الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْمُحَدِّثِينَ يَكْتُبُونَ سَمِعْتُ أَنَسً بِغَيْرِ أَلِفٍ وَيُقْرَأُ بِالتَّنْوِينِ، وَقَالَ القرطبي فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ فِي قَوْلِ عائشة:«كَانَ صَدَاقُهُ لِأَزْوَاجِهِ ثِنْتَيْ عَشَرَ أُوقِيَّةً وَنَشّ» : قَوْلُهُ: " وَنَشّ " هُوَ مُعْرَبٌ مُنَوَّنٌ غَيْرَ أَنَّهُ وَقَعَ هُنَا نَشّ عَلَى لُغَةِ مَنْ يَقِفُ عَلَى الْمُنَوَّنِ بِالسُّكُونِ بِغَيْرِ أَلِفٍ. وَقَالَ الشَّيْخُ ولي الدين العراقي فِي شَرْحِ سُنَنِ أبي داود قَوْلُهُ: سَمِعْتُ خِلَاسَ الْهَجَرِيَّ - كَذَا فِي أَصْلِنَا بِغَيْرِ أَلِفٍ، فَقَدْ يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ غَيْرُ مَصْرُوفٍ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، إِذْ لَا مَانِعَ لَهُ مِنَ الصَّرْفِ، وَهَذَا اصْطِلَاحٌ لِبَعْضِهِمْ أَنَّهُ يَسْتَغْنِي عَنْ كِتَابَةِ الْأَلِفِ بِجَعْلِ فَتْحَتَيْنِ فَوْقَ آخِرِ الْكَلِمَةِ، لَكِنْ قَدْ يُغْفِلُ الْكَاتِبُ تِلْكَ الْفَتْحَتَيْنِ فَيَقَعُ فِي الْإِبْهَامِ. وَقَالَ أَيْضًا فِي حَدِيثِ عمرو بن ميمون: قَدِمَ عَلَيْنَا مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ الْيَمَنَ، فَسَمِعْتُ تَكْبِيرَهُ مَعَ الْفَجْرِ رَجُلٌ أَجَشُّ الصَّوْتِ -يَجُوزُ فِي قَوْلِهِ:" أَجَشُّ الصَّوْتِ " النَّصْبُ عَلَى الْحَالِ وَالرَّفْعُ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ. وَقَدْ ضَبَطْنَاهُ فِي أَصْلِنَا بِالْوَجْهَيْنِ، قَوْلُهُ: أَجَشُّ الصَّوْتِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: رَجُلٌ، فَهُوَ مَكْتُوبٌ فِي أَصْلِنَا بِغَيْرِ أَلِفٍ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مَرْفُوعًا، أَوْ مَنْصُوبًا وَكَتَبَهُ بِغَيْرِ أَلِفٍ، وَكَثِيرٌ مِنَ النُّسَّاخِ يَفْعَلُ ذَلِكَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
[الْأَجْوِبَةُ الزَّكِيَّةُ عَنِ الْأَلْغَازِ السُّبْكِيَّةِ]
بسم الله الرحمن الرحيم
وَرَدَ عَلَى شَيْخِنَا الْإِمَامِ الْعَالِمِ الْعَلَّامَةِ عبد الرحمن نَجْلِ الْإِمَامِ كمال الدين أبي بكر السيوطي الشافعي، عَامَلَهُ اللَّهُ بِلُطْفِهِ، وَرَحِمَ سَلَفَهُ الْكَرِيمَ فِي سَادِسِ شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ سِتٍّ وَسَبْعِينَ وَثَمَانِمِائَةٍ -أَوْرَاقٌ مَكْتُوبٌ فِيهَا مَا صُورَتُهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَبَعْدُ، فَقَدْ وَقَفَ الْعَبْدُ كَاتِبُ هَذِهِ الْأَحْرُفِ فَقِيرُ رَحْمَةِ رَبِّهِ ذِي اللُّطْفِ الْخَفِيِّ، محمد بن علي بن سودون الحنفي عَلَى سُؤَالٍ، كَتَبَ قَاضِي الْقُضَاةِ شَيْخُ الْإِسْلَامِ تاج الدين أبو نصر السبكي فِي ثَانِي عَشَرَ ذِي الْقِعْدَةِ الْحَرَامِ سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّينَ وَسَبْعِمِائَةٍ إِلَى الشَّيْخِ صلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي الشَّاعِرِ الْمَشْهُورِ:
لِلْمُشْكِلَاتِ إِذَا مَا احْتَطْنَ بِالْفِكَرِ
…
وَالْمُعْضِلَاتِ إِذَا أَظْلَمْنَ فِي النَّظَرِ
وَكَدَّرَتْ صَافِيَ الْأَكْدَارِ عِنْدَكَ يَا
…
أبا الصفاء جَلَاءَ الْقَلْبِ وَالْبَصَرِ
فَمَا سُؤَالَاتُ مَنْ وَافَاكَ يَسْأَلُ مَا
…
حَرْفٌ هُوَ الِاسْمُ فِعْلًا غَيْرَ مُعْتَبَرِ
وَأَيُّ شَكْلٍ بِهِ الْبُرْهَانُ مُنْتَهِضٌ
…
وَلَا يُعَدُّ مِنَ الْأَشْكَالِ وَالصُّوَرِ
وَأَيُّ بَيْتٍ عَلَى بَحْرَيْنِ مُنْتَظِمٍ
بَيْتٌ مِنَ الشِّعْرِ لَا بَيْتٌ مِنَ الشَّعَرِ
…
وَأَيُّ مَيْتٍ مِنَ الْأَمْوَاتِ مَا طَلَعَتْ
بِمَوْتِهِ رُوحُهُ فِي ثَابِتِ الْخَبَرِ
…
مَنْ عُدَّ مِنْ أُمَرَاءِ الْمُؤْمِنِينَ وَلَمْ
يَحْكُمْ عَلَى النَّاسِ مِنْ بَدْوٍ وَمِنْ حَضَرِ
…
وَلَمْ يَكُنْ قُرَشِيًّا حِينَ عُدَّ وَلَا
يَجُوزُ أَنْ يَتَوَلَّى إِمْرَةَ الْبَشَرِ
…
مَنْ بِاتِّفَاقِ جَمِيعِ الْخَلْقِ أَفْضَلُ مِنْ
شَيْخِ الصِّحَابِ أبي بكر وَمِنْ عمر
…
وَمِنْ علي وَمِنْ عثمان وَهْوَ فَتًى
مِنْ أُمَّةِ الْمُصْطَفَى الْمَبْعُوثِ مَنْ مُضَرِ
…
مَنْ أَبْصَرَتْ فِي دِمَشْقَ عَيْنُهُ صَنَمًا
مُصَوَّرًا وَهْوَ مَنْحُوتٌ مِنَ الْحَجَرِ
…
إِنْ جَاعَ يَأْكُلْ وَإِنْ يَعْطَشْ تَضَلَّعَ مِنْ
مِيَاهِ غَيْرِ زُلَالٍ ثُمَّ مُنْهَمِرِ
…
مَنْ قَالَ إِنَّ الزِّنَا وَالشُّرْبَ مَصْلَحَةٌ
وَلَمْ يَقُلْ هُوَ ذَنْبٌ غَيْرُ مُغْتَفَرِ
…
مَنْ قَالَ إِنَّ نِكَاحَ الْأُمِّ يَقْرُبُ مِنْ
تَقْوَى الْإِلَهِ مَقَالًا غَيْرَ مُبْتَكَرِ
…
مَنْ قَالَ سَفْكُ دِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى ال
صَلَاةِ أَوْجَبَهُ الرَّحْمَنُ فِي الزُّبُرِ
…
وَمَا اللَّفِيفَةُ جَاءَتْ وَالسَّخِينَةُ فِي
غَرِيبِ مَا صَحَّ مِمَّا جَاءَ فِي الْأَثَرِ
…
وَهَاتِ قُلْ لِي إِبْرَاهِيمَ أَرْبَعَةً
بَعْضٌ عَنِ الْبَعْضِ مَنْ هُمْ تَحْظَ بِالظَّفَرِ
…
وَهَكَذَا خَلَفٌ مِنَ الرُّوَاةِ كَذَا
مُحَمَّدٌ فِي الْمُغَازِي جَاءَ وَالسِّيَرِ
…
وَعَنْ فَتَاةٍ لَهَا زَوْجَانِ مَا بَرِحَا
تَزَوَّجَتْ ثَالِثًا حِلًّا بِلَا نُكُرِ
…
وَآخَرٍ رَاحَ يَشْرِي طُعْمَ زَوْجَتِهِ
فَعَادَ وَهْوَ عَلَى حَالٍ مِنَ الْغِيَرِ
…
قَالَتْ لَهُ أَنْتَ عَبْدِي قَدْ وَهَبْتُكَ مِنْ
زَوْجٍ تَزَوَّجْتُهُ فَاخْدِمْهُ وَاعْتَبِرِ
…
وَخَمْسَةٌ مِنْ زُنَاةِ النَّاسِ خَامِسُهُمْ
مَا نَالَهُ بِالزِّنَا شَيْءٌ مِنَ الضُّرِّ
…
وَالْقَتْلُ وَالرَّجْمُ وَالْجَلْدُ الْأَلِيمُ كَذَا التْ
تَغْرِيبُ وُزِّعَ فِي الْبَاقِينَ فَاعْتَبِرِ
…
أَجِبْ فَأَنْتَ جَزَاكَ اللَّهُ صَالِحَةٌ
مَنْ لَمْ يُرَعْ عِنْدَ إِشْكَالٍ وَلَمْ يَحِرِ
فَكَتَبَ إِلَيْهِ أَبْيَاتًا يَمْدَحُهُ فِيهَا، وَذَكَرَ فِي أَثْنَائِهَا أَنَّهُ يُجِيبُ عَنْ ذَلِكَ نَثْرًا، وَلَمْ يَرَ الْعَبْدُ لَهُ جَوَابًا عَنْ ذَلِكَ لَا نَظْمًا وَلَا نَثْرًا. وَالْمَسْئُولُ مِنْ صَدَقَاتِ سَيِّدِنَا وَمَوْلَانَا أَبْقَاهُ اللَّهُ فِي خَيْرٍ وَرَحْمَةٍ الْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ نَظْمًا وَنَثْرًا.
فَكَتَبَ شَيْخُنَا مَا صُورَتُهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى.
الْجَوَابُ نَثْرًا: أَمَّا الْحَرْفُ الَّذِي يَكُونُ أَيْضًا اسْمًا وَفِعْلًا فَهُوَ " عَلَى " ; فَإِنَّهُ يَكُونُ حَرْفَ جَرٍّ وَاسْمًا بِمَعْنَى فَوْقَ، فَيَدْخُلُ عَلَيْهِ حَرْفُ الْجَرِّ كَقَوْلِ الشَّاعِرِ:
غَدَتْ مِنْ عَلَيْهِ
. وَفِعْلًا مِنَ
الْعُلُوِّ قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ} [القصص: 4] هَكَذَا ذَكَرَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ " عَلَى " اسْتَكْمَلَتْ أَقْسَامَ الْكَلِمَةِ، وَلَمْ يَذْكُرُوا غَيْرَهَا، وَقَدِ اسْتَدْرَكْتُ عَلَيْهِمْ قَدِيمًا لَفْظَتَيْنِ أَيْضًا:
الْأُولَى: " مِنْ " فَإِنَّهَا تَكُونُ حَرْفَ جَرٍّ وَفِعْلَ أَمْرٍ مِنْ مَانَ يَمِينُ وَاسْمًا، قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي " الْكَشَّافِ " فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:{فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ} [البقرة: 22] إِذَا كَانَتْ " مِنْ " لِلتَّبْعِيضِ، فَهِيَ فِي مَوْضِعِ الْمَفْعُولِ بِهِ، وَرِزْقًا مَفْعُولٌ مِنْ أَجْلِهِ، وَلَكُمْ مَفْعُولٌ بِهِ لِرِزْقًا ; لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مَصْدَرٌ. قَالَ الطيبي: وَإِذَا قَدَّرْتَ " مِنْ " مَفْعُولًا كَانَتِ اسْمًا كَ " عَنْ " فِي قَوْلِهِ: مِنْ عَنْ يَمِينِي مَرَّةً وَأَمَامِي.
الثَّانِيَةُ: " فِي " فَإِنَّهَا تَقَعُ حَرْفَ جَرٍّ، وَاسْمًا بِمَعْنَى الْفَمِ فِي حَالَةِ الْجَرِّ، كَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:" «حَتَّى مَا تَجْعَلُ فِي فِي امْرَأَتِكَ» ". وَفِعْلَ أَمْرٍ مِنَ الْوَفَاءِ بِإِشْبَاعٍ، وَقَوْلُهُ: وَأَيُّ شَكْلٍ إِلَى آخِرِهِ هَذَا أَمْرٌ يَتَعَلَّقُ بِعِلْمِ الْمَنْطِقِ، وَهُوَ عِلْمٌ حَرَامٌ خَبِيثٌ لَا أَخُوضُ فِيهِ، وَقَدْ سُئِلَ الشرف بن المقري بِأَسْئِلَةٍ نَظَمَ فِيهَا:
وَمَا عَكْسُ السَّوَالِبِ يَا مُرَجِّي
…
أَيِ الْجُزْئِيُّ مِنْهَا فِي النِّظَامِ
فَأَجَابَ عَنِ الْأَسْئِلَةِ بَيْتًا بَيْتًا، وَقَالَ فِي هَذَا الْبَيْتِ:
وَعَنْ عَكْسِ السَّوَالِبِ لَا تَسَلْنِي
…
فَذَاكَ مُقَدَّمُ الْعِلْمِ الْحَرَامِ
قَوْلُهُ: وَأَيُّ بَيْتٍ عَلَى بَحْرَيْنِ مُنْتَظِمٍ هَذَا نَوْعٌ مَعْرُوفٌ مِنْ أَنْوَاعِ الْبَدِيعِ يُسَمَّى التَّشْرِيعَ، أَوَّلُ مَنِ اخْتَرَعَهُ الحريري، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْبَيْتُ مَبْنِيًّا عَلَى بَحْرَيْنِ وَقَافِيَتَيْنِ يَصِحُّ الْوُقُوفُ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا كَقَوْلِهِ:
يَا طَالِبَ الدُّنْيَا الدَّنِيَّةِ إِنَّهَا
…
شَرَكُ الرَّدَى وَقَرَارَةُ الْأَكْدَارِ
دَارٌ مَتَى مَا أَضْحَكَتْ فِي يَوْمِهَا
…
أَبْكَتْ غَدًا بُعْدًا لَهَا مِنْ دَارِ
فَإِنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يَقُولَ:
يَا طَالِبَ الدُّنْيَا إِنَّهَا شَرَكُ الرَّدَى
…
دَارٌ مَتَى مَا أَضْحَكَتْ فِي يَوْمِهَا أَبْكَتْ غَدًا
قَوْلُهُ: " وَأَيُّ مَيْتٍ " إِلَى آخِرِهِ الظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ مَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا} [البقرة: 28]
{فَأَحْيَاكُمْ} [البقرة: 28] أَيْ نُطَفًا فِي الْأَصْلَابِ، فَأَطْلَقَ عَلَيْهَا الْمَوْتَ مَعَ عَدَمِ وُجُودِ رُوحٍ فِيهَا خَرَجَتْ مِنْهَا.
قَوْلُهُ: مَنْ عُدَّ مِنْ أُمَرَاءِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى آخِرِهِ، هُوَ أسامة بن زيد مَوْلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أَمَّرَهُ عَلَى جَيْشٍ فِيهِ أبو بكر وعمر، فَلَمْ يَنْفُذْ حَتَّى تُوُفِّيَ صلى الله عليه وسلم، فَبَعَثَهُ أبو بكر إِلَى الشَّامِ، وَكَانَ الصَّحَابَةُ فِي ذَلِكَ السَّفَرِ يَدْعُونَهُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ.
وَرُوِّينَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه أَنَّهُ كَانَ إِذَا رَأَى أسامة بن زيد قَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا الْأَمِيرُ، فَيَقُولُ أسامة: غَفَرَ اللَّهُ لَكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، تَقُولُ لِي هَذَا؟! فَيَقُولُ: لَا أَزَالُ أَدْعُوكَ مَا عِشْتُ الْأَمِيرَ، مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنْتَ عَلَيَّ أَمِيرٌ وَلَمْ يَكُنْ أسامة مِنْ قُرَيْشٍ بَلْ مِنَ الْمَوَالِي.
قَوْلُهُ: مَنْ بِاتِّفَاقِ إِلَى آخِرِهِ، " مَنْ " فِيهِ اسْتِفْهَامُ نَفْيٍ أَوْ إِنْكَارٍ، وَكَذَا مَنْ قَالَ: إِنَّ الزِّنَا وَالْبَيْتَانِ بَعْدَهُ، أَيْ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ أَحَدٌ، كَذَا رَأَيْتُ صَاحِبَ النَّظْمِ الشَّيْخَ تاج الدين السبكي فَسَّرَهُ فِي بَعْضِ تَعَالِيقِهِ، وَجَوَّزَ فِي قَوْلِهِ: مَنْ قَالَ إِنَّ الزِّنَا: مَنْ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ غَيْرُ مُغْتَفَرِ، أَيْ لَا يُغْتَفَرُ لَهُ هَذَا الْقَوْلُ، بَلْ يُؤَاخَذُ بِهِ.
