المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[الأوج في خبر عوج] - الحاوي للفتاوي - جـ ٢

[الجلال السيوطي]

فهرس الكتاب

- ‌[الْمِنْحَةُ فِي السُّبْحَةِ]

- ‌[أَعْذَبُ الْمَنَاهِلِ فِي حَدِيثِ مَنْ قَالَ أَنَا عَالِمٌ فَهُوَ جَاهِلٌ]

- ‌[حُسْنُ التَّسْلِيكِ فِي حُكْمِ التَّشْبِيكِ]

- ‌[شَدُّ الْأَثْوَابِ فِي سَدِّ الْأَبْوَابِ]

- ‌[الْعَجَاجَةُ الزَّرْنَبِيَّةُ فِي السُّلَالَةِ الزَّيْنَبِيَّةِ]

- ‌[آخِرُ الْعَجَاجَةِ الزَّرْنَبِيَّةِ فِي السُّلَالَةِ الزَّيْنَبِيَّةِ]

- ‌[الدُّرَّةُ التَّاجِيَّةُ عَلَى الْأَسْئِلَةِ النَّاجِيَةِ]

- ‌[رَفْعُ الْخِدْرِ عَنْ قَطْعِ السِّدْرِ]

- ‌[الْعُرْفُ الْوَرْدِيُّ فِي أَخْبَارِ الْمَهْدِيِّ]

- ‌[الْكَشْفُ عَنْ مُجَاوَزَةِ هَذِهِ الْأُمَّةِ الْأَلْفَ]

- ‌[الحديث المشهور على الألسنة أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَا يَمْكُثُ فِي قَبْرِهِ أَلْفَ سَنَةٍ]

- ‌[ذِكْرُ مَا وَرَدَ أَنَّ مُدَّةَ الدُّنْيَا سَبْعَةُ آلَافِ سَنَةٍ]

- ‌[ذِكْرُ مَا وَرَدَ أَنَّ الدَّجَّالَ يَخْرُجُ عَلَى رَأْسِ مِائَةٍ]

- ‌[ذِكْرُ مُدَّةِ مُكْثِ النَّاسِ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا]

- ‌[ذِكْرُ مُدَّةِ مَا بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ]

- ‌[كَشْفُ الرَّيْبِ عَنِ الْجَيْبِ]

- ‌[كِتَابُ الْبَعْثِ] [

- ‌هَلْ وَرَدَ أَنَّ الزَّامِرَ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِمِزْمَارِهِ]

- ‌[حَدِيثُ أَوَّلُ مَا يَأْكُلُهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ]

- ‌[حَدِيثِ الطَّبَرَانِيِّ أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِ اللَّهِ حُورٌ عِينٌ]

- ‌[هَلْ وَرَدَ أَنَّ عَدَدَ دَرَجِ الْجَنَّةِ بِعَدَدِ آيِ الْقُرْآنِ]

- ‌[رَفْعُ الصَّوْتِ بِذَبْحِ الْمَوْتِ]

- ‌[إِتْحَافُ الْفِرْقَةِ بِرَفْوِ الْخِرْقَةِ]

- ‌[بُلُوغُ الْمَأْمُولِ فِي خِدْمَةِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌ الْإِيمَانُ

- ‌[مَبْحَثُ الْإِلَهِيَّاتِ]

- ‌[إِتْمَامُ النِّعْمَةِ فِي اخْتِصَاصِ الْإِسْلَامِ بِهَذِهِ الْأُمَّةِ]

- ‌[تَنْزِيهُ الِاعْتِقَادِ عَنِ الْحُلُولِ وَالِاتِّحَادِ]

- ‌[مَبْحَثُ النُّبُوَّاتِ]

- ‌[تَزْيِينُ الْآرَائِكِ فِي إِرْسَالِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمَلَائِكِ]

- ‌[الجواب على قَوْلِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُبْعَثْ إِلَى الْمَلَائِكَةِ]

- ‌[ذِكْرُ الْأَدِلَّةِ الَّتِي أَخَذْتُ مِنْهَا إِرْسَالَهُ إِلَى الْمَلَائِكَةِ]

- ‌[أَنْبَاءُ الْأَذْكِيَاءِ بِحَيَاةِ الْأَنْبِيَاءِ]

- ‌[كِتَابُ الْإِعْلَامِ بِحُكْمِ عِيسَى عليه السلام]

- ‌[لُبْسُ الْيَلَبِ فِي الْجَوَابِ عَنْ إِيرَادِ حَلَبَ]

- ‌[مَبْحَثُ الْمَعَادِ]

- ‌[اللُّمْعَةُ فِي أَجْوِبَةِ الْأَسْئِلَةِ السَّبْعَةِ]

- ‌[الِاحْتِفَالُ بِالْأَطْفَالِ]

- ‌[طُلُوعُ الثُّرَيَّا بِإِظْهَارِ مَا كَانَ خَفِيًّا]

- ‌[أَحْوَالُ الْبَعْثِ]

- ‌[تُحْفَةُ الْجُلَسَاءِ بِرُؤْيَةِ اللَّهِ لِلنِّسَاءِ]

- ‌[مَسَالِكُ الْحُنَفَا فِي وَالِدَيِ الْمُصْطَفَى]

- ‌[الْفَتَاوَى الصوفية]

