلزم التسلسل في الماضي. والتسلسل: ترتيب أمر على أمر إلى غير نهاية، وهو نوعان: الأول: التسلسل في الفاعلين والمؤثرات بأن يكون للفاعل فاعل وللفاعل فاعل إلى ما لا نهاية، وهذا متفق على امتناعه بين العقلاء.

والثاني: التسلسل في الآثار بأن يكون الحادث الثاني موقوفًا على حادث قبله وذلك الحادث موقوفًا على حادث قبل ذلك وهلم جرًّا، فهذا في جوازه قولان مشهوران للعقلاء، وأئمةُ السنة والحديث وكثير من النظار والفلاسفة يجوزونه. التعريفات للجرجاني ص 84، درء تعارض العقل والنقل 1/ 321، 2/ 261 - 288، 342 - 399، كشاف اصطلاحات الفنون 3/ 689، وانظر البيتين: 436، 876.

ص: 272

957 -

كتَسَلْسُلِ التَّأثيرِ في مسْتَقْبَلٍ

هَلْ بينَ ذَيْنِكَ قطُّ مِنْ فُرْقَانِ؟

958 -

واللهِ مَا افْتَرَقَا لِذِي عَقْلٍ وَلا

نَقْلٍ وَلَا نَظَرٍ وَلَا بُرْهَانِ

959 -

في سَلْبِ إمكَانٍ وَلَا فِي ضِدِّه

هَذِي العُقُولُ ونَحْنُ ذُو أذهَانِ

960 -

فلْيَأتِ بالفُرْقَانِ مَنْ هُوَ فَارِقٌ

فَرْقًا يَبِينُ لِصالحِ الأذْهَانِ

961 -

وَلذاك سَوَّى الجَهْمُ بَيْنَهُما كَذَا الْـ

ـعَلَّافُ فِي الإنكَارِ والبُطْلان

962 -

وَلأَجْلِ ذَا حَكَمَا بحُكْمٍ باطِلٍ

قَطْعًا عَلَى الجَنَّاتِ والنِّيرَانِ

959 - احتج الناظم رحمه الله على هؤلاء النفاة أنهم فرقوا بين متماثلين وهما التسلسل في الماضي والتسلسل في المستقبل فإنهم نفوا الأول وأثبتوا الثاني، ولا وجه لهذا التفريق نقلًا ولا عقلًا، إذ هما متماثلان في الحكم والإمكان. فيلزم المتكلم في أحدهما ما يلزمه في الآخر. انظر شرح الأصبهانية لابن تيمية ص 268 - 269، الإرشاد للجويني ص 44.

- "ذو أذهان": "ذو" للمفرد، كما مرّ آنفًا في قوله:"وهو ذو إمكان"(956). وجمعه: "ذوو" و"أولو"، وكلاهما ورد في كلام الناظم نحو "هم ذوو العرفان"(3594) و"أولو الأذهان"(1146). ولكن هنا استعمل الناظم "ذو" في موقع الجمع، فقال:"نحن ذو أذهان"، وكذا في البيتين: 1390، 2873. وانظر الأبيات: 3015 (نحن ذو الوجد)، 4162 (نحن ذو خسران)، 5516 (نحن ذو رضوان). (ص).

961 -

س، ح، ط:"وكذاك سوّى"، تحريف.

- تقدمت ترجمة الجهم في التعليق على البيت 40.

- تقدمت ترجمة العلّاف في التعليق على البيت 78.

- الجهم بن صفوان وأبو الهذيل العلاف قالا بامتناع تسلسل الحوادث والآثار في الماضي والمستقبل وجعلا الرب تعالى معطلًّا عن الفعل والكلام في الأزل والأبد. لذا حكم الجهم بالفناء على الجنة والنار وحكم أبو الهذيل بفناء حركات أهلهما. كما تقدم في الأبيات 76 وما بعده.

