الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وما يُشابِهُها، وما يقرُبُ منها مما هو في معناها العامِّ، فللصحابةِ أقوالٌ في لباسِ المرأةِ؛ في الأَمَةِ والحُرَّةِ، وللشابَّةِ وللعجوزِ، وعند المحارِمِ وعند الأجانبِ، وعند الصغيرِ وعند الكبيرِ، ولها أحكامٌ في اللِّباسِ مخصوصةٌ في العباداتِ؛ كالصلاةِ والحجِّ، ولها أحكامٌ ليست مِن اللباسِ؛ وإنما تُحِيطُ بمعناه؛ كأحكامِ خروجِها لصلاةِ الجماعةِ، والعيدَيْنِ، فمَن جمَعَ هذه الأقوالَ في كلِّ بابٍ، ثم توسَّعَ فيها، عرَفَ مرادَه مِن عمومِ لفظِهِ في مواضعَ، ومِن خصوصِهِ في مواضعَ أخرى، وزال إشكالُه إن وُجِد.
و
مِن أسبابِ الأخطاءِ في فهمِ أقوالِ الصحابةِ في حجابِ المرأةِ وسَتْرِها
أمورٌ:
الأوَّلُ: أخذُ قولِ الصحابيِّ أو التابعيِّ في موضِعٍ مشتَبِهٍ، وتركُ المحكَمِ البيِّنِ في مواضعَ أُخرى في ذات المعنى، التي تُبيِّنُ له المرادَ وتفسِّرُ له المعنى المقصودَ في هذا الموضعِ وغيرِه، وقد رأيتُ مَن ينقُلُ عن بعضِ السلفِ، فيأخُذُ قولاً مجملاً لبعضِ السلفِ أنَّ زِينةَ المرأةِ الظاهرةَ هي الوجهُ والكَفَّانِ، ويحمِلُهُ على ظهورِه لعمومِ الناس، فأخَذَ القولَ المخصوصَ وعَمَّمَهُ بذِهْنِه على مَن يريدُ هو، وترَكَ أقوالاً له صريحةً أنه لا يجوزُ للمرأةِ أن
تُبْدِيَ وجهَها وكَفَّيْها للأجانبِ، وإنما للمحارِمِ؛ بل له أقوالٌ أًخرى يمنَعُ المرأةَ مِن الخروجِ حتى للصلواتِ والعيدَيْنِ، فيأخُذُ هذا ما يُرِيدُ بعمومِه، ويرى ما لا يُرِيدُ ويَدَعُه؛ وهذا شبيهٌ بمَن يأخُذُ عمومَ قولِه تعالى في المشرِكِين:{فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ} [التوبة: 5]، ويترُكُ ما يُفَسِّرُ له المعنى، ولمَن يتوَجَّهُ.
وعند الوقوفِ على آيةٍ، فلا بُدَّ مِن جمعِ ما يُشابِهُها في الحكمِ الخاصِّ، وما يُقارِبُها في الحكمِ العامِّ؛ فمَن أراد أن يَفهَمَ مرادَ المفسِّرِ مِن حجابِ الشابَّةِ وسَتْرِها، فليَنْظُرْ إلى قولِه في آيةِ لباسِ العجوزِ، فما أسقَطَه المفسِّرُ مِن الصحابةِ والتابعينَ عن العجوزِ، هو الذي يُبْقِيه في حجابِ الشابَّةِ، ويفسِّرُ بها المعنى في آيةِ لباسِها، ثم ينظُرُ ما يؤكِّدُ هذا المعنى في قولِ ذاتِ الصحابيِّ في الأحكامِ المقارِبةِ لآياتِ السترِ؛ كأحاديثِ الخروجِ للمساجدِ، والعيدَيْنِ، والحجِّ، ونحوِ ذلك، فمَن يأمُرُ المُحرِمةَ أن تغطِّيَ وجهَها عند الرجالِ، كيف يُجْعَلُ قولُه للمرأةِ أن تبدِيَ وجهَها وكفَّيْها للأجانبِ وهي غيرُ مُحرِمةٍ؟! فيأمُرُها أن تفعَلَ محظوراً في حَجِّها، ثم يأمُرُها أن تترُكَ فاضلاً في غيرِه!