الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهذا مِن الأقوالِ الباطلةِ التي لم يقولوا بها هُم ولا مَن سبَقَهم، ولا أحدٌ مِن تلامذَتِهم، ولا أحدٌ معتَبَر.
ومَن لم يعرِفْ مقاصدَ الأئمةِ وسياقاتِ كلامِهم ومواضِعَه، يَحْمِلْ أقوالَهم على غيرِ مرادِهم، وكلامُهم أو كلامُ بعضِهم يَرِدُ في مواضعَ مِن الفقهِ في غيرِ كشفِ الوجهِ لذاتِه، منها: عورةُ الصلاةِ، ونِقابُ المُحْرِمةِ، وحاجةُ النظرِ في العقودِ والشهاداتِ والخِطْبةِ وشبهِها:
أمَّا
مسألةُ عورةِ الصلاةِ:
فهي أكثرُ الأبوابِ التي يتكلَّمُون فيها، فيُطلِقُون أنَّ المرأةَ عورةٌ إلا وجهَها وكفَّيْها، وعورةُ الصلاةِ شيءٌ، وعورةُ النظرِ شيءٌ؛ فإنَّ المرأةَ لو كانتْ في بيتِها لا يراها أحدٌ وحَسَرَتْ شَعْرَها، بَطَلَتْ صلاتُها باتفاقِهم، ولو قالتْ: لا يراني أحدٌ، أو: ليس عندي إلا طِفْلٌ أو زَوْجِي، لم يُعتبَرْ بذلك؛ لأنَّ العورةَ للصلاةِ لا لهم؛ فإدخالُ عورةِ الصلاةِ في عورةِ النظرِ مِن أعظَمِ أخطاءِ الكُتَّابِ على الأئمةِ في هذا البابِ.
وقد نَصَّ غيرُ واحدٍ مِن الفقهاءِ مِن المذاهبِ الأربعةِ: على أنَّ المرأةَ إن كانتْ في الصلاةِ وعندَها أجانبُ، أنَّها تغطِّي وجهَها؛ نصَّ عليه الخطيبُ الشِّرْبِينيُّ مِن الشافعيةِ، وقال: «إلَّا أن تكونَ في مكانٍ وهناكَ
أجانبُ لا يحتَرِزُون عن النظَرِ إليها، فلا يجوزُ لها رفعُ النِّقابِ» (1)، ومِن المالكيةِ اللَّخْمِيُّ، ومِن الحنابِلَةِ ابنُ تيمِيَّةَ وغيرُه، وأشار إليه الطَّحْطاوِيُّ وغيرُه مِن الحنفيةِ.
وقد نسَبَ بعضُ الكُتَّابِ لأحمدَ روايةً: أنَّ كشفَ الوجهِ جائِزٌ؛ لروايةٍ عنه أنَّ وجهَ المرأةِ ليس بعورةٍ، نقلَها ابنُ قُدَامةَ، وكذا المَرْدَاويُّ في «الإنصاف» في عورةِ الصلاةِ، وهذا لا يقولُه مَن عرَفَ فِقْهَ أحمدَ وغيرِه مِن الأئمَّةِ في اصطلاحاتِهم وتفريقِهم بين الأبوابِ وأنواعِ العوراتِ.
ومِن ذلك: ما يشتهرُ نسبَتُهُ لمالِكٍ والشافعيِّ: في أنَّ المرأةَ عورةٌ إلا وجهَها وكَفَّيْها، فكلامُ مالكٍ في «المُدَوَّنَةِ» ، والشافعيِّ في «الأُمِّ» في أبوابِ الصلاةِ، وفيه:«وظهورُ قدمَيْها عَوْرةٌ» (2)، فيأخُذُون ما يُكْشَفُ مِن عورةِ الصلاةِ، وهو الوجهُ والكفَّانِ، ليُكْشَفَ في غيرِ الصلاةِ، وَيتْرُكون قولَهم:«ظهورُ القدمَيْنِ عورةٌ» ؛ فلا يُنْزِلُونه خارِجَ الصلاةِ؛ لأنَّه سترٌ! فكشفُ ظهرِ القدمَيْنِ شائعٌ عندَ مَن
(1)«الإقناع، في حل ألفاظ أبي شجاع» (1/ 285)، وانظر:«إعانة الطالبين» (1/ 135).
(2)
انظر: «المدوَّنة» (1/ 185)، و «الأم» (2/ 201).