انظر شرح الأصبهانية لشيخ الإسلام ابن تيمية ص 139، 268.

ص: 273

963 -

فالجَهْمُ أفْنَى الذَّاتَ والعَلَّافُ لِلْـ

ـحَركَاتِ أفنَى قَالَهُ الثَّوْرَانِ

964 -

وَأبُو عَليٍّ وابْنُهُ والأشْعَريُّ م

وبعْدَهُ ابنُ الطَّيِّبِ الرَّبَّانِي

963 - يعني بالثورين: الجهم والعلاف، وقد تقدم تفصيل مذهبهما في الجنة والنار. في الأبيات 76 وما بعده. وانظر ما سيأتي في فصل خلود أهل الجنة فيها

(البيت 5570 وما بعده).

964 -

أبو علي: محمد بن عبد الوهاب بن سلام الجبائي أبو علي شيخ المعتزلة، وإليه تنسب فرقة الجبائية، أخذ عن أبي يعقوب الشحام، وأخذ عنه ابنه أبو هاشم. له مصنفات منها كتاب الأصول والتفسير الكبير، توفي سنة 303 هـ. سير أعلام النبلاء 14/ 183، طبقات المفسرين للسيوطي ص 103، الأعلام 6/ 256. وانظر مذهب المعتزلة في مسألة تسلسل الحوادث في شرح الأصول الخمسة للقاضي عبد الجبار الهمذاني المعتزلي ص 110 - 117. وسيأتي سياق مذهبهم بإيجاز في التعليق على البيت 966.

أبو هاشم: عبد السلام بن محمد بن عبد الوهاب الجبائي شيخ المعتزلة، قال الذهبي: ما روى شيئًا، له آراء انفرد بها اهـ، وتبعته فرقة سميت "البهشمية" نسبة إلى كنيته أبي هاشم، توفي سنة 321 هـ. ميزان الاعتدال 2/ 618، لسان الميزان 4/ 16، الأعلام 4/ 7.

الأشعري: علي بن إسماعيل بن إسحاق الأشعري اليماني البصري أبو الحسن، من نسل الصحابي الجليل أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، كان من أئمة المتكلمين، أخذ عن أبي علي الجبائي وسهل بن نوح وطبقتهما. وأخذ عنه أبو الحسن الباهلي وأبو الحسن الكرماني وأبو زيد الهروي وغيرهم. برع في مذهب الاعتزال ثم تبرأ منه وأخذ يرد على المعتزلة، وتابع ابن كلاب، وكانت له آراء مستقلة، نشأ عنها المذهب الأشعري المعروف. وفي آخر حياته رجع عن كثير من أقوال ابن كلاب إلى قول السلف. وأوضح ذلك في آخر مصنفاته (الإبانة في أصول الديانة) ومن مصنفاته أيضًا "مقالات الإسلاميين" وهو أشهرها، ولد سنة 260 هـ وتوفي سنة 324 هـ.

سير أعلام النبلاء 15/ 85، الأعلام 4/ 263، طبقات الشافعية للسبكي =

ص: 274

965 -

وَجَمِيعُ أرْبَابِ الكلامِ الباطِلِ الْـ

ـمذمُومِ عندَ أئمَّةِ الإيمانِ

966 -

فَرَقُوا وقَالُوا ذَاكَ فِيمَا لَمْ يَزَلْ

حَقٌّ وفِي أزلٍ بلَا إمْكَانِ

967 -

قَالُوا: لأجْلِ تَنَاقُضِ الأزَلِيِّ والْـ

إحْدَاثِ مَا هَذَانِ يَجْتَمعَانِ

= 3/ 347 - 444، الديباج المذهب لابن فرحون 2/ 94، تبيين كذب المفتري فيما نسب إلى الإمام الأشعري لابن عساكر. موقف ابن تيمية من الأشاعرة ص 356 - 469. وانظر كلام الأشعري الذي يشير إليه الناظم مطولًا في مقالات الإسلاميين 1/ 255 - 264 وسيأتي في التعليق على البيت 966 سياق معناه مختصرًا.

أبو بكر الباقلاني: القاضي محمد بن الطيب بن محمد بن جعفر الباقلاني، من كبار علماء الكلام، سمع أبا بكر أحمد بن جعفر القطيعي وأبا محمد بن ماسي وغيرهما، وخرج له أبو الفتوح بن أبي الفوارس وغيره. من كتبه إعجاز القرآن، والإنصاف، توفي سنة 403 هـ. سير أعلام النبلاء 17/ 19، الأعلام 6/ 176. وانظر كلام الباقلاني الذي يشير إليه الناظم -مطولًا- في التمهيد ص 41 - 44، وسيأتي في التعليق التالي سياق معناه مختصرًا.

966 -

فرَّق أهل الكلام بين تسلسل الحوادث في الأزل (الماضي) وتسلسلها فيما لم يزل (المستقبل) فمنعوه في الماضي وجوّزوه في المستقبل وشبهتهم في ذلك: أن الدليل قام على حدوث جميع العالم فقالوا إن القول بتسلسل الحوادث أزلًا معناه: القول بقدم العالم، والقدم والحدوث لا يجتمعان ودوام الفعل في الماضي يستلزم قدم المفعول وإذا أثبتنا قدم شيء غير الله وقعنا في المحذور، أما تسلسل الحوادث في المستقبل فهو جائز، وقد بيّن الناظم شبهتهم فيما يأتي من أبيات.

مقالات الإسلاميين 1/ 255، 264، الفرق بين الفرق ص 206، الملل والنحل للشهرستاني 1/ 69 - 70، درء تعارض العقل والنقل 2/ 261 - 288، 3/ 158، الإرشاد للجويني ص 45 - 47، تهافت الفلاسفة ص 130 - 131، شرح الأصبهانية لشيخ الإسلام ص 268، التمهيد للباقلاني 41 - 44، شرح الأصول الخمسة ص 110 - 117.

967 -

هذا البيت ساقط من نشرة الأستاذ عبد الله بن محمد العمير (ص).

ص: 275

968 -

لَكِنْ دَوامُ الفعلِ في مستَقْبلٍ

مَا فِيهِ مَحْذُورٌ مِن النُّكْرانِ

969 -

فَانْظُرْ إِلَى التلْبيسِ فِي ذَا الفَرْقِ تَرْ

وِيجًا عَلَى العُورَانِ والعُمْيانِ

970 -

مَا قَالَ ذُو عَقْل بأنَّ الفَرْدَ ذُو

أزَلٍ لِذي ذِهنٍ ولا أعيَانِ

971 -

بَلْ كلُّ فَرْدٍ فَهْوَ مسبُوقٌ بفَرْ

دٍ قبلَهُ أبدًا بِلَا حُسْبَانِ

972 -

وَنظيرُ هذَا كلُّ فرْدٍ فهْوَ ملـ

ـحوقٌ بفرْدٍ بعدَهُ حُكْمانِ

968 - في هذا البيت والذي قبله بيّن الناظم رحمه الله شبهتهم وهي أنهم قالوا: قد قام الدليل على حدوث العالم وحدوث جميع أجزائه، والقول بتسلسل الحوادث في الماضي بلا بداية معناه: القول بقدم العالم، وإذا قلنا بحدوث العالم وبجواز التسلسل في الماضي نكون قد جمعنا بين نقيضين، لذا منعوا دوام الحوادث والفعل في الماضي لما يلزمه من قدم المفعول، أما تسلسل الحوادث ودوام الفعل في المستقبل إلى غير نهاية فهذا لا محذور فيه، وسيرد الناظم على شبهتهم فيما يأتي من أبيات. انظر المراجع السابقة.

969 -

التلبيس: التخليط والتدليس، القاموس:738.

970 -

شرع الناظم رحمه الله في الرد على شبهة المتكلمين في التفريق بين تسلسل الحوادث في الماضي وتسلسلها في المستقبل فقال: إن جميع العقلاء وإن قالوا بالتسلسل في الماضي والمستقبل فإنهم لا يقولون إن شيئًا من أفراد المخلوقات قديم بل يقولون: إن كل فرد فهو حادث مسبوق بفرد قبله بلا بداية وملحوق بفرد بعده بلا نهاية، فآحاد المخلوقات لها بداية ونهاية. أما النوع (الجنس) فهو مستمر أزلًا وأبدًا بلا ابتداء ولا انتهاء، وهذا جائز فقد قال تعالى:{إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ (54)} [ص: 54] وقال: {أُكُلُهَا دَائِمٌ} [الرعد: 35] فالدائم والذي لا نفاد له هو النوع (أي: جنس الرزق والأكل) لا كل واحد من أعيان الرزق والمأكولات.

درء تعارض العقل والنقل 3/ 56 - 62، 193، 298، شرح الأصبهانية لابن تيمية ص 311.

972 -

يعني بالحكمين: الحكم الأول: حكم للنوع، والثاني: حكم للآحاد، وسيبينهما في البيت بعده.

ص: 276

973 -

لِلنَّوعِ والآحادِ مسبوقٌ وملـ

ـحوقٌ وكلٌّ فَهْوَ منْهَا فَانِ

974 -

والنَّوْعُ لَا يَفْنى أخيرًا فَهْوَ لَا

يفنَى كذلِكَ أولًا ببيَانِ

975 -

وتعاقُبُ الآناتِ أمرٌ ثابتٌ

فِي الذهنِ وهْوَ كذاكَ في الأعيَانِ

976 -

فإِذا أبَيْتُمْ ذَا وقلْتُم أوّلُ الـ

آناتِ مُفْتَتَحٌ بِلَا نُكْرَانِ

977 -

مَا كَانَ ذَاكَ الآنُ مسْبوقًا يُرَى

إلَّا بسلْبِ وجُودِهِ الحقّانِي

978 -

فيقالُ ما تعنُونَ بالآناتِ هَلْ

تعنُونَ مدَّةَ هذِهِ الأزمَانِ

973 - ط: "النوع".

974 -

يعني أن النوع ليس له بداية ولا نهاية ومثال النوع: ما جاء في قوله تعالى: {إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ (54)} [ص: 54]، فنوع الرزق لم يزل ولا يزال، والله لم يزل ولا يزال يرزق لأن هذا من تمام كماله سبحانه، أما آحاد الرزق وأفراده فلها بداية ونهاية وقد تقدم تفصيل ذلك في التعليق على البيت 970.

975 -

الآنات: جمع آن وهو الحين من الزمان كأوان وأوانات، اللسان 13/ 40.

تسلسل الأعيان وتعاقبها في الماضي والمستقبل جائز ولا محذور فيه وهو كتعاقب الأزمنة فما من زمان إلا وهو مسبوق بزمان قبله وملحوق بزمان بعده إلى غير غاية، فليس هناك أول لهذه الأزمنة ولا نهاية، ولكن كل جزء زمان له بداية ونهاية لأنه واقع بين زمانين.

انظر درء تعارض العقل والنقل 3/ 297، المطالب العالية للرازي 5/ 69 وما بعدها، شرح المقاصد لسعد الدين التفتازاني 2/ 180 وما بعدها.

976 -

لما قاس الناظم رحمه الله تسلسل الحوادث في الماضي والمستقبل بلا بداية ولا نهاية بتعاقب آنات الزمان اعترض أهل الكلام على هذا القياس وقالوا: إن الآنات لها بداية، وأول الآنات لم يسبق بآن قبله وإنما سبق بعدم وجود، قالوا: وبذلك يثبت منع التسلسل في الماضي مطلقًا، وسيأتي رد الناظم عليهم فيما يأتي من أبيات، انظر المراجع السابقة.

تنبيه: عرض الرازي في المطالب العالية مبحث الزمان وتوسع في عرض الأقوال فيه، ونصر مذهب من قال بتسلسل الأعيان من اثني عشر وجهًا. انظر المطالب العالية 5/ 9 - 19.

ص: 277

979 -

مِنْ حِينِ إحداثِ السَّمواتِ العُلَى

والأرضِ والأفلاكِ والقمَرَانِ؟

980 -

ونظنُّكُمْ تعنُونَ ذاكَ ولم يكُنْ

من قبلِهَا شيءٌ مِنَ الأكوانِ

981 -

هلْ جاءكم في ذاكَ مِن أثرٍ ومِنْ

نصٍّ ومِن نظرٍ ومن برْهَانِ؟

982 -

هذا الكتَابُ وهذه الآثارُ والْـ

ـمعقولُ في الفطْراتِ والأذْهَانِ

983 -

إنَّا نحَاكِمُكُمْ إِلى ما شِئْتُمُ

مِنهَا فَحُكمُ الحَقِّ ذُو تِبْيَانِ

984 -

أَوَ لَيسَ خَلْقُ الكَونِ في الأيَّامِ كَا

نَ وذاكَ مأْخُوذٌ منَ القُرْآنِ؟

979 - "القمرانِ": في حالة الجرّ، على لغة من يلزم المثنّى الألفَ دائمًا. انظر ما سلف في البيت 200 (ص).

980 -

لما منع الخصوم التسلسل في الآنات والأزمنة سألهم الناظم: ماذا تعنون بالآنات هل تعنون بها مدة الأزمنة الكائنة منذ خلق السموات والأرض؟ ولا نظنكم تعنون بالزمان إلا ذلك، بدليل أنكم تقيسون الزمان بحركة الأفلاك ثم أنتم قد قررتم أنه لم يكن قبل خلق السموات والأرض شيء من المخلوقات وأثبتم بذلك وجود أول للآنات، وهذا كله لا دليل عليه، فمن أين لكم أن خلق السموات والأرض لم يسبقه خلق؟ بل قد سبقه خلق، كما سيبين الناظم فيما يأتي من أبيات.

انظر درء تعارض العقل والنقل 3/ 290 - 300، المواقف في علم الكلام لعبد الرحمن الإيجي ص 110 - 112، المطالب العالية للرازي 5/ 15.

983 -

طه: "فكل الحق". وفي طت، طع:"في تبيان".

984 -

يدل على أن خلق السموات والأرض سبقه خلق دليلان: الأول: أن الله تعالى أخبر أنه خلقها في ستة أيام، قال تعالى:{وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} [هود: 7]، فتلك الأيام كانت موجودة قبل خلق السموات والأرض، والثاني: أنه قد ثبت في السنة أن خلق العرش والقلم كان قبل خلق السموات والأرض، وسيأتي هذا الوجه في كلام الناظم. انظر الأبيات: 987 وما بعده.

ص: 278

985 -

أَوَ ليْسَ ذَلكُمُ الزَّمَانُ بِمُدّةٍ

لِحدُوثِ شَيءٍ وهْوَ عَينُ زَمَانِ؟

986 -

فحقِيقَةُ الأزمَانِ نسْبَةُ حادِثٍ

لسِوَاه تلكَ حقيقَةُ الأزْمانِ

987 -

واذكُرْ حديثَ السَّبقِ للتقديرِ والتَّـ

ـوقيتِ قبلَ جميعِ ذِي الأعيَانِ

988 -

خَمْسينَ ألفًا منْ سِنينٍ عدَّهَا الْـ

ـمخْتَارُ سابقَةً لذِي الأكْوانِ

989 -

هذَا وعرشُ الرَّبِّ فوقَ الماءِ مِنْ

قَبلِ السِّنِينَ بمُدّةٍ وزمَانِ

990 -

والنَّاسُ مختَلِفُونَ في القَلَمِ الَّذِي

كُتِبَ القَضَاءُ بِهِ من الدَّيَّانِ

991 -

هَلْ كَانَ قبلَ العرشِ أو هو بعدَهُ؟

قولَانِ عندَ أبِي العَلَا الهَمَذانِي

985 - كذا في الأصل، ف، ط. وفي غيرها:"كحدوث شيء".

- الأيام التي خلق الله فيها السموات والأرض لم تقدر بسير الشمس والقمر لأنهما لم يكونا موجودين أصلًا وإنما قدرت بغير ذلك. انظر شرح هراس على النونية 1/ 177.

986 -

يعني: أنه يمكن تقدير الزمان وإن لم توجد الأفلاك من شمس وقمر وغيرها، فإن حقيقة الزمان ليست هي دوران الفلك وإنما هي نسبة حادث لحادث، وقد تقدم بيان ذلك في البيت 975.

987 -

يشير إلى ما جاء عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، قال: وعرشه على الماء" رواه مسلم، كتاب القدر، باب احتجاج آدم وموسى عليهما السلام ج 16/ 203 نووي، والترمذي في القدر، باب 18، حديث 2157.

989 -

قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} [هود: 7] وفيه أيضًا الحديث المتقدم في التعليق السابق.

991 -

تقدم تعريف العرش في التعليق على البيت 41.

أبو العلاء الهمذاني: هو شيخ الإسلام الحسن بن أحمد بن الحسن بن أحمد بن محمد بن سهل الهمذاني العطار، شيخ همذان، ولد سنة 488 هـ، كان حافظًا متقنًا مقرئًا له سيرة حسنة، ومن تصانيفه:"زاد المسافر" في =

ص: 279

992 -

والحقُّ أنَّ العرشَ قبلُ لأنَّهُ

قَبْلَ الكتابةِ كانَ ذَا أركَانِ

993 -

وكتَابةُ القلمِ الشريفِ تعقّبتْ

إيجادَهُ من غيرِ فصْلِ زَمانِ

994 -

لَمَّا بَراه الله قالَ اكْتُبْ كَذَا

فغدَا بأمر اللهِ ذَا جرَيانِ

995 -

فَجَرَى بما هُو كائنٌ أبدًا إلَى

يومِ المعَادِ بقدْرةِ الرَّحْمنِ

996 -

أفكانَ ربُّ العرشِ جل جلاله

من قبْلُ ذَا عجزٍ وذَا نُقْصَانِ؟

997 -

أمْ لمْ يزَلْ ذا قُدرةٍ والفعلُ مَقْـ

ـدورٌ له أبدًا وذو إمكَانِ؟

998 -

فَلئِنْ سَأَلْتَ وقُلتَ ما هَذَا الَّذِي

أدَّاهُمُ لخلافِ ذَا التّبيَانِ؟

999 -

ولأيِّ شَيءٍ لمْ يقولُوا إنَّهُ

سبْحانَهُ هو دائِمُ الإحسَانِ؟

= خمسين مجلدًا. توفي سنة 569 هـ. سير أعلام النبلاء 21/ 40، غاية النهاية للجزري 1/ 204.

- نقل عنه القولين في أول المخلوقات شيخ الإسلام ابن تيمية فقال: "وقد تكلم علماء المسلمين من الصحابة والتابعين ومن بعدهم في أول هذه المخلوقات، على قولين حكاهما الحافظ أبو العلاء الهمذاني وغيره، أحدهما: أنه هو العرش، والثاني: أنه هو القلم، ورجحوا القول الأول، لما دل عليه الكتاب والسنة .. " أ. هـ. منهاج السنة النبوية 1/ 361.

993 -

يدل عليه ما جاء عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "أول ما خلق الله القلم فقال له: اكتب، قال: رب وما أكتب؟ قال: اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة" رواه أبو داود في كتاب السنة، باب القدر ج 12/ 468، والترمذي في القدر، باب رقم 17 وصححه الألباني، كما في صحيح سنن الترمذي ج 2 / ص 228 /ح 1749.

994 -

براه: خلقه وأصله الهمز.

997 -

في الأصل وف: "مقدورًا" واخترنا ما في سائر النسخ لأنه يناسب قوله: "ذو إمكان" الذي أجمعت عليه النسخ (ص).

- تقدم الكلام على أفعال الله تعالى والرد على أهل الكلام، راجع الأبيات: 892 وما بعده.

998 -

ف: "ولئن".

ص: 280

1000 -

فاعلَمْ بأنَّ القوْمَ لمَّا أسَّسُوا

أصلَ الكلامِ عَمُوا عَن القُرآنِ

1001 -

وعَنِ الحديثِ ومقتضَى المعقولِ بل

عن فطرَةِ الرَّحمن والبُرْهَانِ

1002 -

وبَنَوْا قواعدَهمْ عليهِ فقادَهُمْ

قَسْرًا إلى التعْطِيلِ والبُطْلَانِ

1003 -

نَفْيُ القيامِ لكلِّ أمرٍ حادثٍ

بالربِّ خوفَ تسَلْسُلِ الأعْيانِ

1000 - يعني رحمه الله أن المتكلمين أسسوا قواعدهم على الأدلة الكلامية العقلية الخالية من الكتاب والسنة، ويعني بأصل الكلام هنا: دليلهم في إثبات الصانع سبحانه وتعالى وسيبينه الناظم رحمه الله فيما يأتي من أبيات. وقد تقدم مجملًا في التعليق على البيت 169.

1002 -

ب: "وقادهم"، طع:"التعطيل والبهتان".

1003 -

كذا ضبط "نفي" في ف بالرفع. يعني: ذلك الأصلُ نفيُ القيام إلخ (ص).

- هذا هو أصل المتكلمين الذي بنوا عليه مذاهبهم في نفي صفات الله الاختيارية كالكلام والفعل، حيث حكموا بامتناع قيام الحوادث بذاته، إذ لو قامت به الحوادث من الأفعال لكانت متسلسلة متعاقبة في الوجود شيئًا قبل شيء، وهذا يؤدي إلى القول بتسلسل الأعيان التي هي المفعولات، وبذلك تكون المفعولات قديمة، فينسد حينئذ طريق إثبات الصانع، لأن الطريق إلى إثباته هو لزوم الحدوث لغيره، فإذا تسلسل شيء من المخلوقات بطل دليل حدوثه. لأجل هذا قالوا ببطلان التسلسل دون تفريق بين الفرد والنوع.

قال شيخ الإسلام رحمه الله في معرض كلامه عن شبهة نفاة الصفات الاختيارية، ودليل أهل الكلام في إثبات الصانع:"فإن قالت النفاة: إن الصانع أثبتناه بحدوث العالم، وحدوث العالم إنما أثبتناه بحدوث الأجسام، والأجسام إنما أثبتنا حدوثها بحدوث الصفات التي هي الأعراض أو الأفعال التي هي الحركات، والقابل لها لا يخلو منها، وما لا يخلو من الحوادث فهو حادث. فإذا ثبت حدوث الأجسام قلنا: إن المحدَث لا بد له من محدِث فأثبتنا الصانع بهذا" أ. هـ بتصرف يسير، مجموع الفتاوى 6/ 49 - 50، وانظر شرح الأصبهانية لابن تيمية ص 264، التمهيد للباقلاني ص 44، الإرشاد للجويني ص 49 - 50. وسيأتي الرد على هذا الدليل في الأبيات: 1012 وما بعده.

ص: 281