الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجريمة والجناية في الفقه الوضعي:
عرف بعض فقهاء القانون الجريمة بأنها "الواقعة التي ورد بتحريمها نص جنائي -إذا أحدثها- في غير حالات الإباحة المقررة قانونا شخص مسئول جنائيا"1.
وأما الجناية عندهم فهي أحد أقسام الجرائم؛ إذ الجرائم من حيث جسامة العقوبة المقررة لها، أو عدم جسامتها قسمها التقنين الجنائي المصري في المادة 9 إلى ثلاثة أقسام: جنايات، وجنح، ومخالفات2.
وعرف الجنايات في المادة 10 بأنها "الجرائم المعاقب عليه بالعقوبات الآتية:
الإعدام، الأشغال الشاقة المؤبدة، الأشغال الشاقة المؤقتة، السجن"3.
1 القانون الجنائي "النظريات العامة" للدكتور علي راشد ص106.
2 ومثله العراقي في المادة 6، الليبي في المادة 52، والسوري في المادة 178. أما التشريع السوداني فلم يأخذ بفكرة تقسيم الجرائم، وإنما اكتفى في القسم العام من قانون العقوبات بتعداد العقوبات المقررة فيه، ثم وضع لكل جريمة عقوبتها في القسم الخاص منه وذلك حسب جسامتها.
3 ويقابل هذه المادة في ق. ع المادة 7، وق. ل م 53، وق س م 37، 38، مع اختلاف بينهم في نوع العقوبة.
ونص في المادة 11 على أن الجنح هي "الجرائم المعاقب عليها بالعقوبات الآتية:
الحبس الذي يزيد أقصى مدته على أسبوع، الغرامة التي يزيد أقصى مقدارها على جنيه مصري"1.
ونص في المادة 12 على أن المخالفات هي "الجرائم المعاقب عليها بالعقوبات الآتية:
الحبس الذي لا يزيد أقصى مدته على أسبوع، الغرامة التي لا يزيد مقدارها على جنيه مصري"2.
الفرق بين اصطلاحات الفقه الإسلامي والفقه الوضعي:
تبين لنا مما سبق رأي الفقه الإسلامي في مدلول الجريمة والجناية، وأنهما مترادفان، وإن كان بعض الفقهاء تعارفوا إطلاق لفظ الجناية على الاعتداء على الآدمي، إلا أن الآخرين جعلوهما سواء في دلالتهما على ارتكاب فعل محظور شرعا وضع الشرع له عقوبة، إما مقدرة بنص أو باجتهاد من وكل إليه تقديرها الإمام أو نائبه.
ومن هذا يتبين لنا التفاوت بين الفقهين: تفاوت يظهر في عدة جوانب: يظهر في أن التجريم والعقاب في الفقه الإسلامي هو من وضع الخالق جل شأنه، فلا تغيير ولا تبديل ولا نقصان، إلا في حدود ما رسمه وقدره
1 ويقابل هذه المادة في: ق، ع، م: 8، وق، ل، م: 54، ق، س، م:39.
2 ويقابل هذه المادة في: ق، ع، م: 9، وق، ل، م: 55، وق، س، م:41.
وفي هذا المسلك ثابت واستقرار لفكرة التحريم والعقاب، وعكس ذلك القانون الوضعي.
وفي أن كل الأفعال المحظورة شرعًا والمعاقب عليها هي جرائم وهي جنايات، سواء كانت عقوبتها جسيمة أو غير جسيمة؛ لأنها كلها متساوية في أنها انتهاك لحرمات الله تعالى.
وإذا اتفق الفقهان في أن الهدف من تجريم بعض الأفعال ووضع العقوبات لها هو رعاية مصالح المجتمع، فإن الشريعة الإسلامية تتميز باتساع دائرة رعاية هذه المصالح، وربما تهدف إليه من تعميق جذور الصلة بين الإنسان وخالقه -جل شأنه- أولا، وبين الإنسان ومجتمعه ثانيا، وهذا ما تفتقده نظرة المجتمع إلى القوانين الوضعية، مما أدى إلى انتشار الجرائم، واعتياد الإجرام، وأدى هذا بدوره إلى إقلاق الأمن ووأد الطمأنينة في ظل هذه القوانين، وقد سبق أن أشرنا إلى هذا.