المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌16 - مصير هذه المدرسة اليوم: - الجامع الصحيح للسيرة النبوية - جـ ١

[سعد المرصفي]

فهرس الكتاب

- ‌«خصائص السيرة ودورها في تكوين الشخصية الإسلامية»

- ‌إهداء

- ‌مقدمة

- ‌1 - السيرة ومكانتها:

- ‌2 - حياة الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌3 - مكانة النبوة والأنبياء:

- ‌4 - النبوّة وبناء الحضارة:

- ‌5 - أعظم دوافع التطوّر:

- ‌6 - الطفولة الفكريّة:

- ‌7 - أعظم تراث إنساني:

- ‌8 - أعظم شهادة:

- ‌9 - فتح فكري جديد:

- ‌10 - شمس الوجود الروحي:

- ‌11 - في علم المغازي خير الدنيا والآخرة:

- ‌12 - الله أكبر:

- ‌خصائص السيرة

- ‌أولاً: أصح سيرة لتاريخ نبيّ مرسل:

- ‌1 - من خصائص الأمة الإسلاميّة:

- ‌2 - الحفظ في الصدور والكتابة في السطور:

- ‌3 - قواعد التحديت رواية ودراية:

- ‌4 - أربع خصال:

- ‌ثانياً: الوضوح في جميع المراحل:

- ‌ثالثاً: المثاليّة في كل ما يتصل بها:

- ‌رابعاً: الشمول والتكامل:

- ‌خامساً: الدليل العملي على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌مصادر السيرة

- ‌أولاً: القرآن الكريم:

- ‌ثانياً: السنة النبويّة:

- ‌ثالثاً: كتب المغازي والسير:

- ‌1 - عروة بن الزبير بن العوام:

- ‌2 - أبان بن عثمان بن عفان:

- ‌3 - ابن شهاب الزهري:

- ‌4 - عاصم بن عمر بن قتادة بن النعمان الأنصاري:

- ‌5 - عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري:

- ‌6 - موسى بن عقبة:

- ‌7 - محمد بن إسحاق:

- ‌8 - محمد بن عمر الواقدي:

- ‌9 - عبد الملك بن هشام:

- ‌10 - محمد بن سعد:

- ‌11 - جوامع السيرة لابن حزم الأندلسي الظاهري:

- ‌12 - الدرر في اختصار المغازي والسير لابن عبد البر:

- ‌13 - عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير لابن سيد الناس:

- ‌14 - زاد المعاد في هدي خير العباد لابن قيّم الجوزية:

- ‌15 - الفصول في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم لابن كثير:

- ‌16 - المواهب اللدنيّة بالمنح المحمديّة للقسطلاني الشافعي المصري:

- ‌رابعاً: دلائل النبوة:

- ‌1 - كتب السنة:

- ‌2 - دلائل النبوّة لأبي نعيم:

- ‌3 - أعلام النبوّة للماوردي:

- ‌4 - دلائل النبوّة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة للبيهقي:

- ‌5 - دلائل النبوة للأصبهاني:

- ‌خامساً: كتب الشمائل:

- ‌1 - الشمائل للترمذي:

- ‌2 - الوفا بأحوال المصطفى لابن الجوزي:

- ‌3 - شمائل الرسول ودلائل نبوّته وفضائله وخصائصه لابن كثير:

- ‌سادساً: كتب جمعت بين التاريخ والسيرة:

- ‌1 - تاريخ الأمم والملوك للطبري:

- ‌2 - تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام (السيرة النبويّة) للذهبي:

- ‌3 - البداية والنهاية لابن كثير:

- ‌سابعاً: أخبار مكة والمدينة والشعر:

- ‌مناهج المؤلفين

- ‌أولاً: المنهج التاريخي:

- ‌ثانياً: المنهج الموضوعي:

- ‌1 - (دلائل النبوّة) و (الشمائل المحمديّة):

- ‌2 - (الهجرة النبويّة ودروها في بناء المجتمع الإسلامي):

- ‌3 - (الرسول صلى الله عليه وسلم واليهود وجهاً لوجه):

- ‌4 - (سيرة النبيّ صلى الله عليه وسلم) لشبلي نعماني:

- ‌5 - (الرسول القائد) للواء الركن محمود شيت خطاب:

- ‌ثالثاً: المنهج التبشيري الاستشراقي:

- ‌1 - نقص معيب:

- ‌2 - تطوّر الموقف الغربي:

- ‌3 - أخطاء منهجيّة:

- ‌4 - المذهب الذاتي:

- ‌5 - مدرسة جديدة:

- ‌6 - الإيمان بالغيب:

- ‌7 - السيرة المحمديّة تحت ضوء العلم والفلسفة:

