الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
طفلاً لم يُصبِحْ ما ينظُرُ له عورةً، وإنْ كان بالغاً أصبَحَ عورةً؛ لهذا قال اللهُ:{أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ} [النور: 31].
وقد اتَّخَذَ بعضُ مَن لا يَفهَمُ لغةَ العربِ ولا مصطلحاتِ الشرعِ مصطلحَ العورةِ مدخلاً للتقليلِ مِن حجابِ المرأةِ وسَتْرِها لوجهِها والسخريةِ به؛ ل
اشتراكِ لفظِ العورةِ بين السَّوْءَتَيْنِ والوجهِ
؛ وهذا كحالِ مَن لا يُفرِّقُ بين إطلاقاتِ مصطلَحِ: (المَسِّ)؛ فلا يُفرِّقُ بين مَسِّ المُصحَفِ: {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة: 79]، وبين جماعِ الزوجَيْنِ:{مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3 و 4].
عورة الصلاةِ، وعورةُ السترِ والنظَرِ، وخلطُ كثيرٍ من الكُتَّاب بينهما:
جعَلَ اللهُ لبعضِ العباداتِ أحكاماً في اللباسِ تختصُّ بها، وذلك للرجالِ والنساءِ في الصلاةِ والحجِّ؛ فشرَعَ اللهُ للمرأةِ لباساً على وصفٍ، وللرجالِ لباساً على وصفٍ:
أمَّا الصلاةُ: ففي الرجالِ جاءت أحاديثُ، منها ما في «الصحيحَيْنِ» ، قال صلى الله عليه وسلم: (لَا يُصَلِّي أحَدُكُمْ فِي الثَّوْبِ
الوَاحِدِ لَيْسَ عَلَى عَاتِقَيْهِ شَيْءٌ) (1)، واختُلِفَ في الحدِّ الذي تبطُلُ صلاةُ الرجلِ بكشفِه له، والجمهورُ: أنَّ عَوْرَتَهُ ما بينَ السُّرَّةِ إلى الرُّكْبةِ، وفي النساءِ جاءتْ أحاديثُ أيضاً، ومنها ما في «السُّنَن» ، قال صلى الله عليه وسلم:(لَا يَقْبَلُ اللهُ صَلَاةَ حَائِضٍ إلا بِخِمَارٍ)(2).
وللصلاةِ أحكامٌ خاصَّةٌ بها في لباسِ الجنسَيْنِ، وللحجِّ أحكامٌ خاصَّةٌ به في لباسِ الجنسَيْنِ أيضاً، سواءٌ كان أحدُ الجنسينِ وحدَهُ أو كان مع غيرِه، يجبُ عليه أن يستُرَ ما أُمِرَ بسترِه، وكلُّ حكمٍ في اللباسِ ورَدَ به نصٌّ خارجَ الصلاةِ والحجِّ، فهو مستقِلٌّ لا يرتبِطُ بهما.
وكثيرٌ مِن الكُتَّابِ ينقُلُ أقوالَ الفقهاءِ عندَ كلامِهم على لباسِ المرأةِ في الصلاةِ: «المَرْأَةُ عَوْرةٌ إلا وَجْهَها وكَفَّيْها» ، ويجعلُها في أحكامِ النظرِ، ولا يفرِّقُ بين عورةِ الصلاةِ والسَّتْرِ، وعورةِ النظرِ، والمرأةُ يجبُ عليها أن تستُرَ كلَّ شيءٍ في صلاتِها إلَّا وجهَها وكَفَّيْها، ولو كانت
(1) أخرجه البخاري (359)، ومسلم (516)؛ من حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه.
(2)
أخرجه أبو داود (641)، والترمذي (377)، وابن ماجه (655)؛ مِن حديثِ عائشة رضي الله عنها.
في بيتِها وحدَها، وإنْ شهِدَها أحدٌ مِن مَحارِمِها أو زَوْجُها، وأظهَرَتْ شعرَها وصَلَّتْ، بطَلَتْ صلاتُها، وليس لها أن تقولَ:«إنَّه لا يراني إلا زَوْجِي» مثلاً؛ فإنَّ سَتْرَها لبدنِها إلا وجهَها وكَفَّيْها حينئذٍ للصلاةِ، لا لمَن يراها ولو كان زوجَها؛ فهذه عَوْرةُ صلاةٍ، لا عَوْرةُ نَظَرٍ، وهكذا فإنَّه نَصَّ بعضُ الفقهاءِ أنَّ المميِّزةَ الصغيرةَ تُسْتَرُ للصلاةِ كالبالغةِ، مع أنَّ الصغيرةَ تخرُجُ للرجالِ الأجانبِ، ولا عورةَ نظرٍ عليها.
بل نَصَّ الفقهاءُ مِن المذاهبِ الأربعةِ على أنَّ المرأةَ إن كانت في الصلاةِ وعندَها أجانبُ، أنَّها تستُرُ وجهَها؛ نصَّ عليه الخطيبُ الشِّرْبِينِيُّ مِن الشافعيةِ؛ فقال: «إلا أنْ تكونَ بحضرةِ أجنبيٍّ
…
فلا يجوزُ لها رفعُ النِّقَاب» (1)، ومِن المالكيةِ اللَّخْمِيُّ، ومِن الحنابلةِ ابنُ تيميَّةَ وغيرُه، وأشار إليه الطحطاويُّ وغيرُه مِن الحنفيةِ.
وعدمُ التفريقِ بين سياقاتِ الأئمَّةِ في عورةِ الصلاةِ وعورةِ النظرِ مِن أكثرِ ما يخطِئُ به النَّقَلةُ؛ فيأخُذُون كلامَ الفقهاءِ في عورةِ الصلاةِ، ويَضَعُونه في عورةِ النظرِ،
(1) انظر: «الإقناع، في حلِّ ألفاظ أبي شُجَاع» (1/ 124).
ولا ينظُرُون للسياقِ، وربما نَظَرَ بعضُهم لِمَا صحَّ أن نساءَ الصحابةِ يُصَلِّينَ خلفَ الرجالِ مع رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم في المساجدِ، ويَتصوَّرُ لازماً ذهنيّاً أنَّ الرجالَ يرونَ النساءَ بعدَ الصلاةِ؛ وهذا خطأٌ مِن وجهَيْنِ:
الأوَّلُ: أنَّ الصحابةَ تكونُ وجوهُهم إلى القِبْلةِ، وأنْ سلَّموا، انتهتِ الصلاةُ، وكان النبيُّ صلى الله عليه وسلم ينهَى الصحابةَ أن يتحرَّكُوا حتى تخرُجَ النساءُ؛ ففي البخاريِّ، عن أُمِّ سَلَمةَ رضي الله عنها، قالت:«إنَّ النساءَ في عهدِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم كُنَّ إذا سَلَّمْنَ مِنَ المكتوبةِ، قُمْنَ، وثبتَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ومَن صَلَّى مِن الرجالِ ما شاء اللهُ، فإذا قام رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قام الرجالُ» (1).
الثاني: يجوزُ للمرأةِ إنْ صلَّت عندَ الرجالِ تغطيةُ وجهِها؛ لأنَّ كشفَ وجهِ المرأةِ وكَفَّيْها في الصلاةِ ليس مِن واجباتِ الصلاةِ بالإجماعِ، ولكنَّ تغطيةَ غيرِ الوجهِ والكفينِ واجبٌ؛ فيجبُ التفريقُ بين ما يجبُ سترُه وما يجوزُ كَشْفُه؛ فللمرأةِ أن تُغطِّيَ وجهَها في الصلاةِ بسببِ مرورِ رجلٍ أو غُبَارٍ أو رِيحٍ كريهةٍ ولا تبطُلُ صلاتُها.
(1) أخرجه البخاري (866).