- ‌[الزهد]

- ‌[الْقَوْلُ الْأَشْبَهُ فِي حَدِيثِ مَنْ عَرَفَ نَفْسَهُ فَقَدْ عَرَفَ رَبَّهُ]

- ‌[الْخَبَرُ الدَّالُّ عَلَى وُجُودِ الْقُطْبِ وَالْأَوْتَادِ وَالنُّجَبَاءِ وَالْأَبْدَالِ]

- ‌[تَنْوِيرُ الْحَلَكِ فِي إِمْكَانِ رُؤْيَةِ النَّبِيِّ وَالْمَلَكِ]

- ‌[الْفَتَاوَى النَّحْوِيَّةُ وَمَا ضُمَّ إِلَيْهَا]

- ‌[مسائل متفرقة في النحو]

- ‌[فَجْرُ الثَّمْدِ فِي إِعْرَابِ أَكْمَلِ الْحَمْدِ]

- ‌[أَلْوِيَةُ النَّصْرِ فِي خِصِّيصَى بِالْقَصْرِ]

- ‌[الزَّنْدُ الْوَرِيُّ فِي الْجَوَابِ عَنِ السُّؤَالِ السَّكَنْدَرِيِّ]

- ‌[رَفْعُ السِّنَةِ فِي نَصْبِ الزِّنَةِ]

- ‌[الْأَجْوِبَةُ الزَّكِيَّةُ عَنِ الْأَلْغَازِ السُّبْكِيَّةِ]

- ‌[الْأَسْئِلَةُ الْمِائَةُ]

- ‌[تَعْرِيفُ الْفِئَةِ بِأَجْوِبَةِ الْأَسْئِلَةِ الْمِائَةِ]

- ‌[الْأَسْئِلَةُ الْوَزِيرِيَّةُ وَأَجْوِبَتُهَا]

- ‌[الْأَوْجُ فِي خَبَرِ عَوْجٍ]

الفصل: ‌[الأوج في خبر عوج]

لِلْمُؤْمِنِينَ أَمِيرٌ وَهْوَ سَيِّدُنَا

سُلْطَانُنَا لَا بَرِحْنَا مِنْهُ فِي خَفَرِ

أَوْ غَيْرِهِ أَفْتِنَا أَنْتَ الْإِمَامُ لَنَا

فِي مُشْكِلٍ غُرَّةٌ فِي جَبْهَةِ الدَّهْرِ

أَثَابَكَ اللَّهُ جَنَّاتِ النَّعِيمِ بِمَا

أَبَنْتَ مَنْ غُرَرٍ يُشْرِقْنَ كَالدُّرَرِ

بِجَاهِ خَيْرِ الْوَرَى الْهَادِي لِأُمَّتِهِ

مِنَ الضَّلَالِ وَحَامِيهِمْ مِنَ الضَّرَرِ

الْجَوَابُ:

الْحَمْدُ لِلَّهِ بَارِي الْخَلْقِ وَالْبَشَرِ

ثُمَّ الصَّلَاةُ عَلَى الْمُخْتَارِ مِنْ مُضَرِ

لَمْ يَمْلِكِ الْمُشْتَرِي الصِّدِّيقُ قَطُّ وَلَا

يُظَنُّ هَذَا بِبَيْعِ الْحُرِّ فَاعْتَبِرِ

وَإِرْثُ يَحْيَى لِعِلْمٍ لَا لِمَالِ أَبٍ

فَالْأَنْبِيَا إِرْثُهُمْ حَظْرٌ عَلَى الْبَشَرِ

وَبَعْضُهُمْ وَهُوَ الطيبي قَالَ بِأَنْ

قَدْ أُخِّرَتْ دَعْوَةٌ فِيهِ بِلَا ضَرَرِ

وَفِي الْإِمَامِ أَحَادِيثٌ بِذَا وَرَدَتْ

وَهْوَ الْخَلِيفَةُ فَافْهَمْهُ وَلَا تَحِرِ

[الْأَوْجُ فِي خَبَرِ عَوْجٍ]

بسم الله الرحمن الرحيم

سُؤَالٌ وَرَدَ مِنَ الشَّامِ صُورَتُهُ: مَا تَقُولُ السَّادَةُ الْعُلَمَاءُ أَئِمَّةُ الدِّينِ وَعُلَمَاءُ الْمُسْلِمِينَ وَفَّقَهُمُ اللَّهُ لِطَاعَتِهِ أَجْمَعِينَ فِي عوج بن عنق هَلْ كَانَ لَهُ وُجُودٌ فِي الْخَارِجِ فِي الزَّمَنِ الْمَاضِي أَمْ لَا؟ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وُجُودٌ فِي الْخَارِجِ أَصْلًا فَمَا الْجَوَابُ عَمَّا وَقَعَ فِي غَالِبِ التَّفَاسِيرِ كَتَفْسِيرِ القرطبي، وَالْبَغَوِيِّ فَإِنَّهُ ذَكَرَهُ فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ مُتَفَرِّقَةٍ عَلَى مَا اطَّلَعْتُ عَلَيْهِ، والكرماني، وابن الخازن، والثعلبي، وابن عطية وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ مِنَ التَّنْوِيهِ بِذِكْرِهِ وَتَكْرَارِ قِصَّتِهِ فِي مَكَانٍ بَعْدَ آخَرَ، عَلَى أَنَّ القرطبي، والثعلبي نَقَلَا ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، والكرماني فِي تَفْسِيرِهِ نَقَلَهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَإِنْ كَانَ لَهُ وُجُودٌ فَهَلْ بَقِيَ إِلَى زَمَنِ مُوسَى عليه السلام وَهَلَكَ عَلَى يَدِهِ أَوْ هَلَكَ فِي الطُّوفَانِ مَعَ مَنْ هَلَكَ؟ فَإِنْ قُلْتُمْ بِبَقَائِهِ إِلَى زَمَنِ مُوسَى عليه السلام فَمَا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ نُوحٍ عَلَيْهِ

ص: 409

السَّلَامُ: {رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا} [نوح: 26] فَإِنَّهَا عَامَّةٌ؟ أَوْ بِهَلَاكِهِ مَعَ مَنْ هَلَكَ بِدُعَاءِ نُوحٍ عليه السلام مِنَ الْكَافِرِينَ؟ فَمَا هَذَا الَّذِي وَقَعَ لِلْبَغَوِيِّ فِي تَفْسِيرِهِ مِنَ ادِّعَائِهِ اتِّفَاقَ الْعُلَمَاءِ عَلَى هَلَاكِهِ عَلَى يَدِ مُوسَى عليه السلام عِنْدَ تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً} [المائدة: 26] الْآيَةَ وَلِغَيْرِهِ كالثعلبي مِنَ ادِّعَاءِ الْإِجْمَاعِ عَلَى ذَلِكَ، وَهَلْ كَانَ طُولُهُ هَذَا الطُّولَ الْعَظِيمَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُفَسِّرُونَ وَهُوَ ثَلَاثَةُ آلَافِ ذِرَاعٍ وَثَلَثُمِائَةِ ذِرَاعٍ وَثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ ذِرَاعًا وَثُلُثُ ذِرَاعٍ؟ أَوْ كَانَ كَآحَادِ بَنِي آدَمَ؟ فَإِنْ كَانَ طُولُهُ مَا ذُكِرَ فَمَا الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ:" «إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ سِتُّونَ ذِرَاعًا ثُمَّ لَمْ يَزَلِ الْخَلْقُ يَنْقُصُ بَعْدُ حَتَّى الْآنَ» " وَهَلْ وُجِدَ مِنَ الْبَشَرِ مِنْ قَوْمِ عَادٍ أَوْ غَيْرِهِمْ مَنْ كَانَ طُولُهُ أَكْثَرَ مِنْ سِتِّينَ ذِرَاعًا أَوْ لَمْ يُوجَدْ أَحَدٌ؟ فَإِنَّ بَعْضَ النَّاسِ تَمَسَّكَ بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ وَقَالَ: لَا يُمْكِنُ أَنْ يُوجَدَ مِنَ الْبَشَرِ خَلْقٌ أَطْوَلُ مِنْ آدَمَ عليه السلام، وَنَفَى وُجُودَ ابن عنق مِنَ الْأَصْلِ وَقَالَ: لَمْ يُوجَدْ فِي الْعَالَمِ شَخْصٌ اسْمُهُ هَذَا الِاسْمُ، وَادَّعَى أَنَّ جَمِيعَ مَا وَقَعَ لِلْمُفَسِّرِينَ فِي تَفَاسِيرِهِمْ مِنْ ذَلِكَ كَذِبٌ وَاخْتِلَاقٌ. وَالْمَسْئُولُ بَسَطَ الْجَوَابَ وَالْكَلَامَ عَلَى الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ وَالْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ أَوَّلًا، وَهَلِ الْآيَةُ وَالْحَدِيثُ مِنَ الْعَامِّ الَّذِي لَمْ يُخَصَّ وَبَقِيَ عَلَى عُمُومِهِ لِعَدَمِ الْمُخَصِّصِ أَمْ لَا؟ وَذَكَرَ مَا وَقَعَ لِلْمُفَسِّرِينَ فِي ذَلِكَ عَلَى طَرِيقِ الْبَسْطِ وَالْإِيضَاحِ وَذَكَرَ الصَّوَابَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، وَهَلْ تَعَرَّضَ أَحَدٌ لِضَبْطِهِ وَضَبْطِ اسْمِهِ؟ أَفْتُونَا مَأْجُورِينَ أَثَابَكُمُ اللَّهُ الْجَنَّةَ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ.

الْجَوَابُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى. قَالَ الْعَلَّامَةُ شمس الدين ابن القيم فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى - بِالْمَنَارِ الْمُنِيفِ فِي الصَّحِيحِ وَالضَّعِيفِ -: مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي يُعْرَفُ بِهَا كَوْنُ الْحَدِيثِ مَوْضُوعًا أَنْ يَكُونَ مِمَّا تَقُومُ الشَّوَاهِدُ الصَّحِيحَةُ عَلَى بُطْلَانِهِ كَحَدِيثِ عوج بن عنق الطَّوِيلِ الَّذِي قَصَدَ وَاضِعُهُ الطَّعْنَ فِي أَخْبَارِ الْأَنْبِيَاءِ، فَإِنَّهُمْ يُخْبِرُونَ عَلَى هَذِهِ الْأَخْبَارِ، فَإِنَّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ طُولَهُ كَانَ ثَلَاثَةَ آلَافِ ذِرَاعٍ وَثَلَثَمِائَةٍ وَثَلَاثَةً وَثَلَاثِينَ وَثُلُثًا، وَأَنَّ نُوحًا عليه السلام لَمَّا خَوَّفَهُ الْغَرَقَ قَالَ لَهُ: احْمِلْنِي فِي قَصْعَتِكَ هَذِهِ، وَأَنَّ الطُّوفَانَ لَمْ يَصِلْ إِلَى كَعْبِهِ، وَأَنَّهُ خَاضَ الْبَحْرَ فَوَصَلَ إِلَى حُجْزَتِهِ، وَأَنَّهُ كَانَ يَأْخُذُ الْحُوتَ مِنْ قَرَارِ الْبَحْرِ فَيَشْوِيهِ فِي عَيْنِ الشَّمْسِ، وَأَنَّهُ قَلَعَ صَخْرَةً عَظِيمَةً عَلَى قَدْرِ

ص: 410

عَسْكَرِ مُوسَى وَأَرَادَ أَنْ يَرْصَعَهُمْ بِهَا فَقَوَّرَهَا اللَّهُ فِي عُنُقِهِ مِثْلَ الطَّوْقِ. وَلَيْسَ الْعَجَبُ مِنْ جُرْأَةِ مِثْلِ هَذَا الْكَذَّابِ عَلَى اللَّهِ، إِنَّمَا الْعَجَبُ مِمَّنْ يُدْخِلُ هَذَا الْحَدِيثَ فِي كُتُبِ الْعِلْمِ مِنَ التَّفْسِيرِ وَغَيْرِهِ، وَلَا يُبَيِّنُ أَمْرَهُ وَهَذَا عِنْدَهُمْ لَيْسَ مِنْ ذُرِّيَّةِ نُوحٍ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى:{وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ} [الصافات: 77] فَأَخْبَرَ أَنَّ كُلَّ مَنْ بَقِيَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ فَهُوَ مِنْ ذُرِّيَّةِ نُوحٍ، فَلَوْ كَانَ لعوج وُجُودٌ لَمْ يَبْقَ بَعْدَ نُوحٍ، وَأَيْضًا فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" «خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ وَطُولُهُ فِي السَّمَاءِ سِتُّونَ ذِرَاعًا فَلَمْ يَزَلِ الْخَلْقُ يَنْقُصُ حَتَّى الْآنَ» " وَأَيْضًا فَإِنَّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ خَمْسُمِائَةِ عَامٍ وَسُمْكُهَا كَذَلِكَ، وَإِذَا كَانَتِ الشَّمْسُ فِي السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ بَيْنَنَا وَبَيْنَهَا هَذِهِ الْمَسَافَةُ الْعَظِيمَةُ فَكَيْفَ يَصِلُ إِلَيْهَا مَنْ طُولُهُ ثَلَاثَةُ آلَافِ ذِرَاعٍ حَتَّى يَشْوِيَ فِي عَيْنِهَا الْحُوتَ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ هَذَا وَأَمْثَالَهُ مِنْ وَضْعِ زَنَادِقَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِينَ قَصَدُوا الِاسْتِهْزَاءَ وَالسُّخْرِيَةَ بِالرُّسُلِ وَأَتْبَاعِهِمْ. انْتَهَى كَلَامُ ابن القيم.

وَتَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ الحافظ عماد الدين بن كثير فَقَالَ فِي كِتَابِهِ الْبِدَايَةِ وَالنِّهَايَةِ: قِصَّةُ عوج بن عنق وَجَمِيعُ مَا يَحْكُونَ عَنْهُ هَذَيَانٌ لَا أَصْلَ لَهُ وَهُوَ مِنْ مُخْتَلَقَاتِ زَنَادِقَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَلَمْ يَكُنْ قَطُّ عَلَى عَهْدِ نُوحٍ، وَلَمْ يَسْلَمْ مِنَ الْغَرَقِ مِنَ الْكُفَّارِ أَحَدٌ.

قُلْتُ: وَقَدْ أَخْرَجَ ابن المنذر فِي تَفْسِيرِهِ بِسَنَدِهِ عَنِ ابن عمرو قَالَ: طُولُ عوج ثَلَاثَةَ عَشَرَ أَلْفَ ذِرَاعٍ، وعوج رَجُلٌ مِنْ قَوْمِ عَادٍ يَغْدُو مَعَ الشَّمْسِ وَيَرُوحُ مَعَهَا. وَقَدْ أَوْرَدَ بَعْضُ الْمُصَنِّفِينَ هَذَا فِي تَأْلِيفِهِ ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا مِمَّا يَسْتَحِي الشَّخْصُ أَنْ يَنْسُبَهُ إِلَى ابن عمرو لِضَعْفِهِ عَنْهُ قَالَ: وَرَدَّ ذَلِكَ آخَرُونَ بِمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ «أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ آدَمَ سِتِّينَ ذِرَاعًا ثُمَّ مَا زَالَ النَّاسُ يَنْقُصُونَ حَتَّى الْيَوْمَ» قَالَ: وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ عَنْ هَذَا بِأَنَّهُ عَلَى الْغَالِبِ وَالْأَكْثَرِ وَغَيْرُ مُنْكَرٍ أَنْ يَطُولَ الْأَوْلَادُ عَنْ آبَائِهِمْ. وَقَالَ صَاحِبُ الْقَامُوسِ: عوج بن عنق بِضَمِّهِمَا رَجُلٌ وُلِدَ فِي مَنْزِلِ آدَمَ فَعَاشَ إِلَى زَمَنِ مُوسَى وَذَكَرَ مِنْ عِظَمِ خَلْقِهِ بَشَاعَةً.

وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْمُعْجَمِ الْكَبِيرِ: حَدَّثَنَا أَبُو مُسْلِمٍ الْكَجِّيُّ ثَنَا معمر بن عبد الله الأنصاري ثَنَا المسعودي عَنِ القاسم بن عبد الرحمن عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: كَانَ طُولُ مُوسَى عليه السلام اثْنَيْ عَشَرَ ذِرَاعًا وَعَصَاهُ اثْنَيْ عَشَرَ وَوَثْبَتُهُ اثْنَيْ عَشَرَ فَضَرَبَ عوج بن عنق فَمَا أَصَابَ مِنْهُ إِلَّا كَعْبَهُ، وَقَالَ أَبُو الشَّيْخِ ابْنُ حَيَّانَ فِي كِتَابِ الْعَظَمَةِ: حَدَّثَنَا إسحاق بن جميل ثَنَا أَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ ثَنَا الكلبي

ص: 411

عَنْ أبي صالح عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ أَقْصَرُ قَوْمِ عَادٍ سَبْعِينَ ذِرَاعًا، وَأَطُولُهُمْ مِائَةَ ذِرَاعٍ، وَكَانَ طُولُ مُوسَى سَبْعَ أَذْرُعٍ، وَطُولُ عَصَاهُ سَبْعَ أَذْرُعٍ، وَوَثَبَ فِي السَّمَاءِ سَبْعَ أَذْرُعٍ، فَأَصَابَ كَعْبَ عوج فَقَتَلَهُ. وَقَالَ: أَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الصُّوفِيُّ، ثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنَا أبو خيثمة زهير عَنْ أبي إسحاق الهمذاني عَنْ نوف، قَالَ: إِنَّ سَرِيرَ عوج الَّذِي قَتَلَهُ مُوسَى طُولُهُ ثَمَانِمِائَةِ ذِرَاعٍ وَعَرْضُهُ أَرْبَعُمِائَةِ ذِرَاعٍ، وَكَانَ مُوسَى عَشْرَ أَذْرُعٍ، وَعَصَاهُ عَشْرَ أَذْرُعٍ، وَوَثْبَتُهُ حِينَ وَثَبَ عَشْرَ أَذْرُعٍ، فَأَصَابَ عَقِبَهُ فَخَرَّ عَلَى نِيلِ مِصْرَ، فَحَسَرَهُ لِلنَّاسِ عَامًا يَمُرُّونَ عَلَى صُلْبِهِ وَأَضْلَاعِهِ. وَقَالَ: ثَنَا أحمد بن محمد المصاحفي، ثَنَا محمد بن أحمد بن البراء، ثَنَا عبد المنعم بن إدريس عَنْ أَبِيهِ قَالَ: ذَكَرَ وهب بِأَنَّ عوج بن عنق كَانَتْ أُمُّهُ مِنْ بَنَاتِ آدَمَ عليه السلام، وَكَانَتْ مِنْ أَحْسَنِهِنَّ وَأَجْمَلِهِنَّ، وَكَانَ عوج مِمَّنْ وُلِدَ فِي دَارِ آدَمَ وَكَانَ جَبَّارًا خَلَقَهُ اللَّهُ كَمَا شَاءَ أَنْ يَخْلُقَهُ، وَلَا يُوَصَفُ عِظَمًا وَطُولًا وَعُمْرًا فَعَمَّرَ ثَلَاثَةَ آلَافِ سَنَةٍ وَسِتَّمِائَةِ سَنَةٍ، وَكَانَ طُولُهُ ثَمَانِمِائَةِ ذِرَاعٍ وَعَرْضُهُ أَرْبَعَمِائَةِ ذِرَاعٍ حَتَّى أَدْرَكَ زَمَانَ مُوسَى عليه السلام، وَكَانَ قَدْ سَأَلَ نُوحًا أَنْ يَحْمِلَهُ مَعَ السَّفِينَةِ فَقَالَ لَهُ نُوحٌ: لَمْ أُؤْمَرْ بِذَلِكَ أَيْ عَدُوَّ اللَّهِ اغْرُبْ عَنِّي فَكَانَ الْمَاءُ زَمَانَ الْغَرَقِ إِلَى حُجْزَتِهِ، وَكَانَ يَتَنَاوَلُ الْحُوتَ مِنَ الْبَحْرِ فَيَرْفَعُهُ بِيَدِهِ فِي الْهَوَاءِ فَيُنْضِجُهُ بِحَرِّ الشَّمْسِ ثُمَّ يَأْكُلُهُ، وَكَانَ سَبَبُ هَلَاكِهِ أَنَّهُ طَلَعَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ وَهُمْ فِي عَسْكَرِهِمْ فَحَزَرَهُ حَتَّى عَرَفَ قَدْرَهُ، وَكَانَ عَسْكَرُهُمْ فَرْسَخَيْنِ فِي فَرْسَخَيْنِ فَعَمَدَ إِلَى جَبَلٍ فَسَلَخَ مِنْهُ حَجَرًا عَلَى قَدْرِ الْعَسْكَرِ، ثُمَّ احْتَمَلَهُ عَلَى رَأْسِهِ يُرِيدُ أَنْ يُطْبِقَهُ عَلَيْهِمْ، فَأَرْسَلَ اللَّهُ هُدْهُدًا لِيُرِيَهُمْ قُدْرَتَهُ، فَأَقْبَلَ وَفِي مِنْقَارِهِ خَطٌّ مِنَ السَّامُورِ فَجَاءَهُ الْحَجَرُ عَلَى قَدْرِ رَأْسِ عوج وَهُوَ لَا يَدْرِي، ثُمَّ ضَرَبَ بِجَنَاحِهِ ضَرْبَةً فَوَقَعَ فِي عُنُقِهِ فَأُخْبِرَ مُوسَى خَبَرَهُ فَخَرَجَ إِلَيْهِ وَمَعَهُ الْعَصَا، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِ مُوسَى حَمَلَ عَلَيْهِ فَكَانَ قَامَةُ مُوسَى وَبَسْطَتُهُ سَبْعَ أَذْرُعٍ، وَطُولُ الْعَصَا سَبْعَ أَذْرُعٍ، وَوَثْبَتُهُ إِلَى السَّمَاءِ سَبْعَ أَذْرُعٍ، فَضَرَبَهُ بِالْعَصَا أَسْفَلَ مِنْ كَعْبِهِ فَقَتَلَهُ فَمَكَثَ زَمَانًا بَيْنَ ظَهَرَانَيْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مَيِّتًا.

قُلْتُ: هَذَا الْخَبَرُ بَاطِلٌ كَذِبٌ آفَتُهُ عبد المنعم بن إدريس. قَالَ الذهبي فِي الْمِيزَانِ: قَصَّاصٌ لَيْسَ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ تَرَكَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ. وَأَفْصَحَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فَقَالَ: كَانَ يَكْذِبُ عَلَى وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ. وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: ذَاهِبُ الْحَدِيثِ. وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: يَضَعُ الْحَدِيثَ عَلَى أَبِيهِ وَعَلَى غَيْرِهِ. وَقَالَ الحافظ ابن حجر فِي اللِّسَانِ: نَقَلَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ إسماعيل بن عبد الكريم قَالَ: مَاتَ إدريس وعبد المنعم رَضِيعٌ. وَكَذَا قَالَ أحمد إِذَا سُئِلَ عَنْهُ: لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ شَيْئًا. وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: كَذَّابٌ خَبِيثٌ. وَقَالَ الفلاس:

ص: 412

مَتْرُوكٌ. وَقَالَ أبو زرعة: وَاهِي الْحَدِيثِ. وَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ الْحَاكِمُ: ذَاهِبُ الْحَدِيثِ. وَقَالَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ، وَالنَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِثِقَةٍ انْتَهَى. وَمَا رَأَيْتُهُمْ أَوْرَدُوا حَدِيثًا مِنْ رِوَايَتِهِ إِلَّا حَكَمُوا عَلَيْهِ بِالْبُطْلَانِ. وَفِي كِتَابِ الْمَوْضُوعَاتِ لابن الجوزي مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ كَثِيرٌ، بَلْ ذَكَرَ ابن الجوزي أَنَّ أَبَاهُ إدريس أَيْضًا مَتْرُوكٌ فَسَقَطَ هَذَا الْخَبَرُ بِالْكُلِّيَّةِ. وَالْأَقْرَبُ فِي أَمْرِهِ أَنَّهُ كَانَ مِنْ بَقِيَّةِ عَادٍ، وَأَنَّهُ كَانَ لَهُ طُولٌ فِي الْجُمْلَةِ مِائَةَ ذِرَاعٍ أَوْ شِبْهَ ذَلِكَ لَا هَذَا الْقَدْرَ الْمَذْكُورَ، وَأَنَّ مُوسَى عليه السلام قَتَلَهُ بِعَصَاهُ، هَذَا الْقَدْرُ الَّذِي يُحْتَمَلُ قَبُولُهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

مَسْأَلَةٌ:

