المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[رفع الصوت بذبح الموت] - الحاوي للفتاوي - جـ ٢

[الجلال السيوطي]

فهرس الكتاب

- ‌[الْمِنْحَةُ فِي السُّبْحَةِ]

- ‌[أَعْذَبُ الْمَنَاهِلِ فِي حَدِيثِ مَنْ قَالَ أَنَا عَالِمٌ فَهُوَ جَاهِلٌ]

- ‌[حُسْنُ التَّسْلِيكِ فِي حُكْمِ التَّشْبِيكِ]

- ‌[شَدُّ الْأَثْوَابِ فِي سَدِّ الْأَبْوَابِ]

- ‌[الْعَجَاجَةُ الزَّرْنَبِيَّةُ فِي السُّلَالَةِ الزَّيْنَبِيَّةِ]

- ‌[آخِرُ الْعَجَاجَةِ الزَّرْنَبِيَّةِ فِي السُّلَالَةِ الزَّيْنَبِيَّةِ]

- ‌[الدُّرَّةُ التَّاجِيَّةُ عَلَى الْأَسْئِلَةِ النَّاجِيَةِ]

- ‌[رَفْعُ الْخِدْرِ عَنْ قَطْعِ السِّدْرِ]

- ‌[الْعُرْفُ الْوَرْدِيُّ فِي أَخْبَارِ الْمَهْدِيِّ]

- ‌[الْكَشْفُ عَنْ مُجَاوَزَةِ هَذِهِ الْأُمَّةِ الْأَلْفَ]

- ‌[الحديث المشهور على الألسنة أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَا يَمْكُثُ فِي قَبْرِهِ أَلْفَ سَنَةٍ]

- ‌[ذِكْرُ مَا وَرَدَ أَنَّ مُدَّةَ الدُّنْيَا سَبْعَةُ آلَافِ سَنَةٍ]

- ‌[ذِكْرُ مَا وَرَدَ أَنَّ الدَّجَّالَ يَخْرُجُ عَلَى رَأْسِ مِائَةٍ]

- ‌[ذِكْرُ مُدَّةِ مُكْثِ النَّاسِ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا]

- ‌[ذِكْرُ مُدَّةِ مَا بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ]

- ‌[كَشْفُ الرَّيْبِ عَنِ الْجَيْبِ]

- ‌[كِتَابُ الْبَعْثِ] [

- ‌هَلْ وَرَدَ أَنَّ الزَّامِرَ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِمِزْمَارِهِ]

- ‌[حَدِيثُ أَوَّلُ مَا يَأْكُلُهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ]

- ‌[حَدِيثِ الطَّبَرَانِيِّ أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِ اللَّهِ حُورٌ عِينٌ]

- ‌[هَلْ وَرَدَ أَنَّ عَدَدَ دَرَجِ الْجَنَّةِ بِعَدَدِ آيِ الْقُرْآنِ]

- ‌[رَفْعُ الصَّوْتِ بِذَبْحِ الْمَوْتِ]

- ‌[إِتْحَافُ الْفِرْقَةِ بِرَفْوِ الْخِرْقَةِ]

- ‌[بُلُوغُ الْمَأْمُولِ فِي خِدْمَةِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌ الْإِيمَانُ

- ‌[مَبْحَثُ الْإِلَهِيَّاتِ]

- ‌[إِتْمَامُ النِّعْمَةِ فِي اخْتِصَاصِ الْإِسْلَامِ بِهَذِهِ الْأُمَّةِ]

- ‌[تَنْزِيهُ الِاعْتِقَادِ عَنِ الْحُلُولِ وَالِاتِّحَادِ]

- ‌[مَبْحَثُ النُّبُوَّاتِ]

- ‌[تَزْيِينُ الْآرَائِكِ فِي إِرْسَالِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمَلَائِكِ]

- ‌[الجواب على قَوْلِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُبْعَثْ إِلَى الْمَلَائِكَةِ]

- ‌[ذِكْرُ الْأَدِلَّةِ الَّتِي أَخَذْتُ مِنْهَا إِرْسَالَهُ إِلَى الْمَلَائِكَةِ]

- ‌[أَنْبَاءُ الْأَذْكِيَاءِ بِحَيَاةِ الْأَنْبِيَاءِ]

- ‌[كِتَابُ الْإِعْلَامِ بِحُكْمِ عِيسَى عليه السلام]

- ‌[لُبْسُ الْيَلَبِ فِي الْجَوَابِ عَنْ إِيرَادِ حَلَبَ]

- ‌[مَبْحَثُ الْمَعَادِ]

- ‌[اللُّمْعَةُ فِي أَجْوِبَةِ الْأَسْئِلَةِ السَّبْعَةِ]

- ‌[الِاحْتِفَالُ بِالْأَطْفَالِ]

- ‌[طُلُوعُ الثُّرَيَّا بِإِظْهَارِ مَا كَانَ خَفِيًّا]

- ‌[أَحْوَالُ الْبَعْثِ]

- ‌[تُحْفَةُ الْجُلَسَاءِ بِرُؤْيَةِ اللَّهِ لِلنِّسَاءِ]

- ‌[مَسَالِكُ الْحُنَفَا فِي وَالِدَيِ الْمُصْطَفَى]

- ‌[الْفَتَاوَى الصوفية]

- ‌[الزهد]

- ‌[الْقَوْلُ الْأَشْبَهُ فِي حَدِيثِ مَنْ عَرَفَ نَفْسَهُ فَقَدْ عَرَفَ رَبَّهُ]

- ‌[الْخَبَرُ الدَّالُّ عَلَى وُجُودِ الْقُطْبِ وَالْأَوْتَادِ وَالنُّجَبَاءِ وَالْأَبْدَالِ]

- ‌[تَنْوِيرُ الْحَلَكِ فِي إِمْكَانِ رُؤْيَةِ النَّبِيِّ وَالْمَلَكِ]

- ‌[الْفَتَاوَى النَّحْوِيَّةُ وَمَا ضُمَّ إِلَيْهَا]

- ‌[مسائل متفرقة في النحو]

- ‌[فَجْرُ الثَّمْدِ فِي إِعْرَابِ أَكْمَلِ الْحَمْدِ]

- ‌[أَلْوِيَةُ النَّصْرِ فِي خِصِّيصَى بِالْقَصْرِ]

- ‌[الزَّنْدُ الْوَرِيُّ فِي الْجَوَابِ عَنِ السُّؤَالِ السَّكَنْدَرِيِّ]

- ‌[رَفْعُ السِّنَةِ فِي نَصْبِ الزِّنَةِ]

- ‌[الْأَجْوِبَةُ الزَّكِيَّةُ عَنِ الْأَلْغَازِ السُّبْكِيَّةِ]

- ‌[الْأَسْئِلَةُ الْمِائَةُ]

- ‌[تَعْرِيفُ الْفِئَةِ بِأَجْوِبَةِ الْأَسْئِلَةِ الْمِائَةِ]

- ‌[الْأَسْئِلَةُ الْوَزِيرِيَّةُ وَأَجْوِبَتُهَا]

- ‌[الْأَوْجُ فِي خَبَرِ عَوْجٍ]

الفصل: ‌[رفع الصوت بذبح الموت]

[رَفْعُ الصَّوْتِ بِذَبْحِ الْمَوْتِ]

بسم الله الرحمن الرحيم

مَسْأَلَةٌ: فِي الْحَدِيثِ: " «إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، وَأَهْلُ النَّارِ النَّارَ يُؤْتَى بِالْمَوْتِ فِي صُورَةِ كَبْشٍ أَمْلَحَ، فَيُوقَفُ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَيُقَالُ لِلْفَرِيقَيْنِ: أَتَعْرِفُونَ هَذَا؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، هُوَ الْمَوْتُ، فَيُذْبَحُ» ". إِلَى آخِرِهِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمَوْتَ عَرَضٌ وَهُوَ لَا يَقْبَلُ الِانْتِقَالَ، وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ مَحَلٍّ لِعَدَمِ قِيَامِهِ بِنَفْسِهِ، وَلَا يَتَأَلَّفُ وَلَا يَتَجَسَّدُ وَلَا يَتَصَوَّرُ بِصُورَةِ الْجِسْمِ، وَكَيْفَ يَعْرِفُهُ الْفَرِيقَانِ وَلَمْ يُشَاهِدَاهُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ قَبْلَ ذَلِكَ؟ وَمَا النُّكْتَةُ فِي فَرَحِ أَهْلِ الْجَنَّةِ بِذَبْحِهِ مَعَ عِلْمِهِمْ بِأَنَّهُ لَا مَوْتَ فِي الْجَنَّةِ، وَلَا خُرُوجَ بَعْدَ دُخُولِهَا لِمَا تَقَدَّمَ لَهُمْ مِنْ أَخْبَارِ أَنْبِيَائِهِمْ، وَتِلَاوَةِ كُتُبِهِمْ؟ .

الْجَوَابُ: اشْتَمَلَ هَذَا الْكَلَامُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَسْئِلَةٍ: فَأَمَّا الْأَوَّلُ: فَإِنَّهُ إِشْكَالٌ قَدِيمٌ لَهُ فِي الْوُجُودِ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعِمِائَةِ سَنَةٍ، قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ: اسْتُشْكِلَ هَذَا الْحَدِيثُ لِكَوْنِهِ يُخَالِفُ صَرِيحَ الْعَقْلِ ; لِأَنَّ الْمَوْتَ عَرَضٌ، وَالْعَرَضُ لَا يَنْقَلِبُ جِسْمًا، فَكَيْفَ يُذْبَحُ؟ فَأَنْكَرَتْ طَائِفَةٌ صِحَّةَ الْحَدِيثِ وَدَفَعَتْهُ، وَتَأَوَّلَتْهُ طَائِفَةٌ، فَقَالُوا: هَذَا تَمْثِيلٌ، وَلَا ذَبْحَ هُنَاكَ حَقِيقَةً.

وَقَالَ المازري: الْمَوْتُ عِنْدَنَا عَرَضٌ مِنَ الْأَعْرَاضِ، وَعِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ عَدَمٌ مَحْضٌ، وَعَلَى الْمَذْهَبَيْنِ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ كَبْشًا وَلَا جِسْمًا، وَالْمُرَادُ بِهَذَا التَّمْثِيلُ وَالتَّشْبِيهُ، قَالَ: وَقَدْ يَخْلُقُ اللَّهُ تَعَالَى هَذَا الْجِسْمَ ثُمَّ يُذْبَحُ ثُمَّ يُجْعَلُ مِثَالًا ; لِأَنَّ الْمَوْتَ لَا يَطْرَأُ عَلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَنَقَلَهُ النووي فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ، وَقَالَ القرطبي فِي التَّذْكِرَةِ: الْمَوْتُ مَعْنًى، وَالْمَعَانِي لَا تَنْقَلِبُ جَوْهَرًا، وَإِنَّمَا يَخْلُقُ اللَّهُ أَشْخَاصًا مِنْ ثَوَابِ الْأَعْمَالِ، وَكَذَا الْمَوْتُ يَخْلُقُ اللَّهُ كَبْشًا يُسَمِّيهِ الْمَوْتَ، وَيُلْقَى فِي قُلُوبِ الْفَرِيقَيْنِ: أَنَّ هَذَا الْمَوْتَ يَكُونُ ذَبْحُهُ دَلِيلًا عَلَى الْخُلُودِ فِي الدَّارَيْنِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: لَا مَانِعَ أَنْ يُنْشِئَ اللَّهُ تَعَالَى مِنَ الْأَعْرَاضِ أَجْسَادًا بِجَعْلِهَا مَادَّةً لَهَا، كَمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ فِي حَدِيثِ:" «إِنَّ الْبَقَرَةَ وَآلَ عِمْرَانَ يَجِيئَانِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ» " وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْأَحَادِيثِ. وَقَدْ تَلَخَّصَ مِمَّا سُقْنَاهُ مِنْ كَلَامِ الْعُلَمَاءِ أَرْبَعَةُ أَجْوِبَةٍ، وَبَقِيَ خَامِسٌ لَمْ أُحِبَّ ذِكْرَهُ.

