الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
و (النِّقَاب)(1)، و (البُرْقُع)(2)، و (القِنَاع)(3)، و (المَيْسَنانيّ)(4)، وغيرُ هذا مما تقدَّمَ دخولُه فيما يُغَطَّى به الوجهُ مما سبق؛ كالخمارِ والجلبابِ، وغيرِهما.
و
معنَى السفورِ عندَ العربِ:
هو كشفُ المرأةِ لوجهِها، وليس المرادُ بذلك كَشْفَها لشعرِها أو نحرِها؛ لأنه لا يعرَفُ عندَ غالبِ العربِ والعجَمِ كشفُ المرأةِ لشعرِها؛ قال تَوْبَةُ بنُ الحُمَيِّرِ:
وكُنْتُ إذَا ما جِئْتُ لَيْلَى تَبَرْقَعَتْ
…
فقَدْ رَابَنِي مِنْهَا الغَدَاةَ سُفُورُهَا (5)
وقد ذكَرَ بعضُ المفسِّرِين -كمُقاتِلِ بنِ حَيَّانَ-: أنَّ
تبرُّجَ الجاهليةِ الأولَى
-قبلَ وُجودِ العربِ- الذي نَهَى اللهُ عنه في قولِه: {وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} [الأحزاب: 33]؛
(1) انظر: «غريب الحديث» لأبي عبيد (5/ 514).
(2)
انظر: «تهذيب اللغة» (3/ 294).
(3)
انظر: «جمهرة اللغة» (2/ 942 - 943).
(4)
انظر: «المحكم والمحيط الأعظم» (8/ 534).
(5)
نسَبَه له ابنُ قتيبةَ في «الشعر والشعراء» (1/ 445)، والأزهريُّ في «تهذيب اللغة» (3/ 294). وهو في «العين» للخليلِ بن أحمدَ (2/ 298) غيرَ منسوبٍ، وفيه:«زُرْتُ» ، بدلَ:«جِئْتُ» .
أنَّهُنَّ كُنَّ يُلْقِينَ الخمارَ على رؤوسِهِنَّ ولا يَشْدُدْنَه (1)، ومع ذلك نهى اللهُ عنه، وشدَّد عليه، وذكَرَه مثالاً، لفعلِ سُوء.
وقد جاء عن بعضِ السلفِ -كابنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما وغيرِه-: أنَّ تبرُّجَ الجاهليةِ الأُولَى كان بين نُوحٍ وإدرسَ (2)، ولو كان هناك تبرُّجٌ عامٌّ في التاريخِ بعدَه أسوَأُ منه، لذَكَرَهُ اللهُ مثالاً.
والأُمَمُ تتقلَّبُ بين الرجوعِ إلى الفطرةِ وبينَ الانسياقِ لإبليسَ، وكُلَّمَا ابتَعَدَتْ أعادَها اللهُ بالوحيِ، وسَتْرُ النساءِ شِرْعةٌ وفطرةٌ للأنبياءِ والصالحينَ في كلِّ زمَنٍ، وقد صحَّ عن عُمَرَ بنِ الخطابِ رضي الله عنه أنَّه فسَّرَ قولَ اللهِ تعالى:{فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ} [القصص: 25]؛ بتغطيةِ وجهِها بثوبِها؛ أخرَجَه ابنُ أبي شَيْبة (3).
(1) انظر: «تفسير ابن كثير» (11/ 152).
(2)
أخرجه ابنُ جرير في «تفسيره» (19/ 98 - 99)، والحاكم في «المستدرك» (2/ 548) - وعنه البيهقي في «شُعَب الإيمان» (5068) - مِن حديثِ ابن عباس رضي الله عنهما. وانظر:«فتح الباري» (8/ 520).
(3)
أخرجه ابنُ أبي شيبة في «مصنفه» (32503)، والحاكم في «المستدرك» (2/ 407).
معنى كلمةِ (العَوْرةِ):
تَسْتعمِلُ العربُ الكلمةَ على وضعٍ، ثم تَتوسَّعُ في إطلاقِها على ما يُشارِكُها مِن المعاني ولو مِن بعضِ الوجوهِ لا كُلِّها؛ كلفظةِ (المَسِّ)، وهي مباشَرَةُ الشيئَيْنِ بعضِهما لبعضٍ والتِصاقُهما؛ كقولِه تعالى:{لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة: 79]، ثم تُوسِّعَ في إطلاقِه حتى للمعنويَّاتِ؛ كقولِه:{وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ} [يونس: 12]، وعلى تلبُّسِ الجِنِّيِّ بالإنسيِّ:{لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} [البقرة: 275]، وتُطلَقُ أيضاً على الجِماعِ:{فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3]، وإن كان القَدْرُ المشترَكُ بينَها واحداً ولوِ اختلَفَ المعنَى بينها وتباعَدَ جِدّاً.
ومِن ذلك: مصطلَحُ (العورةِ)؛ فأصلُ إطلاقِهِ على النقصِ والخَلَل، ولما كان صاحبُ النقصِ يَكْرَهُ أن يُرى وينكشِفَ نَقْصُه، دخَلَ في معنى (العَوْرةِ) كُلُّ ما يَشْترِكُ في كراهةِ رؤيَتِهِ عقلاً أو شرعاً أو عُرْفاً:
ففي العُرْفِ: لا يُحِبُّ الناسُ أن تُرى بيوتُهم مِن الداخلِ إلا بإذنِهم؛ فقال اللهُ على لسانِ المنافِقِين: {يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ} [الأحزاب: 13]؛ أي: تُدخَلُ ونحنُ نَكرَهُ،
ولا أحَدَ يَمنَعُ، فتسمَّى البيوتُ المفتوحةُ عورةً وإنْ كانتِ البيوتُ لا عيبَ فيها ولا نقصَ، ويُطلَقُ على الجهةِ التي يَكْرَهُ الإنسانُ أن يُدخَلَ عليه منها: عورةٌ؛ كبابِ البيتِ، ونافِذَتِه، وثُقْبِ البابِ، وجهةِ الحيِّ والمدينةِ التي لا حارِسَ عليها مِن عدوٍّ أو سارِقٍ؛ قال لَبِيدٌ:
حَتَّى إِذَا أَلْقَتْ يَداً فِي كَافِرٍ
…
وَأَجَنَّ عَوْرَاتِ الثُّغُورِ ظَلَامُهَا (1)
وفي الشرعِ: أُطْلِقَ على معانٍ تعبديَّةٍ؛ كعَوْرةِ الصلاةِ؛ فيقولون: «المرأةُ كُلُّها عَوْرةٌ إلا وجهَها وكَفَّيْها» ؛ لأنَّ الشارعَ يَكْرَهُ كشفَها في الصلاةِ، ولو كانت المرأةُ وحدَها ببيتِها، ولما كان اللهُ يَكْرَهُ أن يَكْشِفَ الرجالُ والنساءُ مواضعَ معيَّنةً مِن أبدانِهم، سُمِّيتْ عورةً، ولما كانَتِ المرأةُ العفيفةُ تكرَهُ أن ينظُرَ إلى شيءٍ مِن جسمِها رجلٌ غيرُ زوجِها غريزةً وشَهْوةً، سُمِّيَ المنظورُ إليه عورةً.
فقد يكونُ العضوُ الواحدُ في حالٍ عورةً، وفي حالٍ ليس بعورةٍ؛ كوجهِ الأَمَةِ، ووجهِ الحُرَّةِ، ووجهِ الشابَّةِ، ووجهِ العجوزِ، بل يختلِفُ بحسبِ الناظِرِ؛ إن كان ذكَراً
(1)«ديوان لبيد» (ص 114).