- ‌8 - (حياة محمد) للدكتور هيكل:

- ‌9 - المقياس الصحيح للحديث عنده حديث موضوع:

- ‌10 - موقفه من حديث شق الصدر:

- ‌11 - وجوب التسليم بحديث شقّ الصدر:

- ‌12 - حديث آخر موضوع:

- ‌13 - الإسراء ووحدة الوجود:

- ‌14 - بطلان فكرة وحدة الوجود:

- ‌15 - إيجابيّات:

- ‌16 - مصير هذه المدرسة اليوم:

- ‌خصائص المنهج الصحيح في الدراسة

- ‌1 - في رحاب القرآن الكريم:

- ‌2 - الأحاديث الصحيحة:

- ‌3 - فقه السيرة في تفسير الأحداث:

- ‌4 - خطوات الدعوة:

- ‌5 - عوامل البناء ومعاول الفناء:

- ‌6 - عطاء السيرة بين الماضي والحاضر:

- ‌7 - واجبنا نحو الرسول صلى الله عليه وسلم

الفصل: ‌16 - مصير هذه المدرسة اليوم:

‌16 - مصير هذه المدرسة اليوم:

وهكذا وجد أبطال هذه المدرسة الجديدة، في اتباع المذهب الذاتي في كتابة التاريخ، الميدان الفسيح الذي يمكنهم من نبذ كل ما لا يعجبهم من حقائق السيرة النبويّة، مهما جاءت مدعمة بدلائل العلم واليقين، متخذين من ميولهم النفسيّة، ورغباتهم الشخصيّة، وأهدافهم البعيدة، حاكماً مطلقاً على حقائق التاريخ، وتحليل ما وراءه من العوامل، وحكماً مطلقاً لقبول ما ينبغي قبوله، ورفض ما يجب رفضه (1)!

وآخر المضحكات العجيبة التي جاءت عن هذا الطريق، تصير النبوة في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم وإيمان الصحابة رضي الله عنهم وعموم الفتح الإسلامي، بأن جميعه لم يكن إلا ثورة يسار ضد يمين، أثارتها النوازع الاقتصاديّة، انتجاعاً للرزق، وطلباً للتوسع، وألهبتها ردود الفعل لدى الفقراء ضد الأغنياء وأصحاب الإقطاع!

كانت هذه الطريقة في دراسة السيرة خصوصاً، والتاريخ الإسلامي عموماً، مكيدة خطيرة عشيت عن رؤيتها أعين البسطاء من بعض المسلمين، وصادفت هوى وقبولاً عند طائفة أخرى من المنافقين وأصحاب الأهواء!

لقد غاب عن أعين أولئك البسطاء، أن ذلك الهمس الاستعماري الذي يدعو المسلمين إلى ما أسموه بثورة إصلاحية في شؤون العقيدة الإسلاميّة، إنما استهدف في الحقيقة نسف هذه العقيدة من جذورها!

وغاب عنهم أن تفريغ الإسلام من حقائقه الغيبية إنما يعني حشوه بمنجزات ناسفة، تحيله أثراً بعد عين؛ ذلك لأن الوحي الإلهي -وهو ينبوع الإسلام

(1) فقه السيرة: الدكتور البوطي: 26 وما بعدها بتصرف.

ص: 195

ومصدره- يعدّ قمة الخوارق والحقائق الغيبيّة كلها، ولا ريب أن الذي يسرع إلى رفض ما جاء في السنّة النبويّة من خوارق العادات، بحجة اختلافها عن مقتضى سنن الطبيعة ومدارك العلم الحديث، يكون أسرع إلى رفض الوحي الإلهي كله بما يتبعه ويتضمنه من إخباراته عن النشور والحساب، والجنة أو النار، بالحجّة الطبيعيّة ذاتها!

كما غاب عنهم أن الدين الصالح في ذاته لا يحتاج في عصر ما إلى مصلح يتدارك شأنه، أو إصلاح يغيّر من جوهره!

غاب عن هؤلاء الناس لعذا كله، مع أن إدراكهم له كان من أبسط مقتضيات العلم، لو كانوا يتمتّعون بحقيقته، وينسجمون مع منطقيّته، ولكن عيونهم غشيت في غمرة انبهارها بالنهضة الأوروبيّة الحديثة، وما قد حف بها من شعارات العلم وألفاظه، فلم تبصر من حقائق المنطق والعلم إلا عناوينها وشعاراتها، وقد كانوا في أمس الحاجة إلى فهم كامل لما وراء تلك العناوين، وإلى هضم صحيح لمضمون تلك الشعارات، فلم يعد يستأثر بتفكيرهم إلا خيال نهضة (إصلاحية) تطوّر العقيدة الإسلاميّة هنا، كما تطوّرت العقيدة النصرانية هناك!

وهكذا، فقد كان عماد هذه المدرسة الحديثة هياجاً في النفس، أكثر من أن يكون حقيقة علميّة مدروسة استحوذت على العقل!

والحقيقة أن الاهتمام بهذه المدرسة في كتابة السيرة وفهمها، والحماسة التي ظهرت يوماً ما لدى البعض في الأخذ بها إنما كان منعطفاً تاريخيًّا .. ومرّ!

وعذر أولئك الذين كتب عليهم أن يمرّوا بذلك المنعطف أو يمرّ هو بهم، أنهم كانوا -كما أسلفنا- يفتحون أعينهم إذ ذاك على خبر النهضة العلميّة في

ص: 196

أوروبّا، بعد طول غفلة وإغماض، وإنه لأمر طبيعي أن تنبهر العين عند أول لقياها مع الضياء، فلا تتبيّن حقيقة الأشياء، ولا تتميّز الأشباه عن بعضها، حتى إذا مرّ وقت، واستراحت العين إلى الضياء، أخذت الأشياء تتمايز، وبدت الحقائق واضحة جليّة لا لبس فيها ولا غموض!

وهذا ما قد تم فعلاً، فقد انجابت الغاشية، وَصَفَت أسباب الرؤية السليمة أمام الأبصار .. أبصار الجيل الواعي المثقّف اليوم .. جيل الصحوة الإسلاميّة المباركة، فانطلق يتعامل مع حقيقة العلم وجوهره، بعد أولئك الذين أخذوا بألفاظه، وانخدعوا بشعاراته، ثم عادوا وقد أيقنوا ببصيرة الباحث العلم، والمفكّر الحر، بأن شيئاً مما يسمى بالخوارق والمعجزات لا يمكن أن تتنافى في جوهرها مع حقائق العلم وموازينه!

ذلك لأن الخوارق سميت كذلك لخرقها لما هو مألوف أمام الناس، وما كان للإلف أو العادة أن يكون مقياساً علمياً لما هو ممكن وغير ممكن .. وهيهات أن يقضي العلم يوماً ما بأن كل ما استأنست إليه عين الإنسان مما هو مألوف ممكن الوقوع، وأن كل ما استوحشت منه عين الإنسان مما هو غير مألوف له غير ممكن الوقوع!

ولقد علم كل باحث ومثقّف اليوم بأن أحدث ما انتهت إليه مدارك العلماء في هذا الصدد، هو أن العلاقة التي نراها بين الأسباب ومسبّباتها، ليست إلا علاقة اقتران مطرد، اكتسبت تحليلاً، ثم تعليلاً، ثم استنبط منها القانون الذي هو تابع لظهور تلك العلاقة، وليس العكس!

فإن رحت تسأل القانون العلميّ عن رأيه في خارقة أو معجزة إلهيّة، قال لك بلسان الحال الذي يفقهه كل عالم بل كل متبصر بثقافة العصر: ليست

ص: 197

الخوارق والمعجزات من موضوعات بحثي واختصاصي؛ فلا حكم لي عليها بشيء، ولكن إذا وقعت خارقة من ذلك أمامي فإنها تصبح في تلك الحال موضوعاً جاهزاً للنظر والتحليل، ثم الشرح والتعليل، ثم تغطى تلك الخارقة بقانونها التابع لها!

وقد انقرض الزمن الذي كان بعض العلماء يظنون فيه أن أثر الأسباب الطبيعية في مسبباتها أمر حتمي يستعصي على التخلف والتغيير، وانتصر الحق الذي طالما نبه إليه ودافع عنه علماء المسلمين عامة، والإمام الغزالي خاصة، من أن علاقات الأسباب بمسبّباتها ليست أكثر من رابطة اقتران مجردة، وما العلم في أحكامه وقوانينه إلا جدار ينهض فوق أساس هذا الاقتران وحده، أما سرّ هذا الاقتران فهو عند الله الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى!

نعم، لا بد أن يشترط كل إنسان عاقل يحترم العقل والحقيقة، لقبول أي خبر، سواء تضمن أمراً خارقاً أو مألوفاً، شرطاً واحداً، وهو أن يصل الخبر إليه عن طريق علمي سليم ينهض على القواعد التي عرفناها، وأن سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم أصح سيرة لتاريخ نبي مرسل، ومن ثم يأخذنا العجب كل مأخذ، عندما نتذكر مرة أخرى تلك الأخطاء المنهجيّة، وآثار تلك المدرسة الجديدة!

أليس هذا من أفجع الكوارث النازلة برأس العلم؟!

تلك إشارات إلى مناهج المؤلفين في السيرة النبويّة!

ص: 198