وَأَمَّا السُّؤَالُ الثَّانِي: وَهُوَ كَيْفَ يَعْرِفُهُ الْفَرِيقَانِ وَلَمْ يُشَاهِدَاهُ؟ فَجَوَابُهُ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِ القرطبي: وَيُلْقَى فِي قُلُوبِ الْفَرِيقَيْنِ إِلَى آخِرِهِ، وَحَاصِلُهُ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُلْقِي فِي قُلُوبِهِمْ مَعْرِفَةَ ذَلِكَ، وَجَوَابٌ ثَانٍ: وَهُوَ أَنَّ الكلبي

ص: 115

ومقاتلا ذَكَرَا فِي تَفْسِيرِهِمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ} [الملك: 2] أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ الْمَوْتَ فِي صُورَةِ كَبْشٍ، لَا يَمُرُّ عَلَى أَحَدٍ إِلَّا مَاتَ، وَخَلَقَ الْحَيَاةَ فِي صُورَةِ فَرَسٍ لَا تَمُرُّ عَلَى شَيْءٍ إِلَّا حَيِيَ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَيِّتَ يُشَاهِدُ حُلُولَ الْمَوْتِ بِهِ فِي صُورَةِ كَبْشٍ، فَلَا إِشْكَالَ حِينَئِذٍ.

وَأَمَّا السُّؤَالُ الثَّالِثُ: فَهُوَ قَدِيمٌ أَيْضًا، وَجَوَابُهُ: أَنَّهُ وَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ عِنْدَ ابْنِ حِبَّانَ أَنَّهُمْ يَطَّلِعُونَ خَائِفِينَ أَنْ يُخْرَجُوا مِنْ مَكَانِهِمُ الَّذِي هُمْ فِيهِ، وَفُسِّرَ بِأَنَّهُ تَوَهُّمٌ لَا يَسْتَقِرُّ، وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ تَقَدُّمَ عِلْمِهِمْ بِأَنَّهُ لَا مَوْتَ فِي الْآخِرَةِ ; لِأَنَّ التَّوَهُّمَاتِ تَطْرَأُ عَلَى الْمَعْلُومَاتِ، ثُمَّ لَا تَسْتَقِرُّ، فَكَانَ فَرَحُهُمْ بِإِزَالَةِ التَّوَهُّمِ. وَجَوَابٌ ثَانٍ: وَهُوَ أَنَّ عَيْنَ الْيَقِينِ أَقْوَى مِنْ عِلْمِ الْيَقِينِ، فَمُشَاهَدَتُهُمْ ذَبْحَ الْمَوْتِ أَقْوَى وَأَشَدُّ فِي انْتِفَائِهِ مِنْ تَقَدُّمِ عِلْمِهِمْ ; إِذِ الْعِيَانُ أَقْوَى مِنَ الْخَبَرِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

مَسْأَلَةٌ: ثعلبة الَّذِي رُوِيَ أَنَّهُ نَزَلَ فِيهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ} [التوبة: 75] الْآيَاتِ، ذَكَرَ الباوردي، وَابْنُ السَّكَنِ، وابن شاهين، وَغَيْرُهُمْ أَنَّهُ ثعلبة بن حاطب أَحَدُ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا، قَالَ الحافظ ابن حجر فِي الْإِصَابَةِ: وَلَا أَظُنُّ الْخَبَرَ يَصِحُّ، وَإِنْ صَحَّ فَفِي كَوْنِهِ هُوَ الْبَدْرِيَّ نَظَرٌ، وَقَدْ ذَكَرَ ابن الكلبي: أَنَّ ثعلبة بن حاطب الَّذِي شَهِدَ بَدْرًا قُتِلَ بِأُحُدٍ فَتَأَكَّدَتِ الْمُغَايَرَةُ بَيْنَهُمَا ; فَإِنَّ صَاحِبَ الْقِصَّةِ تَأَخَّرَ فِي خِلَافَةِ عثمان، قَالَ: وَيُقَوِّي ذَلِكَ أَنَّ فِي تَفْسِيرِ ابن مردويه - ثعلبة بن أبي حاطب - والبدري اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ ثعلبة بن حاطب، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" «لَا يَدْخُلُ النَّارَ أَحَدٌ شَهِدَ بَدْرًا وَالْحُدَيْبِيَةَ» "، وَحَكَى عَنْ رَبِّهِ أَنَّهُ قَالَ لِأَهْلِ بَدْرٍ:" «اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ» ". فَمَنْ يَكُونُ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ؟ كَيْفَ يُعْقِبُهُ اللَّهُ نِفَاقًا فِي قَلْبِهِ، وَيَنْزِلُ فِيهِ مَا يَنْزِلُ؟ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ غَيْرُهُ، انْتَهَى.

وَنَظِيرُ هَذَا مَا رُوِيَ فِي سَبَبِ نُزُولِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ} [الأحزاب: 53] الْآيَةَ. أَنَّ طلحة بن عبيد الله قَالَ: يَتَزَوَّجُ مُحَمَّدٌ بَنَاتَ عَمِّنَا وَيَحْجُبُهُنَّ عَنَّا، لَئِنْ مَاتَ لَأَتَزَوَّجَنَّ عائشة مِنْ بَعْدِهِ، فَنَزَلَتْ، وَقَدْ كُنْتُ فِي وَقْفَةٍ شَدِيدَةٍ مِنْ صِحَّةِ هَذَا الْخَبَرِ ; لِأَنَّ طلحة أَحَدُ الْعَشَرَةِ أَجَلُّ مَقَامًا مِنْ أَنْ يَصْدُرَ مِنْهُ ذَلِكَ، حَتَّى رَأَيْتُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ رَجُلٌ آخَرُ شَارَكَهُ فِي اسْمِهِ وَاسْمِ أَبِيهِ وَنَسَبِهِ ; فَإِنَّ طلحة الْمَشْهُورَ الَّذِي هُوَ أَحَدُ الْعَشَرَةِ - طلحة بن عبيد الله بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم التيمي - وطلحة صَاحِبُ

ص: 116

الْقِصَّةِ - طلحة بن عبيد الله بن مسافع بن عياض بن صخر بن عامر بن كعب بن سعد بن تيم التيمي - قَالَ أبو موسى فِي الذَّيْلِ عَنِ ابن شاهين فِي تَرْجَمَتِهِ: هُوَ الَّذِي نَزَلَ فِيهِ: {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ} [الأحزاب: 53] الْآيَةَ، وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ: لَئِنْ مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ لَأَتَزَوَّجَنَّ عائشة، وَقَالَ: إِنَّ جَمَاعَةً مِنَ الْمُفَسِّرِينَ غَلِطُوا، وَظَنُّوا أَنَّهُ طلحة أَحَدُ الْعَشَرَةِ.

مَسْأَلَةٌ: أَبُو ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيُّ مَا اسْمُهُ، وَمَا اسْمُ أَبِيهِ؟ .

الْجَوَابُ: اسْمُهُ جرهم - بِضَمِّ الْجِيمِ وَالْهَاءِ - قَالَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، وَآخَرُونَ، وَقِيلَ: جرثوم - بِضَمِّ الْجِيمِ وَالْمُثَلَّثَةِ - وَقِيلَ: جرثومة، وَقِيلَ: عمرو، وَقِيلَ: شم - بِكَسْرِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ - وَاسْمُ أَبِيهِ ناشم -بِالنُّونِ وَالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ - جَزَمَ بِذَلِكَ النووي فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ، وَقِيلَ: ناشب، وَقِيلَ: ناشر، وَقِيلَ: ناشج.

مَسْأَلَةٌ: أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ هَلْ لَهُ عَقِبٌ؟ .

الْجَوَابُ: لَمْ يُعْقِبْ شَيْئًا بَلْ كَانَ لَهُ وَلَدَانِ: زيد، وعمير مَاتَا صَغِيرَيْنِ، وَلَيْسَ لَهُ عَقِبٌ، صَرَّحَ بِذَلِكَ ابن سعد فِي الطَّبَقَاتِ، وَنَقَلَهُ عَنْهُ الحافظ جمال الدين المزي فِي التَّهْذِيبِ.

مَسْأَلَةٌ: فِيمَا رَوَاهُ بَعْضُ أَهْلِ هَذَا الزَّمَانِ لِشَخْصٍ مِنْ أَكَابِرِ الْأَعْيَانِ أَنَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الرِّوَايَةِ سِتَّةُ أَنْفُسٍ، وَذَلِكَ أَنَّ شَيْخَهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ رَوَى عَنْ شَخْصٍ مِنْ أَصْحَابِ سيدي يوسف عَنْ شَيْخِهِ النَّسْرِ - أَيْ عَنْ شَيْخِهِ - سيدي أبي العباس الملثم، عَنْ معمر الصَّحَابِيِّ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَآهُ يَوْمَ الْخَنْدَقِ وَهُوَ يَنْقُلُ التُّرَابَ بِغَلَقَيْنِ، وَبَقِيَّةُ الصَّحَابَةِ يَنْقُلُونَ بِغَلَقٍ وَاحِدٍ، فَضَرَبَ بِكَفِّهِ الشَّرِيفِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ، وَقَالَ لَهُ:" «عَمَّرَكَ اللَّهُ يَا معمر» " فَعَاشَ بَعْدَ ذَلِكَ أَرْبَعَمِائَةِ سَنَةٍ بِبَرَكَةِ الضَّرَبَاتِ الَّتِي ضَرَبَهَا بَيْنَ كَتِفَيْهِ، فَإِنَّهَا كَانَتْ أَرْبَعَ ضَرَبَاتٍ بِعَدَدِ كُلٍّ مِائَةُ سَنَةٍ، وَقَالَ لَهُ بَعْدَ أَنْ صَافَحَهُ: مَنْ صَافَحَكَ إِلَى سِتٍّ أَوْ سَبْعٍ لَمْ تَمَسَّهُ النَّارُ، أَرَوَى ذَلِكَ أَحَدٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ أَمْ هُوَ كَذِبٌ وَافْتِرَاءٌ، لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ نَقْلُهُ لِأَحَدٍ مِنَ النَّاسِ فَضْلًا عَنْ أَكَابِرِ الْأُمَرَاءِ؟ .

الْجَوَابُ: هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الشَّيْخُ صلاح الدين الطرابلسي مَرَّةً فِي مَجْلِسِ الأمير تمراز، وَكُنْتُ حَاضِرًا، فَقُلْتُ لَهُ: هَذَا بَاطِلٌ، ومعمر هَذَا كَذَّابٌ دَجَّالٌ، وَأَوْرَدْتُ لَهُ الْحَدِيثَ الصَّحِيحَ الَّذِي قَالَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ وَفَاتِهِ بِشَهْرٍ:" «أَرَأَيْتُكُمْ لَيْلَتَكُمْ هَذِهِ، فَإِنَّ عَلَى رَأْسِ مِائَةِ سَنَةٍ لَا يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ الْيَوْمَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ أَحَدٌ» "، وَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ أَهْلَ الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِمْ

ص: 117

قَالُوا: إِنَّ مَنِ ادَّعَى الصُّحْبَةَ بَعْدَ مِائَةِ سَنَةٍ مِنْ وَفَاتِهِ صلى الله عليه وسلم فَهُوَ كَاذِبٌ، وَأَنَّ آخِرَ الصَّحَابَةِ مَوْتًا أَبُو الطُّفَيْلِ، مَاتَ سَنَةَ عَشْرٍ وَمِائَةٍ مِنَ الْهِجْرَةِ، فَقَالَ لِي: لَا بُدَّ مِنْ نَقْلٍ فِي هَذَا بِخُصُوصِهِ، فَلَمَّا رَجَعْتُ رَأَيْتُ الْمِيزَانَ للذهبي، فَرَأَيْتُهُ ذَكَرَ معمر بن بريك، وَأَنَّهُ عُمِّرَ مِئِينَ مِنَ السِّنِينَ، وَرُوِيَ عَنْهُ أَحَادِيثُ خُمَاسِيَّةٌ بَاطِلَةٌ، وَهِيَ كَذِبٌ وَاضِحٌ، وَقَالَ: إِنَّهُ مِنْ نَمَطِ رَتَنٍ الْهِنْدِيِّ، فَقَبَّحَ اللَّهُ مَنْ يَكْذِبُ، فَأَرْسَلْتُ الْمِيزَانَ للشيخ صلاح الدين فَرَآهُ فَشَكَرَ وَدَعَا، ثُمَّ بَعْدَ مُدَّةٍ أَرَانِي شَخْصٌ وَرَقَةً فِيهَا تَحْدِيثُ الشيخ صلاح الدين بِهَذَا الْحَدِيثِ، وَإِجَازَتِهِ إِيَّاهُ، فَكَتَبْتُ فِيهَا أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ كَذِبٌ، لَا تَحِلُّ رِوَايَتُهُ، وَلَا التَّحْدِيثُ بِهِ، فَلْيَعْلَمْ كُلُّ مُسْلِمٍ أَنَّ معمرا هَذَا دَجَّالٌ كَذَّابٌ، وَقِصَّتُهُ هَذِهِ كَذِبٌ وَافْتِرَاءٌ، لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُحَدِّثَ بِهَا وَلَا يَرْوِيَهَا، وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ دَخَلَ فِي قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:" «مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ فَلْيَتَبَوَّءْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ» ".

ثُمَّ رَأَيْتُ بَعْدَ ذَلِكَ فُتْيَا قُدِّمَتْ للحافظ أبي الفضل بن حجر فِي معمر هَذَا، فَكَتَبَ عَلَيْهَا مَا نَصُّهُ - لَا تَخْلُو طَرِيقٌ مِنْ طَرِيقِ المعمر عَنْ مُتَوَقِّفٍ فِيهِ - حَتَّى المعمر نَفْسُهُ - فَإِنَّ مَنْ يَدَّعِي هَذِهِ الرُّتْبَةَ يَتَوَقَّفُ عَلَى ثُبُوتِ الْعَدَالَةِ، وَثُبُوتُ ذَلِكَ عَقْلًا لَا يُفِيدُ مَعَ وُرُودِ الشَّرْعِ بِنَفْيِهِ ; فَإِنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَخْبَرَ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ بِانْخِرَامِ قَرْنِهِ بَعْدَ مِائَةِ سَنَةٍ مِنْ يَوْمِ مَقَالَتِهِ الْمَشْهُورَةِ، فَمَنِ ادَّعَى الصُّحْبَةَ بَعْدَ ذَلِكَ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ مُخَالِفًا لِظَاهِرِ الْخَبَرِ.

ثُمَّ رَأَيْتُ فُتْيَا أُخْرَى رُفِعَتْ لَهُ، فَكَتَبَ عَلَيْهَا مَا نَصُّهُ - هَذَا الْحَدِيثُ لَا أَصْلَ لَهُ والمعمر الْمَذْكُورُ إِمَّا كَذَّابٌ أَوِ اخْتَلَقَهُ كَذَّابُ، وَآخِرُ الصَّحَابَةِ مَوْتًا مُطْلَقًا أَبُو الطُّفَيْلِ عَامِرُ بْنُ وَاثِلَةَ اللَّيْثِيُّ - ثَبَتَ ذَلِكَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْعُلَمَاءُ، وَاحْتَجَّ الْبُخَارِيُّ بِحَدِيثِ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِقَلِيلٍ:" «إِنَّ عَلَى رَأْسِ مِائَةِ سَنَةٍ مِنْ تِلْكَ اللَّيْلَةِ لَا يَبْقَى عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مِمَّنْ هُوَ عَلَيْهَا أَحَدٌ» " وَأَرَادَ بِذَلِكَ انْخِرَامَ الْقَرْنِ، فَكُلُّ مَنِ ادَّعَى الصُّحْبَةَ بَعْدَ أَبِي الطُّفَيْلِ فَهُوَ كَاذِبٌ، انْتَهَى جَوَابُ الحافظ ابن حجر.

مَسْأَلَةٌ: مَا سِنُّ عائشة وفاطمة رضي الله عنهما؟ وَكَمْ عَاشَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بَعْدَ وَفَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؟ وَأَيُّهُمَا أَفْضَلُ؟ .

الْجَوَابُ: أَمَّا عائشة رضي الله عنها فَسِنُّهَا بِضْعٌ وَسِتُّونَ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَزَوَّجَهَا قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِسَنَتَيْنِ، وَقِيلَ: بِسَنَةٍ وَنِصْفٍ، وَقِيلَ: بِثَلَاثِ سِنِينَ، وَمَاتَ عَنْهَا وَهِيَ بِنْتُ ثَمَانِي عَشْرَةَ سَنَةً، وَمَاتَتْ سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْسِينَ، وَقِيلَ: سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ، وَأَمَّا فاطمة رضي الله عنها، فَقَالَ الذهبي: الصَّحِيحُ أَنَّ عُمْرَهَا أَرْبَعٌ وَعِشْرُونَ سَنَةً، وَقِيلَ: إِحْدَى وَعِشْرُونَ،

ص: 118

وَقِيلَ: سِتٌّ وَعِشْرُونَ، وَقِيلَ: سَبْعٌ وَعِشْرُونَ، وَقِيلَ: ثَمَانٍ وَعِشْرُونَ، وَقِيلَ: تِسْعٌ وَعِشْرُونَ، وَقِيلَ: ثَلَاثُونَ، وَقِيلَ: ثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ، وَقِيلَ: خَمْسٌ وَثَلَاثُونَ، وَعَاشَتْ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سِتَّةَ أَشْهُرٍ عَلَى الصَّحِيحِ، وَقِيلَ: ثَمَانِيَةُ أَشْهُرٍ، وَقِيلَ: ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ، وَقِيلَ: شَهْرَانِ، وَأَمَّا أَيُّهُمَا أَفْضَلُ؟ فَثَلَاثَةُ مَذَاهِبَ، أَصَحُّهَا أَنَّ فاطمة رضي الله عنها أَفْضَلُ.

مَسْأَلَةٌ: قَالَ ابن سعد فِي الطَّبَقَاتِ: أَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، وَيَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ، وَمُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ التَّبُوذَكِيُّ قَالَ: أَنْبَأَ أبو عوانة، ثَنَا إسماعيل السدي قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ أَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى ابْنِهِ إبراهيم؟ قَالَ: لَا أَدْرِي رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَى إبراهيم لَوْ عَاشَ لَكَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا، هَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَقَالَ ابن عساكر فِي تَارِيخِهِ: أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ السَّمَرْقَنْدِيُّ، أَنَا أحمد بن أبي عثمان، أَنَا إسماعيل بن الحسن، ثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثَنَا أحمد بن محمد بن يحيى بن سعيد، ثَنَا عمرو بن محمد العنقزي، ثَنَا أسباط بن نصر عَنِ السدي قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ كَمْ كَانَ بَلَغَ إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: قَدْ كَانَ قَدْ مَلَأَ مَهْدَهُ، وَلَوْ بَقِيَ لَكَانَ نَبِيًّا، وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ لِيَبْقَى ; لِأَنَّ نَبِيَّكُمْ آخِرُ الْأَنْبِيَاءِ. وَقَالَ ابن عساكر: أَنَا أَبُو غَالِبٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ الْبَنَّاءِ، أَنَا أبو الحسين محمد بن أحمد بن الآبنوسي، أَنَا أبو الطيب عثمان بن عمرو بن محمد بن المنتاب، ثَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صَاعِدٍ، ثَنَا الحسين بن الحسن المروزي، أَنَا ابن مهدي، ثَنَا سفيان عَنِ السدي سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: لَوْ عَاشَ إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا.

وَقَالَ الباوردي فِي مَعْرِفَةِ الصَّحَابَةِ: ثَنَا محمد بن عثمان بن محمد، ثَنَا منجاب بن الحارث، ثَنَا أبو عامر الأسدي، ثَنَا سفيان عن السدي، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «لَوْ عَاشَ إبراهيم لَكَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا» ". وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، ثَنَا أبو أسامة، ثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ قَالَ: قُلْتُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى: هَلْ رَأَيْتَ إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: مَاتَ وَهُوَ صَغِيرٌ، وَلَوْ قُدِّرَ أَنْ يَكُونَ نَبِيٌّ بَعْدَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم لَعَاشَ ابْنُهُ إبراهيم، وَلَكِنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ.

وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ: أَنَا أَسْلَمُ بْنُ سَهْلٍ الْوَاسِطِيُّ، ثَنَا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ، ثَنَا محمد بن الحسين المدني عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ قَالَ: قُلْتُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى: هَلْ رَأَيْتَ إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: تُوُفِّيَ وَهُوَ صَغِيرٌ، وَلَوْ قُضِيَ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم نَبِيٌّ لَعَاشَ، وَلَكِنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ - أَخْرَجَهُ أبو يعلى - ثَنَا زكريا بن يحيى الواسطي، ثَنَا هشيم عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ بِهِ.

ص: 119

وَقَالَ ابن منده: أَنَا أحمد بن محمد بن زياد، ومحمد بن يعقوب قَالَ: ثَنَا أحمد بن عبد الجبار، ثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنْ إبراهيم بن عثمان، عَنِ الحكم عَنْ مقسم، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:«لَمَّا وَلَدَتْ مارية القبطية لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إبراهيم وَمَاتَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " إِنَّ لَهُ مُرْضِعًا فِي الْجَنَّةِ، وَلَوْ بَقِيَ لَكَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا» ". وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، ثَنَا مُحَمَّدُ بن يونس، ثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَوْسٍ أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ، ثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الحكم، عَنْ مقسم، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «لَمَّا مَاتَ إبراهيم ابن رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " إِنَّ لَهُ مُرْضِعًا فِي الْجَنَّةِ يُتِمُّ رَضَاعَهُ، وَلَوْ عَاشَ لَكَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا» ".

وَقَالَ ابن عساكر: أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ هِبَةُ اللَّهِ بْنُ سَهْلِ بْنِ عُمَرَ السُّدِّيُّ الْفَقِيهُ، وَأَبُو الْقَاسِمِ زَاهِرُ بْنُ طَاهِرٍ قَالَ: أَنَا أبو عثمان البحيري، أَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ حَمْدَانَ، أَنَا أحمد بن محمد بن سعيد الحافظ، ثَنَا عبيد بن إبراهيم الجعفي، ثَنَا الحسن بن أبي عبد الله الفراء، ثَنَا مصعب بن سلام، عَنْ أبي حمزة الثمالي، عَنْ أبي جعفر محمد بن علي، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «لَوْ عَاشَ إبراهيم لَكَانَ نَبِيًّا» ". وَقَالَ ابن عساكر: أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ زَاهِرُ بْنُ طَاهِرٍ الشَّحَّامِيُّ، أَنَا أبو حامد أحمد بن الحسين، أَنَا أبو محمد الحسن بن أحمد بن أحمد بن محمد، أَنَا أبو محمد الحسن بن محمد بن الحسن بن محمد بن جابر، ثَنَا إبراهيم بن الحسن الهمداني، ثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَرْوِيُّ، ثَنَا عيسى بن عبد الله عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ أَبِي جَدِّهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ:" «لَمَّا تُوُفِّيَ إبراهيم بن النبي صلى الله عليه وسلم أَرْسَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى أُمِّهِ مارية، فَجَاءَ بِهِ فَغَسَّلَهُ وَكَفَّنَهُ، وَخَرَجَ بِهِ، وَخَرَجَ النَّاسُ مَعَهُ فَدَفَنَهُ، وَأَدْخَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَدَهُ فِي قَبْرِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " أَمَا وَاللَّهِ إِنَّهُ لَنَبِيٌّ ابْنُ نَبِيٍّ، وَبَكَى وَبَكَى الْمُسْلِمُونَ حَوْلَهُ حَتَّى ارْتَفَعَ الصَّوْتُ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: تَدْمَعُ الْعَيْنُ، وَيَحْزَنُ الْقَلْبُ، وَلَا نَقُولُ مَا يُغْضِبُ الرَّبَّ، وَإِنَّا عَلَيْكَ يَا إِبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ» ". قَالَ ابن عساكر: عيسى - هو ابن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب لَيْسَ بِالْقَوِيِّ.

(فَصْلٌ) : قَالَ النووي فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ: وَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنْ بَعْضِ الْمُتَقَدِّمِينَ لَوْ عَاشَ إبراهيم لَكَانَ نَبِيًّا فَبَاطِلٌ، وَجَسَارَةٌ عَلَى الْكَلَامِ عَلَى الْمُغَيَّبَاتِ، وَمُجَازَفَةٌ وَهُجُومٌ عَلَى عَظِيمٍ، قَالَ الحافظ ابن حجر فِي الْإِصَابَةِ: وَهَذَا عَجِيبٌ مَعَ وُرُودِهِ عَنْ ثَلَاثَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ [وَكَأَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ وَجْهُ تَأْوِيلِهِ فَبَالَغَ فِي إِنْكَارِهِ، وَجَوَابُهُ أَنَّ الْقَضِيَّةَ شَرْطِيَّةٌ لَا تَسْتَلْزِمُ الْوُقُوعَ] ، وَلَا يُظَنُّ بِالصَّحَابِيِّ أَنَّهُ يَهْجُمُ عَلَى مِثْلِ هَذَا بِظَنِّهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

(فَصْلٌ) : رَوَى أبو داود عَنْ عائشة قَالَتْ: " «مَاتَ إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم وَهُوَ ابْنُ

ص: 120

ثَمَانِيَةَ عَشَرَ شَهْرًا فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم» " قَالَ ابْنُ حَزْمٍ: خَبَرٌ صَحِيحٌ. قَالَ الزركشي فِي تَخْرِيجِ أَحَادِيثِ الشَّرْحِ: اعْتَلَّ مَنْ سَلَّمَ تَرْكَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ بِعِلَلٍ، مِنْهَا أَنَّهُ اسْتَغْنَى بِفَضِيلَةِ أَبِيهِ عَنِ الصَّلَاةِ، كَمَا اسْتَغْنَى الشَّهِيدُ بِفَضِيلَةِ الشَّهَادَةِ، وَمِنْهَا أَنَّهُ لَا يُصَلِّي نَبِيٌّ عَلَى نَبِيٍّ، وَقَدْ جَاءَ أَنَّهُ لَوْ عَاشَ لَكَانَ نَبِيًّا، انْتَهَى.

(فَصْلٌ) : قَالَ الشيخ تقي الدين [السبكي] فِي حَدِيثِ: ( «كُنْتُ نَبِيًّا وَآدَمُ بَيْنَ الرُّوحِ وَالْجَسَدِ» )، فَإِنْ قُلْتَ: النُّبُوَّةُ وَصْفٌ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمَوْصُوفُ بِهِ مَوْجُودًا، وَإِنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ بُلُوغِ أَرْبَعِينَ سَنَةً أَيْضًا، فَكَيْفَ يُوصَفُ بِهِ قَبْلَ وُجُودِهِ وَقَبْلَ إِرْسَالِهِ؟ قُلْتُ: قَدْ جَاءَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ الْأَرْوَاحَ قَبْلَ الْأَجْسَادِ، فَقَدْ تَكُونُ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: كُنْتُ نَبِيًّا إِلَى رُوحِهِ الشَّرِيفَةِ، وَإِلَى حَقِيقَتِهِ، وَالْحَقَائِقُ تَقْصُرُ عُقُولُنَا عَنْ مَعْرِفَتِهَا، وَإِنَّمَا يَعْلَمُهَا خَالِقُهَا، وَمَنْ أَمَدَّهُ بِنُورٍ إِلَهِيٍّ، ثُمَّ إِنَّ تِلْكَ الْحَقَائِقَ يُؤْتِي اللَّهُ كُلَّ حَقِيقَةٍ مِنْهَا مَا يَشَاءُ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَشَاءُ، فَحَقِيقَةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَدْ تَكُونُ مِنْ قَبْلِ خَلْقِ آدَمَ، آتَاهَا اللَّهُ ذَلِكَ الْوَصْفَ بِأَنْ يَكُونَ خَلَقَهَا مُتَهَيِّئَةً لِذَلِكَ، وَأَفَاضَهُ عَلَيْهَا مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ، فَصَارَ نَبِيًّا انْتَهَى. وَمِنْ هَذَا يُعْرَفُ تَحْقِيقُ نُبُوَّةِ السَّيِّدِ إبراهيم فِي حَالِ صِغَرِهِ، وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ سِنَّ الْوَحْيِ.

مَسْأَلَةٌ: مِنْ قَاضِي الْقُضَاةِ، شَيْخِ الشُّيُوخِ تاج الدين بن عربشان الحنفي، الْمَسْئُولِ مِنْ تَفَضُّلَاتِ مَوْلَانَا شَيْخِ الْإِسْلَامِ - أَمْتَعَ اللَّهُ بِوُجُودِهِ الْأَنَامَ - تَوْضِيحُ التَّحْرِيرِ فِي ذِكْرِ أَوْلَادِ الْبَتُولِ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي مَجْلِسٍ عِنْدَ بَعْضِ عِظَامِ الْأُمَرَاءِ: أَنَّ أَوْلَادَهَا الحسن، والحسين، ومحسن، فَوَقَعَ مِنْ بَعْضِ الْحَاضِرِينَ تَوَقُّفٌ فِي محسن، فَنَظَمَ الْعَبْدُ ذَلِكَ فِي أَبْيَاتٍ، فَأَرَادَ عَرْضَ ذَلِكَ عَلَى الْمَسَامِعِ الْكَرِيمَةِ، أَفَاضَ اللَّهُ عَلَيْهَا نِعَمَهُ الْجَسِيمَةَ ; لِيَزُولَ مَا أَشْكَلَ مِنَ الْإِبْهَامِ بِقَصْدِ الِاسْتِفَادَةِ مِنَ الْإِمَامِ، فَإِنَّ الِاسْتِفَادَةَ مِنَ الْمَوْلَى أَحْرَى وَأَوْلَى، أَمَدَّ اللَّهُ عَلَى الْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ مِنْ مَدِيدِ فَضْلِكُمْ، وَأَغْدَقَ مِنْ وَافِرِ بَسِيطِ طَوِيلِكُمْ، فَإِنَّ بَابَكُمُ الْعَالِيَ كَعْبَةُ الْإِفَادَةِ رَزَقَكُمُ اللَّهُ الْحُسْنَى وَزِيَادَةً.

وَأَجَبْتُ: وَقَفْتُ عَلَى هَذَا الدُّرِّ النَّظِيمِ، وَالْعِقْدِ الَّذِي حَوَى كُلَّ جَوْهَرٍ فَرْدٍ عَظِيمٍ، فَوَجَدْتُ رَاقِمَهُ - أَعَزَّهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَبْدَعَ فِيمَا رَقَمَ، وَأَتَى بِالْعَجَبِ الْعُجَابِ فِيمَا نَثَرَ وَنَظَمَ، وَأَصَابَ فِي ذِكْرِهِ الْمُحَسِّنَ صَوْبَ الصَّوَابِ، وَأَتَى فِي تَقْرِيرِهِ بِالْحِكْمَةِ وَفَصْلِ الْخِطَابِ، وَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ، أَوْ يُمْكِنُ تَوْجِيهُ الْإِنْكَارِ لِمُحَسِّنٍ، وَقَدْ وَرَدَ الْحَدِيثُ الْمُسْنَدُ وَالْأَثَرُ عَنْ سَيِّدِ بَنِي رَبِيعَةَ وَمُضَرَ: أَنَّهُ سَمَّى أَوْلَادَ فاطمة بالحسن، والحسين، ومحسن وَنِعْمَ الْمُحَبِّرُ، وَقَالَ:

ص: 121