الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وابنُ لَهِيعةَ ضعيفُ الحديثِ (1)، وشيخُه عِيَاضٌ ضعيفٌ أيضاً؛ ضعَّفَه ابنُ مَعِينٍ (2)، وقال البخاريُّ:«مُنْكَرُ الحديثِ» (3)، وعُبَيْدُ بنُ رفاعةَ قليلُ الحديثِ ليس فيه توثيقٌ يستحِقُّ الذِّكْرَ.
ولا يُقْبَلُ مثلُ هذا الإسنادِ شاهداً لغيرِه، فضلاً عن قيامِه بنَفْسِه!
ومِن وجوهِ نكارةِ الحديثِ: أنَّ أسماءَ بنتَ أبي بكرٍ أكبَرُ مِن عائشةَ، وكذلك فإنَّها معروفةٌ بِسَتْرِها لوجهِها وكَفَّيْها عندَ الرجالِ، بسندٍ صحيحٍ، عن فاطمةَ بنتِ المنذِرِ، قالَتْ:«كُنَّا نُخَمِّرُ وجوهَنا ونحنُ مُحْرِمَاتٌ مع أسماءَ بنتِ أبي بَكْرٍ» (4).
إلا أنْ يكونَ حديثُها الأوَّلُ عن عَوْرَرتِها عندَ مَن يدخُلُ عليها مِن أهلِها ومحارِمِها، وليس الأجانِبَ، فقد صحَّ تستُّرُها عندَ الأجانبِ؛ فلا يُصَارُ إلى غيرِه.
الثاني: حديثُ المرأةِ الخَثْعَميَّةِ:
وهو ما رواهُ الشيخانِ، عن عبدِ اللهِ بنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما،
(1) انظر: «تهذب الكمال» (15/ 487 - 502».
(2)
انظر: «تهذب التهذب» (3/ 353).
(3)
انظر: «الضعفاء الكبير» للعقيلي (3/ 350).
(4)
سبق تخريجه (ص 71).
قال: كانَ الفَضْلُ رَدِيفَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فجاءَتِ امرأةٌ مِنْ خَثْعَمٍ، (وفي روايةٍ: وَضِيئَةٌ)، فجعَلَ الفضلُ ينظُرُ إليها وتنظُرُ إليهِ، (وفي روايةٍ: أعجَبَه حُسْنُها)، فجعَلَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم يَصْرِفُ وجهَ الفضلِ إلى الشِّقِّ الآخَرِ، فقالتْ: إنَّ فريضةَ اللهِ أدركَتْ أبي شَيْخاً كبيراً لا يثبُتُ على الراحلةِ، أفأحُجُّ عنه؟ قال:(نَعَمْ)؛ وذلك في حَجَّةِ الوداعِ (1).
وبيان ما أشكَلَ فيه مِن وجوهٍ:
أولاً: صحَّ أنَّ الخَثْعَميَّةَ جاريةٌ عُرِضَتْ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم في حَجِّهِ ليَرَاها فيتزَوَّجَها، كما جاءَ عنِ الفضلِ بنِ عبَّاسٍ، قال: كُنْتُ رِدْفَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وأعرابِيٌّ معه ابنةٌ له حَسْناءُ، فجعَلَ يَعْرِضُها لرسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم رجاءَ أنْ يتزَوَّجَها، قال: فجعَلْتُ ألتَفِتُ إليها، وجعَلَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يأخُذُ برَاسِي فيَلْوِيه، وكان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُلَبِّي حتى رمَى جَمْرَةَ العَقَبَةِ؛ أخرَجَه أبو يَعْلَى بسندٍ صحيحٍ (2).
والنبيُّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عنِ الخِطْبَةِ في الحجِّ (3)؛ لا العَرْضِ
(1) أخرجه البخاري (1513 و 1854 و 1855 و 4399 و 6228)، ومسلم (1334).
(2)
أخرجه أبو يعلى في «مسنده» (6731).
(3)
كما في حديث عثمانَ بنِ عَفَّان رضي الله عنه عند مسلم (1409).
والنَّظَرِ لمَن نَوَى، وإنْ كانتْ جاريةً وقُصِدَ بها الأَمَةُ غالياً؛ فالنبيُّ صلى الله عليه وسلم يُعْتِقُ الأَمَةَ فيتزَوَّجُها؛ كما فعَلَ بِصَفِيَّةَ ومارِيةَ القِبْطِيَّةِ رضي الله عنهما.
ثانياً: جاء أنَّ الخَثْعَميَّةَ جاريةٌ شابَّةٌ؛ أخرَجَه الترمذيُّ بسندٍ صحيحٍ، عن عليِّ بنِ أبي طالِبٍ رضي الله عنه، مرفوعاً (1)، والطحاويُّ بسندٍ صحيحٍ عنِ ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما (2)، وهذا الوصفُ: جاريةٌ شابَّةٌ، يُطلَقُ عادةً على الإماءِ، لا على الحرائِرِ، والأَمَةُ ليستْ مخاطَبةً بالجلبابِ وتغطيةِ الوجهِ كالحُرَّةِ، والى هذا أشار البخارِيُّ في «صحيحه» ؛ حيثُ أورَدَه في سياقِ عورةِ النظَرِ، وعلى هذا بوَّبَ، وساقَ قبلَ هذا الحديثِ قولَه:«وكَرِهَ عطاءٌ النظَرَ إلى الجوارِي التي يُبَعْنَ بمَكَّةَ؛ إلا أنْ يُرِيدَ أن يَشْتَرِيَ» ، ثم ذكَرَ حديثَ الخثعَميَّةِ بعدَه (3).
وتسمَّى الأَمَةُ جاريةً؛ لأنَّها تَسِيرُ غاديةً ورائحةً في خِدْمةِ أهلِها، كما تسمَّى السفينةُ: جاريةً؛ قال الله: {إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ} [الحاقة: 11]، ومنه قولُه:
(1) أخرجه الترمذي (885).
(2)
أخرجه الطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (2540).
(3)
انظر: «صحيح البخاري» (8/ 50 - 51).
{وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ} [الشُّورَى: 32]، وقولُه:{وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ} [الرحمن: 24]؛ لأنَّها تَجْرِي بخدمةِ الناسِ وحَمْلِهم ومَتَاعِهم.
وقد تُطلِقُ العربُ الجاريةَ على الحُرَّةِ يُريدونَ الشابَّةَ، ولكنَّه في حديثِ الخثعمِيَّةِ قال: جاريةٌ شابَّةٌ، وَيندُرُ جدّاً الجمعُ بين اللفظَيْنِ للحُرَّةِ، ورُبَّما لا يوجَدُ في كلامِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ويَندُرُ جَرَيانُه على ألسنةِ الصحابةِ والتابِعِين، والأصلُ عند إطلاقِ لفظِ:«جارية» وحدَه أنَّها أَمَةٌ، وهذا الغالبُ في الأحاديثِ والآثارِ، وهو كثيرٌ شائعٌ، ولا يُنتقَلُ عنه إلا ببيِّنةٍ أو قرينةٍ، ومِن ذلك إطلاقُه على الحُرَّةِ معروفةِ الحُرِّيَّةِ للتدليلِ على صِغَرِها، كما أُطْلِقَ على عائشةَ في الإِفْكِ (1)، فإطلاقُ لفظِ «الجارية» على الأَمَةِ لا يَحْتاجُ إلى قرينةٍ وسياقٍ؛ لأنَّه الأصلُ، وإنما يُحْتَاجُ إلى القرينةِ والسياقِ في إخراجِه عنها وإنزالِه على الحُرَّة.
ثالثاً: المرأةُ تكونُ أَمَةً ولو كانتْ مِن نسبةٍ قَبَلِيَّةٍ لكونِها سَبِيَّةً؛ فقد بعَثَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم إلى خَثْعَمٍ سرايَا مِن أصحابِه، منها عامَ تسعةٍ، وجاؤوا منهم بسَبْيٍ رجالاً ونساءً، وقد ذكَرَ
(1) انظر: «صحيح البخاري» (2637 و 2661 و 4141 و 4750 و 7369)، و «صحيح مسلم» (1211 و 2770).
ابنُ سعدٍ في «الطبقات» سَرِيَّةَ قُطْبةَ بنِ عامِرٍ إلى خَثْعَمٍ بناحيةِ بِيشَةَ قريباً مِن تُرَبَةَ في صَفَرَ سنةَ تسعٍ، ثم قال:«وقتَلَ قُطْبَةُ بنُ عامِرٍ مَن قتَلَ -يعني: مِنْ خَثْعَمٍ- وساقُوا النَّعَمَ والشاءَ، والنساءَ إلى المدينةِ» (1). انتهى.
وقد تكونُ الأَمَةُ والعَبْدُ أعراباً؛ فإنَّ الأعرابيَّ: اسمٌ للأحرارِ والعبيدِ؛ لمَن كان في الباديةِ ولو كان أعجمِيّاً.
رابعاً: أنَّ هذا الحديثَ لا أعلَمُ مَنِ استدَلَّ به مِن أهلِ القرونِ الثلاثةِ على مسألةِ كشفِ المرأةِ الحُرَّةِ لوجهِها؛ وإنما يُورِدُونَه في الحكمِ المتعلِّقِ بنظرِ الرجلِ لا كشفِ المرأةِ؛ لأنَّ حكمَ تغطيةِ الوجهِ خاصٌ بالحُرَّةِ، والنظَرُ المحَرَّمُ عامٌّ للجميعِ؛ للحرةِ والأَمَةِ.
وأما فتوَى الخثعَمِيَّةِ عن حَجِّ جَدِّها، فلا يَتعارَضُ مع كونِها أَمَةً، وجَدُّها أو أبوها حُرٌّ، فالرِّقُّ معنىً يقومُ بالنَّفْسِ، بل قد يكونُ الابنُ حُرّاً والوالدُ عبداً؛ فيَمُنُّ الابنُ على أَبِيه، فيُعْتِقُه، قال صلى الله عليه وسلم:(لَا يَجْزِي وَلَدٌ وَالِدَهُ، إِلَّا أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكاً فيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقِهُ)؛ أخرجه مسلم (2).
وحَجُّ العبدِ عنِ الحُرِّ، والصبيِّ عنِ البالِغِ، صحيحٌ
(1) انظر: «الطبقات الكبير» (2/ 148).
(2)
أخرجه مسلم (1510)؛ من حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه.