الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
و
أجمَعَ العلماءُ: أنَّ عورةَ الأَمَةِ ليست كعورةِ الحُرَّةِ
، وأنَّ ما يجبُ على الحرةِ مِن السَّتْرِ، لا يجبُ كُلُّه على الأمَةِ، حكى الإجماعَ جماعةٌ؛ كابنِ عبدِ البَرِّ، وغيرِه (1).
و
أجمَعَ العلماءُ: على التفريقِ بين عورةِ السَّتْرِ وعورةِ النظرِ
، وإنِ اختلَفُوا في حدودِ كلٍّ منهما، فعورةُ السترِ: عورةٌ في ذاتِها؛ ولذا تُسْتَرُ لذاتِها، وعورةُ النظرِ: تُسْتَرُ لأجلِ الناظرِ لها ولو لم تكن عورةً في ذاتِها.
ومَن لم يُفَرِّقْ بين عورةِ الأَمَةِ وعورةِ الحُرَّةِ، وبين عورةِ السترِ وعورةِ النظرِ، اختَلَّ أصلُه؛ فاختلَّتْ تفريعاتُه تبغاً، ولم يَحْمِلْ كلامَ الفقهاءِ على ما أرادُوه.
توظيفُ الخلافِ واستغلالُهُ لِهَدْمِ الأصولِ وخرقِ الإجماعِ:
بعضُ الذين يكتُبُون حولَ الخلافيَّاتِ لا يُؤْمِنُونَ بالقطعِيَّاتِ والإجماعاتِ، ومَن لا يؤمِنُ بالإجماعِ ويُعظِّمُه، فدخولُه إلى الخلافِ هدىً، ولا يجوزُ للفقيهِ إدخالُه مِن
(1) انظر: «الاستذكار» (27/ 290).
باب (سَعَةِ الخلافِ)؛ فهؤلاءِ كاللُّصُوصِ يَطرُقون الأبوابَ لتُفَتَحَ، ويَطْرُقون البابَ بأَدَبٍ؛ وذلك لأنَّ فتحَ البابِ عندَهم أهوَنُ مِن كَسْرِه، ولأنَّ كسرَهُ شاقٌّ، ومَن نظرَ إلى طريقةِ مَن لا يؤمِنُ بالإجماعِ، ويتظاهَرُ بطلبِ الإنصافِ عند الخلاف، يجدُ أنَّه يدخُلُ مِن أبوابِ الخلافِ ليصِلَ إلى ما وراءَه؛ فمِن الجَدَلِ مُناظَرةُ مَن يُحِلُّ الخمرَ في مسألةِ حِلِّ النَّبِيذِ، ومناظرةُ مَن يُحِلُّ المخدِّرَاتِ في مسألةِ حِلِّ الدُّخَانِ.
وقد كثُرَ الكُتَّابُ اليومَ، وحَمَل القلمَ كلُّ أحَدٍ، واختَلَطَتْ على العامَّةِ وأكثرِ الخاصَّةِ مقاصدُ الكُتَّابِ في بحثِ المسائلِ الخلافيةِ وأهدافُهم وغاياتُهم.
ومِمَّا يجبُ التأكيدُ عليه: أنَّ مِن وسائلِ معرفةِ المُتَتَرِّسِينَ بالخلافِ والمستَغِلِّينَ له؛ لإخلاءِ الطريقِ وإفساحِه لضربِ الأصولِ وخَرْقِ الإجماع: أنْ يُنظَرَ في سيرةِ الكاتبِ وموقِفِه مِن الإجماعِ والقطعياتِ.
فمَن يبحَثُ باندفاعٍ وحماسٍ عن حِلِّ شربِ الدُّخَانِ والنبيذِ، وهو يُحِلُّ المخدِّراتِ أو الخمرَ أو يسكُتُ عنها وهي منتشرةٌ؛ فذلك دليلٌ على أنَّ له غايةً وراءَ الخلافِ!
