الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وآيات مردّدة .. وهذا عند التأمّل في سياق كل قصة، يبدو خيالاً واهماً، لا يركن إليه ويعتقده إلا من لم يكن له صبر على البحث لمعرفة الحقائق التاريخيّة في سير الأنبياء والمرسلين، وإلا من لم يعرف وسيق الوشائج التي تربط بين رسالة محمد صلى الله عليه وسلم بكافة نبوّات الأنبياء، وسائر رسالات الرسل عليهم السلام!
ألا ترى إلى هذا الكتاب الحكيم في صنيعه بقصة يوسف عليه السلام وقد نزلت -كما تقول روايات أسباب النزول- إجابة لطلب قصد القصة كاملة؛ فإنه لما استوفى أحداث القصة متكاملة في سورتها، تحقيقاً للمطلوب، وإعجازًا للمعاندين، وتصديقاً للرسول صلى الله عليه وسلم، لم يعد إليها في سورة أخرى إلا إشارة ورمزًا!
والقرآن الكريم، وهو كتاب هداية وعبرة، في وزنه للحياة، وتقديره لحقائقها، يقصد في قصص الأنبياء والرسل فيما يقصد إليه من معان وحقائق إلى تنبيه العقول والأفكار إلى ما وقع في التاريخ البشري من غمط ظالم لأعظم حقائق الحياة، وتقصير متعمّد فيما كان يجب أن يكون في موضوع الصدارة من صحائفه!
4 - النبوّة وبناء الحضارة:
ومن ثم جعل القرآن الكريم حديثه في عقائده، وعباداته، وتشريعاته، وآدابه، وأخلاقيّاته، ونظمِه في بيان علاقات الناس الاجتماعية، متصلاً أكمل اتصال بسيرة الأنبياء والمرسلين؛ لأنهم جميعاً لبنات في بناء الحضارة المثلى الرفيعة، التي جاءت رسالة خاتم النبيّين صلى الله عليه وسلم لتكميلها، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه الشيخان وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه: "إِنَّ مثَلي
ومثلَ الأنبياء مِنْ قبْلي كمثَل رجل بَنى بيتاً فأحسنَهُ وأجمله، إِلاّ موضِع لبِنة مِنْ زاويةٍ، فَجعَل الناسُ يطوفونَ بهِ، ويعجبون له، ويقولون: هلًا وُضِعَتْ هذه اللَّبنة؟ قال: فأنا اللَّبنةُ، وأنا خاتم النبيين" (1)!
وفي رواية عن جابر رضي الله عنه: "مثَلي ومثلُ الأنبياء كرجل بَنى دارًا فأكملَها وأحسَنها، إِلا موضع لبنة، فجعل الناس يدخلونها ويتعجّبون، ويقولون: لولا موضعُ اللَّبنة"!
زاد مسلم: "فأنا موضع اللّبنة جئت فختمت الأنبياء"(2)!
فهذا الحديث الشريف يضع النبوّة في أفقها الواقعي من آفاق الحياة، ويضع حملة لوائها من المصطفين لتلقّي كلمات الله في ذروة بناء الحضارة الإنسانية، حتى كأنهما حقيقة واحدة، هي التي تصنع الحياة، وتبني الحضارة الفكريّة والماديّة في صورة إنسانيّة موحّدة الإحساس والشعور والاتجاه!
فالحضارة الإنسانيّة الرفيعة، أو الحياة الإنسانيّة المهذّبة، في معنى هذا الحديث الشريف بناء وضع كل نبيّ من الأنبياء، وكل رسول من الرسل، لبنة في صرحه، حتى استقام مستعلياً سامقاً في أجواء الحياة، مزيّناً مجملاً، إلا موضع لبنة في زاوية من زواياه لم توضع، وبقي مكانها فارغاً، يُنْقِص من
(1) البخاري: 61 - المناقب (3535)، ومسلم (2286)، وأحمد: 2: 398، والبغوي (3621)، والبيهقي:"الدلائل": 1: 366، والآجري: الشريعة: 456، والنسائي: الكبرى (11422)، وابن حبان (6405).
(2)
البخاري: 61 - المناقب (3534)، ومسلم (2287)، والترمذي (2862)، والطيالسي (1785)، وابن أبي شيبة: 11: 49، وأحمد: 3: 361، والبيهقي: 9: 5، و"الدلائل": 1: 365، وابن حبان (6407).