المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل في الرد على الجهمية المعطلة القائلين بأنه ليس علي العرش إله يعبد، ولا فوق السماء(1)إله يصلى له ويسجد(2)، وبيان فساد قولهم عقلا ونقلا ولغة وفطرة - نونية ابن القيم الكافية الشافية - ط عطاءات العلم - جـ ٢

[ابن القيم]

فهرس الكتاب

- ‌فصلٌ في ذكرِ مذهبِ أهلِ الحديث

- ‌فصلٌ في إلزامِهم القولَ بنفي الرّسالةِ إذا انتفتْ صفة الكلام

- ‌فصلٌ في التَّفريقِ بينَ مَا يضافُ إلى الرَّبِّ تعالى(1)من الأوْصَافِ(2)والأعْيانِ

- ‌فصلٌ

- ‌فصلٌ في مقالات(1)الفلاسفةِ والقَرامِطَةِ(2)فِي كلامِ الرَّبِّ جل جلاله

- ‌فصلٌ في مقالاتِ طوائفِ الاتّحاديَّةِ في كلامِ الرَّبِّ جل جلاله

- ‌فصلٌ

- ‌مسألة العذر بالجهل

- ‌فصلٌ في الرد على الجَهْمِيَّةِ المعطِّلةِ القائلينَ بأنَّه ليسَ علي العرشِ إلهٌ يُعبَد، ولا فوقَ السماء(1)إله يُصلّى لهُ ويُسْجَد(2)، وبيان فسادِ قولهمْ عقلًا ونقلًا ولغةً وفطرةً

- ‌فصلٌ في سياق هذا الدَّليلِ(1)على وجْهٍ آخرَ

- ‌فصلٌ في الإشارةِ إلي الطُرقِ النَّقليَّةِ الدَّالّة على أنَّ اللَّهَ سُبْحَانَه(1)فوق سماواته على عرشِهِ

- ‌فصلٌ فِي الإشَارة إلى ذلك من السنة

- ‌فصلٌ فيمَا يلزم مدعي التَّأويل لِتصحّ دعواه

- ‌فصلٌ في تشبيه(1)المحرِّفينَ للنصوصِ باليهودِ وإرثهم التَّحريفَ منهم، وبراءةِ أهلِ الإثباتِ مما رموهم به من هذا الشَّبه

- ‌فصلٌ في بيان تدليسهم وتَلْبِيسهم الحقَّ بالباطِل

- ‌فصلٌ في المطالبةِ بالفرقِ بينَ ما يُتأوَّلُ ومَا لا يُتأَوَّلُ

- ‌فصلٌ في ذكرِ فرق آخر لهمْ(1)وبيانِ بطلانِهِ

- ‌فصلٌ في بيان(1)مخالفةِ طريقهمْ لطريق أهلِ الاستقامةِ(2)نقلًا وعقلًا

- ‌فصلٌ في بيانِ كذبِهم ورمْيهم أهلَ الحقِّ بأنَّهم أشباهُ الخَوارجِ وبيانِ شَبَهِهمْ المحقَّق بالخوارجِ

- ‌فصلٌ فِي تلقيبهِمْ أهلَ السُّنَّةِ بالحشويةِ وبيانِ منْ أوْلَي بالوصفِ المذمومِ منْ هذا اللَّقبِ مِنَ الطَّائفتين وذكرِ أوَّلِ من لَقَّبَ بهِ أهلَ السُّنَّةِ مِن أهلِ البدعِ

- ‌فصلٌ فِي بيانِ عُدْوانِهمْ فِي تلقيبِ أهلِ القرآنِ والحديثِ بالمجَسِّمَةِ، وبيانِ أَنَّهمْ أَوْلى بكلِّ لقبٍ خبيثٍ

- ‌فصلٌ فِي بيانِ موردِ أهلِ التَّعْطيلِ وأنَّهمْ تعوَّضوا بالقَلُّوطِ(1)عن موردِ السَّلْسَبِيل