ومِن ذلك: مَن يبحَثُ باندفاعٍ عن جوازِ كشفِ
المرأةِ لوَجْهِها، وهو يُجالِسُ العارياتِ بلا نَكِيرٍ، أو يرى السُّفُورَ يَنْتشِرُ والحِشْمةَ تَنْحسِر، ويندفعُ بحماسٍ للتهوينِ مِن الفضيلةِ ويسكُتُ عن الرذيلةِ بحُجَّةِ الخلافِ؛ فهؤلاءِ يسلُكُون طرائقَ المنافقينَ السابقِينَ الذين يستغِلُّونَ مسائلَ الفروعِ وسيلةً لهدمِ الأصولِ وضربِها.
فقد كان المُنافِقُونَ يَتكاسَلُونَ عنِ الصلاةِ جماعةً مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ولا يذكُرُون اللهَ إلا قليلاً:{وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء: 142]، ومع كَسَلِهم عن الفضائلِ، اندَفَعُوا لبناءِ مسجدٍ في المدينةِ، ورفَعُوا فيه الأذانَ بمواقيتِه، وأقامُوا الصلاةَ، وهذا العملُ فضيلةٌ في ذاتِهِ لو فعَلَهُ غيرُهم مِن أهلِ الحرصِ على الأصولِ وتعظيمِها، ولكنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم لم يَفصِلْ فضيلةَ بناءِ المسجدِ عن سياقاتِهِ وحالِ مَن بناهُ وسيرتِهم ومَواقِفِهم المُشابِهةِ، ولم ينظُرْ إليه نظرةً فرعيَّةً كمسجدَيْنِ متجاوِرَيْنِ في بلدٍ تحكُمُ قربَهما المصلحةُ؛ وإنما رآه مسجِدَ ضِرَارٍ، مع أنَّ في المدينةِ مساجدَ أُخرى أَذِنَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم ببنائِها وصلَّى هو فيها، ولكنَّ المنافقينَ اتَّخَذوا فعلَهم للفضيلةِ باباً لغايةٍ أُخرى مِن الرذيلةِ، وهي شقُّ صفِّ النبيِّ صلى الله عليه وسلم ومَن حولَه، فنَظَرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم إلى
الغاياتِ لا إلى الجزئياتِ، فحَوَّلَ الأمرَ مِن فضيلةٍ ظاهرةٍ تخدَعُ العامَّةَ، إلى شرٍّ، وأنزلَ اللهُ عليه:{وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ} [التوبة: 107]؛ وهذا في مسجدٍ وبيتٍ لله!
وكذلك في مسائلِ خلافِ الفروعِ؛ يُدخَلُ فيها كثيراً مِن هذا البابِ، فسِيرَةُ القائمينَ والكُتَّابِ تحكُمُ أفعالَهم، وتغيِّرُ تعامُلَ العالِمِ معها؛ فإنَّ العلماءَ ما زالُوا يبحثونَ مسائلَ الفقهِ، ويتداوَلُون الأدلَّةَ في الكتبِ؛ في العباداتِ، والنِّكاحِ، والمعامَلاتِ، والحجابِ، والحدودِ، ويتناظَرُون، ويَرُدُّ بعضُهم على بعضٍ بإجلالٍ وتوقيرٍ؛ لأنَّ كلَّ واحدٍ منهم يبحَثُ الفروعَ، ويعرِفُ موقفَ الآخَرِ مِن الأصولِ، وحَمِيّتَهُ لها.
وفي مسائلِ الحجاب ولباسِ المرأةِ، ظهَرَتْ كتاباتٌ لباحِثِين -عندما يُرَوِّجُ الإعلامُ والمنافقون أنَّ الحجابَ عادةٌ لا عبادة، وأنَّ تغطيةَ الوجهِ تقليدٌ لا دينٌ- كتَبُوا أن تغطيةَ الوجهِ ليست بواجبةٍ، ويتغافلُ -عن جهلٍ أو هوىً- عن أنَّ العلماءَ يجعلُون تغطيةَ الوجهِ مِنَ الدِّين، وهؤلاءِ يَفصِلُونها مِن الدينِ كلِّه؛ كمَن يُورِدُ أقوالَ بعضِ العلماءِ: