الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدليل، يُستعمَلُ عندَ عدمِ إرادةِ مناقشةِ الأدلَّةِ، تحقيراً لها ولو كانتْ عظيمةً؛ قال قومُ صالحٍ له:{قَالُوا يَاصَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا} [هود: 62].
ومِن أعظَمِ صورِ المكابَرَةِ للفطرةِ وللعقلِ في الفكرِ الليبراليِّ: هي
مكابرةُ عدمِ التفريقِ بين الذكَرِ والأُنْثَى
، وبهذا يُهَوِّنُون مِن الغاياتِ، كفاحشةِ الزنى لو وقعَتْ، وأن الغاياتِ لا تستحِقُّ لأجلِها وَضْعَ كلِّ هذه الوسائلِ التي يُسَمُّونها عراقيلَ وعقباتٍ، فهم ينظُرُون لزِنَى الجنسينِ كمصافحةِ الكَفَّيْنِ لبعضِهما؛ بل مِن المسلمينَ مَن يُعظِّمُ أمرَ مصافحةِ الجنسينِ الأجنبيَّينِ بعضِهما البَعْض أعظَمَ مِن تعظيمِ زِنَاهما في الفكرِ الليبراليِّ! انتكسَتِ الفطرةُ، وزالَتِ الغاياتُ، وزالَتِ الوسائلُ معها.
ومِن هذا المبدأ -ولو لم ينطِقُوا به- أنَّهم يكابِرُون في ميلِ الجنسَيْنِ بعضِهما للبعض، حتى يصوِّروا للجُهالِ أنَّ حاجزَ الهيبةِ بين الجنسينِ في الإسلامِ لو كُسِرَ بكسرِ الحجابِ والمخالَطَةِ، لكانَتِ الأُخُوَّةُ بينهما كأُخُوَّةِ الرجالِ للرجالِ، والنساءِ للنساءِ؛ ومن المعلومِ: أنه لا أعظَمَ مِن كسرِ تلك الحواجِزِ بين الزوجينِ وما زالتِ الغريزةُ بينهما قائمةً عشراتِ السنين، يميلُ الزوجُ لزوجتِه، والزوجةُ
لزوجِها، ميلاً فطريّاً لا ينتهي، ولكن مَن هانَتْ عندَه محارِمُ الله، تعلَّقَ بأوْهَى الحُجَجِ ولو كانت كبيتِ العنكَبُوتِ.
ومِن أساليبِهم في التهوينِ مِن وسائلِ الزنى: احتجاجُهم أنَّ وقوعَها لا يلزَمُ منه الوقوعُ في الغايةِ، فالنظَرُ، وتبرُّجُ المرأةِ، والاختلاطُ، وخَلْوَتُها بالأجنبيِّ عنها، لا يلزمُ منه الوقوعُ في الزنى؛ فقد ينظُرُ الرجلُ مرَّاتٍ، وتتبرجُ المرأةُ سنواتٍ، ولا يقعُ أحدُهما في الزنى، واللهُ حينما حرَّم الوسائلَ، يعلمُ أنَّ بعضَها لو وقَعَ لا يلزَمُ منه وقوعُ الغايةِ، وإلا فلا فرقَ بين الغاياتِ والوسائلِ، ولا بينَ النظرِ والتبرُّج والاختلاطِ، وبين الزنى؛ ولكنْ مِن مسلَّماتِ العقلِ والنَّقْلِ: أنَّ الوسائِلَ لو تتابعتْ أوصلَتْ للغايةِ؛ لهذا لا يفرَّقُ بين الخطوةِ الأُولَى والأخيرةِ في أصلِ النهيِ -لا في تعظيمِه- فالرجُلُ ربما ينظُرُ لمِئَةِ امرأةٍ، ويزني بواحدةٍ، والنظرُ لهذا العددِ هو وَقُودُ الوقوعِ على واحدةٍ؛ فإنَّ الخطوةَ الأخيرةَ ليست هي التي أوصلَتِ الماشيَ إلى الهاويةِ؛ وإنما هي آخِرُها، وقد وصلَ بمجموعِ الخطواتِ لا بواحدةٍ منها.