عُبَيْدٌ جَاءَ مُعْتَرِفًا وَفَاءً

مِنَ الْبَحْرِ الَّذِي هُوَ جَبْرُ كَسْرِي

إِمَامٌ عَالِمٌ حَبْرٌ وَبَحْرٌ

سَمَا فَضْلًا عَلَى زَيْدٍ وَعَمْرِو

لِخَلْقِ اللَّهِ لَمْ يَسْمَحْ زَمَانٌ

بِمِثْلِ عُلُومِهِ بِدَوَامِ دَهْرِ

وَمَا فِي الْعَصْرِ مُجْتَهِدٌ سِوَاهُ

تَفَرَّدَ كَمْ لَهُ ثَانٍ بِشُكْرِ

بِنَعْلَيْهِ عَلَى أَرْقَابِ قَوْمٍ

هُمُ الْحُسَّادُ قَدْ مَاتُوا بِقَهْرِ

فَمُوتُوا حَاسِدِيهِ أَمَا تَرَوْهُ

بِخَيْرِ عُلُومِهِ صِرْتُمْ بِشَرِّ

جَلَا مِرْآةَ فَقْرِي مِنْ جَلَاهَا

جَلَالُ الدِّينِ أَنْتَ فَرِيدُ عَصْرِي

فَيَا عَيْنَ الزَّمَانِ فَكَمْ غَرِيبٍ

أَتَيْتَ بِهِ تُقَرِّرُهُ وَتُقْرِي

بِفَضْلِكَ جُدْ وَسُدْ وَارْقَ الْمَعَالِي

فَكَمْ أَبْرَزْتَ مِنْ طَيٍّ وَنَشْرِ

رَثَيْتُ بِحُرْقَةٍ يَا بَحْرُ نَجْلِي

وَرَحْبِي ضَاقَ مِنْ ضِيقَانِ صَدْرِي

وَقَلْبِي بِالنَّوَى أَضْحَى حَرِيقًا

وَبَحْرُ الدَّمْعِ مِنْ عَيْنَيَّ يَجْرِي

لِنَجْلٍ كَانَ لِي مَا لِي سِوَاهُ

عَلَيْهِ يَا إِمَامُ ضَاعَ صَبْرِي

قَضَى بِفَنَائِهِ الْبَاقِي دَوَامًا

وَقَدْ سَلَّمْتُ لِلْأَحْكَامِ أَمْرِي

رَثَيْتُ إِذًا وَفِكْرِي فِي اشْتِغَالٍ

بِرَقْمٍ عَاجِلٍ سَطْرًا بِسَطْرِ

فَعَابَ رِثَاءَ مَا أَبْدَيْتُ شَخْصٌ

لِشِعْرٍ لَمْ يَكُنْ يَا حَبْرُ يَدْرِي

لِقَوْلِي إِبْرَيْسَمُ الْأَفْرَاحِ فِيهِ

وَكَتَّانٌ أَضَفْتُ لَهُ بِحَرِّي

فَكَتْكَتَهُ الْأَسَى فَغَدَا مُشَاقًّا

وَهَذَا قُلْتُهُ يَا خَيْرَ حَبْرِ

فَدَارَ بِهِ عَلَى النُّظَّامِ لَمَّا

رَأَوْهُ غَالِيًا فِي السِّعْرِ شِعْرِي

فَمِنْ حَسَدٍ لَهُ أَبْدَوْا هِجَاءً

فَهَلْ لِمُقَابِلِ النَّعْمَا بِكُفْرِ

ص: 413

لِأَهْلِ الْفَضْلِ جِئْتُ بِهِ أَجَابُوا

بِرَقْمٍ عَنْهُ تِبْيَانًا بِشُكْرِ

وَهَا هُمْ خَطَّأُوا مَنْ قَالَ هَجْوًا

وَقَالُوا حَاسِدٌ أَضْحَى بِخُسْرِ

وَمِنْهُمْ مَنْ أَجَابَ عَلَيْهِ نَظْمًا

وَكَمْ مَنْ قَابَلَ الْهَاجِي بِنَشْرِ

فَلَوْ أَبْصَرْتَ هَجْوَهُمُ وَهَجْوِي

لَقُلْتَ رَأَيْتُ تِبْنًا عِنْدَ تِبْرِي

لَهُمْ قَدْ جِئْتُ مَيْدَانًا لِحَرْبٍ

وَأَطْلَقْتُ اللِّسَانَ وَجَالَ فِكْرِي

فَجُدْ بِنَفِيسِ دُرِّكَ لِي بِشَيْءٍ

لِأَكْسِرَهُمْ بِهِ وَيَكُونَ نَصْرِي

فَفَهْمِي مِثْلُ رَشْحِ الْكُوزِ أَضْحَى

وَأَنْتَ الْبَحْرُ كُنْ يَا بَرُّ جِسْرِي

وَنَجْلُ الْبَرْدِ دَارَ يَكُونُ مِنْكُمْ

قَبُولًا سَيِّدِي مَعَ بَسْطِ عُذْرِي

فَدُمْ وَاسْلَمْ وَعِشْ مَا دَامَ بَدْرٌ

وَنَجْمٌ حَوْلَهُ فِي اللَّيْلِ يَسْرِي

بِجَاهِ مُحَمَّدٍ خَيْرِ الْبَرَايَا

شَفِيعِ الْخَلْقِ طَهَ يَوْمَ حَشْرِي

عَلَيْهِ وَآلِهِ وَالصَّحْبِ جَمْعًا

صَلَاةٌ مَا انْقَضَى لَيْلٌ بِفَجْرِ

وَمَا غَنَّتْ عَلَى الْأَوْرَاقِ وُرْقٌ

بِتَلْحِينٍ عَلَى وَرْدٍ وَزَهْرِ

الْجَوَابُ:

سَرَحَتْ أَفْكَارِي وَالْعِلْمُ رَاقٍ

وَالْجَهْلُ بِالْأَشْيَاءِ مُرُّ الْمَذَاقِ

فِي بَيْتِ شِعْرٍ قَالَهُ شَاعِرٌ

يَجْرِي مَعَ الْحَلْبَةِ عِنْدَ السِّبَاقِ

إِبْرَيْسِمُ الْأَفْرَاحِ مِنْ بَعْدِهِ

كَتْكَتَهُ الْحُزْنُ فَأَضْحَى مَشَاقِّ

وَقَوْلُ مَنْ أَنْكَرَ أَلْفَاظَهُ

وَأَنَّهَا مَعْدُودَةٌ فِي النُّعَاقِ

لَا وَجْهَ لِلْإِنْكَارِ فِي هَذِهِ

فَكُلُّهَا بِالِاسْتِعَارَاتِ رَاقِ

وَقَدْ أَتَى فِي خَبَرِ الْمُصْطَفَى

لَفْظُ مَشَاقِّ عَرَبِيَّ انْبِثَاقِ

وَنَصَّ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي كُتُبِهِمْ

وَأَوْدَعُوهُ فِي بِطَانِ الْبِطَاقِ

مَسْأَلَةُ الْكَتَّانِ وَالشِّعْرِ مَعْ

إِبْرَيْسِمٍ تُدْعَى الْمَشَاقَّ الْمَشَاقِّ

وَقَوْلُهُ كَتْكَتَهُ وَجْهُهُ

أَهْزَلَهُ صَيَّرَهُ فِي الرِّقَاقِ

فَذَاكَ مَعْنًى لُغَوِيٌّ لَهُ

نُقِلَ أَتَى فِي الْكُتُبِ بَيْنَ الرِّفَاقِ

وَفِيهِ مَعْنًى آخَرُ رِيقَ

يُدْرِكُهُ ذُو الْعِلْمِ بِالِاشْتِقَاقِ

تَصْرِيفُ فِعْلٍ عَرَبِيٍّ أَتَى

مِنْ لَفْظٍ تُرْكِيٍّ إِلَيْهِ اسْتِبَاقِ

مِنْ كُتْ بِمَعْنَى رُحْ فَتَأْوِيلُهُ

أَذْهَبَهُ صَيَّرَهُ فِي انْمِحَاقِ

فَذَاكَ حَسَنٌ بَعْدَ حَسَنٍ غَدَا

يُشَاقُ لِلْأَلْبَابِ لَمَّا يُسَاقِ

ص: 414

وَحَقُّ مَنْ ذَلِكَ مِنْ شِعْرِهِ

أَنْ يَلْحَظُوهُ بِالْحِدَاقِ الْحُذَّاقِ

وَقَدْ أَتَى مُسْتَرْفِدًا طَالِبًا

إِجَازَةً تُدْرِجُهُ فِي الطِّبَاقِ

أَجَزْتُهُ بِالشِّعْرِ فَهْوَ الَّذِي

يَحِقُّ أَنْ يُقْضَى لَهُ بِاللَّحَاقِ

بِشَرْطِ تَقْوَى اللَّهِ فِي شِعْرِهِ

وَتَرْكِهِ الْهَجْوَ وَمَا لَا يُطَاقِ

وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى نِعْمَةٍ

يَضِيقُ عَنْ شُكْرِي فِيهَا النِّطَاقِ

ثُمَّ صَلَاةُ اللَّهِ تُهْدَى إِلَى

أَفْضَلِ مَنْ أُهْدَى إِلَيْهِ الْبُرَاقِ

مَسْأَلَةٌ:

يَا حَاوِيَ اللُّطْفِ وَالْمَعَانِي

بَدِيعُهُ بَهْجَةٌ وَظُرْفُ

وَيَا سِنِي الْمَجْدِ فِي الْمَبَانِي

مَنْطِقُهُ مُعْرِبٌ وَلُطْفُ

امْنُنْ بِكَشْفٍ عَنِ اسْمِ طَيْرٍ

النِّصْفُ ظَرْفٌ وَالنِّصْفُ حَرْفُ

الْجَوَابُ:

يَا مَنْ أَتَى لُغْزُهُ الْمُعَمَّى

يُبْتَغَى لِلْأَنَامِ كَشْفُ

هُوَ اسْمُ طَيْرٍ إِنْ صَحَّفُوهُ

فَثَمَرٌ بِالنَّدَى يُحَفُّ

أَوْ حَشَفٌ يَابِسٌ تَرَاهُ

مُرَادِفًا بِالثَّرَى يَجِفُّ

وَإِنْ يَكُنْ فِي ابْتِدَاءِ عَيْنٍ

فَمُغْرَمٌ لِلْمَنَامِ يَجْفُو

أَوْ أَبْدَلُوا بَاءَهُ بِوَاوٍ

فَذَاكَ كَلْبٌ وَفِيهِ عُرْفُ

أَوْ أَبْدَلُوا بَاءَهُ بِرَاءٍ

فَإِنَّهُ فِي الْقُلُوبِ طَرْفُ

أَوْ أَبْدَلُوا بَاءَهُ بِنُونٍ

فَإِنَّهُ قَدْ عَرَاهُ عُرْفُ

وَإِنْ تُرَخِّمْهُ فَهْوَ رَاشٍ

لِلتُّرْكِ كُلٌّ إِلَيْهِ يَقْفُو

وَذَيْلُهُ دَائِرٌ مُحِيطٌ

يَضُمُّهُ فِي الْكِتَابِ صُحْفُ

هَذَا جَوَابِي غَزِيرُ مَعْنًى

وَفِيهِ لُطْفٌ وَفِيهِ ظُرْفُ

وَاللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.

ص: 415