الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْأَنْبِيَاءِ.
وَقَالَ عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ: أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ جِبْرِيلُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ أَمِينَ اللَّهِ إِلَى رُسُلِهِ. وَمِيكَائِيلُ يَتَلَقَّى الْكُتُبَ، وَإِسْرَافِيلُ بِمَنْزِلَةِ الْحَاجِبِ.
وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: «فَأَمَّا جِبْرِيلُ فَصَاحِبُ الْحَرْبِ وَصَاحِبُ الْمُرْسَلِينَ» - الْحَدِيثَ، وَآثَارٌ أُخَرُ، وَقُلْنَا فِي آخِرِ الْكَلَامِ: فَعُرِفَ بِمَجْمُوعِ هَذِهِ الْآثَارِ اخْتِصَاصُ جِبْرِيلَ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْمَلَائِكَةِ بِالْوَحْيِ إِلَى الْأَنْبِيَاءِ، أَفَمَا كَانَ عِنْدَ الْمُعْتَرِضِ مِنَ الْفِطْنَةِ مَا يَهْتَدِي بِهِ لِصِحَّةِ هَذَا الْكَلَامِ أَخْذًا مِنْ هَذِهِ الْأَدِلَّةِ؟ هَذَا آخِرُ الْجَوَابِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
[مَبْحَثُ الْمَعَادِ]
[اللُّمْعَةُ فِي أَجْوِبَةِ الْأَسْئِلَةِ السَّبْعَةِ]
مَبْحَثُ الْمَعَادِ
وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: أَحْوَالُ الْبَرْزَخِ، وَأَشْرَاطُ السَّاعَةِ وَالْبَعْثِ
أَحْوَالُ الْبَرْزَخِ
اللُّمْعَةُ فِي أَجْوِبَةِ الْأَسْئِلَةِ السَّبْعَةِ
بسم الله الرحمن الرحيم
الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى.
مَسْأَلَةٌ: هَلْ يَعْلَمُ الْأَمْوَاتُ بِزِيَارَةِ الْأَحْيَاءِ وَبِمَا هُمْ فِيهِ؟ وَهَلْ يَسْمَعُ الْمَيِّتُ كَلَامَ النَّاسِ وَمَا يُقَالُ فِيهِ؟ وَأَيْنَ مَقَرُّ الْأَرْوَاحِ؟ وَهَلْ تَجْتَمِعُ وَيَرَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا؟ وَهَلْ يُسْأَلُ الشَّهِيدُ وَالطِّفْلُ؟
الْجَوَابُ: هَذِهِ مَسَائِلُ مُهِمَّةٌ قَلَّ مَنْ تَكَلَّمَ عَلَيْهَا بِمَا يَشْفِي، وَأَنَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَتَتَبَّعُ الْأَحَادِيثَ وَالْآثَارَ الْوَارِدَةَ فِي ذَلِكَ. أَمَّا الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى، فَنَعَمْ يَعْلَمُونَ بِذَلِكَ، رَوَى ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا فِي " كِتَابِ الْقُبُورِ " مِنْ حَدِيثِ عائشة قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «مَا مِنْ رَجُلٍ يَزُورُ قَبْرَ أَخِيهِ وَيَجْلِسُ عَلَيْهِ إِلَّا اسْتَأْنَسَ بِهِ وَرَدَّ عَلَيْهِ حَتَّى يَقُومَ» ".
وَرَوَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي " الِاسْتِذْكَارِ " وَ " التَّمْهِيدِ "، مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «مَا مِنْ أَحَدٍ يَمُرُّ بِقَبْرِ أَخِيهِ الْمُؤْمِنِ كَانَ يَعْرِفُهُ فِي الدُّنْيَا فَيُسَلِّمُ عَلَيْهِ إِلَّا عَرَفَهُ وَرَدَّ عليه السلام» "، صَحَّحَهُ أبو محمد عبد الحق.
وَرَوَى ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا فِي " كِتَابِ الْقُبُورِ "، عَنْ محمد بن قدامة الجوهري، عَنْ مَعْنِ بْنِ عِيسَى الْقَزَّازِ، عَنْ هشام بن سعد، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: إِذَا مَرَّ
الرَّجُلُ بِقَبْرٍ يَعْرِفُهُ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ رَدَّ عليه السلام وَعَرَفَهُ، وَإِذَا مَرَّ بِقَبْرٍ لَا يَعْرِفُهُ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ رَدَّ عليه السلام.
وَرَوَى فِيهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ وَاسِعٍ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ الْمَوْتَى يَعْلَمُونَ بِزُوَّارِهِمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَيَوْمًا قَبْلَهُ وَيَوْمًا بَعْدَهُ. وَعَنِ الضحاك قَالَ: مَنْ زَارَ قَبْرًا يَوْمَ السَّبْتِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ عَلِمَ الْمَيِّتُ بِزِيَارَتِهِ، قِيلَ لَهُ: وَكَيْفَ ذَلِكَ؟ قَالَ: لِمَكَانِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ.
وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ، وَهِيَ عِلْمُ الْأَمْوَاتِ بِأَحْوَالِ الْأَحْيَاءِ وَبِمَا هُمْ فِيهِ، فَنَعَمْ أَيْضًا، رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ: ثَنَا عبد الرزاق، عَنْ سفيان، عَمَّنْ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «إِنَّ أَعْمَالَكُمْ تُعْرَضُ عَلَى أَقَارِبِكُمْ وَعَشَائِرِكُمْ مِنَ الْأَمْوَاتِ، فَإِنْ كَانَ خَيْرًا اسْتَبْشَرُوا، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ قَالُوا: اللَّهُمَّ لَا تُمِتْهُمْ حَتَّى تَهْدِيَهُمْ كَمَا هَدَيْتَنَا» ".
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ فِي مُسْنَدِهِ: حَدَّثَنَا الصلت بن دينار، عَنِ الحسن، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «إِنَّ أَعْمَالَكُمْ تُعْرَضُ عَلَى عَشَائِرِكُمْ وَعَلَى أَقْرِبَائِكُمْ فِي قُبُورِهِمْ، فَإِنْ كَانَ خَيْرًا اسْتَبْشَرُوا بِهِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ قَالُوا: اللَّهُمَّ أَلْهِمْهُمْ أَنْ يَعْمَلُوا بِطَاعَتِكَ» ".
وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي " الْأَوْسَطِ "، مِنْ طَرِيقِ مسلمة بن علي - وَهُوَ ضَعِيفٌ - عَنْ زَيْدِ بْنِ وَاقِدٍ وَهِشَامِ بْنِ الْغَازِ، عَنْ مكحول، عَنْ عبد الرحمن بن سلامة، عَنْ أبي رهم، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِنَّ نَفْسَ الْمُؤْمِنِ إِذَا قُبِضَتْ، تَلَقَّاهَا أَهْلُ الرَّحْمَةِ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ كَمَا تَلْقَوْنَ الْبَشِيرَ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا، فَيَقُولُونَ: أَنْظِرُوا صَاحِبَكُمْ لِيَسْتَرِيحَ؛ فَإِنَّهُ فِي كَرْبٍ شَدِيدٍ، ثُمَّ لَيَسْأَلُونَهُ: مَا فَعَلَ فُلَانٌ وَفُلَانَةُ، هَلْ تَزَوَّجَتْ؟ فَإِذَا سَأَلُوهُ عَنِ الرَّجُلِ قَدْ مَاتَ قَبْلَهُ فَيَقُولُ: أَيْهَاتَ، قَدْ مَاتَ ذَاكَ قَبْلِي، فَيَقُولُونَ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، ذُهِبَ بِهِ إِلَى أُمِّهِ الْهَاوِيَةِ، فَبِئْسَتِ الْأُمُّ وَبِئْسَتِ الْمُرَبِّيَةُ، وَقَالَ: إِنَّ أَعْمَالَكُمْ تُعْرَضُ عَلَى أَقَارِبِكُمْ وَعَشَائِرِكُمْ مِنْ أَهْلِ الْآخِرَةِ، فَإِنْ كَانَ خَيْرًا فَرِحُوا وَاسْتَبْشَرُوا وَقَالُوا: اللَّهُمَّ هَذَا فَضْلُكَ وَرَحْمَتُكَ، فَأَتْمِمْ نِعْمَتَكَ عَلَيْهِ وَأَمِتْهُ عَلَيْهَا، وَيُعْرَضُ عَلَيْهِمْ عَمَلُ الْمُسِيءِ فَيَقُولُونَ: اللَّهُمَّ أَلْهِمْهُ عَمَلًا صَالِحًا تَرْضَى بِهِ وَتُقَرِّبُهُ إِلَيْكَ» . وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا فِي " كِتَابِ الْمَنَامَاتِ "، عَنْ محمد بن الحسين، عَنْ محمد بن إسحاق، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أبي رهم، عَنْ أبي أيوب قَالَ: تُعْرَضُ أَعْمَالُكُمْ عَلَى الْمَوْتَى، فَإِنْ رَأَوْا حَسَنًا فَرِحُوا وَاسْتَبْشَرُوا، وَإِنْ رَأَوْا سُوءًا قَالُوا: اللَّهُمَّ رَاجِعْ بِهِ.
وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ الْحَكِيمُ فِي " نَوَادِرِ الْأُصُولِ "، مِنْ حَدِيثِ عبد الغفور بن عبد العزيز، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «تُعْرَضُ الْأَعْمَالُ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ عَلَى اللَّهِ، وَتُعْرَضُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ وَعَلَى الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَيَفْرَحُونَ بِحَسَنَاتِهِمْ وَتَزْدَادُ وُجُوهُهُمْ بَيَاضًا وَإِشْرَاقًا، فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُؤْذُوا أَمْوَاتَكُمْ» .
وَرَوَى ابْنُ أَبِي
الدُّنْيَا فِي كِتَابِ الْمَنَامَاتِ، ثَنَا القاسم بن هاشم ومحمد بن رزق الله قَالَا: ثَنَا يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ الْوُحَاظِيُّ، ثَنَا أبو إسماعيل السلولي: سَمِعْتُ مالك بن الداء: يَقُولُ سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «اللَّهَ اللَّهَ فِي إِخْوَانِكُمْ مِنْ أَهْلِ الْقُبُورِ، فَإِنَّ أَعْمَالَكُمْ تُعْرَضُ عَلَيْهِمْ» .
وَقَالَ: ثَنَا عبد الله بن شبيب، ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ شَيْبَةَ الْحِزَامِيُّ، ثَنَا فليح بن إسماعيل، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أبي صالح وَالْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا تَفْضَحُوا مَوْتَاكُمْ بِسَيِّئَاتِ أَعْمَالِكُمْ، فَإِنَّهَا تُعْرَضُ عَلَى أَوْلِيَائِكُمْ مِنْ أَهْلِ الْقُبُورِ» .
وَقَالَ: ثَنَا الحسن بن عبد العزيز، نَبَّأَ عمر بن أبي سلمة، عَنْ سعيد بن عبد العزيز، عَنْ بِلَالِ بْنِ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: كُنْتُ أَسْمَعُ أَبَا الدَّرْدَاءِ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ يَمْقُتَنِي خَالِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ إِذَا لَقِيتُهُ.
وَقَالَ: ثَنَا أبو هشام، ثَنَا يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ، عَنْ عبد الوهاب بن مجاهد، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: إِنَّهُ لَيُبَشَّرُ بِصَلَاحِ وَلَدِهِ مِنْ بَعْدِهِ لِتَقَرَّ بِذَلِكَ عَيْنُهُ.
وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ وَهِيَ هَلْ يَسْمَعُ الْمَيِّتُ كَلَامَ النَّاسِ وَثَنَاءَهُمْ عَلَيْهِ وَقَوْلَهُمْ فِيهِ، فَنَعَمْ أَيْضًا، أَخْرَجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، والمروزي فِي " الْجَنَائِزِ "، وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا، وَغَيْرُهُمْ، مِنْ طَرِيقِ أبي عامر العقدي، عَنْ عبد الملك بن الحسن المدني، عَنْ سعد بن عمرو بن سليم، عَنْ معاوية - أَوِ ابن معاوية - عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الْمَيِّتَ يَعْرِفُ مَنْ يُغَسِّلُهُ وَيَحْمِلُهُ وَيُدَلِّيهِ فِي قَبْرِهِ» . وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي " الْأَوْسَطِ " مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ عَنْ أبي سعيد.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا وَغَيْرُهُ بِأَسَانِيدَ، عَنْ عمرو بن دينار وبكر بن عبد الله المزني، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَغَيْرِهِمْ مَعْنَى ذَلِكَ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا سُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ، ثَنَا عُبَيْدَةُ بْنُ حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنِي عمار، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ قَالَ: قَالَ حذيفة: الرُّوحُ بِيَدِ مَلَكٍ وَإِنَّ الْجَسَدَ لَيُغَسَّلُ، وَإِنَّ الْمَلَكَ لَيَمْشِي مَعَهُ إِلَى الْقَبْرِ، فَإِذَا سُوِّيَ عَلَيْهِ سَلَكَ فِيهِ، فَذَلِكَ حِينَ يُخَاطَبُ.
وَقَالَ ثَنَا الحسين بن عمرو القرشي، ثَنَا أَبُو دَاوُدَ الْحَفَرِيُّ، ثَنَا سفيان، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ: الرُّوحُ بِيَدِ مَلَكٍ يَمْشِي بِهِ مَعَ الْجِنَازَةِ، يَقُولُ لَهُ: اسْمَعْ مَا يُقَالُ لَكَ، فَإِذَا بَلَغَ حُفْرَتَهُ دَفَنَهُ مَعَهُ.
وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ وَهِيَ مَقَرُّ الْأَرْوَاحِ، فَهِيَ أَجَلُّ هَذِهِ الْمَسَائِلِ، وَأَنَا أَسْتَوْفِي لَهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مَا وَقَفْتُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ: رَوَى مالك فِي " الْمُوَطَّأِ "، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عبد الرحمن بن كعب بن مالك، أَنَّ أَبَاهُ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ كَانَ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ: " «إِنَّمَا نَسَمَةُ الْمُؤْمِنِ طَائِرٌ يُعَلَّقُ فِي شَجَرِ الْجَنَّةِ حَتَّى يُرْجِعَهُ اللَّهُ إِلَى جَسَدِهِ يَوْمَ يَبْعَثُهُ» ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، عَنِ الشَّافِعِيِّ، عَنْ مالك، وَالنَّسَائِيُّ، وَغَيْرُهُ.
وَأَخْرَجَ أحمد، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي " الْكَبِيرِ " بِسَنَدٍ حَسَنٍ، «عَنْ أم هانئ أَنَّهَا سَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَنَتَزَاوَرُ إِذَا مُتْنَا وَيَرَى بَعْضُنَا بَعْضًا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: تَكُونُ النَّسَمُ طَيْرًا تُعَلَّقُ بِالشَّجَرِ، حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ دَخَلَتْ كُلُّ نَفْسٍ فِي جَسَدِهَا» .
وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ، مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا:«أَرْوَاحُ الشُّهَدَاءِ عِنْدَ اللَّهِ فِي حَوَاصِلِ طُيُورٍ تَسْرَحُ فِي أَنْهَارِ الْجَنَّةِ حَيْثُ شَاءَتْ، ثُمَّ تَأْوِي إِلَى قَنَادِيلَ تَحْتَ الْعَرْشِ» .
وَأَخْرَجَ أحمد، وأبو داود، والحاكم، وَغَيْرُهُمْ، بِسَنَدٍ صَحِيحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَمَّا أُصِيبَ أَصْحَابُكُمْ بِأُحُدٍ جَعَلَ اللَّهُ أَرْوَحَهُمْ فِي أَجْوَافِ طَيْرٍ خُضْرٍ، تَرِدُ أَنْهَارَ الْجَنَّةِ، وَتَأْكُلُ مِنْ ثِمَارِهَا، وَتَأْوِي إِلَى قَنَادِيلَ مِنْ ذَهَبٍ فِي ظِلِّ الْعَرْشِ» .
وَأَخْرَجَ أحمد وعبد فِي مُسْنَدَيْهِمَا، وَ " الطَّبَرَانِيُّ " بِسَنَدٍ حَسَنٍ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا:«الشُّهَدَاءُ عَلَى بَارِقِ نَهْرٍ بِبَابِ الْجَنَّةِ فِي قُبَّةٍ خَضْرَاءَ، يُخْرَجُ إِلَيْهِمْ رِزْقُهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُدْوَةً وَعَشِيَّةً» .
وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي " الْبَعْثِ "، وَالطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ، «عَنْ عبد الرحمن بن كعب بن مالك قَالَ: لَمَّا حَضَرَتْ كعبا الْوَفَاةُ أَتَتْهُ أم بشر بنت البراء، فَقَالَتْ: يَا أبا عبد الرحمن، إِنْ لَقِيتَ كعبا فَأَقْرِئْهُ مِنِّي السَّلَامَ، فَقَالَ لَهَا: يَغْفِرُ اللَّهُ لَكِ يَا أم بشر، نَحْنُ أَشْغَلُ مِنْ ذَلِكَ، فَقَالَتْ: أَمَا سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: إِنَّ نَسَمَةَ الْمُؤْمِنِ تَسْرَحُ فِي الْجَنَّةِ حَيْثُ شَاءَتْ، وَنَسَمَةَ الْكَافِرِ فِي سِجِّينٍ؟ قَالَ: بَلَى، قَالَتْ: فَهُوَ ذَاكَ.»
وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ، ثَنَا عبد الله بن صالح، «عَنْ ضمرة بن حبيب قَالَ: سُئِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَرْوَاحِ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ: فِي طَيْرٍ خُضْرٍ تَسْرَحُ فِي الْجَنَّةِ حَيْثُ شَاءَتْ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَأَرْوَاحُ الْكُفَّارِ؟ قَالَ: مَحْبُوسَةٌ فِي سِجِّينٍ.» هَذَا حَدِيثٌ مُرْسَلٌ.
وَأَخْرَجَ أحمد فِي مُسْنَدِهِ، والحاكم فِي مُسْتَدْرَكِهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ وابن أبي داود فِي كِتَابَيِ الْبَعْثِ لَهُمَا، وَغَيْرُهُمْ مِنْ طُرُقٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَوْلَادُ الْمُؤْمِنِينَ فِي جَبَلٍ فِي الْجَنَّةِ، يَكْفُلُهُمْ إبراهيم وسارة حَتَّى يَرُدَّهُمْ إِلَى آبَائِهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» . صَحَّحَهُ الحاكم.
وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي " الدَّلَائِلِ "، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وابن مردويه فِي تَفْسِيرَيْهِمَا،
وَغَيْرُهُمْ مِنْ طَرِيقِ أبي محمد الحماني، عَنْ أبي هارون العبدي، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«أُتِيتُ بِالْمِعْرَاجِ الَّذِي تَعْرُجُ عَلَيْهِ أَرْوَاحُ بَنِي آدَمَ، فَلَمْ تَرَ الْخَلَائِقُ أَحْسَنَ مِنَ الْمِعْرَاجِ مَا رَأَيْتَ الْمَيِّتَ حِينَ يَشُقُّ بَصَرَهُ طَامِحًا إِلَى السَّمَاءِ، فَإِنَّ ذَلِكَ عَجَبُهُ بِالْمِعْرَاجِ، فَصَعِدْتُ أَنَا وَجِبْرِيلُ، فَاسْتَفْتَحَ بَابَ السَّمَاءِ، فَإِذَا أَنَا بِآدَمَ تُعْرَضُ عَلَيْهِ أَرْوَاحُ ذُرِّيَّتِهِ الْمُؤْمِنِينَ، فَيَقُولُ: رُوحٌ طَيِّبَةٌ وَنَفْسٌ طَيِّبَةٌ، اجْعَلُوهَا فِي عِلِّيِّينَ، ثُمَّ تُعْرَضُ عَلَيْهِ أَرْوَاحُ ذُرِّيَّتِهِ الْفُجَّارِ فَيَقُولُ: رُوحٌ خَبِيثَةٌ وَنَفْسٌ خَبِيثَةٌ، اجْعَلُوهَا فِي سِجِّينٍ» .
وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ الْأَصْبَهَانِيُّ: حَدَّثَنَا أحمد بن إبراهيم الكيال، ثَنَا موسى بن شعيب أبو عمران السمرقندي، ثَنَا محمد بن سهيل، ثَنَا أبو مقاتل السمرقندي، ثَنَا أبو سهل هشام بن مصك، عَنِ الحسن، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ أَرْوَاحَ الْمُؤْمِنِينَ فِي السَّمَاءِ السَّابِعَةِ يَنْظُرُونَ إِلَى مَنَازِلِهِمْ فِي الْجَنَّةِ» .
هَذَا مَا وَقَفْتُ عَلَيْهِ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْمَرْفُوعَةِ، وَأَمَّا الْمَوْقُوفَةُ فَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا محمد بن رجاء، ثَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ، ثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، ثَنَا علي بن يزيد بن جدعان، عَنْ يوسف بن مهران، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: أَبْغَضُ بُقْعَةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَى اللَّهِ وَادٍ يُقَالُ لَهُ: بَرَهُوتُ، فِيهِ أَرْوَاحُ الْكُفَّارِ.
وَأَسْنَدَ الْبَيْهَقِيُّ فِي " الْبَعْثِ "، وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا فِي " كِتَابِ الْمَنَامَاتِ "، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، أَنَّ سَلْمَانَ الْفَارِسِيَّ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ الْتَقَيَا، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: إِنْ لَقِيتَ رَبَّكَ قَبْلِي فَأَخْبِرْنِي مَاذَا لَقِيتَ، فَقَالَ: أَوَيَلْقَى الْأَحْيَاءُ الْأَمْوَاتَ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، أَمَّا الْمُؤْمِنُونَ فَإِنَّ أَرْوَاحَهُمْ فِي الْجَنَّةِ، وَهِيَ تَذْهَبُ حَيْثُ شَاءَتْ.
وَأَسْنَدَ الْبَيْهَقِيُّ، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي " الْكَبِيرِ "، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: الْجَنَّةُ مَطْوِيَّةٌ فِي قُرُونِ الشَّمْسِ تُنْشَرُ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّتَيْنِ، وَأَرْوَاحُ الْمُؤْمِنِينَ فِي طَيْرٍ كَالزَّرَازِيرِ تَأْكُلُ مِنْ شَجَرِ الْجَنَّةِ.
وَأَسْنَدَ المروزي فِي " الْجَنَائِزِ "، عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ قَالَ: تُرْفَعُ أَرْوَاحُ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى جِبْرِيلَ، فَيُقَالُ: أَنْتَ وَلِيُّ هَذِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
وَأَسْنَدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: أَرْوَاحُ الْكُفَّارِ تُجْمَعُ بِبَرَهُوتَ سَبْخَةٍ بِحَضْرَمَوْتَ وَأَرْوَاحُ الْمُؤْمِنِينَ تَجْتَمِعُ بِالْجَابِيَةِ.
وَأَسْنَدَ الْبَيْهَقِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ كعب قَالَ: جَنَّةُ الْمَأْوَى فِيهَا طَيْرٌ خُضْرٌ تَرْتَقِي فِيهَا أَرْوَاحُ الشُّهَدَاءِ تَسْرَحُ فِي الْجَنَّةِ، وَأَرْوَاحُ آلِ فِرْعَوْنَ فِي طَيْرٍ سُودٍ تَغْدُو عَلَى النَّارِ وَتَرُوحُ، وَإِنَّ أَطْفَالَ الْمُسْلِمِينَ فِي عَصَافِيرِ الْجَنَّةِ.
وَأَسْنَدَ أبو نعيم فِي " الْحِلْيَةِ "، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ قَالَ: إِنَّ لِلَّهِ فِي السَّمَاءِ السَّابِعَةِ دَارًا يُقَالُ لَهَا الْبَيْضَاءُ تَجْتَمِعُ فِيهَا أَرْوَاحُ الْمُؤْمِنِينَ، فَإِذَا مَاتَ الْمَيِّتُ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا تَلَقَّتْهُ الْأَرْوَاحُ يَسْأَلُونَهُ عَنْ أَخْبَارِ الدُّنْيَا كَمَا يَسْأَلُ الْغَائِبُ أَهْلَهُ
إِذَا قَدِمَ عَلَيْهِمْ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ خِدَاشٍ: سَمِعْتُ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ يَقُولُ: بَلَغَنِي أَنَّ أَرْوَاحَ الْمُؤْمِنِينَ مُرْسَلَةٌ تَذْهَبُ حَيْثُ شَاءَتْ.
وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ وَهِيَ هَلْ تَجْتَمِعُ الْأَرْوَاحُ وَيَرَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا، فَنَعَمْ أَيْضًا، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ أبي أيوب عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ، وَفِي حَدِيثِ أم بشر عِنْدَهُ وَعِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ، وَفِي أَثَرِ وهب.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنِي محمد بن عبد الله بن بزيغ، ثَنَا فضيل بن سليمان النميري، ثَنَا يحيى بن عبد الرحمن بن أبي لبيبة، عَنْ جَدِّهِ قَالَ:«لَمَّا مَاتَ بِشْرُ بْنُ الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ وَجَدَتْ عَلَيْهِ أُمُّهُ وَجْدًا شَدِيدًا، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهُ لَا يَزَالُ الْهَالِكُ يَهْلِكُ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ، فَهَلْ تَتَعَارَفُ الْمَوْتَى فَأُرْسِلُ إِلَى بشر بِالسَّلَامِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهُمْ لَيَتَعَارَفُونَ كَمَا تَتَعَارَفُ الطَّيْرُ فِي رُؤُوسِ الشَّجَرِ. وَكَانَ لَا يَهْلِكُ هَالِكٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ إِلَّا جَاءَتْهُ أم بشر فَقَالَتْ: يَا فُلَانُ عَلَيْكَ السَّلَامُ، فَيَقُولُ: وَعَلَيْكِ، فَتَقُولُ: اقْرَأْ عَلَى بشر السَّلَامَ» .
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ: حَدَّثَنَا الحسن، ثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ دراج، عَنْ عيسى بن هلال الصدفي، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ رُوحَيِ الْمُؤْمِنَيْنِ لَيَلْتَقِيَانِ عَلَى مَسِيرَةِ يَوْمٍ وَمَا رَأَى أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ قَطُّ» .
وَأَخْرَجَ الْبَزَّارُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ:«إِنَّ الْمُؤْمِنَ يَنْزِلُ بِهِ الْمَوْتُ وَيُعَايِنُ مَا يُعَايِنُ، يَوَدُّ لَوْ خَرَجَتْ نَفْسُهُ، وَاللَّهُ يُحِبُّ لِقَاءَ الْمُؤْمِنِ، وَإِنَّ الْمُؤْمِنَ تَصْعَدُ رُوحُهُ إِلَى السَّمَاءِ، فَتَأْتِيهِ أَرْوَاحُ الْمُؤْمِنِينَ، فَيَسْتَخْبِرُونَهُ عَنْ مَعَارِفِهِ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ، فَإِذَا قَالَ: تَرَكْتُ فُلَانًا فِي الدُّنْيَا أَعْجَبَهُمْ ذَلِكَ، وَإِذَا قَالَ: إِنَّ فُلَانًا قَدْ مَاتَ، قَالُوا: مَا جِيءَ بِهِ إِلَيْنَا» .
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا بِأَسَانِيدَ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ: إِذَا مَاتَ الْمَيِّتُ تَلَقَّتْهُ الْأَرْوَاحُ، فَيَسْتَخْبِرُونَهُ كَمَا يَسْتَخْبِرُ الرَّاكِبُ مَا فَعَلَ فُلَانٌ وَفُلَانٌ. وَعَنِ الحسن قَالَ: إِذَا احْتَضَرَ الْمُؤْمِنُ حَضَرَهُ خَمْسُمِائَةِ مَلَكٍ يَقْبِضُونَ رُوحَهُ، فَيَعْرُجُونَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَتَتَلَقَّاهُ أَرْوَاحُ الْمُؤْمِنِينَ الْمَاضِينَ، فَيُرِيدُونَ أَنْ يَسْتَخْبِرُوهُ، فَتَقُولُ لَهُمُ الْمَلَائِكَةُ: ارْفُقُوا بِهِ، فَإِنَّهُ خَرَجَ مِنْ كَرْبٍ عَظِيمٍ، فَيَسْأَلُهُ الرَّجُلُ عَنْ أَخِيهِ وَعَنْ صَاحِبِهِ.
وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: إِذَا مَاتَ الْمَيِّتُ اسْتَقْبَلَهُ وَلَدُهُ كَمَا يُسْتَقْبَلُ الْغَائِبُ. وَعَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّ الْمَيِّتَ إِذَا مَاتَ احْتَوَشَهُ أَهْلُهُ وَأَقَارِبُهُ الَّذِينَ قَدْ تَقَدَّمُوهُ مِنَ الْمَوْتَى، فَهُوَ أَفْرَحُ بِهِمْ وَهُمْ أَفْرَحُ بِهِ مِنَ الْمُسَافِرِ إِذَا قَدِمَ عَلَى أَهْلِهِ.
وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ: وَهِيَ أَنَّ الشَّهِيدَ هَلْ يُسْأَلُ؟ فَجَوَابُهُ: لَا، صَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ
القرطبي، وَاسْتَدَلَّ بِحَدِيثِ مُسْلِمٍ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ: هَلْ يُفْتَنُ الشَّهِيدُ؟ فَقَالَ: كَفَى بِبَارِقَةِ السُّيُوفِ عَلَى رَأْسِهِ فِتْنَةً.»
قَالَ القرطبي: وَمَعْنَاهُ أَنَّ السُّؤَالَ فِي الْقَبْرِ إِنَّمَا جُعِلَ لِامْتِحَانِ الْمُؤْمِنِ الصَّادِقِ فِي إِيمَانِهِ مِنَ الْمُنَافِقِ، وَثُبُوتُهُ تَحْتَ بَارِقَةِ السُّيُوفِ أَدَلُّ دَلِيلٍ عَلَى صِدْقِهِ فِي إِيمَانِهِ، وَإِلَّا لَفَرَّ إِلَى الْكُفَّارِ.
وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ وَهِيَ أَنَّ الطِّفْلَ هَلْ يُسْأَلُ؟ فَفِيهِ قَوْلَانِ لِلْحَنَابِلَةِ حَكَاهُمَا ابن القيم فِي " كِتَابِ الرُّوحِ "، وَقَوْلُ النووي فِي " الرَّوْضَةِ " وَ " شَرْحِ الْمُهَذَّبِ ": أَنَّ التَّلْقِينَ بَعْدَ الدَّفْنِ مُخْتَصٌّ بِالْبَالِغِ، وَأَنَّ الصَّبِيَّ الصَّغِيرَ لَا يُلَقَّنُ دَلِيلٌ عَلَى اخْتِيَارِهِ أَنَّهُ لَا يُسْأَلُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
مَسْأَلَةٌ:
مَاذَا يَقُولُ إِمَامُ الْعَصْرِ مُجْتَهِدْ
…
قَدْ فَاقَ سَالِفَهُ فِي الْعُجْمِ وَالْعَرَبْ
فِيمَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ مِنْ كَلِمْ
…
لِأَهْلِ بَدْرٍ وَقَدْ رُدُّوا إِلَى الْقُلُبْ
وَقِيلَ كَلَّمْتَ مَوْتَى لَا سَمَاعَ لَهُمْ
…
فَقَالَ لَسْتُمْ بِأَسْمَعَ جَاءَ فِي الْكُتُبْ
وَقَالَ لَا تَسْمَعُ الْمَوْتَى الْإِلَهَ وَذَا
…
مُعَارِضٌ لِلَّذِي قُلْنَاهُ فِي الرُّتَبْ
لَا زِلْتَ تُرْشِدُ عَبْدًا ظَلَّ فِي حَلَكْ
…
بِوَاضِحِ الْفَرْقِ جَالِي الشَّكِّ وَالرِّيَبْ
الْجَوَابُ:
الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا دَائِمَ الْحِقَبْ
…
ثُمَّ الصَّلَاةُ عَلَى الْمَبْعُوثِ خَيْرِ نَبِي
سَمَاعُ مَوْتَى كَلَامِ الْخَلْقِ مُعْتَقَدْ
…
جَاءَتْ بِهِ عِنْدَنَا الْآثَارُ فِي الْكُتُبْ
وَآيَةُ النَّفْيِ مَعْنَاهَا سَمَاعُ هُدًى
…
لَا يَقْبَلُونَ وَلَا يُصْغُونَ لِلْأَدَبْ
فَالنَّفْيُ جَاءَ عَلَى مَعْنَى الْمَجَازِ فَخُذْ
…
وَاجْمَعْ بِهِ بَيْنَ ذَا مَعَ هَذِهِ تُصِبْ
مَسْأَلَةٌ: سُؤَالُ مُنْكَرٍ وَنَكِيرٍ فِي الْقَبْرِ هَلْ هُوَ عَامٌّ لِجَمِيعِ الْخَلْقِ، أَوْ يُسْتَثْنَى مِنْهُ أَحَدٌ؟ وَهَلْ يُسْأَلُ الْأَطْفَالُ وَالسَّقْطُ؟
الْجَوَابُ: لَيْسَ عَامًّا لِلْخَلْقِ بَلْ يُسْتَثْنَى مِنْهُ الشَّهِيدُ، فَفِي الْحَدِيثِ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ: أَيُفْتَنُ الشَّهِيدُ فِي قَبْرِهِ؟ فَقَالَ: كَفَى بِبَارِقَةِ السُّيُوفِ عَلَى رَأْسِهِ فِتْنَةً.»
قَالَ القرطبي فِي " التَّذْكِرَةِ " نَقْلًا عَنِ الْحَكِيمِ التِّرْمِذِيِّ مَعْنَاهُ: أَنَّهُ لَوْ كَانَ عِنْدَهُ نِفَاقٌ فَرَّ عِنْدَ الْتِقَاءِ الزَّحْفَيْنِ وَبَرِيقِ السُّيُوفِ؛ لِأَنَّ مِنْ شَأْنِ الْمُنَافِقِ الْفِرَارَ عِنْدَ ذَلِكَ، وَشَأْنِ الْمُؤْمِنِ الْبَذْلَ وَالتَّسْلِيمَ لِلَّهِ،