المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الرابع: المقارنة بين العقوبتين: - الجنايات في الفقه الإسلامي دراسة مقارنة بين الفقه الإسلامي والقانون

[حسن علي الشاذلي]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الأول

- ‌المقدمات

- ‌الإفتتاحية: افتتاحية الطبعة الثانية

- ‌افتتاحية الطبعة الأولى:

- ‌التمهيد:

- ‌الجريمة والجناية في الفقه الإسلامي:

- ‌الجريمة والجناية في الفقه الوضعي:

- ‌العقوبات:

- ‌الباب الأول: جناية القتل

- ‌مدخل

- ‌الفصل الأول: القتل العمد وعقوبته

- ‌المبحث الأول: حقيقة القتل العمد

- ‌المبحث الثاني: أركان الجريمة العمدية في الفقه الإسلامي

- ‌أولاً: أن يكوت الأعتداء واقعًا على آدمي حي

- ‌ثانيا: أن يكون المجني عليه معصوم الدم:

- ‌ثالثا: أن يكون هذا الآدمي معينا:

- ‌رابعًا: أن يكون قصد الجاني ضرب المجني عليه

- ‌خامسا: أن يكون الضرب بقصد العدوان:

- ‌سادسًا: أن يكون الجاني قد أوقع على المجني عليه فعلا قاتلا:

- ‌المبحث الثالث: آراء فقهاء القوانين في تحليل القتل العمد ورأي الفقه الإسلامي في هذه الآراء:

- ‌المبحث الرابع: عقوبة القتل العمد في الفقه الإسلامي

- ‌المطلب الأول: الجزاء الآخروي

- ‌المطلب الثاني: الجزاء الدنيوي:

- ‌المبحث الخامس: عقوبة القتل العمد في القانون:

- ‌الفصل الثاني: القتل شبه العمد وعقوبته

- ‌المبحث الأول: آراء الفقهاء في القول بشبه العمد

- ‌المبحث الثاني: أركان جريمة شبه العمد:

- ‌المبحث الثالث: عقوبة القتل شبه العمد

- ‌المطلب الأول: الجزاء الآخروي

- ‌المطلب الثاني: الجزاء الدنيوي للقتل شبه العمد:

- ‌المطلب الثالث: عقوبة الضرب المفضي إلى الموت في القانون:

- ‌المطلب الرابع: المقارنة بين العقوبتين:

- ‌الفصل الثالث: القتل الخطأ وموجبه

- ‌المبحث الأول: حقيقة القتل الخطأ في الفقه الإسلامي

- ‌المبحث الثاني: أركان الجريمة خطأ:

- ‌المبحث الثالث: عقوبة القتل الخطأ

- ‌مدخل

- ‌النوع الأول: الدية:

- ‌النوع الثاني: الكفارة:

- ‌النوع الثالث: الحرمان من الميراث:

- ‌الفهرس:

الفصل: ‌المطلب الرابع: المقارنة بين العقوبتين:

‌المطلب الرابع: المقارنة بين العقوبتين:

يتبين لنا مما تقدم أن الفقه الإسلامي جعل عقوبة القتل شبه العمد مادية بصورها المتقدمة، ثم إن هذا الفقه لا يأبَى إيقاع عقوبة التعزير على القاتل في هذه الجناية إذا رأى الإمام مصلحة في ذلك، وهذا المنهج في العقوبة أعدل من منهج القانون من وجوه:

أولا: نترك العقوبة البدنية التي نص عليها القانون، فإنه يمكن إدخالها في عقوبة التعزير في الفقه الإسلامي بصورتها العادية أو المشددة، فلا مجال حينئذ للكلام في هذه الناحية سوى أنه يجب أن يراعى في تقديرها تحقيق مصلحة المجتمع.

ثانيا: العقوبة المادية، وهي تتمثل في الفقه الإسلامي في: الدية والكفارة والحرمان من الميراث.

ويمكن أن نقول: إن هذا النوع من العقوبة -وخاصة الدية- يقابلها في القانون التعويض المدني -مع بعض التجاوز في تكييف كل من العقوبتين- إلا أن الفقه الإسلامي في هذا المجال -كما في غيره- يعلو على كل علاج لسد باب الجريمة وردع الجناة وزجر الآخرين، وذلك من وجوه:

ص: 371

الأول: أن الدية التي يجب دفعها إلى ولي الدم -على التفصيل الذي ذكرناه فيما تقدم- هي مقدار من المال حدده المشرع الحكيم على أساس موضوعي، لا يتفاوت بين إنسان وآخر بالعوارض الصحية أو الجسمانية أو الاجتماعية من كثرة كسب أو قلته، وبعكس هذا جعل القانون أساس التعويض ذاتيا وليس موضوعيا، ويتفاوت التعويض عندهم من شخص إلى شخص آخر باعتبار الظروف التي تحيط بمن وقع عليه الضرر طبقا لحالته الشخصية والصحية والجسمانية، وكذا المالية باعتبار كثرة كسبه أو قلته.

