المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[مسائل متفرقة في النحو] - الحاوي للفتاوي - جـ ٢

[الجلال السيوطي]

فهرس الكتاب

- ‌[الْمِنْحَةُ فِي السُّبْحَةِ]

- ‌[أَعْذَبُ الْمَنَاهِلِ فِي حَدِيثِ مَنْ قَالَ أَنَا عَالِمٌ فَهُوَ جَاهِلٌ]

- ‌[حُسْنُ التَّسْلِيكِ فِي حُكْمِ التَّشْبِيكِ]

- ‌[شَدُّ الْأَثْوَابِ فِي سَدِّ الْأَبْوَابِ]

- ‌[الْعَجَاجَةُ الزَّرْنَبِيَّةُ فِي السُّلَالَةِ الزَّيْنَبِيَّةِ]

- ‌[آخِرُ الْعَجَاجَةِ الزَّرْنَبِيَّةِ فِي السُّلَالَةِ الزَّيْنَبِيَّةِ]

- ‌[الدُّرَّةُ التَّاجِيَّةُ عَلَى الْأَسْئِلَةِ النَّاجِيَةِ]

- ‌[رَفْعُ الْخِدْرِ عَنْ قَطْعِ السِّدْرِ]

- ‌[الْعُرْفُ الْوَرْدِيُّ فِي أَخْبَارِ الْمَهْدِيِّ]

- ‌[الْكَشْفُ عَنْ مُجَاوَزَةِ هَذِهِ الْأُمَّةِ الْأَلْفَ]

- ‌[الحديث المشهور على الألسنة أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَا يَمْكُثُ فِي قَبْرِهِ أَلْفَ سَنَةٍ]

- ‌[ذِكْرُ مَا وَرَدَ أَنَّ مُدَّةَ الدُّنْيَا سَبْعَةُ آلَافِ سَنَةٍ]

- ‌[ذِكْرُ مَا وَرَدَ أَنَّ الدَّجَّالَ يَخْرُجُ عَلَى رَأْسِ مِائَةٍ]

- ‌[ذِكْرُ مُدَّةِ مُكْثِ النَّاسِ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا]

- ‌[ذِكْرُ مُدَّةِ مَا بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ]

- ‌[كَشْفُ الرَّيْبِ عَنِ الْجَيْبِ]

- ‌[كِتَابُ الْبَعْثِ] [

- ‌هَلْ وَرَدَ أَنَّ الزَّامِرَ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِمِزْمَارِهِ]

- ‌[حَدِيثُ أَوَّلُ مَا يَأْكُلُهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ]

- ‌[حَدِيثِ الطَّبَرَانِيِّ أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِ اللَّهِ حُورٌ عِينٌ]

- ‌[هَلْ وَرَدَ أَنَّ عَدَدَ دَرَجِ الْجَنَّةِ بِعَدَدِ آيِ الْقُرْآنِ]

- ‌[رَفْعُ الصَّوْتِ بِذَبْحِ الْمَوْتِ]

- ‌[إِتْحَافُ الْفِرْقَةِ بِرَفْوِ الْخِرْقَةِ]

- ‌[بُلُوغُ الْمَأْمُولِ فِي خِدْمَةِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌ الْإِيمَانُ

- ‌[مَبْحَثُ الْإِلَهِيَّاتِ]

- ‌[إِتْمَامُ النِّعْمَةِ فِي اخْتِصَاصِ الْإِسْلَامِ بِهَذِهِ الْأُمَّةِ]

- ‌[تَنْزِيهُ الِاعْتِقَادِ عَنِ الْحُلُولِ وَالِاتِّحَادِ]

- ‌[مَبْحَثُ النُّبُوَّاتِ]

- ‌[تَزْيِينُ الْآرَائِكِ فِي إِرْسَالِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمَلَائِكِ]

- ‌[الجواب على قَوْلِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُبْعَثْ إِلَى الْمَلَائِكَةِ]

- ‌[ذِكْرُ الْأَدِلَّةِ الَّتِي أَخَذْتُ مِنْهَا إِرْسَالَهُ إِلَى الْمَلَائِكَةِ]

- ‌[أَنْبَاءُ الْأَذْكِيَاءِ بِحَيَاةِ الْأَنْبِيَاءِ]

- ‌[كِتَابُ الْإِعْلَامِ بِحُكْمِ عِيسَى عليه السلام]

- ‌[لُبْسُ الْيَلَبِ فِي الْجَوَابِ عَنْ إِيرَادِ حَلَبَ]

- ‌[مَبْحَثُ الْمَعَادِ]

- ‌[اللُّمْعَةُ فِي أَجْوِبَةِ الْأَسْئِلَةِ السَّبْعَةِ]

- ‌[الِاحْتِفَالُ بِالْأَطْفَالِ]

- ‌[طُلُوعُ الثُّرَيَّا بِإِظْهَارِ مَا كَانَ خَفِيًّا]

- ‌[أَحْوَالُ الْبَعْثِ]

- ‌[تُحْفَةُ الْجُلَسَاءِ بِرُؤْيَةِ اللَّهِ لِلنِّسَاءِ]

- ‌[مَسَالِكُ الْحُنَفَا فِي وَالِدَيِ الْمُصْطَفَى]

- ‌[الْفَتَاوَى الصوفية]

- ‌[الزهد]

- ‌[الْقَوْلُ الْأَشْبَهُ فِي حَدِيثِ مَنْ عَرَفَ نَفْسَهُ فَقَدْ عَرَفَ رَبَّهُ]

- ‌[الْخَبَرُ الدَّالُّ عَلَى وُجُودِ الْقُطْبِ وَالْأَوْتَادِ وَالنُّجَبَاءِ وَالْأَبْدَالِ]

- ‌[تَنْوِيرُ الْحَلَكِ فِي إِمْكَانِ رُؤْيَةِ النَّبِيِّ وَالْمَلَكِ]

- ‌[الْفَتَاوَى النَّحْوِيَّةُ وَمَا ضُمَّ إِلَيْهَا]

- ‌[مسائل متفرقة في النحو]

- ‌[فَجْرُ الثَّمْدِ فِي إِعْرَابِ أَكْمَلِ الْحَمْدِ]

- ‌[أَلْوِيَةُ النَّصْرِ فِي خِصِّيصَى بِالْقَصْرِ]

- ‌[الزَّنْدُ الْوَرِيُّ فِي الْجَوَابِ عَنِ السُّؤَالِ السَّكَنْدَرِيِّ]

- ‌[رَفْعُ السِّنَةِ فِي نَصْبِ الزِّنَةِ]

- ‌[الْأَجْوِبَةُ الزَّكِيَّةُ عَنِ الْأَلْغَازِ السُّبْكِيَّةِ]

- ‌[الْأَسْئِلَةُ الْمِائَةُ]

- ‌[تَعْرِيفُ الْفِئَةِ بِأَجْوِبَةِ الْأَسْئِلَةِ الْمِائَةِ]

- ‌[الْأَسْئِلَةُ الْوَزِيرِيَّةُ وَأَجْوِبَتُهَا]

- ‌[الْأَوْجُ فِي خَبَرِ عَوْجٍ]

الفصل: ‌[مسائل متفرقة في النحو]

اللَّهُ عَنْهُمْ هُمْ رُءُوسُ أَرْبَابِ الْأَحْوَالِ. وَقَدْ وَرَدَ فِي عِدَّةِ أَحَادِيثَ أَنَّ أبا بكر وعمر وبلالا رَأَوْا مِثْلَ مَا رَأَى عبد الله بن زيد. وَذَكَرَ إمام الحرمين فِي النِّهَايَةِ، وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ، أَنَّ بِضْعَةَ عَشَرَ مِنَ الصَّحَابَةِ كُلُّهُمْ قَدْ رَأَى مِثْلَ ذَلِكَ. وَفِي الْحَدِيثِ [أَنَّ] الَّذِي نَادَى بِالْأَذَانِ فَسَمِعَهُ عمر وبلال جِبْرِيلُ أَخْرَجَهُ الحارث بن أبي أسامة فِي مُسْنَدِهِ، وَيُشْبِهُ هَذَا مَا أَخْرَجَهُ ابن عساكر فِي تَارِيخِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ قَالَ:«دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى أبي بكر فَرَآهُ ثَقِيلًا، فَخَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ، فَدَخَلَ عَلَى عائشة لِيُخْبِرَهَا بِوَجَعِ أبي بكر، إِذْ دَخَلَ أبو بكر يَسْتَأْذِنُ، فَدَخَلَ فَجَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَتَعَجَّبُ لِمَا عَجَّلَ اللَّهُ لَهُ مِنَ الْعَافِيَةِ، فَقَالَ: مَا هُوَ إِلَّا أَنْ خَرَجْتَ مِنْ عِنْدِي فَغَفَوْتُ، فَأَتَانِي جِبْرِيلُ عليه السلام، فَسَطَعَنِي سَطْعَةً، فَقُمْتُ وَقَدْ بَرِأْتُ. فَلَعَلَّ هَذِهِ غَفْوَةُ حَالٍ لَا غَفْوَةُ نَوْمٍ» .

[الْفَتَاوَى النَّحْوِيَّةُ وَمَا ضُمَّ إِلَيْهَا]

[مسائل متفرقة في النحو]

الْفَتَاوَى النَّحْوِيَّةُ وَمَا ضُمَّ إِلَيْهَا

مَسْأَلَةٌ: قَوْلُ ابْنِ الْمُصَنِّفِ: حَدُّ النَّحْوِ فِي الِاصْطِلَاحِ عِبَارَةٌ عَنِ الْعِلْمِ بِأَحْكَامٍ مُسْتَنْبَطَةٍ مِنَ اسْتِقْرَاءِ كَلَامِ الْعَرَبِ، أَعْنِي أَحْكَامَ الْكَلِمِ فِي ذَوَاتِهَا وَمَا يَعْرِضُ لَهَا بِالتَّرْكِيبِ، هَلْ قَوْلُهُ وَمَا يَعْرِضُ لَهَا بِأَوْ أَوْ بِالْوَاوِ، وَمَا مَعْنَى ذَلِكَ؟

الْجَوَابُ: هُوَ بِالْوَاوِ قَصَدَ بِذَلِكَ حَدَّ النَّحْوِ عَلَى مُصْطَلَحِ أَبِيهِ الشَّامِلِ لِلْإِعْرَابِ وَالتَّصْرِيفِ مَعًا، فَأَحْكَامُ الْكَلِمِ فِي ذَوَاتِهَا هُوَ الْمَبْحُوثُ عَنْهُ فِي التَّصْرِيفِ، وَمَا يَعْرِضُ لَهَا بِالتَّرْكِيبِ هُوَ الْمَبْحُوثُ عَنْهُ فِي الْإِعْرَابِ، وَيُطْلَقُ النَّحْوُ إِطْلَاقًا آخَرَ عَلَى مَا يُرَادِفُ الْإِعْرَابَ وَيُقَابِلُ التَّصْرِيفَ، وَلَهُ حَدٌّ غَيْرُ مَا ذَكَرَ.

مَسْأَلَةٌ: فِي قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَالْجَنَّةَ حَقٌّ، وَالنَّارَ حَقٌّ» . هَلِ " الْجَنَّةُ " بِالرَّفْعِ أَوْ بِالنَّصْبِ؟ .

الْجَوَابُ: هُوَ بِالنَّصْبِ لَا يَجُوزُ غَيْرُهُ ; لِأَنَّهُ الَّذِي يَسْتَقِيمُ بِهِ الْمَعْنَى، وَلَا يُنَافِي هَذَا قَوْلَ النُّحَاةِ: يَجُوزُ الرَّفْعُ بَعْدَ اسْتِكْمَالِ الْخَبَرِ ; لِأَنَّهُ حَيْثُ جَازَ أَنْ يَكُونَ مُسْتَأْنَفًا، وَالِاسْتِئْنَافُ هُنَا يُخِلُّ بِالْمَعْنَى، إِذْ يَصِيرُ الْمُرَادُ الْإِخْبَارَ بِأَنَّ الْجَنَّةَ حَقٌّ، وَلَيْسَ مُرَادًا، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ إِدْخَالُهُ فِي الْمَشْهُودِ بِهِ، فَتَعَيَّنَ النَّصْبُ.

مَسْأَلَةٌ: مَا إِعْرَابُ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «حُبِّبَ إِلَيَّ مِنْ دُنْيَاكُمْ ثَلَاثٌ: النِّسَاءُ، وَالطِّيبُ، وَقُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ» ؟

ص: 324

الْجَوَابُ: لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ لَفْظُ " ثَلَاثٌ "، وَأَمَّا إِعْرَابُهُ فَ " حُبِّبَ " فِعْلٌ مَبْنِيٌّ لِلْمَفْعُولِ، وَالظَّرْفَانِ بَعْدَهُ مُتَعَلِّقَانِ بِهِ. وَ " الطِّيبُ " مَرْفُوعٌ بِهِ نَائِبًا عَنِ الْفَاعِلِ. وَ " النِّسَاءُ " مَعْطُوفٌ عَلَيْهِ. وَأَمَّا بَقِيَّةُ الْحَدِيثِ فَلَفْظُ:«وَجُعِلَ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ» ، فَ " قُرَّةُ " مَفْعُولُ جُعِلَ الْأَوَّلُ، أُقِيمَ مَقَامَ فَاعِلِهِ لَمَّا بُنِيَ لِلْمَفْعُولِ، وَالْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ مَفْعُولُهُ الثَّانِي. وَمَنْ زَادَ فِي الْحَدِيثِ لَفْظَةَ " ثَلَاثٌ " فَقَدَ وَهِمُوهُ ; لِأَنَّ الصَّلَاةَ لَيْسَتْ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا، فَالْمَخْصُوصُ بِحُبِّهِ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا اثْنَانِ، النِّسَاءُ وَالطِّيبُ، وَهُمَا بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ دِينٌ لَا دُنْيَا ; وَلِهَذَا قَالَ: مِنْ دُنْيَاكُمْ، وَلَمْ يَقُلْ مِنْ دُنْيَايَ وَلَا مِنَ الدُّنْيَا، فَأَشَارَ بِهَذِهِ الْإِضَافَةِ إِلَى أَنَّهُمَا مِنْ دُنْيَا النَّاسِ ; لِأَنَّهُمْ يَقْصِدُونَهُمَا لِلِاسْتِلْذَاذِ وَحُظُوظِ النَّفْسِ، وَهُوَ صلى الله عليه وسلم مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا حُبِّبَ إِلَيْهِ النِّسَاءُ لِيَنْقُلْنَ عَنْهُ مَحَاسِنَهُ، وَمُعْجِزَاتِهِ الْبَاطِنَةَ، وَأَحْكَامَ الشَّرِيعَةِ الَّتِي لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهَا الرِّجَالُ غَالِبًا، وَلِلْقِيَامِ بِأَوْدِهِنَّ، وَلِيَتَشَرَّفَ أَصْحَابُهُ بِمُصَاهَرَتِهِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْفَوَائِدِ الدِّينِيَّةِ، وَحُبِّبَ إِلَيْهِ الطِّيبُ لِمُلَاقَاتِهِ الْمَلَائِكَةَ، وَهُمْ يُحِبُّونَهُ وَيَكْرَهُونَ الرِّيحَ الْخَبِيثَةَ ; وَلِهَذَا امْتَنَعَ مِنْ أَكْلِ الثَّوْمِ وَنَحْوِهِ لِأَجْلِ أَنَّ جِبْرِيلَ يَأْتِيهِ، وَقَدْ وَرَدَ فِي الْمَلَائِكَةِ أَنَّهُمْ لَا يَأْكُلُونَ وَلَا يَشْرَبُونَ، وَلَكِنْ يَجِدُونَ الرِّيحَ.

مَسْأَلَةٌ: «قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم لِلْجَارِيَةِ الَّتِي دَعَتْهُ لِحَاجَتِهَا: اجْلِسِي فِي أَيِّ سِكَكِ الْمَدِينَةِ شِئْتِ أَجْلِسْ إِلَيْكِ» . هَلْ " أَجْلِسْ " بِالْجَزْمِ أَمْ بِالرَّفْعِ أَمْ بِالْوَجْهَيْنِ؟

الْجَوَابُ: الْمَعْرُوفُ فِي هَذَا وَأَمْثَالِهِ الْجَزْمُ، وَبِهِ وَرَدَ الْقُرْآنُ، قَالَ تَعَالَى:{قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ} [إبراهيم: 31] وَالْأَشْهَرُ فِي تَوْجِيهِهِ أَنَّهُ جَوَابُ شَرْطٍ مَحْذُوفٍ.

مَسْأَلَةٌ: قَوْلُ الْخَزْرَجِيَّةِ:

إِذَا اسْتَكْمَلَ الْإِجْزَاءَ بَيْتٌ كَحَشْوِهِ

عَرُوضٌ وَضَرْبٌ ثَمَّ أَوْ خُولِفَتْ وَفَا

عَلَامَ رُفِعَ قَوْلُهُ: عَرُوضٌ وَضَرْبٌ؟

الْجَوَابُ: " عَرُوضٌ " مُبْتَدَأٌ، وَ " ضَرْبٌ " عُطِفَ عَلَيْهِ، وَالْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ " وَهُوَ كَحَشْوِهِ " الْخَبَرُ، وَتَقْدِيمُهُ هُوَ الَّذِي سَوَّغَ الِابْتِدَاءَ بِالنَّكِرَةِ، وَالتَّقْدِيرُ: كَالْحَشْوِ فِي الِاسْتِكْمَالِ الْعُرُوضُ وَالضَّرْبُ.

ص: 325

مَسْأَلَةٌ: فِي قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم فِيمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ: «لَوْ كَانَ ذَاكَ وَأَنَا حَيٌّ فَأَسْتَغْفِرَ لَكَ» . هَلْ لَفْظُ " فَأَسْتَغْفِرَ " بِالنَّصْبِ أَوْ بِالرَّفْعِ؟

الْجَوَابُ: هُوَ بِالنَّصْبِ بِتَقْدِيرِ أَنْ بَعْدَ الْفَاءِ فِي جَوَابِ " لَوْ "، وَهِيَ لِلتَّمَنِّي لَا لِلشَّرْطِ عَلَى حَدِّ قَوْلِهِ تَعَالَى:{فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الشعراء: 102] وَلَا يَصِحُّ كَوْنُ " لَوْ " فِي الْحَدِيثِ لِلشَّرْطِ لِوُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ هَذَا إِخْبَارٌ عَنْ مُسْتَقْبَلٍ، " لَوْ " إِنَّمَا تَقَعُ شَرْطًا فِي الْمُضِيِّ، وَإِذَا وَقَعَ الْمُضَارِعُ بَعْدَهَا أُوِّلَ بِالْمُضِيِّ. الثَّانِي: أَنَّ " لَوْ " الشَّرْطِيَّةَ لَا يَقَعُ جَوَابُهَا مُضَارِعًا بَلْ مَاضِي اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى. الثَّالِثُ: أَنَّ جَوَابَ الشَّرْطِ إِذَا كَانَ مُضَارِعًا لَا يَجُوزُ اقْتِرَانُهُ بِالْفَاءِ بِالْإِجْمَاعِ، فَعُلِمَ بِذَلِكَ كُلِّهِ أَنَّ " لَوْ " هُنَا لِلتَّمَنِّي لَا لِلشَّرْطِ.

مَسْأَلَةٌ: فِي إِعْرَابِ تَرْكِيبٍ وَقَعَ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ نَصُّهُ: وَلَا يُمْكِنُ الْوَارِثَ أَخْذُهَا. هَلِ " الْوَارِثَ " مَرْفُوعٌ عَلَى الْفَاعِلِيَّةِ " وَأَخْذُهَا " بِالنَّصْبِ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ أَوْ بِالْعَكْسِ؟

الْجَوَابُ: الْوَارِثَ هُوَ الْمَفْعُولُ الْمَنْصُوبُ، وَأَخْذُهَا هُوَ الْفَاعِلُ الْمَرْفُوعُ، لَا يَجُوزُ غَيْرُ ذَلِكَ، وَمَنْ عَكَسَ فَهُوَ عَارَضَ مَنْ عَلِمَ الْعَرَبِيَّةَ بِالْكُلِّيَّةِ، وَذَلِكَ مَأْخُوذٌ مِنْ قَاعِدَةٍ قَرَّرَهَا أَهْلُ النَّحْوِ وَاتَّفَقُوا عَلَيْهَا، مِنْهُمُ L-1 الزجاجي فِي الْجُمَلِ، وابن هشام فِي الْمُغْنِي، فَقَالَا: إِذَا اشْتَبَهَ عَلَيْكَ الْفَاعِلُ مِنَ الْمَفْعُولِ فَرُدَّ الِاسْمَ إِلَى الضَّمِيرِ، وَمَا رَجَعَ إِلَى ضَمِيرِ الْمُتَكَلِّمِ الْمَرْفُوعِ فَهُوَ الْفَاعِلُ، وَمَا رَجَعَ إِلَى ضَمِيرِهِ الْمَنْصُوبِ فَهُوَ الْمَفْعُولُ. وَقَالَ ابن هشام: تَقُولُ: أَمْكَنَ الْمُسَافِرَ السَّفَرُ، بِنَصْبِ " الْمُسَافِرَ " ; لِأَنَّكَ تَقُولُ: أَمْكَنَنِي السَّفَرُ، وَلَا تَقُولُ: أَمْكَنْتُ السَّفَرَ، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ التَّرْكِيبُ الْمَسْئُولُ عَنْهُ، لَوْ رَجَّعْتَ الْوَارِثَ إِلَى الضَّمِيرِ لَقُلْتَ فِي التَّكَلُّمِ: وَلَا يُمْكِنُنِي أَخْذُهَا، وَفِي الْخِطَابِ: وَلَا يُمْكِنُكَ أَخْذُهَا، وَفِي الْغَيْبَةِ: وَلَا يُمْكِنُهُ أَخْذُهَا، فَالضَّمَائِرُ كُلُّهَا مَنْصُوبَةٌ، وَ " أَخْذُهَا " هُوَ الْفَاعِلُ، وَكَذَا " الْوَارِثَ " الْوَاقِعُ مَوْقِعَهُ، وَمَنْ ظَنَّ أَنَّ الْوَارِثَ هُوَ الْفَاعِلُ لِكَوْنِهِ مِنْ ذَوِي الْعَقْلِ دُونَ الْأَخْذِ، فَهُوَ فِي غَايَةِ الْوَهْمِ، كَيْفَ وَالْإِمْكَانُ وَعَدَمُهُ إِنَّمَا هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِالْأَخْذِ لَا بِالْوَارِثِ، وَمِنْ نَظَائِرِ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى:{كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ} [الحديد: 20]، وَقَوْلُهُ تَعَالَى:{لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} [البقرة: 124] فِي آيَاتٍ أُخْرَى تَرَى الْفَاعِلَ فِيهَا غَيْرَ أُولِي الْعَقْلِ.

مَسْأَلَةٌ: فِيمَنْ سَمِعَ إِنْسَانًا يُنْشِدُ قَوْلَ الْعَلَّامَةِ نَاصِحِ الدِّينِ الْأَرْجَانِيِّ:

هَذَا الزَّمَانُ عَلَى مَا فِيهِ مِنْ كَدَرٍ

حَكَى انْقِلَابَ لَيَالِيهِ بِأَهْلِيهِ

ص: 326

غَدِيرُ مَاءٍ تَرَاءَى فِي أَسَافِلِهِ

خَيَالُ قَوْمٍ تَمَشَّوْا فِي نَوَاحِيهِ

فَالرَّأْسُ يُنْظَرُ مَنْكُوسًا أَسَافِلُهُ

وَالرِّجْلُ يُنْظَرُ مَرْفُوعًا أَعَالِيهِ

فَأَعْرَبَ " الرَّأْسُ " مُبْتَدَأً، وَ " يُنْظَرُ " الْمَبْنِيُّ لِمَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ خَبَرٌ، وَالضَّمِيرُ الْمُسْتَتِرُ فِيهِ الْعَائِدُ إِلَى الرَّأْسِ مَعْمُولٌ لِ " يُنْظَرُ "، وَ " مَنْكُوسًا " حَالٌ مِنْهُ، وَأَسَافِلَ مَنْصُوبٌ عَلَى الظَّرْفِ، وَالضَّمِيرُ الْمُتَّصِلُ بِهِ عَائِدٌ إِلَى الْغَدِيرِ، وَتَقْدِيرُ الْكَلَامِ: يُنْظَرُ الرَّأْسُ حَالَ كَوْنِهِ مَنْكُوسًا أَسَافِلَ الْغَدِيرِ. وَالظَّرْفُ مُتَعَلِّقٌ بِ " يُنْظَرُ "، وَكَذَا النِّصْفُ الثَّانِي، فَيَكُونُ تَقْدِيرُهُ: يُنْظَرُ الرِّجْلُ حَالَ كَوْنِهِ مَرْفُوعًا فِي أَعَالِي الْغَدِيرِ، فَيَكُونُ الشَّاعِرُ قَدْ شَبَّهَ رَأْسَ الْإِنْسَانِ بِرَأْسِ الْإِنْسَانِ، وَالرِّجْلَ بِالْأَسَافِلِ، وَالْغَدِيرَ فِي حَالِ تَمَثُّلِ الْأَشْكَالِ فِيهِ مُنْقَلِبَةً بِالزَّمَانِ فِي انْقِلَابِهِ بِأَهْلِهِ، وَمَرَاتِبَ الْعُلُوِّ وَالسُّفْلِ الْوَاقِعِ فِي الْحُسْنِ بِمُشَاهَدَةِ الْأَشْكَالِ الْمُنْتَكِسَةِ فِي الْغَدِيرِ الْمَوْهُومَةِ أَنَّهَا سُطُوحٌ، وَقِيعَانُ الْغَدِيرِ مَرَاتِبُ الدُّنْيَا وَمَنَاصِبُهَا، وَيَكُونُ سَكَّنَ يَاءَ " أَعَالِيهِ " لِلضَّرُورَةِ، فَهَلْ هَذَا الْإِعْرَابُ صَحِيحٌ مُسْتَقِيمٌ أَوْ فَاسِدٌ بَاطِلٌ؟ أَوْ لَهُ وَجْهٌ مَا فِي الْجُمْلَةِ، أَوْ مَا قَالَهُ مَنْ رَدَّ عَلَى هَذَا الْمُعْرِبِ هُوَ الصَّوَابُ، وَهُوَ أَنَّ " أَسَافِلُ " مَرْفُوعٌ عَلَى أَنَّهُ مَعْمُولٌ لِيُنْظَرُ، أَعْنِي: أَنَّهُ النَّائِبُ عَنِ الْفَاعِلِ، وَالْمُرَادُ بِهِ - أَعْنِي " الْأَسَافِلَ " - الْأَرْجُلُ، وَالضَّمِيرُ الْمُتَّصِلُ بِهِ عَائِدٌ إِلَى الرَّأْسِ، وَالْمُرَادُ بِالرَّأْسِ هُنَا الْإِنْسَانُ مِنْ بَابِ إِطْلَاقِ الْجُزْءِ وَإِرَادَةِ الْكُلِّ، وَأَنَّ هَذَا مِثْلُ قَوْلِهِمْ فُلَانٌ رَأْسُ بَنِي فُلَانٍ، وَعِنْدِي خَمْسُونَ رَأْسًا مِنَ الْإِبِلِ، وَ " مَنْكُوسًا " حَالٌ مِنَ الرَّأْسِ، فَيَكُونُ تَقْدِيرُ الْكَلَامِ: يُنْظَرُ أَسَافِلُ الْإِنْسَانِ حَالَ كَوْنِ الْإِنْسَانِ مَنْكُوسًا، فَهَلْ هَذَا الْإِعْرَابُ صَحِيحٌ؟ وَمَا اعْتَبَرَهُ مِنْ مَجَازِ الرَّأْسِ مُعْتَبَرٌ عَلَاقَتُهُ بَيِّنَةٌ، وَقَرِينَتُهُ الصَّارِفَةُ عَنِ اللَّفْظِ الْمُسْتَعْمَلِ عَمَّا وُضِعَ لَهُ فِي التَّخَاطُبِ صَالِحَةٌ أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ لِكَوْنِ الْإِنْسَانِ شَرِيفًا أَوْ وَضِيعًا بِالنِّسْبَةِ إِلَى تَمَثُّلِ خَيَالِهِ فِي الْغَدِيرِ، وَإِنَّمَا الِاعْتِبَارُ فِي إِنْكَاسِ الرَّأْسِ الْمُشَبَّهَةِ بِصَاحِبِ الْفَضْلِ وَالْكَمَالِ وَالشَّرَفِ الْمُعْتَبَرِ عِنْدَ أَهْلِ النَّظَرِ وَالْعَقْلِ وَارْتِفَاعِ الرِّجْلِ الْمُشَبَّهِ بِأَرْذَالِ النَّاسِ وَسُقَّاطِهِمْ، عَلَى تَقْدِيرِ صِحَّةِ كُلِّ ذَلِكَ هَلْ يَتَمَشَّى ذَلِكَ لَهُ فِي النِّصْفِ الثَّانِي مِنَ الْبَيْتِ؟ وَهَلْ قَوْلُ الْقَائِلِ: إِنَّ إِطْلَاقَ الرَّأْسِ عَلَى الْإِنْسَانِ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْضِعِ - أَعْنِي حَيْثُ لَا عَلَاقَةَ وَلَا قَرِينَةَ - لَمْ يَسْتَعْمِلْهُ أَحَدٌ مِنَ الْعَرَبِ، وَلَا مِنْ غَيْرِهِمْ مِنَ الْمُوَّلَّدِينَ وَأَرْبَابِ الْبَلَاغَةِ وَالْفَصَاحَةِ مِثْلَ أَنْ يُقَالَ: رَأَيْتُ رَأْسًا - وَيُرِيدُ شَخْصًا مِنَ الْإِنْسَانِ - مِنْ غَيْرِ حُصُولِ قَرِينَةٍ تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنَّ مِثْلَ ذَلِكَ غَيْرُ فَصِيحٍ، بَلْ غَيْرُ جَائِزٍ، وَإِنْ قِيلَ بِجَوَازِهِ فَهُوَ مُسْتَهْجَنٌ غَيْرُ مَأْلُوفٍ صَحِيحٌ؟ وَهَلْ يَكُونُ قَوْلُ الْقَائِلِ فِي جَوَازِ ذَلِكَ: صَرَّحَ الْأُصُولِيُّونَ بِعَدَمِ اشْتِرَاطِ الْوَضْعِ فِي الْمَجَازِ، سَفْسَطَةً وَهَذَيَانًا؟ .

الْجَوَابُ: الْإِعْرَابُ الْأَوَّلُ هُوَ الصَّوَابُ، الثَّانِي الَّذِي قَالَهُ الرَّادُّ خَطَأٌ بِالْكُلِّيَّةِ، لَا وَجْهَ

ص: 327

لَهُ، وَلَوْ أَعْرَبَهُ عَلَى وَجْهٍ آخَرَ فَقَالَ: إِنَّ النَّائِبَ عَنِ الْفَاعِلِ ضَمِيرُ " يُنْظَرُ "، " وَأَسَافِلُهُ " مَرْفُوعٌ بِالْوَصْفِ قَبْلَهُ عَلَى أَنَّهُ نَائِبُ فَاعِلِ اسْمِ الْمَفْعُولِ عَلَى حَدِّ: زَيْدٌ يُصْبِحُ مَضْرُوبًا غُلَامُهُ، وَكَذَا الْمِصْرَاعُ الثَّانِي لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ فِي الْجُمْلَةِ، وَمَعَ إِمْكَانِ هَذَا الْوَجْهِ فَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّوَابُ. وَلِهَذَا الْوَجْهِ قَادِحٌ خَفِيٌّ.

وَأَمَّا الْوَجْهُ الَّذِي قَالَهُ الرَّادُّ فَلَا وَجْهَ لَهُ أَلْبَتَّةَ، وَهُوَ خَطَأٌ صُرَاحٌ، وَالْقَدْحُ فِيهِ أَظْهَرُ مِنْ أَنْ يُنَبَّهَ عَلَيْهِ، وَكَيْفَ يَصِحُّ مَا ذَكَرَهُ مِنَ الْمَعْنَى، وَهُوَ أَنَّ التَّقْدِيرَ: يُنْظَرُ أَسَافِلُ الْإِنْسَانِ حَالَ كَوْنِ الْإِنْسَانِ مَنْكُوسًا، وَهُوَ يُنْظَرُ بِجُمْلَةِ أَسَافِلِهِ وَأَعَالِيهِ مَعًا؟ وَأَيْضًا فَلَا يَتِمُّ لَهُ التَّشْبِيهُ الَّذِي عُقِدَ الْبَيْتُ لِأَجْلِهِ، وَأَيْضًا فَالنَّكْسُ قَلْبُ الْأَعْلَى أَسْفَلَ لَا عَكْسُهُ الَّذِي قَرَّرَهُ هَذَا الرَّادُّ وَهُوَ قَلْبُ الْأَسْفَلِ أَعْلَى، فَذَاكَ يُسَمَّى رَفْعًا لَا نَكْسًا ; فَلِهَذَا عَبَّرَ الشَّاعِرُ فِي الرَّأْسِ بِمَنْكُوسٍ وَفِي الرِّجْلِ بِمَرْفُوعٍ، وَلَوْ كَانَ مَا قَرَّرَهُ هَذَا الرَّادُّ كَانَتِ الْعِبَارَةُ: فَالْإِنْسَانُ، أَوْ فَالرَّأْسُ، أَيِ الْإِنْسَانُ يُنْظَرُ مَرْفُوعَةً أَسَافِلُهُ، وَأَيْضًا فَجَعْلُ " مَنْكُوسًا " حَالًا مِنَ الرَّأْسِ يُقْدَحُ فِيهِ بِأَمْرَيْنِ: كَوْنُهُ مِنَ الْمُبْتَدَأِ، وَأَكْثَرُ النُّحَاةِ عَلَى مَنْعِهِ، وَكَوْنُهُ يُشْعِرُ بِأَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا قَامَ عَلَى الْغَدِيرِ يَكُونُ لَهُ حَالَتَانِ: حَالَةٌ يَكُونُ فِيهَا مَنْكُوسًا وَحَالَةٌ لَا يَكُونُ فِيهَا كَذَلِكَ، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، بَلْ لَا يَكُونُ إِلَّا مَنْكُوسًا، وَالْأَصْلُ فِي الْحَالِ الِانْتِقَالُ، فَإِذَا جُعِلَ حَالًا مِنْ ضَمِيرٍ يُنْظَرُ خَلَا مِنْ هَذَا الْقَادِحِ، وَاسْتِعْمَالُ الرَّأْسِ هُنَا بِمَعْنَى الْإِنْسَانِ لَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُهُ، أَمَّا أَوَّلًا فَلِفَسَادِ الْمَعْنَى الْمُرَادِ مِنَ التَّشْبِيهِ الَّذِي سَاقَ الشَّاعِرُ الْكَلَامَ لِأَجْلِهِ، وَأَمَا ثَانِيًا فَلِأَنَّ مُقَابَلَتَهُ بِالرِّجْلِ تَأْبَى ذَلِكَ، هَذَا هُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ هُنَا فِي إِبْطَالِ ذَلِكَ. وَأَمَّا عَدَمُ الْقَرِينَةِ وَالتَّنْظِيرُ بِ " رَأَيْتُ رَأْسًا " فَلَا مَدْخَلَ لَهُ هُنَا، وَأَمَّا قَوْلُ الْقَائِلِ فِي جَوَابِ ذَلِكَ: صَرَّحَ الْأُصُولِيُّونَ بِعَدَمِ اشْتِرَاطِ الْوَضْعِ فِي الْمَجَازِ فَكَلَامٌ غَيْرُ وَاقِعٍ مَوْقِعَهُ، وَلَا لَهُ تَعَلُّقٌ بِالْمَقْصُودِ، وَهَذَا الْبَيْتُ لَا تُؤْخَذُ مَعْرِفَتُهُ مِنْ عِلْمِ الْأُصُولِ، بَلْ مِنْ عِلْمِ الْبَلَاغَةِ وَتَوَابِعِهِ، وَكَذَلِكَ الْبَيَانُ وَالْبَدِيعُ وَالْإِنْشَاءُ وَالتَّرَسُّلُ وَنَقْدُ الشِّعْرِ:

وَلِلْعُلُومِ رِجَالٌ يُعْرَفُونَ بِهَا

وَلِلدَّوَاوِينِ كُتَّابٌ وَحُسَّابُ

مَسْأَلَةٌ: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَثِيلِ وَالشَّبِيهِ وَالنَّظِيرِ؟

الْجَوَابُ: الْمَثِيلُ أَخَصُّ الثَّلَاثَةِ، وَالشَّبِيهُ أَعَمُّ مِنَ الْمَثِيلِ وَأَخَصُّ مِنَ النَّظِيرِ، وَالنَّظِيرُ أَعَمُّ مِنَ الشَّبِيهِ، وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ الْمُمَاثَلَةَ تَسْتَلْزِمُ الْمُشَابَهَةَ وَزِيَادَةً، وَالْمُشَابَهَةَ لَا تَسْتَلْزِمُ الْمُمَاثَلَةَ، فَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ شِبْهُ الشَّيْءِ مُمَاثِلًا لَهُ، وَالنَّظِيرَ قَدْ لَا يَكُونُ مُشَابِهًا، وَحَاصِلُ هَذَا الْفَرْقِ أَنَّ الْمُمَاثَلَةَ تَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَالْمُشَابَهَةَ تَقْتَضِي الِاشْتِرَاكَ فِي أَكْثَرِ

ص: 328

الْوُجُوهِ لَا كُلِّهَا، وَالْمُنَاظَرَةَ تَكْفِي فِي بَعْضِ الْوُجُوهِ وَلَوْ وَجْهًا وَاحِدًا، يُقَالُ: هَذَا نَظِيرُ هَذَا فِي كَذَا، وَإِنْ خَالَفَهُ فِي سَائِرِ جِهَاتِهِ، وَيُؤَيِّدُ هَذَا الَّذِي قُلْتُهُ مِنَ الْمَنْقُولِ مَا نَقَلَهُ الشيخ سعد الدين فِي شَرْحِ الْعَقَائِدِ عَنِ الْأَشْعَرِيَّةِ أَنَّ الْمُمَاثَلَةَ عِنْدَهُمْ إِنَّمَا تَثْبُتُ بِالِاشْتِرَاكِ فِي جَمِيعِ الْأَوْصَافِ حَتَّى لَوِ اخْتَلَفَا فِي وَصْفٍ وَاحِدٍ انْتَفَتِ الْمُمَاثَلَةُ، وَأَمَّا اللُّغَوِيُّونَ فَإِنَّهُمْ جَعَلُوا الْمَثِيلَ وَالشَّبِيهَ وَالنَّظِيرَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ.

مَسْأَلَةٌ: قَوْلُ الدَّاعِي: اللَّهُمَّ أَرِنَا وَجْهَ نَبِيِّنَا وَأَوْرِدْنَا حَوْضَهُ، هَلْ صَوَابُهُ " وَأَوْرِدْنَا " أَوْ " أَرِدْنَا "، وَهَلْ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ مِنْ جِهَةِ الْمَادَّةِ وَالنَّقْلِ وَالْمَعْنَى؟ .

الْجَوَابُ: الصَّوَابُ: " أَوْرِدْنَا " مِنَ الْوُرُودِ، وَالْمَاضِي " أَوْرَدَ "، وَمُضَارِعُهُ " يُورِدُ "، وَأَمَّا " أَرِدْنَا " فَهُوَ مِنَ الْإِرَادَةِ، وَلَا مَعْنَى لَهُ هُنَا.

مَسْأَلَةٌ: فِي قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: " «أَوَمُخْرِجِيَّ هُمْ» كَيْفَ عُطِفَ، وَهُوَ إِنْشَاءٌ عَلَى قَوْلِ ورقة: إِذْ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ، وَهُوَ خَبَرٌ، وَعَطْفُ الْإِنْشَاءِ عَلَى الْخَبَرِ لَا يَجُوزُ، وَأَيْضًا فَهُوَ عَطْفُ جُمْلَةٍ عَلَى جُمْلَةٍ، وَالْمُتَكَلِّمُ مُخْتَلِفٌ؟

الْجَوَابُ: الْقَوْلُ بِأَنَّ عَطْفَ الْإِنْشَاءِ عَلَى الْخَبَرِ لَا يَجُوزُ هُوَ رَأْيُ أَهْلِ الْبَيَانِ، وَالْأَصَحُّ عِنْدَ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ جَوَازُهُ، وَأَهْلُ الْبَيَانِ يُقَدِّرُونَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ جُمْلَةً بَيْنِ الْهَمْزَةِ وَالْوَاوِ، وَهِيَ الْمَعْطُوفُ عَلَيْهَا، فَالتَّرْكِيبُ سَائِغٌ عَلَى رَأْيِ أَهْلِ الْفَنَّيْنِ، أَمَّا الْمُجَوِّزُونَ لِعَطْفِ الْإِنْشَاءِ عَلَى الْخَبَرِ فَوَاضِحٌ. وَأَمَّا الْمَانِعُونَ فَعَلَى التَّقْدِيرِ الْمَذْكُورِ أَقُولُ: وَيَصِحُّ أَنْ تَكُونَ جُمْلَةُ الِاسْتِفْهَامِ مَعْطُوفَةً عَلَى جُمْلَةِ التَّمَنِّي فِي قَوْلِهِ: لَيْتَنِي أَكُونُ حَيًّا إِذْ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ، بَلْ هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ، فَيَكُونُ الْمَعْطُوفُ عَلَيْهِ أَوَّلَ الْجُمْلَةِ لَا ذَيْلَهَا الَّذِي هُوَ ظَرْفٌ مُتَعَلِّقٌ بِهَا، وَالتَّمَنِّي إِنْشَاءٌ، فَهُوَ مِنْ عَطْفِ الْإِنْشَاءِ عَلَى الْإِنْشَاءِ، وَأَمَّا الْعَطْفُ عَلَى جُمْلَةٍ فِي كَلَامِ الْغَيْرِ فَسَائِغٌ مَعْرُوفٌ فِي الْقُرْآنِ وَالْكَلَامِ الْفَصِيحِ، قَالَ تَعَالَى:{وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي} [البقرة: 124] .

مَسْأَلَةٌ: قَوْلُ الشَّاعِرِ:

وَمُسْتَوْدِعٌ عِنْدِي حَدِيثًا يَخَافُ مِنْ

إِذَاعَتِهِ فِي النَّاسِ أَنْ يَنْفَدَ الْعُمْرُ

هَلْ يَجُوزُ أَنْ يُقَدَّرَ فِيهِ " إِلَى " ; لِأَنَّ الْمَعْنَى يَنْحَلُّ إِلَى أَنَّ الْمُودِعَ يَخَافُ إِذَاعَةَ سِرِّهِ فِي النَّاسِ مَا دَامَ حَيًّا إِلَى حِينِ نَفَادِ عُمْرِهِ، أَوْ يَمْتَنِعُ تَقْدِيرُ " إِلَى "؟ وَقَوْلُ الْآخَرِ:

ص: 329

وَمُودِعٌ سِرَّهُ عِنْدِي وَيَحْذَرُ أَنْ

أُبْدِيهِ مِنِّي إِلَى أَنْ يَنْفَدَ الْعُمْرُ

هَلْ دُخُولُ " إِلَى " فِي هَذَا الْبَيْتِ مُمْتَنِعٌ؟ وَإِذَا لَمْ يَمْتَنِعْ فَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْبَيْتُ شَاهِدًا عَلَى تَقْدِيرِ " إِلَى " فِي الْبَيْتِ الْأَوَّلِ؟

الْجَوَابُ: الْبَيْتُ الْأَوَّلُ وَإِنْ أَمْكَنَ أَنْ يُقَدَّرَ فِيهِ " إِلَى " عَلَى بُعْدٍ، لَكِنَّ الْأَظْهَرَ أَنْ لَا تُقَدَّرَ فِيهِ ; لِأَنَّ " أَنْ يَنْفَدَ " فِي مَحَلِّ مَفْعُولِ " يَخَافُ "، فَمَتَى قُدِّرَ فِيهِ " إِلَى " لَزِمَ كَوْنُهُ " يَخَافُ " بِلَا مَفْعُولٍ، فَيَصِيرُ الْمَعْنَى رَكِيكًا ; وَلِأَنَّ تَقْدِيرَ إِلَى الَّتِي هِيَ لِانْتِهَاءِ الْغَايَةِ لَا تَكُونُ إِلَّا بَعْدَ تَقَدُّمِ " مِنْ " الَّتِي هِيَ لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ، وَالْبَيْتُ خَالٍ مِنْهَا، فَيَكُونُ تَقْدِيرُهَا مِنْ حَيْثُ اللَّفْظِ رَكِيكًا، فَلَمَّا اجْتَمَعَ فِي تَقْدِيرِهَا رَكَاكَةُ اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى، وَجَبَ الْعُدُولُ عَنْهُ. وَأَمَّا الْبَيْتُ الثَّانِي فَمَفْعُولُ " يَحْذَرُ " مَوْجُودٌ، وَهُوَ أَنَّ وَصِلَتُهَا، وَابْتِدَاءُ الْغَايَةِ مَوْجُودٌ، وَهُوَ " مَتَى "، فَجَازَ أَنْ يُقَابَلَ بِ " إِلَى "، وَكُلُّ بَيْتٍ لَهُ مَعْنًى يَخُصُّهُ أَوْجَبَ ذَلِكَ، ثُمَّ تَذَكَّرْتُ قَاعِدَةً فِي الْعَرَبِيَّةِ تَقْتَضِي أَنَّ الْبَيْتَ الْأَوَّلَ لَا يَجُوزُ تَقْدِيرُ " إِلَى " فِيهِ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ ; وَذَلِكَ أَنَّ النُّحَاةَ نَصُّوا عَلَى أَنَّ إِنَّ وَأَنَّ الْمَصْدَرِيَّتَيْنِ لَا يُحْذَفُ مَعَهُمَا مِنْ حُرُوفِ الْجَرِّ إِلَّا مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْفِعْلُ السَّابِقُ ; لِكَوْنِهِ يُعَدَّى بِذَلِكَ الْحَرْفِ، فَيُقَالُ مَثَلًا: عَجِبْتُ أَنْ تَقُومَ، فَيُقَدَّرُ " مِنْ " لِأَنَّ عَجِبْتُ يَتَعَدَّى بِمِنْ. وَفَرِحْتُ أَنْ تَقُومَ، فَتُقَدَّرُ الْبَاءُ ; لِأَنَّ " فَرِحَ " يَتَعَدَّى بِالْبَاءِ. وَرَغِبْتُ أَنْ تَجِيءَ، فَيُقَدَّرُ " فِي " ; لِأَنَّ " رَغِبْتُ " يَتَعَدَّى بِفِي. وَهَذَا الْبَيْتُ فِيهِ مِنَ الْأَفْعَالِ " يَخَافُ " وَهُوَ إِنَّمَا يَتَعَدَّى بِمِنْ لَا بِإِلَى، " وَمِنِ " الْمُعَدِّيَةُ لَهُ مَوْجُودَةٌ، فَلَا يَجُوزُ تَقْدِيرُ " إِلَى " فِيمَا بَعْدَهُ ; لِأَنَّ الْفِعْلَ لَا يَدُلُّ عَلَيْهَا، وَهَذِهِ قَاعِدَةٌ نَفِيسَةٌ يَنْبَغِي أَنْ تُحْفَظَ.

مَسْأَلَةٌ:

يَا عَالِمًا فَاقَ أَهْلَ الْعَصْرِ وَالْأَثَرِ

وَزَانَ أَهْلَ النُّهَى فِي الْخِبْرِ وَالْخَبَرِ

هَلْ لَامُ يَطْلُعُ مَضْمُومٌ وَيَضْبِطُهَا

بِذَاكَ ذَاكِرُهَا فِي الْبَدْوِ وَالْحَضَرِ

أَوْ يَنْصِبُوهَا وَضَمُّ اللَّامِ ذَا خَطَأٌ

كَمَا تَفَوَّهَ شَخْصٌ مِنْ أُولِي الْفِكَرِ

وَمَا تَحَقَّقَ مِنْ قَوْلِ الَّذِينَ مَضَوْا

وَصَنَّفُوا كُتُبًا فِي الصَّرْفِ لِلْبَشَرِ

لَا زَالَ مَجْدُكَ مَحْرُوسًا بِأَرْبَعَةٍ

الْعِزِّ وَالنَّصْرِ وَالْإِقْبَالِ وَالظَّفَرِ

الْجَوَابُ:

الْحَمْدُ لِلَّهِ مُزْجِي السُّحْبَ بِالْمَطَرِ

ثُمَّ الصَّلَاةُ عَلَى الْمُخْتَارِ مِنْ مُضَرِ

بِالضَّمِّ يَطْلُعُ مَنْقُولٌ وَشَاهِدُهُ

تَطْلُعْ عَلَى قَوْمٍ الْمَقْرُوءُ فِي الزُّبُرِ

ص: 330

مَسْأَلَةٌ:

يَا عَالِمًا زَادَهُ رَبُّ الْعُلَا شَرَفًا

عَلَى رِجَالٍ سَمَوْا بِالْفَضْلِ وَالْأَدَبِ

هَلْ رَسْمُ " أَرْجُو " وَأَشْبَاهٌ لَهَا كَتَبُوا

بِالْوَاوِ مَعْ أَلِفٍ أَمْضَوْهُ فِي الْحِقَبِ

أَوْ وَاوُهَا آخِرًا فَاكْشِفْ لَنَا كُرُبًا

لَا زِلْتَ تُنْجِدُنَا فِي السِّلْمِ وَالْحَرْبِ

الْجَوَابُ:

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا دَائِمًا أَبَدًا

ثُمَّ الصَّلَاةُ عَلَى خَيْرِ الْهُدَى الْعَرَبِيِّ

مَا كَانَ فِعْلًا لِفَرْدٍ مَا بِهِ أَلِفٌ

وَفِعْلُ جَمْعٍ بِهِ زِدْ هَذِهِ تُصِبِ

مَسْأَلَةٌ: خَطِيبٌ قَالَ فِي خُطْبَتِهِ: وَاللَّهِ لَتَشْرَبُنَّ كَأْسًا أَمَالَتِ الرُّءُوسَ، وَدُقَّتْ عُنُقًا. قَالَهَا بِضَمِّ الدَّالِ فَاعْتَرَضَهُ مُعْتَرِضٌ وَقَالَ: إِنَّمَا هِيَ بِفَتْحِ الدَّالِ مَبْنِيٌّ لِلْفَاعِلِ، وَ " عُنُقًا " مَفْعُولٌ.

الْجَوَابُ: الْخَطِيبُ مُصِيبٌ وَالْمُعْتَرِضُ مُخْطِئٌ، وَ " دُقَّتْ " بِضَمِّ الدَّالِ مَبْنِيٌّ لِلْمَفْعُولِ، وَ " عُنُقًا " تَمْيِيزٌ مُحَوَّلٌ عَنِ النَّائِبِ عَنِ الْفَاعِلِ، وَكَانَ الْأَصْلُ: أَمَالَتِ الرُّءُوسَ وَدَقَّتْ أَعْنَاقَهَا. فَلَمَّا حُوِّلَ أُسْنِدَ دُقَّتْ إِلَى ضَمِيرِ الرُّءُوسِ، وَانْتَصَبَ مَا بَعْدَهُ تَمْيِيزًا، فَأُفْرِدَ كَمَا هُوَ مِنْ قَوَاعِدِ التَّمْيِيزِ، وَيُوهِي كَوْنَهُ بِالْفَتْحِ، وَنَصْبَ " عُنُقًا " مَفْعُولًا الَّذِي جَنَحَ إِلَيْهِ الْمُعْتَرِضُ كَوْنُ الْعُنُقِ بِصِيغَةِ الْإِفْرَادِ، وَالْكَأْسُ لَمْ تَدُقَّ عُنُقًا وَاحِدَةً، بَلْ دَقَّتْ أَعْنَاقًا كَثِيرَةً كَمَا أَمَالَتْ رُءُوسًا كَثِيرَةً، فَذِكْرُ الْعُنُقِ بِالْإِفْرَادِ عَلَى أَنَّهَا مَفْعُولٌ فِي مُقَابَلَةِ الرُّءُوسِ الَّتِي هِيَ جَمْعٌ رَكِيكٌ.

مَسْأَلَةٌ: حَدِيثُ " «كَمَا تَكُونُوا يُوَلَّى عَلَيْكُمْ» " لِمَ حُذِفَتِ النُّونُ مِنْ " تَكُونُوا " دُونَ نَاصِبٍ وَجَازِمٍ؟

الْجَوَابُ: هَذَا الْحَدِيثُ رُوِيَ هَكَذَا بِلَا نُونٍ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ لِلْبَيْهَقِيِّ وَغَيْرِهِ، قَدْ خُرِّجَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: أَحُدُهَا: أَنَّهُ عَلَى لُغَةِ مَنْ يَحْذِفُ النُّونَ دُونَ نَاصِبٍ وَجَازِمٍ، كَقَوْلِ الشَّاعِرِ:

أَبِيتُ أُسَرِّي وَتَبِيتِي تُدَلِّكِي

[وَجْهَكِ بِالْعَنْبَرِ وَالْمِسْكِ الزَّكِيِّ]

وَخُرِّجَ عَلَى هَذِهِ اللُّغَةِ مِنَ الْحَدِيثِ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: «لَا تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا.» الثَّانِي: وَهُوَ رَأَيُ الْكُوفِيِّينَ، والمبرد أَنَّهُ مَنْصُوبٌ، أَوْرَدَهُ شَاهِدًا عَلَى مَذْهَبِهِمْ أَنَّ " كَمَا " تَنْصِبُ، وَعَدُّوهَا مِنْ نَوَاصِبِ الْمُضَارِعِ، وَهُوَ مَذْهَبٌ ضَعِيفٌ. وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ مِنْ تَغْيِيرَاتِ الرُّوَاةِ.

ص: 331

مَسْأَلَةٌ: قَوْلُ الْمُوَثِّقِينَ زَوْجَا بَابٍ مَا مَدْلُولُ هَذَا اللَّفْظِ؟

الْجَوَابُ: مَدْلُولُهُ كَمَدْلُولِ مِصْرَاعَيِ الْبَابِ، وَهُمَا الْفَرْدَتَانِ الْمُرَكَّبَتَانِ عَلَيْهِ، قَالَ فِي " الصِّحَاحِ ": الزَّوْجُ خِلَافُ الْفَرْدِ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا يُسَمَّى زَوْجًا، يُقَالُ: هُمَا زَوْجَانِ لِلِاثْنَيْنِ، وَهُمَا زَوْجٌ، كَمَا يُقَالُ هُمَا سِيَّانِ وَهُمَا سَوَاءٌ، وَتَقُولُ: اشْتَرَيْتُهُ زَوْجَيْ حَمَامٍ -وَأَنْتَ تَعْنِي ذَكَرًا وَأُنْثَى، وَعِنْدِي زَوْجَا نَعْلٍ، وَقَالَ تَعَالَى:{مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ} [هود: 40] .

مَسْأَلَةٌ: فِي إِعْرَابِ تَرْكِيبٍ وَقَعَ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ نَصُّهُ: يَقْضِي بِالشُّفْعَةِ دَافِعًا عُهْدَتَهَا الدَّفْعُ إِلَى ذِي الْيَدِ. هَلْ " دَافِعًا " حَالٌ مِنَ الْفَاعِلِ وَهُوَ " الدَّفْعُ "، أَوْ مِنَ النَّائِبِ عَنْهُ وَهُوَ " بِالشُّفْعَةِ "؟

الْجَوَابُ: الْوَجْهُ إِعْرَابُهُ حَالًا مِنَ النَّائِبِ عَنِ الْفَاعِلِ، وَهُوَ بِالشُّفْعَةِ لَا مِنَ الدَّفْعِ الَّذِي هُوَ فَاعِلُ اسْمِ الْفَاعِلِ وَهُوَ دَافِعٌ، وَالَّذِي ذَكَرَ أَنَّهُ حَالٌ مِنْهُ إِنَّمَا هُوَ تَفْسِيرُ مَعْنًى لَا تَفْسِيرُ إِعْرَابٍ، وَتَفْسِيرُ الْمَعْنَى يُتَسَمَّحُ فِيهِ مِنْ غَيْرِ مُرَاعَاةِ مَا تَقْتَضِيهِ الصِّنَاعَةُ الْإِعْرَابِيَّةُ، وَالَّذِي تَقْتَضِيهِ الصِّنَاعَةُ قَطْعًا هُوَ كَوْنُهُ حَالًا مِنْ " بِالشُّفْعَةِ "، وَإِنْ كَانَ فِي الْمَعْنَى إِنَّمَا هُوَ صِفَةٌ لِلدَّفْعِ، فَهُوَ حَالٌ سَبَبِيَّةٌ جَارِيَةٌ عَلَى غَيْرِ مَنْ هِيَ لَهُ، كَالصِّفَةِ السَّبَبِيَّةِ وَالْخَبَرِ السَّبَبِيِّ، فَهُوَ كَقَوْلِكَ: جِيءَ بِهِنْدٍ ضَارِبًا أَبُوهَا عَمْرًا، فَ " ضَارِبًا " حَالٌ مِنْ " بِهِنْدٍ " لَا مِنْ أَبُوهَا الْفَاعِلِ بِهِ، وَإِنْ كَانَ فِي الْمَعْنَى لَهُ، وَنَظِيرُهُ فِي الصِّفَةِ: مَرَرْتُ بِامْرَأَةٍ ضَارِبٌ أَبُوهَا عَمْرًا، وَفِي الْخَبَرِ هِنْدٌ ضَارِبٌ أَبُوهَا عَمْرًا، فَضَارِبٌ صِفَةٌ لِامْرَأَةٍ لَا لِأَبِيهَا، وَخَبَرٌ عَنْ هِنْدٍ لَا عَنْ أَبِيهَا، وَإِنْ كَانَ فِي الْمَعْنَى إِنَّمَا هُوَ لِلْأَبِ، وَتَفْكِيكُ الْعِبَارَةِ يَقْضِي بِالشُّفْعَةِ حَالَ كَوْنِهَا دَافِعًا عُهْدَتَهَا الدَّفْعُ إِلَى آخِرِهِ، وَلَوْ أُعْرِبَ حَالًا مِنَ الدَّفْعِ لَكَانَ حَقُّهُ التَّأْخِيرَ، وَحِينَئِذٍ يَصِيرُ التَّرْكِيبُ: يَقْضِي بِالشُّفْعَةِ الدَّفْعُ إِلَى ذِي الْيَدِ دَافِعًا عُهْدَتَهَا. وَهَذَا تَرْكِيبٌ مُفَلَّتٌ غَيْرُ مُلْتَئِمٍ، وَأَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يُظَنَّ أَنَّ " دَافِعًا " حَالٌ مِنَ " الدَّفْعِ "، وَهُوَ فَاعِلٌ بِهِ، وَفِي ذَلِكَ مَحْذُورَانِ مِنْ جِهَةِ الْعَرَبِيَّةِ ; أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ حَالًا مِنْهُ حَقُّهُ التَّأْخِيرُ عَنْهُ، وَبِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ عَامِلًا فِي الدَّفْعِ الْفَاعِلِيَّةِ حَقُّهُ التَّقَدُّمُ عَلَيْهِ، وَهَذَانَ أَمْرَانِ مُتَنَاقِضَانِ. الثَّانِي: أَنَّ اسْمَ الْفَاعِلِ هُنَا وَهُوَ دَافِعٌ إِنَّمَا سَوَّغَ عَمَلُهُ الْفَاعِلِيَّةَ وَالْمَفْعُولِيَّةَ كَوْنُهُ حَالًا كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْعَرَبِيَّةِ أَنَّهُ إِنَّمَا يَعْمَلُ فِي مَوَاضِعَ مَخْصُوصَةٍ مِنْهَا كَوْنُهُ حَالًا، فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ حَالًا قَبْلَ الْعَمَلِ حَتَّى يَصِحَّ عَمَلُهُ، فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَعْمَلَ الْفَاعِلِيَّةَ ثُمَّ يَصِيرُ حَالًا مِنَ الْفَاعِلِ ; لِأَنَّهُ عَمِلَ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ، وَذَلِكَ بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ.

ص: 332

مَسْأَلَةٌ: فِي قَوْلِ الْقَاضِي عِيَاضٍ فِي الْفَصْلِ الْخَامِسِ عَقِبَ الْكَلَامِ عَلَى آيَاتِ النَّجْمِ: اشْتَمَلَتْ هَذِهِ الْآيَاتُ عَلَى إِعْلَامِ اللَّهِ تَعَالَى بِتَزْكِيَةِ جُمْلَتِهِ صلى الله عليه وسلم، وَعِصْمَتِهَا مِنَ الْآفَاتِ فِي هَذَا الْمَسْرَى، فَزَكَّى فُؤَادَهُ وَلِسَانَهُ وَجَوَارِحَهُ. وَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ: فَزَكَّى قَلْبَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ} [النجم: 11] الْآيَةَ - بِالْفَاءِ، وَفِي بَعْضِهَا بِالْوَاوِ، فَهَلْ يَتَعَيَّنُ الْإِتْيَانُ بِالْفَاءِ أَوِ الْوَاوِ؟ فَإِنْ قُلْتُمْ بِالْأَوَّلِ فَمَا وَجْهُهُ، أَوْ بِالثَّانِي فَمَا وَجْهُهُ؟

الْجَوَابُ: يَتَعَيَّنُ فِي مِثْلِ التَّعْبِيرِ بِالْفَاءِ وَهِيَ تَفْسِيرِيَّةٌ، وَلَا يَجُوزُ التَّعْبِيرُ بِالْوَاوِ، وَمَنْ أَمْعَنَ النَّظَرَ فِي الْقُرْآنِ، وَالْحَدِيثِ، وَكَلَامِ الْعَرَبِ، وَالْعُلَمَاءِ، وَالْبُلَغَاءِ، لَمْ يَمْتَرْ فِي ذَلِكَ، فَمِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى:{أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا} [الأعراف: 4] فَإِنَّ قَوْلَهُ: {فَجَاءَهَا بَأْسُنَا} [الأعراف: 4] تَفْسِيرٌ لِأَهْلَكْنَا وَالْفَاءُ تَفْسِيرِيَّةٌ. وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُمْ شَكَوْا سَعْدًا فَشَكَوْا أَنَّهُ لَا يُحْسِنُ أَنْ يُصَلِّيَ، قَالَ شُرَّاحُهُ: الْفَاءُ هُنَا تَفْسِيرِيَّةٌ، وَقَالَ جَمَاعَةٌ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:{فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [البقرة: 54] إِنَّ الْفَاءَ فِي " فَاقْتُلُوا " تَفْسِيرِيَّةٌ ; لِأَنَّ تَوْبَتَهُمْ كَانَتْ نَفْسَ الْقَتْلِ، وَكَذَا قَوْلُ صَاحِبِ " الشِّفَاءِ ": فَزَكَّى قَلْبَهُ بِقَوْلِهِ. . . إِلَى آخِرِهِ -تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ قَبْلَهُ: فَزَكَّى فُؤَادَهُ، وَقَوْلُهُ: فَزَكَّى فُؤَادَهُ وَلِسَانَهُ وَجَوَارِحَهُ - تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ: اشْتَمَلَتْ هَذِهِ الْآيَاتُ عَلَى إِعْلَامِ اللَّهِ بِتَزْكِيَةِ جُمْلَتِهِ. وَالتَّعْبِيرُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ بِالْوَاوِ مُخِلٌّ بِالْمَعْنَى، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

مَسْأَلَةٌ: فِي تَعْرِيفِ اللَّفْظِ بِالصَّوْتِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى بَعْضِ الْحُرُوفِ، هَلْ هُوَ غَيْرُ جَامِعٍ؟ وَإِذَا قُلْتُمْ أَنَّهُ غَيْرُ جَامِعٍ فَلِمَ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْمُوَضِّحُ وَغَيْرُهُ مِنَ النُّحَاةِ مَعَ أَنَّهُ زَادَهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، فَقَالَ: هُوَ الصَّوْتُ الْمُشْتَمِلُ عَلَى بَعْضِ الْحُرُوفِ أَوْ مَا هُوَ فِي قُوَّةِ ذَلِكَ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِ بَعْضِهِمْ بِالْفِعْلِ أَوْ بِالْقُوَّةِ؟

الْجَوَابُ: نَعَمْ هُوَ جَامِعٌ ; لِأَنَّهُ يَخْرُجُ عَنْهُ الْحَرْفُ الْوَاحِدُ كَوَاوِ الْعَطْفِ وَفَائِهِ وَبَاءِ الْجَرِّ وَلَامِهِ، إِذْ لَا يُقَالُ فِي الْجَرِّ: إِنَّهُ مُشْتَمِلٌ عَلَى نَفْسِهِ، وَقَدِ اعْتَرَضَ الْمُحَقِّقُونَ بِذَلِكَ عَلَى ابْنِ الْمُصَنِّفِ فِي حَيَاتِهِ وَسِلْمِهِ. قَالَ بَعْضُهُمْ فَالْأَحْسَنُ تَعْرِيفُ اللَّفْظِ بِالصَّوْتِ الْمُعْتَمِدِ عَلَى مَقْطَعٍ، فَإِنَّهُ تَعْرِيفٌ سَالِمٌ مِنْ كُلِّ إِيرَادٍ، وَلِهَذَا عَبَّرْتُ بِهِ فِي شَرْحِي.

مَسْأَلَةٌ: يَا حَبَّذَا أَنْتَ الْوَسِيلَةَ وَالْقَصْدَا- هَلْ هُوَ تَرْكِيبٌ صَحِيحٌ أَوْ لَا؟ وَإِذَا كَانَ صَحِيحًا فَمَا وَجْهُ نَصْبِ الْوَسِيلَةِ وَالْقَصْدِ، وَهَلْ يَجُوزُ رَفْعُهُمَا؟ .

ص: 333

الْجَوَابُ: النَّصْبُ فِي مِثْلِ هَذَا وَاجِبٌ، لَكِنَّ شَرْطَهُ أَنْ يَقَعَ نَكِرَةً، وَاخْتُلِفَ هَلْ هُوَ حَالٌ أَوْ تَمْيِيزٌ، كَقَوْلِ الشَّاعِرِ:

أَلَا حَبَّذَا قَوْمًا سُلَيْمٌ فَإِنَّهُ

وَقَوْلِ الْآخَرِ:

حَبَّذَا الصَّبْرَ شِيمَةٌ لِامْرِئٍ رَامَ

مُبَارَاةً مُولَعٍ بِالْمَعَالِي

فَتَعْرِيفُهُ إِمَّا عَلَى حَدِّ تَعْرِيفِ الْحَالِ فِي قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ (لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزَّ مِنْهَا الْأَذَلُّ) أَوِ التَّمْيِيزِ فِي قَوْلِهِ: وَطِبْتَ النَّفْسَ يَا قَيْسَ عَنْ عَمْرٍو. لَكِنْ يُحْتَاجُ إِلَى ثُبُوتِ أَنَّ النُّحَاةَ يُجِيزُونَ وُقُوعَ الْمَعْرُوفِ بَعْدَ حَبَّذَا قَبْلَ مَخْصُوصِهَا أَوْ بَعْدَهُ، وَهُوَ شَيْءٌ لَمْ يُصَرِّحُوا بِهِ.

مَسْأَلَةٌ: فِي قَوْلِ بَعْضِ الشُّعَرَاءِ:

خُذُوا قَوْدِيَ مِنْ أَسِيرِ الْكِلَلِ

فَوَاعَجَبًا مَنْ أَسِيرٍ قَتَلَ

هَلِ الْمُرَادُ بِهِ الْجُفُونُ؟

الْجَوَابُ: الْكِلَلُ هُنَا جَمْعُ كِلَّةٍ، وَهِيَ سِتْرٌ مُرَبَّعٌ، وَقَالَ الهروي: هُوَ سِتْرٌ رَقِيقٌ يُخَاطُ كَالْبَيْتِ، وَيُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى الْهَوْدَجِ وَالصَّوَامِعِ وَالْقِبَابِ، وَلَا يَصِحُّ إِرَادَةُ الْجُفُونِ هُنَا ; لِأَنَّ الشَّاعِرَ أَرَادَ بِالْأَسِيرِ هُنَا الْمَرْأَةَ الْمُخَدَّرَةَ الْمَحْجُوبَةَ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ أَسِيرَةً لِجُفُونِهَا، وَإِنَّمَا أَسِيرُ جُفُونِهَا هُوَ الشَّاعِرُ نَفْسُهُ:

مَسْأَلَةٌ:

يَا مَنْ غَدَا بِمَرَاحِ الصَّرْفِ مَشْغُولًا

وَحَازَ مَا فِيهِ مَنْقُولًا وَمَعْقُولًا

مَا الرَّاحُ سَابِقُ رَحْرَاحٍ بِخُطْبَتِهِ

أَفِدْهُ مِنْ لُغَةٍ بَقِيتَ مَنْقُولًا

مُوَافِقًا قَالَ الشُّرُوحَ فَكَمْ

مِنْ فَاضِلٍ صَارَ بِالْإِفْضَالِ مَشْمُولًا

وَقَوْلُهُ قِيلَ مَرْدُوفًا بِآخِرِهِ

بِأَجْوَفَ فِي بِنَاءِ الْفِعْلِ مَجْهُولًا

فَإِنَّ مَعْلُومَهُ قَدْ صَرَّفُوهُ إِلَى

حَدٍّ وَيَقْصُرُ ذَا عَنْ حَدِّهِ طُولًا

فِي بَادِئِ الرَّأْيِ يَا مَنْ لَا نَظِيرَ لَهُ

وَمَنْ يُرَى عَنْ خَفَايَا الْعِلْمِ مَسْئُولًا

لَا زِلْتَ فِي نِعْمَةٍ تُبْدِي الْعُلُومَ لِمَنْ

بِالْحَقِّ يَعْلَمُ مَا تُبْدِيهِ مَنْقُولًا

الْجَوَابُ:

لِلَّهِ حَمْدًا أَتَى بِالذِّكْرِ مَشْمُولًا

مِنْ مُخْلِصٍ لَا يُرَى بِالْغِشِّ مَعْلُولًا

ثُمَّ الصَّلَاةُ عَلَى الْهَادِي وَعِتْرَتِهِ

وَصَحْبِهِ الْغُرِّ وَالتَّسْلِيمُ مَنْحُولًا

ص: 334

الرَّاحُ لَفْظٌ أَتَى فِي النَّقْلِ مُشْتَرَكًا

لَهُ مَعَانٍ حَكَاهَا ذُو يَدٍ طُولَى

مِنْهَا الْأَرَاضِي ذَوَاتُ الِاسْتِوَاءِ بِهَا

نَبْتٌ رَأَيْنَاهَا فِي الْقَامُوسِ مَنْقُولًا

وَقِيلَ صَرِّفْهُ كَالْمَعْلُومِ لَا حَذَرٌ

كَالْكَلْمَتَانِ أَيَا أَهْلَ النُّهَى قِيلًا

لَا زَالَ فَضْلُكَ مَنْشُورًا بِلَا كَدَرٍ

مُؤَيَّدًا بِرِدَاءِ الْعِزِّ مَشْمُولًا

مَسْأَلَةٌ: مَا قَوْلُكُمْ فِي جَوَابِ قَوْلِ الْقَائِلِ:

يَا بَحْرَ عِلْمٍ طَافِحٍ رَأَيْنَا

مَقْرُونَةً بِالْغُسْلِ فِي الْمِنْهَاجِ

بِالرَّفْعِ مَضْبُوطًا لِمُنْشِيهِ وَقَدْ

جَوَّزَ فِيهِ النَّصْبَ لَلَمُحْتَاجِ

وَالْقَصْدُ تَوْجِيهٌ لِكُلٍّ مِنْهُمَا

لِيَرْتَوِي مِنْ بَحْرِكَ الْعَجَّاجِ

الْجَوَابُ:

لِلَّهِ حَمْدٌ وَالصَّلَاةُ لِلَّذِي

قَدْ خَصَّهُ الْوَهَّابُ بِالْمِعْرَاجِ

الرَّفْعُ وَصْفُ نِيَّةٍ لِأَنَّهَا

نَكِرَةٌ تَجْرِي عَلَى الْمِنْهَاجِ

وَالنِّصْفُ وَصْفُ نِيَّةٍ مَحْذُوفَةٍ

مَعْمُولَةُ الْمَذْكُورِ فِي الْمِنْهَاجِ

مَسْأَلَةٌ:

يَا أَيَا عُلَمَاءَ النَّحْوِ هَلْ مِثْلُ كَافِرٍ

مُحَلَّى بِلَامٍ مِثْلُ جَمْعٍ مُنَكَّرِ

لِتَحْكُمَ فِيمَا بَعْدَ إِلَّا لَهُ تَلَتْ

بِجَرٍّ لِوَصْفٍ يَا أَخَا الْمُتَفَكِّرِ

فَقَدْ جَاءَ فِي الْمِنْهَاجِ مَا هُوَ مُوهِمٌ

وَإِنْ جَازَ غَيْرُ النَّصْبِ فَامْنُنْ وَذَكِّرِ

فَأَنْتَ لَهَا كَهْفٌ وَأَنْتَ مَلَاذُنَا

فَحَمْدًا وَشُكْرًا لِلْمَلِيكِ الْمُيَسِّرِ

وَنُولِي صَلَاةً تُسْتَدَامُ عَلَى الرِّضَا

وَآلٍ وَصَحْبٍ لِلنَّبِيِّ الْمُبَشِّرِ

الْجَوَابُ:

أَلَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْمُقَدِّرِ

وَأُثْنِي عَلَى الْهَادِي النَّبِيِّ الْمُبَشِّرِ

مُحَلَّى بِلَامِ الْجِنْسِ تَجْرِي كَجَمْعِهِمْ

وَتُتْلَى بِالِاسْتِثْنَاءِ مِنْ غَيْرِ تَنَكُّرِ

فَإِنْ كَانَ فِي نَفْيٍ فَأَبْدِلْهُ مُتْبِعًا

وَإِنْ شِئْتَ فَانْصِبْهُ بِغَيْرِ الْمُشَهَّرِ

وَخَرِّجْ عَلَى هَذَا الَّذِي فِي عِبَارَةِ النَّوَا

وِيِّ فِي الْمُرْتَدِّ وَالْجَرِّ وَاذَّكِرِ

وَمَا صَحَّ فِي إِلَّا هُنَا الْوَصْفُ ظَاهِرًا

فَإِنَّ شُرُوطَ الْوَصْفِ مِنْهَا هُنَا عُرِّي

ص: 335