قَوْلُهُ: مَنْ أَبْصَرَتْ إِلَى آخِرِهِ، أَرَادَ بِهَذَا مَا رَوَاهُ الحاكم فِي " تَارِيخِ نَيْسَابُورَ " بِسَنَدِهِ إِلَى عبد الله البوشنجي، عَنْ أبي عبد الله بن يزيد الدمشقي، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ قَالَ: رَأَيْتُ بِبَغْدَادَ صَنَمًا مِنْ نُحَاسٍ، إِذَا عَطِشَ نَزَلَ فَشَرِبَ، قَالَ البوشنجي: رُبَّمَا تَكَلَّمَتِ الْعُلَمَاءُ عَلَى قَدْرِ فَهْمِ الْحَاضِرِينَ تَأْدِيبًا وَامْتِحَانًا، فَهَذَا الرَّجُلُ ابن جابر أَحَدُ عُلَمَاءِ الشَّامِ، وَمَعْنَى كَلَامِهِ أَنَّ الصَّنَمَ لَا يَعْطَشُ، وَلَوْ عَطِشَ نَزَلَ فَشَرِبَ، فَنَفَى عَنْهُ النُّزُولَ وَالْعَطَشَ.
قَوْلُهُ: وَمَا اللَّفِيفُ إِلَى آخِرِهِ، قَالَ ابن الأثير فِي " النِّهَايَةِ ": قَالَ معاوية لِلْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ وَهُوَ يُمَازِحُهُ: مَا الشَّيْءُ الْمُلَفَّفُ فِي الْبِجَادِ؟ قَالَ: هُوَ السَّخِينَةُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ ابن الأثير: الْمُلَفَّفُ فِي الْبِجَادِ: وَطَبُ اللَّبَنِ، يُلَفُّ فِيهِ لِيُحْمَى وَيُدْرَكَ، وَكَانَتْ تَمِيمٌ تُعَيَّرُ بِهِ، وَالسَّخِينَةُ حِسَاءٌ يُعْمَلُ مِنْ دَقِيقٍ وَسَمْنٍ يُؤْكَلُ فِي الْجَدْبِ وَكَانَتْ قُرَيْشٌ تُعَيَّرُ بِهَا، فَلَمَّا مَازَحَهُ معاوية بِمَا يُعَابُ بِهِ قَوْمُهُ مَازَحَهُ الأحنف بِمِثْلِهِ.
قَوْلُهُ: وَهَاتِ قُلْ لِي إِلَى آخِرِهِ، هَذَا نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ عُلُومِ الْحَدِيثِ، وَهُوَ مَنِ اتَّفَقَ اسْمُهُ وَاسْمُ شَيْخِهِ فَصَاعِدًا وَالْأَرْبَعَةُ الَّذِينَ رَوَوْا بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ، وَكُلٌّ مِنْهُمْ يُسَمَّى إبراهيم كَثِيرٌ، مِنْهُمْ إبراهيم بن شماس السمرقندي، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْفَزَارِيِّ الْكُوفِيِّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَدْهَمَ الزَّاهِدِ، عَنْ إبراهيم بن ميمون الصائغ، وَالْأَرْبَعَةُ الَّذِينَ كُلٌّ مِنْهُمُ اسْمُهُ خلف وَقَعَ ذَلِكَ فِي عُلُومِ الْحَدِيثِ لِلْحَاكِمِ فِي إِسْنَادٍ وَاحِدٍ، بَلْ خَمْسَةٌ، فَقَالَ: ثَنَا خلف، ثَنَا خلف، ثَنَا خلف، ثَنَا خلف، ثَنَا خلف، الْأَوَّلُ الْأَمِيرُ خلف بن أحمد السجزي، وَالثَّانِي أبو صالح خلف
بن محمد البخاري، وَالثَّالِثُ خلف بن سليمان النسفي، وَالرَّابِعُ خَلَفُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْوَاسِطِيُّ، وَالْخَامِسُ خلف بن موسى بن خلف.
وَأَمَّا الْمُحَمَّدُونَ فِي إِسْنَادٍ وَاحِدٍ فَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ كَثِيرٌ، وَقَدْ وَقَعَ لِي حَدِيثٌ كُلُّ رُوَاتِهِ يُسَمَّى محمدا مِنْ شَيْخِنَا إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَوْلُهُ: وَعَنْ قَتَادَةَ إِلَى آخِرِهِ رَأَيْتُ بِخَطِّ صَاحِبِ النَّظْمِ الشَّيْخِ تاج الدين فِي تَذْكِرَتِهِ مَا صُورَتُهُ: امْرَأَةٌ لَهَا زَوْجَانِ، وَيَجُوزُ أَنَّ يَتَزَوَّجَهَا ثَالِثٌ، هَذِهِ امْرَأَةٌ لَهَا عَبْدٌ وَأَمَةٌ زَوَّجَتْ أَحَدَهُمَا بِالْآخَرِ، فَصَدَقَ أَنَّهَا امْرَأَةٌ لَهَا زَوْجَانِ، وَإِذَا جَاءَ ثَالِثٌ حُرٌّ فَلَهُ نِكَاحُهَا.
قَوْلُهُ: وَآخَرُ رَاحَ إِلَى آخِرِهِ رَأَيْتُ بِخَطِّهِ أَيْضًا أَنَّ صُورَتَهَا عَبْدٌ زَوَّجَهُ مَوْلَاهُ بِابْنَتِهِ، وَدَخَلَ بِهَا ثُمَّ مَاتَ مَوْلَاهُ وَوَقَعَتِ الْفُرْقَةُ ; لِأَنَّهَا مَلَكَتْ زَوْجَهَا بِالْإِرْثِ، وَكَانَتْ حَامِلًا فَوَضَعَتْ، فَانْقَضَتِ الْعِدَّةُ، فَتَزَوَّجَتْ وَوَهَبَتْ ذَلِكَ الْعَبْدَ لِزَوْجِهَا.
وَقَوْلُهُ: وَخَمْسَةٌ إِلَى آخِرِهِ، رَأَيْتُ بِخَطِّهِ أَيْضًا قِيلَ: إِنَّ محمد بن الحسن سَأَلَ الشَّافِعِيَّ عَنْ خَمْسَةٍ زَنَوْا بِامْرَأَةٍ، فَوَجَبَ عَلَى وَاحِدٍ الْقَتْلُ، وَآخَرَ الرَّجْمُ، وَالثَّالِثِ الْجَلْدُ، وَالرَّابِعِ نِصْفُهُ وَلَمْ يَجِبْ عَلَى الْخَامِسِ شَيْءٌ، فَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الْأَوَّلُ ذِمِّيٌّ زَنَى بِمُسْلِمَةٍ، فَانْتَقَضَ عَهْدَهُ، فَيُقْتَلُ. وَالثَّانِي مُحْصَنٌ، وَالثَّالِثُ بِكْرٌ، وَالرَّابِعُ عَبْدٌ، وَالْخَامِسُ مَجْنُونٌ، انْتَهَى.
الْجَوَابُ: وَلَمْ أَقِفْ عَلَى شَيْءٍ مِنْ أَجْوِبَةِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ لِغَيْرِي إِلَّا هَذِهِ الْمَوَاضِعَ الثَّلَاثَةَ الَّتِي نَقَلْتُهَا عَنِ الشَّيْخِ تاج الدين، وَالْمَوْضِعُ السَّابِقُ فِي " مِنْ " وَبَاقِي الْمَسَائِلِ مِمَّا أَخَذْتُهُ بِالْفَهْمِ. وَقُلْتُ فِي الْجَوَابِ نَظْمًا:
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّي بَارِئِ الْبَشَرِ
…
ثُمَّ الصَّلَاةُ عَلَى الْمُخْتَارِ مِنْ مُضَرِ
هَذَا جَوَابُ سُؤَالَاتِ الْإِمَامِ أَبِي
…
نَصْرٍ عَلَيْهِ هَمَتْ هُطَالَةُ الدُّرُرِ
أَمَّا الَّذِي هُوَ حَرْفٌ ثُمَّ جَاءَ سَمِيٌّ
…
أَيْضًا وَفِعْلًا مَقَالًا غَيْرَ ذِي نُكُرِ
عَلَى أَتَتْ حَرْفَ جَرٍّ ثُمَّ فِعْلَ عَلَا
…
وَاسْمًا كَفَوْقَ وَزِدْ مِنْ غَيْرِ مُقْتَصِرِ
ثُمَّ الَّذِي هُوَ شَكْلٌ مِنْ عُلُومِ رَدِي
…
وَلَا يَلِيقُ بِأَهْلِ الشَّرْعِ وَالْأَثَرِ
وَالْبَيْتُ يُنْظَمُ مِنْ بَحْرَيْنِ نَاظِمُهُ
…
فَذَاكَ تَشْرِيعُهُمْ مَا فِيهِ مِنْ حَصَرِ
وَالْمَيْتُ مِنْ غَيْرِ رُوحٍ مِنْهُ قَدْ خَرَجَتْ
…
مَا كَانَ فِي صُلْبِهِ مِنْ نُطْفَةِ الْبَشَرِ
ثُمَّ الْمُسَمَّى أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَلَمْ
…
يَحْكُمْ عَلَى النَّاسِ مِنْ بَدْوٍ وَلَا حَضَرِ
أسامة حِينَ وَلَّاهُ النَّبِيُّ عَلَى
…
سَرِيَّةٍ لَقَّبُوهُ ذَاكَ فِي السَّفَرِ
وَ " مَنْ " فِي الْأَرْبَعَةِ الْأَبْيَاتِ نَافِيَةٌ
…
أَيْ لَمْ يَقُلْ ذَاكَ شَخَصٌ أَيُّ مُعْتَبَرِ
فَصَاحِبُ النَّظْمِ هَذَا الْقَصْدَ بَيَّنَ فِي
…
تَعْلِيقِ تَذْكِرَةٍ يَا طِيبَ مُدَّكِرِ
وَبَعْضُهُمْ قَالَ فِي الْأَصْنَامِ إِنَّ عَطِشَتْ
…
تَنْزِلُ كَلَّا ذَاكَ لَا يُلْقَى لِمُخْتَبِرِ
ثُمَّ اللَّفِيفَةُ أَكْلٌ وَالسَّخِينَةُ فِي
جَدْبٍ بِهَا عِيبَ أَهْلُ الْبَدْوِ وَالْحَضَرِ
…
ثُمَّ الْمُسَمَّوْنَ إِبْرَاهِيمَ أَرْبَعَةٌ
عَنْ بَعْضِهِمْ قَدْ رَوَوْا فِي صَادِقِ الْخَبَرِ
…
السمرقندي عَنِ الكوفي عَنِ العجلي
عَنِ ابن ميمون فَاحْفَظْهُ وَلَا تَحِرِ
…
وَهَكَذَا خَلَفٌ خَمْسٌ أَتَتْ نَسَقًا
فِي مُسْنَدٍ قَدْ رَوَاهُ الحاكم الأثري
…
وَمِنْ محمد يُدْعَى عِدَّةٌ نَسَقًا
فِي جُمْلَةٍ أَسَانِيدَ مِنَ الْأَثَرِ
…
وَمَرْأَةٌ مَلَكَتْ زَوْجَيْنِ لَا رَيْبَ
فَإِنْ أَرَادَتْ نِكَاحًا غَيْرَ مُحْتَظِرِ
…
وَالْعَبْدُ زَوَّجَهُ مَوْلَاهُ بِابْنَتِهِ
فَمَاتَ تَمْلِكُهُ بَانَتْ بِلَا ضَرَرِ
…
أَلْقَتْ جَنِينًا فَوَفَّتْ عِدَّةً نَكَحَتْ
فَمَلَّكَتْهُ لَهُ ضَرْبٌ مِنَ الْقَدَرِ
…
ثُمَّ الَّذِينَ زَنَوْا ذِمِّيٌّ بِمُسَلِمَةٍ
فَاقْتُلْ وَمُحْصَنُهُمْ فَارْجُمْهُ بِالْمَدَرِ
…
وَالْبِكْرُ فَاحْدُدْ وَعَبْدًا نَصِفُهُ أَبَدًا
وَمَنْ خَلَا مِنْ صِفَاتِ الْعَاقِلِينَ ذَرِ
…
ثُمَّ الْجَوَابُ وَلَا لَبْسٌ يُخَالِطُهُ
فَالْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا غَيْرَ مُنْحَصِرِ
…
وَقَالَهُ عَابِدُ الرَّحْمَنِ نَجْلُ أَبِي
بَكْرِ السُّيُوطِيِّ يَرْجُو عَفْوَ مُقْتَدِرِ
ثُمَّ بَعْدَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً وَذَلِكَ فِي ذِي الْقِعْدَةِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَمَانِينَ، وَقَفْتُ عَلَى كُرَّاسَةٍ بِخَطِّ الْإِمَامِ علم الدين العراقي قَالَ فِيهَا مَا مُلَخَّصُهُ: قَالَ مَوْلَانَا الْقَاضِي الْفَاضِلُ كريم الدين عبد الله الشافعي: وَبَعْدُ فَإِنَّ بَعْضَ أَكَابِرِ الْعُلَمَاءِ السَّادَةِ الْمَعْرُوفِينَ بِزِيَادَةِ التَّحْقِيقِ وَكَثْرَةِ الْإِفَادَةِ وَضَعَ سَبْعَ عَشْرَةَ مَسْأَلَةً مِنَ الْمَعَانِي الْمُحْكَمَةِ بِالسُّؤَالَاتِ الْمُشْكِلَةِ، وَجَعَلَهَا نَظْمًا لِتَكُونَ أَعْسَرَ فَهْمًا تَحَارُ فِيهَا عُقُولُ أُولِي الْأَلْبَابِ، وَيَعْجَزُونَ عَنْ أَنْ يَأْتُوا لَهَا بِجَوَابٍ، فَلَمَّا وَقَفْتُ عَلَيْهَا أَرَدْتُ أَنْ أُجَرِّبَ ذِهْنِيَ الْكَلِيلَ، فَأَجَبْتُ عَنْهَا غَيْرَ مَسْأَلَةٍ تَعَذَّرَ لِإِشْكَالِ مَعْنَاهَا، وَهِيَ هَذِهِ:
الْأُولَى:
مَنْ بِاتِّفَاقِ جَمِيعِ الْخَلْقِ أَفْضَلُ مِنْ
…
شَيْخِ الصِّحَابِ أبي بكر وَمِنْ عمر
وَمِنْ علي وَمِنْ عثمان وَهْوَ فَتًى
…
مِنْ أُمَّةِ الْمُصْطَفَى الْمَبْعُوثِ مَنْ مُضَرِ
الْجَوَابُ: إِنْ كَانَ عَنَى بِالْفَتَى عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ فَلَا يُطْلَقُ اسْمُ الْفَتَى عَلَى الْأَنْبِيَاءِ، وَإِنَّمَا يُسَمَّى بِذَلِكَ الصِّبْيَانُ وَالْعَبِيدُ وَالْخَدَمُ وَالْإِمَاءُ، وَإِنْ كَانَ أَرَادَ إِبْرَاهِيمَ وَلَدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَلَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ فَتًى، فَقَدْ نَصَّ الأزهري عَلَى أَنَّ الصَّبِيَّ لَا يُسَمَّى فَتًى حَتَّى يُرَاهِقَ، وَإِنْ كَانَ أَرَادَ الْحَسَنَ فأبو بكر أَفْضَلُ مِنْهُ، فَلَوْ قَالَ بَدَلَ فَتًى شَخْصٌ صَحَّ عَلَى عِيسَى عليه السلام وَعَلَى
إبراهيم وَلَدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَعَلَى فاطمة رضي الله عنها ; لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:" «فاطمة بُضْعَةٌ مِنِّي» "، قَالَ مالك رضي الله عنه: لَا أُفَضِّلُ عَلَى بُضْعَةٍ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَحَدًا.
الثَّانِيَةُ:
مَنْ كَانَ وَالِدُهَا ابْنًا فِي الْبَنِينِ لَهَا
…
وَذَاكَ غَيْرُ عَجِيبٍ عِنْدَ ذِي نَظَرِ
الْجَوَابُ: تِلْكَ عائشة زَوْجُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَإِنَّهَا أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ وَابْنَةُ أبي بكر، فَهِيَ أُمُّهُ وَابْنَتُهُ.
الثَّالِثَةُ:
مَنِ الْفَتَاةُ لَهَا زَوْجَانِ مَا بَرِحَا
…
تَزَوَّجَتْ ثَالِثًا حَلَّ بِلَا نُكُرِ
الْجَوَابُ: لَهَا زَوْجَانِ مِنْ بَقَرٍ أَوْ غَنَمٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، قَالَ تَعَالَى:{قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ} [هود: 40]{وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ} [الرعد: 3] .