وبهذا المعيار الذي قرره القانون يتأصل التفاوت بين الناس تفاوتا لا يمكن حصره ولا ضبطه مما يتيح فرصة للتباين بين تقدير وتقدير، وحكم وحكم، وشخص وشخص، باعتبارات لا حصر لها.

وهذا ما عالجه الفقه الإسلامي علاجا موضوعيا؛ إذ إنه قد نظر إلى النفس البشرية، لا بهذه الاعتبارات، بل باعتبار إنسانيتها، وكونها كائنا حيا وقع عليه اعتداء، أحس بهذا الاعتداء الفقير والغني بإحساس واحد، ووقع عليهما ألم واحد، وفقد كل منهما ما فقده الآخر، ومن هنا كان موجب الجناية واحدا، فإن الأمور والاعتبارات التي قررها شراح القانون تعتبر عرضا لا جوهرا، والعرض من خاصيته التغير والتبدل، فقد يكون صحيحا اليوم ومريضا غدا -لا بسبب- وقد يكون غنيا في هذه اللحظة وفقيرا في اللحظة التي تليها، وقد يكون خامل الذكر آنًا ثم يعلو شأنه بعد قليل.. فهذه صفة العرض.

أما النظر إلى الجوهر وإلى الموضوع فهو أعدل وأدق، وهذا ما توخته الشريعة الإسلامية.

وأما كون الدية على القاتل، أو على العاقلة -كما رجحنا1 آنفا- فإن

1 راجع المقصد الأول من المطلب الثاني من هذا الفصل.

ص: 372

ما نود أن نشير إليه هو أن الفقه الإسلامي يجعل هذا الحق واجب الأداء إلى ولي الدم، أيا كان المتحمل لهذا المال، فإنه في حالة عجز المتحمل عن الأداء، فإن بيت المال هو الذي يقوم بسداد الدية إلى ولي الدم؛ لأن بيت المال هو الذي يرث من لا وارث له، فيجب أن يدي من لا يمكن أداء ديته؛ لأن الغنم بالغرم، وليس في الإسلام دم يهدر، إلا ما أهدره المشرع الحكيم لحكمة رآها ومصلحة قدرها، فإذا كان الشخص معصوما، واعتدي عليه، فإن دمه لا يضيع بأي سبب من الأسباب..

وهذا تقدير رفيع وسمو في التشريع لا يدانيه تقدير، ولا يلحقه تشريع، يوثق الروابط بين الفرد والمجتمع، بين الفرد ودولته، ويجعل حرص الفرد والجماعة على الدولة لا يدانيه إلا حرص الدولة على الفرد والجماعة؛ نظرا للتكافل التام بين الاثنين، وهذا بالإضافة إلى ربط الفرد بعاقلته رباطا يجعلها دائما تحرص على توجيه النصح والإرشاد لأفرادها، والتحذير والتأديب لمن يشذ من بينهم؛ نظرا لما يلحقهم جميعا من الغرامة، وسنبحث في فقرة مستقلة نظام العاقلة في الفقه الإسلامي في مبحث الجريمة خطأ.

أما التعويض المدني في القانون، فإنه منظور إليه على أنه حق شخصي يتعلق بذمة من يتسبب فيه، ومن شأن الحقوق الشخصية أنه إذا وجد له مال أمكن الوفاء بالتعويض، وإن لم يوجد له مال حتى موته ضاع حق صاحب الحق، وأصبحت أسرة المجني عليه في حالة يُرثى لها.

وهذا المسلك فضلا عن أنه يغري العاطلين وحثالة الناس على الإجرام -وهذا خطر كبير- فإنه يفتح مجالا للتهرب من مثل هذه الحقوق قبل وجوبها، في المرحلة التي تسبق الإعداد للجريمة، طالما أن ذلك يضيع حتى أصحاب الحق، مما يفتت الترابط والتعاطف بين الدولة والأفراد.

والثاني: أنه بجانب الدية أوجب الفقه الإسلامي عقوبتين أخريين:

ص: 373

أولاهما: الكفارة، وهي حق من حقوق الله تعالى، يجب في ذمة القاتل وفي ماله، وقد سبق أن بينا نوعها في القتل العمد1.

وثانيتهما: حرمان القاتل من ميراث مقتوله؛ سدا لباب الطمع، في الوصول إلى ماله قبل أن يئون أوانه2.

ولعلنا بهذا ندرك عدالة العقوبة في الفقه الإسلامي وإحاطتها وشمولها وعلاجها لكل الجوانب التي تسد باب الجريمة وتوثق الروابط بين الجميع.

1 راجع مبحث الكفارة "النوع الثالث من المطلب الثاني من الفصل الأول".

2 راجع مبحث الحرمان من الميراث "النوع الثاني من المطلب الثاني من الفصل الثاني".

ص: 374