الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأَمَةِ دَوْماً، والحُرَّةِ أحياناً، لا يعني جوازَ النظرِ إليها بكلِّ حالٍ، ولما تغيَّرَتِ الحالُ وكثُرَ خروجُ الحرائرِ كخروجِ الإماءِ في الطرقاتِ، اضطَرَبَتِ الأحكامُ، واستَثْقَلَها الناسُ في واقِعِهم.
ولذا؛ فالفقهاءُ يأمُرُون بتغطيةِ المرأةِ لوجهِها ولو لم يَقُلْ جمهورُهم بعورَتِه؛ لأنَّها لا تميِّزُ مَن ينظُرُ إليها ومدى فتنَتِه بها؛ لأنَّ الناظِرِين كثيرٌ، وهي واحدةٌ، وليس كلُّ الناسِ يغُضُّ بصَرَه، لكنْ لو قُدِّرَ أنَّ المرأةَ لا يراها إلا رجلٌ أجنبيٌّ واحدٌ لا يفتَتِنُ مثلُه بها كالكبيرِ العَجُوزِ، أو ذاهبِ الشهوةِ كالعِنِّينِ، جازَ لها كشفُ الوجهِ، وحرُمَ كشفُ شعرِها؛ لأنَّ الوجهَ عورةُ نظَرٍ، فزالَتِ العِلَّةُ، والشعرَ عورةُ سترٍ لا تتعلَّقُ بالفتنةِ؛ بل بمجَرَّدِ وجودِ البصرِ.
كلامُ الأئمَّةِ الأربعةِ في كشفِ المرأةِ لوجهِها:
لم يتكلَّمْ مالكٌ وأبو حنيفةَ والشافعيُّ في مسألةِ كشفِ المرأةِ لوجهِها لذاتِه، ولا يُعرَفُ هذا في كتبِهم ولا في مسائلِ أصحابِهم المُقَرَّبِينَ منهم، وإنما يتكَلَّمُون في مسألةِ وجهِ المرأةِ وكفَّيْها عندَ تعلُّقِها بمسألةٍ أُخرى مِن العباداتِ أو المعاملاتِ؛ كالصلاةِ والحجِّ، والعُقُودِ
والخِطْبَةِ؛ وذلك لأنَّ المسألةَ عندَهم ظاهرةٌ في أنَّ الأصلَ في النساءِ الحرائرِ السَّتْرُ والعفافُ وتغطيةُ الوجهِ، وكان كلامُهم كلُّه في الأبوابِ المستَثْناةِ من هذا الأصلِ المستقِرِّ؛ قال الإمامُ محمَّدُ بنُ عليٍّ المَوْزَعِيُّ الشافعيُّ في «تفسيرِه»:«والسلفُ كمالِكٍ والشافعيِّ وأبي حنيفةَ وغيرِهم لم يتكلَّمُوا إلا في عورةِ الصلاةِ» ، ثم قال:«وما أظُنُّ أحداً منهم يبيحُ للشابَّةِ أن تكشِفَ وجهَها لغيرِ حاجَةٍ، ولا يبيحُ للشابِّ أن ينظُرَ إليها لغيرِ حاجةٍ» (1). انتهى.
ولو كان الأصلُ في النساءِ السفورَ، لكان بحثُ المسألةِ عندَهم استقلالاً آكَدَ وأوجَبَ مِن بحثِها تبعاً، فهُمْ لم يَبْحَثُوها إلا عندَ الحاجةِ لضِدِّ الأصلِ وخلافِه، وهو الكشفُ في الصلاةِ، والنِّقابُ في الحجِّ، والمعاملاتِ والخصوماتِ والعقودِ وشِبْهِها؛ لأنَّها في هذه الأبوابِ تنتقِلُ المرأةُ عنِ الأصلِ؛ فاحتاجَ للتأكيدِ، وقد نُسِبَ إلى هؤلاءِ الأئمةِ أقوالٌ لا تُعْرَفُ عنهم، ولم ينطِقُوا بها، وأُلْزِمُوا بلوازِمَ لا تَلْزَمُهم، حتَّى نُسِبَ إليهم القولُ بإباحةِ كشفِ المرأةِ لوجهِها عندَ الأجانبِ؛ وُجِدَتِ الفتنةُ أو لم توجَدْ!
(1) انظر: «تيسير البيان، لأحكام القرآن» (2/ 1001).