- ‌فصلٌ فِي بيانِ هدْمِهمْ لقواعدِ الإِسلامِ والإِيمانِ بعزْلهمْ نصوصَ السُّنَّةِ والقُرْآنِ

- ‌فصلٌ في إبطالِ(1)قول الملحدينَ إنَّ الاستدلالَ بكلام الله ورسولِهِ لا يفيدُ العلمَ واليقينَ

- ‌فصلٌ في تنزيهِ أهلِ الحديثِ وحَمَلَةِ(1)الشَّريعةِ عَنِ الألْقابِ القَبيحَةِ والشَّنِيعَةِ

- ‌فصلٌ في نُكْتةٍ بديعةٍ تُبَيِّنُ ميراثَ الملقِّبينَ والملقَّبينَ(1)من المشركينَ والموحّديِن

- ‌فصلٌ(1)في جوابِ الرَّبِّ تبارك وتعالى(2)يومَ القيامة إذا سألَ المعَطِّلَ والمُثْبِتَ(3)عن قولِ كلِّ واحدٍ منهما

- ‌[فصلٌ]

- ‌فصلٌ في تحميلِ أهلِ الإِثْبَاتِ لِلمعطِّلِينَ شهادَةً تؤدَّى عندَ رَبِّ العَالَمينَ

- ‌فصلٌ في عهودِ المثبتينَ لِرَبِّ العالمينَ

- ‌فصلٌ في شهادةِ أهلِ الإثباتِ على أهلِ التعطيل أنَّه ليسَ في السَّماءِ إلهٌ(1)ولَا لِلَّه بيننا كلامٌ ولا في القبرِ رَسولٌ

- ‌فصلٌ فيما احتجُّوا بهِ على حياةِ الرُّسُلِ في القبورِ

- ‌فصلٌ في أحكام هذِهِ التَّراكيبِ السِّتةِ

الفصل: ‌فصل في الرد على الجهمية المعطلة القائلين بأنه ليس علي العرش إله يعبد، ولا فوق السماء(1)إله يصلى له ويسجد(2)، وبيان فساد قولهم عقلا ونقلا ولغة وفطرة

‌فصلٌ في الرد على الجَهْمِيَّةِ المعطِّلةِ القائلينَ بأنَّه ليسَ علي العرشِ إلهٌ يُعبَد، ولا فوقَ السماء

(1)

إله يُصلّى لهُ ويُسْجَد

(2)

، وبيان فسادِ قولهمْ عقلًا ونقلًا ولغةً وفطرةً

1046 -

واللَّهُ كَانَ وَلَيْسَ شيءٌ غَيْرُهُ

وبَرى البريَّةَ وهْيَ ذُو حِدْثَانِ

= السعودية ما يلي: "كل من آمن برسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وسائر ما جاء به في الشريعة إذا سجد بعد ذلك لغير الله من ولي وصاحب قبر أو شيخ طريق يعتبر كافرًا مرتدًا عن الإسلام مشركًا مع الله غيره في العبادة، ولو نطق بالشهادتين وقت سجوده، لإتيانه بما ينقض قوله من سجوده لغير الله، ولكنه قد يعذر لجهله فلا تنزل به العقوبة حتى يعلم وتقام عليه الحجة ويمهل ثلاثة أيام إعذارًا إليه ليراجع نفسه عسى أن يتوب فإن أصر على سجوده لغير الله بعد البيان قتل لردته .. فالبيان وإقامة الحجة للإعذار إليه قبل إنزال العقوبة، لا ليسمى كافرًا بعد البيان، فإنه يسمى كافرًا بما حدث منه من سجود لغير الله مثلًا". فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 1/ 220 باختصار يسير.

فمما سبق يتبين لنا مقدار فقه الناظم رحمه الله بقوله: "والجهل قد ينجي من الكفران" فلم يجزم بأن الجهل ينجي من الكفر مطلقًا، لأن أحوال الجهال تختلف، والمسائل التي يقع عليها الجهل تتفاوت، كما تقرر ذلك فيما سبق والله تعالى أعلم.

انظر العذر بالجهل في عقيدة السلف لشريف بن محمد هزاع، العذر بالجهل تحت المجهر الشرعي لمدحت بن الحسن آل فراج، نواقض الإيمان القولية والعملية: د. عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف ص 59 - 70، شبهات التكفير: د. عمر بن عبد العزيز قريشي ص 287.

(1)

كذا في الأصل وف. وفي غيرهما: "السماوات".

(2)

كلمة "يسجد" لا توجد في ف. والأصل غير واضح في الصورة التي بين يديّ.

1046 -

يدل عليه حديث عمران بن حصين رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: =

ص: 293

1047 -

فسَلِ المعطِّلَ هلْ بَراهَا خارجًا

عنْ ذاتِهِ أم فِيهِ حلَّت، ذَانِ

1048 -

لَا بُدَّ من إِحدَاهُمَا أو أنَّهَا

هي عَيْنُهُ ما ثَمَّ موجُودَانِ

1049 -

مَا ثَمَّ مَخْلُوقٌ وَخَالِقُهُ وَمَا

شَيءٌ مُغَايِرُ هَذهِ الأكوانِ

= "كان الله ولم يكن شيء غيره، وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شيء وخلق السموات والأرض" رواه البخاري 6/ 286 كتاب بدء الخلق، باب ما جاء في قول الله تعالى:{وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} [الروم: 27] وانظر ما سبق في البيت 920.

"برى البرية": يعني خلقها.

الحِدثان: كالحدوث مصدر حدَث الأمرُ: أي وقع بعد أن لم يكن، وحِدثان الشيء: أوّله. اللسان 2/ 131. وقوله "ذو" جاء مكان "ذات" انظر التعليق على البيت 1033 (ص).

1047 -

ب: "يراها" من رأى، تصحيف.

- قوله "ذان" مبتدأ، خبره في البيت التالي، وبدأ الناظم رحمه الله هنا بسياق الدليل العقلي على علو الله تعالى، فبين أن الله سبحانه لما خلق العالم لم يخلُ هذا الخلق من ثلاث حالات:

الأولى: أن يكون خلقه خارج نفسه سبحانه، ولم يحلّ فيه، فهذا حق ولا يليق بالله تعالى غيره.

الثانية: أن يكون خلقه في نفسه، وهذا محال، ويتعالى الله عن أن يحل فيه شيء من خلقه.

الثالثة: أن يكون هذا العالم هو عين الله سبحانه فليس هناك خالق ومخلوق بل الخالق عين المخلوق وهذا مذهب الاتحادية وهو كفر عظيم.

انظر الرد على الجهمية للإمام أحمد ص 138 - 139، الرد على الجهمية للدارمي 18 - 19، درء تعارض العقل والنقل 6/ 158 - 159، مجموع الفتاوى 5/ 297، بيان تلبيس الجهمية لشيخ الإسلام ابن تيمية 1/ 12 - 13، علو الله على خلقه للدكتور موسى الدويش ص 115 - 159.

1049 -

كذا في الأصل، وفي سائر النسخ:"هذه الأعيان".

ص: 294

1050 -

لَا بُدَّ مِنْ إحْدَى ثَلاثٍ مَا لهَا

مِنْ رَابعٍ خَلُّوا عن الرَّوغَانِ

1051 -

وَلِذَاكَ قالَ محقِّقُ القَوْمِ الَّذِي

رَفَعَ القواعِدَ مُدَّعِي العِرْفَانِ

1052 -

هُوَ عَيْنُ هَذَا الكَوْنِ لَيْس بِغَيْرهِ

أَنَّى وليسَ مُبَايِنَ الأكْوانِ؟

1053 -

كَلَّا وَلَيْسَ محايثًا أيْضًا لَهَا

فهوَ الوُجُودُ بِعَيْنِهِ وعِيَانِ

1054 -

إنْ لمْ يكنْ فَوْقَ الخَلائِقِ ربُّهَا

فالقَوْلُ هَذَا القَوْلُ فِي الميزَانِ

1055 -

إذ لَيْسَ يُعقَلُ بعَدُ إلا أنَّهُ

قَدْ حَلَّ فِيهَا وَهْيَ كالأبْدانِ

1056 -

والروحُ ذاتُ الحقِّ جل جلاله

حلَّتْ بِهَا كمقَالَةِ النَّصْرَانِي

1051 - يعني: محيي الدين بن عربي وهو الذي أسس مذهب الاتحادية ونصره وألف فيه، ويسمونه "الشيخ الأكبر" وقد تقدمت ترجمته في التعليق على البيت 280.

1052 -

هذا مذهب ابن عربي وأتباعه من القائلين بالاتحاد وهو: أن الله تعالى اتحد بالمخلوقات حتى صار هو عينها، وقد تقدم تفصيل مذهبهم ونقل كلامهم، راجع البيت 274 وما بعده.

1053 -

"محايثًا": كذا في الأصل، ف، ح، وهو مأخوذ من "حيث" وانظر البيت 1064. وفي غيرها:"مجانبًا" وهو تصحيف، (ص).

1054 -

يعني رحمه الله: أنكم أيها الجهمية إن نفيتم الأمرين أنه خلق الخلق خارج ذاته وأنه خلقهم داخل ذاته لزمكم قول الاتحادية، لأنه حينئذ هو المتوجه عقلًا. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:"لا تكاد تجد أحدًا من نفاة المباينة والمداخلة جميعًا أو من الواقفة في المباينة يمكنه مناقضة الحلولية والاتحادية مناقضة يبطل بها قولهم، بل أي حجة احتج بها عليهم عارضوه بمثلها، وكانت حجتهم أقوى من حجته" أ. هـ. درء تعارض العقل والنقل 6/ 159.

1055 -

أي: أن الرب تعالى قد حلّ في المخلوقات.

1056 -

إذا أنكر الجهمي القولين الأولين اللذين عرضهما الناظم وقال: لا أقول: الله داخل العالم ولا خارجه، فليس له إلا أن يذهب إلى ما ذهبت إليه الحلولية من أن العالم جسم كبير والله سبحانه هو الروح السارية فيه، تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا. ويشابه هذا القول قول النصارى أن =

ص: 295

1057 -

فاحْكُمْ عَلَى مَن قَالَ ليْسَ بخارجٍ

عنْها ولا فِيهَا بحُكْمِ بَيَانِ

1058 -

بخِلَافهِ الْوَحْيَيْنِ والإجْمَاعَ والْـ

ـعَقْلَ الصَّريحَ وفطْرَةَ الرَّحْمنِ

1059 -

فعليهِ أوقَعَ حدَّ معدُومٍ بلَى

حدَّ المُحالِ بغيرِ ما فُرقَانِ

1060 -

يَا لَلْعقُولِ إذا نَفَيتُمْ مُخْبَرًا

ونقيضَهُ هَلْ ذَاكَ فِي إمكَانِ؟

1061 -

إذ كَانَ نفيُ دُخُولِه وخُرُوجِهِ

لا يصدُقَانِ معًا لدى الإمْكانِ

1062 -

إلَّا علَى عدَمٍ صريحٍ نَفْيُهُ

متحقِّقٌ ببديهةِ الإنْسَانِ

1063 -

أيصِحُّ فِي المعْقولِ يا أهْل النُّهَى

ذاتَانِ لا بالغَيْر قَائمتَانِ

= اللاهوت حلّ في الناسوت. وقد تقدم شرح ذلك مفصلًا بما يغني عن الإعادة عند كلام الناظم على مذهب الاتحادية في الأبيات: 265 وما بعده، وانظر درء تعارض العقل والنقل 6/ 149 - 152، 162، مجموعة الرسائل والمسائل لشيخ الإسلام 4/ 29 وما بعدها.

1059 -

وضع "بلى" موضع "بل" للضرورة، انظر ما سبق في البيت 123 (ص).

- يعني رحمه الله: أن الجهمي عندما وصف الله تعالى بأنه لا داخل العالم ولا خارجه ولا فوقه ولا تحته ولا مباينًا له ولا محايثًا له .. إلخ، قد وصف المعدوم بل المحال. ولو قيل له: صف لنا العدم لما وجد وصفًا غير هذا، درء التعارض 6/ 148 - 149، بيان تلبيس الجهمية 1/ 100.

1060 -

"لدى الإمكان": كذا في الأصول، وضبطت بفتح الدال في الأصل. وفي طع:"لذي إمكان". وفي طه: "لذي الإمكان". يعني: نفيتم مخبرًا عنه بأنه داخل العالم ونفيتم نقيضه أيضًا أنه خارج العالم. والنقيضان: هما اللذان لا يجتمعان ولا يرتفعان كالعدم والوجود. التعريفات 179.

1062 -

طت، طه:"ببداهة الإنسان".

- اتفق العقلاء على أن قول المعطلة: بأن الله ليس داخل العالم ولا خارجه، قول بيّن البطلان لأنه رفع للنقيضين، والنقيضان لا يجتمعان ولا يرتفعان بل لا بد من ثبوت أحدهما وانتفاء الآخر، ولا يصح نفي النقيضين إلا على العدم، لذا كان حقيقة قول هؤلاء إنكار وجود الله سبحانه. انظر درء تعارض العقل والنقل 6/ 144 وما بعدها.

ص: 296

1064 -

لَيْسَتْ تُبَايِنُ منْهُمَا ذاتٌ لأخْـ

ـرَى أو تُحايِثُها فتجْتَمِعَانِ؟

1065 -

إنْ كانَ في الدُّنْيَا مُحالٌ فهْوَ ذَا

فارجِعْ إلى المعقُولِ والبرْهَانِ

1066 -

فَلئِنْ زعمْتُم أنَّ ذلكَ في الَّذِي

هو قابِلٌ منْ جِسْمٍ أوْ جُسْمَانِ

1067 -

والرَّبُّ ليسَ كذا فنَفْيُ دخولِهِ

وخروجِهِ ما فيهِ منْ بُطْلَانِ

1068 -

فيقَالُ: هَذَا أوَّلًا من قَولِكُمْ

دَعْوَى مجَردةٌ بلا بُرهَانِ

1064 - لم ينقط حرف المضارع في الأصل وف. وفي طت كما أثبتنا، وهو الصواب. وفي غيرها:"فيجتمعان" بالياء (ص). يعني رحمه الله: أنه يستحيل أن توجد ذاتان كل منهما قائمة بنفسها لا بغيرها، ومع ذلك يقال: إن كل واحدة منهما غير منفصلة عن الأخرى ولا متصلة أو مختلطة بها، فإن هذا رفع للنقيض وهو محال. انظر درء تعارض العقل والنقل 6/ 144 - 145، مجموع الفتاوى 5/ 287، بيان تلبيس الجهمية 1/ 9.

1066 -

طع: "جثمان".

1067 -

يشير الناظم إلى جواب المعطلة لما أورد عليهم استحالة الجمع بين النقيضين أو رفعهما معًا فقالوا: إن ذلك يستحيل فيما هو قابل للاتصاف بالشيء أو نقيضه كالأجسام. أما ما لا يقبل الاتصاف كالجماد فيجوز رفع النقيض عنه، والرب تعالى ليس قابلًا أصلًا لذلك فلا يقبل أن يكون داخل العالم ولا خارجه لأنه ليس كالأجسام فلا حرج أن ينفى عنه الأمران، لأنهما متقابلان في حقه تعالى تقابل العدم والملكة فلا يلزم من رفع أحدهما ثبوت الثاني. انظر درء تعارض العقل والنقل 2/ 223، 4/ 36، التدمرية ص 37، وقد تقدم شرح شيء من هذه الشبهة والرد عليها، راجع الأبيات: 706 وما بعدها.

1068 -

شرع الناظم رحمه الله في الرد عليهم وإبطال حجتهم، فذكر عدة أوجه:

الوجه الأول: أن هذا اصطلاح لكم أخذتموه عن فلاسفة اليونان وإلا فاللغة العربية لا فرق فيها، والمعاني العقلية لا يعتبر فيها مجرد الاصطلاحات، بل ولا نسلم أن في الأعيان ما يقبل الاتصاف بهذه الصفات فإن الشيء =

ص: 297

1069 -

ذاكَ اصطِلاحٌ من فريقٍ فارَقُوا الْـ

ـوَحْيَ المُبِينَ لِحكمةِ اليُونَانِ

1070 -

والشَّيءُ يَصدُقُ نفْيُهُ عنْ قَابِلٍ

وسِوَاهُ في مَعهُودِ كلِّ لِسَانِ

1071 -

أنَسِيتَ نَفْيَ الظُّلْمِ عَنْهُ وَقولَكَ: الـ

ـظُلْمُ المحالُ وليسَ ذَا إِمكانِ؟

1072 -

وَنسِيتَ نفْيَ النومِ والسِّنَةِ التي

لَيْسَتْ لربِّ العَرْشِ في الإمكَانِ؟

1073 -

ونَسِيتَ نفيَ الطَّعْمِ عنهُ وليسَ ذَا

مَقبُولَهُ والنفْيُ في القُرْآنِ؟

1074 -

ونَسِيتَ نفْيَ ولادةٍ أو زوجَةٍ

وهُمَا عَلَى الرحمن ممْتَنِعَانِ؟

1075 -

واللهُ قدْ وصَفَ الجمَادَ بأنَّهُ

مَيْتٌ أصَمُّ وما لَه عيْنَانِ

= يصح نفيه عما يقبله وما لا يقبله، وهم حكموا بذلك بالرجوع إلى مجرد ما شاهدوه من العادة أما من صدق بأن الله قلب عصا موسى - وهي جماد - ثعبانًا عظيمًا لم يمكنه أن يطرد هذه الدعوى. انظر درء تعارض العقل والنقل 2/ 222، 4/ 38، 5/ 274، التدمرية ص 160، 163.

والوجه الثاني سيأتي في البيت 1078.

1071 يشير إلى قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} [النساء: 40] وتقدم أن المعطلة يقولون: إن الظلم ممتنع على الله أصلًا وغير ممكن له. راجع الأبيات: 57 وما بعده.

1072 -

يدل عليه قوله تعالى: {لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ} [البقرة: 255] والسنة: هي النعاس. تفسير الطبري - مجلد 3/ ج 3/ 6.

1073 -

"مقبوله": أي ليس ذلك مما يقبله. ولا يبعد أن تكون الكلمة "مقبولةً" بتاء التأنيث، خبر ليس، وإن كان اسمها مذكرًا، لكثرة التجوز في المنظومة في التذكير والتأنيث، وإهمال هاء التأنيث في النسخ. (ص).

- يدل عليه قوله تعالى: {فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ} [الأنعام: 14].

1074 -

يدل عليه قوله تعالى: {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ} [الأنعام: 101] وقال: {وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا} [الجن: 3].

1075 -

يدل عليه قوله تعالى عن الأصنام التي عبدها المشركون من دونه: {وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (197) وَإِنْ تَدْعُوهُمْ =

ص: 298

1076 -

وكذا نَفَى عنْه الشُّعورَ ونُطْقَهُ

والخَلْقَ نفْيًا واضحَ التِّبيانِ

1077 -

هذَا وليسَ لهَا قبولٌ للذي

يُنْفَى ولا مِنْ جُملَةِ الحَيَوَانِ

1078 -

ويقالُ أيضًا ثانيًا لو صحَّ هَـ

ـذَا الشرطُ كانَ لِمَا هُمَا ضِدَّانِ

1079 -

لا فِي النَّقِيضَيْن اللَّذَيْنِ كِلَاهُمَا

لا يثْبُتَانِ ولَيْسَ يرْتَفعَانِ

= إِلَى الْهُدَى لَا يَسْمَعُوا وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (198)} [الأعراف: 197، 198] وقال تعالى في معرض إنكاره عليهم عبادة الأصنام: {أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا} [الأعراف: 195].

1076 -

يدل عليه قوله تعالى عن أصنام الكفار: {وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (20) أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (21)} [النحل: 20، 21].

وقال تعالى عن عجل بني إسرائيل: {أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا (89)} [طه: 89].

وقال تعالى عن آلهة الكفار: {أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا} [الأعراف: 195].

1077 -

يعني: أن هذه الجمادات نُفِيت عنها هذه الصفات وهي ليست قابلة للاتصاف بها أصلًا لأنها ليست من جملة الأحياء.

1078 -

الضدان: كل شيئين يستحيل اجتماعهما في محل واحد لذاتيهما من جهة واحدة كالسواد والبياض، والفرق بين الضدين والنقيضين أن النقيضين لا يجتمعان ولا يرتفعان كالعدم والوجود، والضدين لا يجتمعان وقد يرتفعان كالسواد والبياض. التعريفات ص 179، درء التعارض 2/ 380.

1079 -

هذا هو الوجه الثاني في الرد على الجهمية في نفيهم النقيضين عن الرب تعالى وهو أن يقال لهم: إن ارتفاع المتقابلين عن الشيء لا يتحقق إلا إذا كان الوصفان المتقابلان ضدين كالبياض والسواد، أما إذا كان المتقابلان نقيضين فيمتنع خلو الشيء عن واحد منهما، ومعلوم أن التقابل بين دخوله سبحانه في العالم ومباينته له هو من قبيل التقابل بين المتناقضين، فلا يتم =

ص: 299

1080 -

ويقالُ أيضًا نفيُكمْ لِقَبولِهِ

لهُمَا يُزيلُ حقيقَةَ الإِمْكانِ

1081 -

بلْ ذَا كنَفْي قِيَامِه بالنَّفْسِ أوْ

بالغَيْرِ في الفِطْرَاتِ والأذْهَانِ

1082 -

فإذَا المعطِّل قَال إنَّ قيامَهُ

بالنَّفْس أو بالغَيْرِ ذُو بُطْلَانِ

1083 -

إذ ليْسَ يقبَلُ واحِدًا من ذَينِكَ الـ

أَمْرَيْنِ إلا وهْوَ ذُو إِمْكَانِ

1084 -

جِسْمٌ يقُومُ بِنَفْسِهِ أيضًا كَذَا

عَرَضٌ يقُومُ بغْيرهِ أخَوانِ

1085 -

فِي حُكمِ إمكانٍ وليسَ بواجبٍ

ما كانَ فيهِ حقيقَةُ الإِمْكانِ

= لهم ما قرروه، كما حرر ذلك الناظم رحمه الله. انظر التدمرية 151 - 160 وما بعدها، درء التعارض العقل والنقل 2/ 380. وتقدم الوجه الأول في البيت 1068.

1081 -

هذا هو الوجه الثالث في الرد عليهم وهو أن يقال: "إن نفيكم عن الله تعالى قبول أحد الوصفين المتناقضين: لا داخل العالم ولا خارجه، ينفي إمكان وجوده سبحانه ويجعله من قبيل المعدومات بل الممتنعات، وهو يشبه في الفساد نفي وصفي قيامه سبحانه بنفسه وقيامه بغيره، مع أن رفعهما عنه باطل بالعقل والفطرة، فكل موجود لا بد أن يكون قائمًا بنفسه أو قائمًا بغيره، فلا بد من ثبوت أحد الوصفين له. درء التعارض 2/ 223، 5/ 274، مجموع الفتاوى 5/ 297، بيان تلبيس الجهمية 1/ 12 - 13، التدمرية ص 36، علو الله على خلقه للدويش ص 121.

1082 -

أشار الناظم إلى تناقض أهل الكلام وغيرهم وما يلزم على قولهم من لوازم باطلة، فقالوا: وهذه الأوصاف لا تقع إلا على الممكنات من الأجسام والأعراض، فإذا وصفنا الله تعالى بأنه قائم بنفسه أو قائم بغيره فقد حكمنا أنه ممكن الوجود لا واجب الوجود، فرفعوا عنه الوصفين المتناقضين، فكان حقيقة قولهم نفي إمكان وجود الإله عز وجل. انظر: بيان تلبيس الجهمية 1/ 331 وما بعدها، 2/ 5 وما بعدها.

1084 -

العرض: الوصف، انظر التعليق على البيت 90.

1085 -

أي: ليس واجب الوجود من كان فيه شيء من صفات الممكن.

ص: 300

1086 -

فكلاكُمَا ينْفِي الإلهَ حَقِيقَةً

وكلاكُمَا فِي نَفْيِهِ سِيَّانِ

1087 -

مَاذَا يرُدُّ عَلَيْهِ مَنْ هوَ مثلُهُ

في النَّفْيِ صِرْفًا إذ هُمَا عِدْلَانِ؟

1088 -

والفرقُ ليسَ بممْكِنٍ لكَ بَعْدَمَا

ضَاهَيْتَ هَذا النَّفْيَ فِي البُطْلانِ

1089 -

فوِزَانُ هَذَا النَّفْي مَا قَدْ قُلْتَهُ

حَرْفًا بحرْفٍ أنتُمَا صِنْوانِ

1090 -

والخَصْمُ يزعُمُ أنَّ مَا هو قَابِلٌ

لِكِلَيْهِمَا فكقَابِلٍ لمَكَانِ

1087 - عِدلان: مثلان ونظيران. لما أنكر نفاة الجهة من المعتزلة وغيرهم على الفلاسفة نفيهم وصفي القيام بالنفس والقيام بالغير عن الله تعالى وقالوا: إن هذا القول حقيقته نفي الإله، احتج الناظم عليهم بالحجة نفسها فقال: أنتم تنفون عن الله تعالى أنه داخل العالم وأنه خارجه تنزيهًا له عن مشابهة الممكنات، فترفعون عنه النقيضين، وحقيقة قولكم نفي الاله أيضًا فأنتما مثلان في النفي وعلته. وقد علم السلف رحمهم الله أن هذا حقيقة قول الجهمية فلم ينخدعوا بحسن عباراتهم وزيفهم، كما قال محمد بن يحيى بن سعيد القطان: كان أبي وعبد الرحمن بن مهدي يقولان: الجهمية تدور أن ليس في السماء شيء. انظر الرسائل والمسائل لشيخ الإسلام 4/ 26 - 28، مختصر الصواعق 1/ 132، 147. علو الله على خلقه للدويش ص 109 - 111، والأثر أخرجه ابن بطة في الإبانة 2/ 56 /رقم 255، وأخرجه الذهبي في العلو ونسبه إلى أبي معمر إسماعيل بن إبراهيم القطيعي من رواية أبي حاتم، العلو ص 188، وذكره البخاري في خلق أفعال العباد عن وهب بن حماد برقم 6، 9.

1089 -

صِنوان: مثلان.

1090 -

يعني بالخصم: الفلاسفة.

- يزعم الفلاسفة أنهم نفوا وصفي القيام بالنفس والقيام بالغير عن الله تعالى لأن القابل لهما لا بد أن يقبل الحلول في المكان والله منزَّه عن المكانية، ولا فرق بين هذا القول وبين قول نفاة الجهة من المعتزلة وغيرهم إن الله لا داخل العالم ولا خارجه، مع أن هؤلاء المعتزلة ينكرون على أولئك الفلاسفة قولهم وهم في حقيقة الأمر سواء. انظر مجموع الفتاوى 5/ 297، نقض تأسيس الجهمية لشيخ الإسلام 1/ 12 - 13، علو الله على خلقه للدويش ص 113 - 115.

ص: 301