الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فالمفسِّرُونَ يَعْلَمُونَ اختلافَ مراتِبِ المذكُورِين؛ روى ابنُ وَهْبٍ عن ابنِ زيدٍ: قال: «والزَّوْجُ له فَضْلٌ، والآباءُ مِن وراءِ الرجلِ لهم فَضْلٌ، قال: والآخَرُونَ يتفاضَلُون، قال: وهذا كلُّه يجمَعُه ما ظهَرَ مِن الزينةِ» ؛ أخرجَه ابنُ جريرٍ (1).
فقولُ عبدِ الرحمنِ بنِ زيدِ بنِ أسلَمَ: «وهذا يجمَعُه ما ظهَرَ مِن الزِّينَةِ» ؛ يعني: أنَّ المذكُورِين همُ المَحَارِمُ وهم المَعْنِيُّون بقولِه قبلَ ذلك: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} ، وليس الأجانبَ، فذُكِرُوا للبيانِ والإيضاحِ، والزوجُ له فضلٌ على الجميعِ وخَصُوصيةٌ؛ كما قالَه ابنُ زيدٍ.
التَّدَرُّجُ في فرضِ الحجابِ:
يَذْهَبُ بعضُ المفسِّرينَ إلى أنَّ الحجابَ لم يُفْرَضْ جملةً واحدةً؛ وإنما جاء متدرِّجاً، فأوَّلُ ما نزلَ وذُكِرَ فيه عمومُ المؤمناتِ: آياتُ النُّورِ، ثم آياتُ سورةِ الأحزابِ، ومِن هؤلاءِ ابنُ جريرٍ الطبريُّ، وأبو بكرٍ الجَصَّاصُ، وابنُ تيميَّةَ، وغيرُهم، وهؤلاءِ يتفِقون مع غيرِهم في الغايةِ والنهايةِ التي استقَرَّ عليها الحُكْمُ، وإنِ اختلَفُوا مع غيرِهم في المراحِلِ، وكثيرٌ ممن ينظُرُ في كتبِ المفسِّرِين، ينظُرُ في
(1) أخرجه ابن جرير في «تفسيره» (19/ 173 - 174).
سورةِ النورِ فيراهم ينقُلُون كلامَ السلفِ في الزينةِ الظاهرةِ بإجمالٍ، ثم يُعَلِّقُ أولئك الأئمةُ في سورةِ النور، ويَنُصُّون على جوازِ كشفِ المرأةِ لوجهِها وكَفَّيْها، ولو نظَرُوا في كلامِهم في سورةِ الأحزابِ، لوجَدُوا أنَّهم يمنَعُون، وليس هذا اضطراباً، ولا قولَيْن؛ فالمؤلِّفُ واحدٌ، والكتابُ واحدٌ، وإنَّما لأنَّهم يَرَوْنَ تقدُّمَ آيةِ الحجابِ مِن سورةِ النورِ على آيةِ الحجابِ مِن سورةِ الأحزابِ، فيُفَسِّرُون كلَّ موضِع بحسبِ ما فَهِمُوه في موضِعِه، ويجعَلُون فرضَ الحجابِ متدرِّجاً.
ومَن جَهِلَ المتقدِّمَ والمتأخِّرَ مِن السُّوَرِ عندَ الأئمةِ، لم يفهَمْ مقاصدَ القرآنِ وأحكامَ المفسِّرِينَ مِن السلَفِ، قال ابنُ جريرٍ الطبريُّ في سورةِ الأحزابِ:«لا يتشَبَّهْنَ بالإماءِ في لباسِهِنَّ إذا هُنَّ خرَجْنَ مِن بيوتِهنَّ لحاجَتِهِنَّ، فكشَفْنَ شعورَهن ووجوهَهُن، ولكنْ لِيُدْنِينَ عليهن مِن جلابيبهن» (1)، وذكَرَ تفسيرَ السلفِ لتغطيةِ الوجهِ بالجلابيبِ، وهكذا فسَّر آيةَ القواعدِ في سورةِ الأحزابِ (2)، وقولُه في سورةِ النُّورِ بأنَّ المرأةَ تُبْدِي وجهَها (3)، يحكِي
(1) انظر: «تفسير ابن جرير» (19/ 181).
(2)
انظر: «تفسير ابن جرير» (17/ 359 - 360).
(3)
انظر: «تفسير ابن جرير» (17/ 261 - 262).
المرحلةَ الأُولَى مِن فرضِ الحجابِ، وآيةُ الأحزابِ بعدَها.
وابنُ جريرٍ إمامٌ بصيرٌ ينقُلُ أقوالَ السلفِ في الموضِعِ ويبيِّنُه، ولو كانتِ الآيةُ في حكمٍ سابقٍ، ثم تَبِعَتْه آياتٌ تزيدُ عليه في الحكمِ، فإنه يذكُرُ عندَ كلِّ آياتٍ حكمَها، وهذا له نظائِرُ كثيرةٌ في تفسيرِه.
وهكذا الإمامُ الجَصَّاصُ ذكَرَ معنَى ما ذكَرَه ابنُ جريرٍ في آيةِ النُّورِ؛ لأنَّها سابِقَةٌ (1)، ثم في آيَةِ الأحزابِ المتأخِّرَةِ، قال: «في هذه الآيَةِ دلالةٌ على أنَّ المرأةَ الشابَّةَ مأمورةٌ بِسَتْرِ وجهِها عنِ الأجنَبِيِّين، وإظهارِ السترِ والعفافِ عند الخُرُوجِ «(2).
وهكذا كثيرٌ مِن المفسِّرِين، يفسِّرون آيةَ النُّورِ على حالٍ سابقةٍ كما جاء عند ابنِ جَرِيرٍ، ثم يَنُصُّون صراحةً على مَنْعِ المرأةِ مِن كشفِ وجهِها عندَ آيةِ الأحزابِ، ومِن هؤلاءِ المفسِّرين: أبو اللَّيْثِ نَصْرٌ السَّمَرْقَنْدِيُّ الحنفيُّ في «تفسيره» (3)، وأبو عبدِ الله بنُ أبي زَمَنِين (4)، والثعلبيُّ (5)،
(1) انظر: «أحكام القرآن» (5/ 172 - 173).
(2)
انظر: «أحكام القرآن» (5/ 245).
(3)
انظر: «تفسير السمرقندي» (2/ 508)، و (3/ 69).
(4)
انظر: «تفسير ابن أبي زمنين» (3/ 230 - 231)، و (3/ 412).
(5)
انظر: «تفسير الثعلبي» (7/ 87)، و (8/ 64).
والكِيَا الهَرَّاسِيُّ (1)، والزمخشريُّ (2)، والعِزُّ بنُ عبدِ السلام (3)، والبَيْضَاوِيُّ (4)، والنَّسَفيُّ (5)، وابنُ جُزَيٍّ (6)، والسُّيُوطيُّ (7)، والبِقَاعيُّ (8)، وأبو السُّعُودِ (9)، وغيرُهم.
وكثيرٌ ممَّن ينقُلُ أقوالَهم السابقةَ في إبداءِ الزينةِ الظاهرةِ، يُهْمِلُ أقوالَهم المحكَمةَ في سورةِ الأحزابِ، وقد نزلَتْ بعدَ ذلك!
وسواءٌ قِيلَ: إنَّ الحجابَ نزلَ متدرِّجاً، أم نزَلَ مرةً واحدةً وتنوَّعَتْ نصوصُ القرآنِ في الخطابِ؛ فالغايةُ واحدةٌ، وهو ما ظهَرَ في جميعِ الآياتِ وتجلَّى صريحاً في سورةِ الأحزابِ.
(1) انظر: «أحكام القرآن» (4/ 312)، و (4/ 350).
(2)
انظر: «تفسير الزمخشري» (3/ 231)، و (3/ 560).
(3)
انظر: «تفسير العز بن عبد السلام» (2/ 398)، و (2/ 590).
(4)
انظر: «تفسير البيضاوي» (4/ 104)، و (4/ 238).
(5)
انظر: «تفسير النسفي» (2/ 500)، و (3/ 45).
(6)
انظر: «تفسير ابن جزي» (2/ 67)، و (9/ 159).
(7)
انظر: «الإكليل» (ص 192)، و (ص 214 /العلمية).
(8)
انظر «نظم الدرر» (13/ 259)، و (15/ 411).
(9)
انظر: «إرشاد العقل السليم» (6/ 170)، و (7/ 115).