الرَّابِعَةُ:
مَنْ طُلِّقَتْ فَتَلَقَّتْ أَرْبَعًا عَدَدًا
…
عَنِ الْوُجُوبِ بِدَارٍ أَيَّ مُبْتَدِرِ
الْجَوَابُ: هَذِهِ كَانَتْ حَامِلًا، فَوَلَدَتْ أَرْبَعَةً مِنَ الْأَوْلَادِ، فَإِنَّ الْعِدَّةَ لَا تَنْقَضِي إِلَّا بِانْفِصَالِ الْأَرْبَعَةِ، هَذَا إِنْ كَانَ قَوْلُهُ:" عَدَدًا " بِفَتْحِ الْعَيْنِ، فَإِنْ كَانَ بِكَسْرِهَا فَهَذِهِ أَمَةٌ دُونَ الْبُلُوغِ، طُلِّقَتْ، فَاعْتَدَّتْ بِالْأَشْهُرِ، ثُمَّ حَاضَتْ فِي أَثْنَاءِ ذَلِكَ، فَانْتَقَلَتْ إِلَى الْأَقْرَاءِ، ثُمَّ عَتَقَتْ فَانْتَقَلَتْ إِلَى عِدَّةِ الْحَرَائِرِ، ثُمَّ مَاتَ الزَّوْجُ فَانْتَقَلَتْ إِلَى عِدَّةِ الْوَفَاةِ.
الْخَامِسَةُ:
مَنْ إِنْ يَزِدْ جُرْمُهُ تَنْقُصْ مُؤَاخَذَةٌ
…
وَيَفْتَدِي بَعْضَ مَا يَجْنِيهِ كَالْهَدَرِ
الْجَوَابُ: إِنْ كَانَ جُرْمُهُ -بِضَمِّ الْجِيمِ- فَهَذَا رَجُلٌ ارْتَكَبَ صَغِيرَةً، ثُمَّ عَزَمَ عَلَى ارْتِكَابِ كَبِيرَةٍ، ثُمَّ تَرَكَهَا خَوْفًا مِنَ اللَّهِ، فَكَانَ تَرْكُهُ لِلْكَبِيرَةِ بَعْدَ الْعَزْمِ عَلَيْهَا مُكَفِّرًا لِتِلْكَ الصَّغِيرَةِ الَّتِي ارْتَكَبَهَا، وَإِنْ كَانَ جِرْمُهُ -بِكَسْرِ الْجِيمِ -فَهُوَ الْمِيزَابُ الْخَارِجُ عَنِ الْحَائِطِ وَالرَّوْشَنِ، إِذَا وَقَعَ نِصْفُهُ عَلَى إِنْسَانٍ فَقَتَلَهُ كَانَ عَلَى الْمَالِكِ الدِّيَةُ كَامِلَةً، وَإِنْ وَقَعَ بِجُمْلَتِهِ كَانَ عَلَيْهِ نِصْفُ الدِّيَةِ.
السَّادِسَةُ:
مَنْ إِنْ تَلَا فِي صَلَاةٍ آيَةً فَيَبُوءَ بِالْإِثْمِ
…
وَالصَّمْتُ مِنْهُ لَيْسَ مِنْ حَصَرِ
الْجَوَابُ: تَلَا آيَةً فِي الصَّلَاةِ، فَغَلِطَ فِيهَا أَوْ لَحَنَ، وَكَانَ مَعَهُ مَنْ يُصَلِّي، فَرَدَّ عَلَيْهِ، فَأَصَرَّ عَلَى غَلَطِهِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ يَظُنُّ مَا يَقْرَؤُهُ صَحِيحًا، فَأَعَادَ ذَاكَ الرَّادُّ عَلَيْهِ، فَتَوَقَّفَ وَسَكَتَ، وَبَطَلَتِ الصَّلَاةُ، وَكَانَ سُكُوتُهُ لَا عَنْ حَصَرٍ وَهُوَ عَدَمُ الْقُدْرَةِ عَلَى الْكَلَامِ، وَإِنَّمَا سَكَتَ لِلْعَجْزِ عَنِ الْحِفْظِ، وَالْمُعَانَدَةِ، وَأَنْ لَا يَرْجِعَ لِلْغَيْرِ، فَأَبْطَلَ الصَّلَاةَ، فَأَثِمَ لِأَجْلِ ذَلِكَ. قُلْتُ: هَذَا جَوَابٌ مُخَبَّطٌ وَكَلَامٌ طَوِيلٌ، وَالْجَوَابُ عَنْ هَذِهِ أَنَّهُ فَاقِدُ الطَّهُورَيْنِ وَهُوَ جُنُبٌ يُصَلِّي وَلَا يَقْرَأُ آيَةً زِيَادَةً عَلَى الْفَاتِحَةِ. وَهَذَا الِاسْتِدْرَاكُ مِنْ عِنْدِي لَا مِنَ الْمُجِيبِ وَلَا الْعَلَمِ العراقي. ثُمَّ قَالَ:
السَّابِعَةُ:
مَنْ قَالَ وَسْطَ جُمَادَى الصَّوْمُ مُفْتَرَضٌ
…
وَقَدْ يُصَلِّي لَنَا الْعِيدَانِ فِي صَفَرِ
الْجَوَابُ: جُمَادَى عِنْدَ الْعَرَبِ الشِّتَاءُ كُلُّهُ، قَالَ الشَّاعِرُ:
فِي لَيْلَةٍ مِنْ جُمَادَى ذَاتِ أَنْدِيَةٍ
…
لَا يُبْصِرُ الْكَلْبُ فِي أَرْجَائِهَا الطُّنُبَا
قَالَ: وَقَوْلُهُ: وَقَدْ يُصَلِّي لَنَا الْعِيدَانِ فِي صَفَرٍ، الصَّلَاةُ هُنَا مَعْنَاهَا الدُّعَاءُ، وَالْعِيدَانِ مُثَنَّى عِيدٍ، وَهُوَ الْوَقْتُ الَّذِي يَعُودُ فِيهِ الْفَرَحُ، أَوْ ذِكْرُ الشَّوْقِ وَالْمَحَبَّةِ، فَالْمَعْنَى يُدْعَى لَنَا بِحُصُولِ عَوْدِ الْفَرَحِ وَتَجْدِيدِ الشَّوْقِ إِلَى الْحَبِيبِ. قُلْتُ: مَا أَدْرَكَ هَذَا الْجَوَابَ وَقَدِ اعْتَرَفَ صَاحِبُهُ بِأَنَّهُ مَا قَدَرَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَالصَّوَابُ الَّذِي ظَهَرَ لِي أَنَّ " يُصَلِّي " بِمَعْنَى الِانْحِنَاءِ وَالتَّقْوِيمِ وَالتَّلْيِينِ، مِنْ قَوْلِهِمْ: صَلَيْتُ الْعَوْدَ عَلَى النَّارِ، " وَالْعِيدَانِ " جَمْعُ عُودٍ، وَهُوَ آلَةُ اللَّهْوِ الْمَشْهُورَةُ، وَالصَّفَرُ صَفِيرُ الْقَصَبِ، وَهَذَا الِاسْتِدْرَاكُ مِنْ عِنْدِي أَيْضًا. ثُمَّ قَالَ:
الثَّامِنَةُ:
وَآكِلٌ وَسْطَ شَهْرِ الصَّوْمِ مُنْفَرِدًا
…
عَمْدًا نَهَارًا وَلَمْ يُفْطِرْ وَلَمْ يَزِرِ
الْجَوَابُ: النَّهَارُ فَرْخُ الْقَطَاةِ وَوَلَدُ الْحُبَارَى، كَمَا أَنَّ اللَّيْلَ وَلَدُ الْكَرَوَانِ.
التَّاسِعَةُ:
وَآكِلٌ فِيهِ لَيْلًا لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ
…
بِصَوْمِهِ مِنْ سَرَاةِ الرَّأْيِ وَالْأَثَرِ
تَقَدَّمَ جَوَابُهُ أَنَّ اللَّيْلَ وَلَدُ الْكَرَوَانِ.
الْعَاشِرَةُ:
وَوَاحِدٌ قَدْ يُصَلِّي وَهْوَ مُنْفَرِدٌ
…
وَقَدْ يُؤَمُّ وَلَا يَأْتَمُّ لِلْقَدَرِ
الْجَوَابُ: هَذَا أَعْمَى أَصَمُّ لَا يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ بِأَحَدٍ ; لِأَنَّهُ لَا يَرَى أَفْعَالَ الْإِمَامِ وَلَا يَسْمَعُ الْمُبَلِّغَ.
الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ:
وَقَائِلٌ لَا قِصَاصَ فِي السُّيُوفِ بَلَى
…
إِنَّ الْقِصَاصَ لَفِي شَعَرٍ وَفِي ظُفُرِ
الْجَوَابُ: لَا قِصَاصَ فِي السُّيُوفِ هُوَ فِي بَعْضِ الْجُرُوحِ، كَالْجَائِفَةِ وَمَا دُونَ الْمُوضِحَةِ، وَقَوْلُهُ: إِنَّ الْقِصَاصَ فِي شَعْرٍ، وَشَعْرُ الْقِصَاصِ هُنَا مِنْ: قَصَّ الشَّعَرَ يَقُصُّهُ، وَمِنْهُ حَدِيثُ جابر " «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَسْجُدُ عَلَى قُصَاصِ الشَّعَرِ» "، قَالَ الأزهري: هُوَ بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ مُنْتَهَى شَعْرِ الرَّأْسِ حَيْثُ يُؤْخَذُ بِالْمِقَصِّ.
الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ:
ثَلَاثَةٌ فَرْجُ أُنْثَى مِنْهُ مَا خَرَجُوا
…
وَأَوْجَدَ الرُّوحَ فِيهِمْ خَالِقُ الصُّوَرِ
الْجَوَابُ: هُمْ آدَمُ وَحَوَّاءُ وَنَاقَةُ صَالِحٍ.
الثَّالِثَةَ عَشَرَ:
وَسَارِقٌ هَتَكَ الْحِرْزَ الْحَرِيزَ وَلَمْ
…
يُقْطَعْ بِلَا شُبْهَةٍ وَالْمَالُ ذُو خَطَرِ
الْجَوَابُ: هُوَ الصَّبِيُّ، وَالْمَجْنُونُ، وَالْحَرْبِيُّ، قُلْتُ: هَذَا ظَاهِرٌ لَا يُلْغَزُ بِهِ.
الرَّابِعَةَ عَشَرَ:
وَسَارِقٌ مَا حَوَى الْمَسْرُوقَ يَقْطَعُهُ
…
وَسَارِقٌ مَا حَوَى الْمَسْرُوقَ لَمْ يُضَرِ
الْجَوَابُ: " مَا " الْأُولَى مَوْصُولَةٌ، وَالثَّانِيَةُ نَافِيَةٌ، قُلْتُ: فِي كِلَيْهِمَا نَظَرٌ.
الْخَامِسَةَ عَشَرَ:
وَسَارَ قَبْرٌ بِمَنْ فِيهِ إِلَى أَمَدٍ
…
مِنَ الزَّمَانِ فَلَا يُنْكَرْ لِذِي خَبَرِ
الْجَوَابُ: هُوَ يُونُسُ عليه السلام لَمَّا كَانَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ كَالْقَبْرِ لَهُ وَهُوَ سَائِرٌ فِي الْبَحْرِ: