المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الرابع: حديث سفعاء الخدين: - الحجاب في الشرع والفطرة

[عبد العزيز الطريفي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدِّمة

- ‌ جاءَتِ الشرائعُ السماويةُ بأصلَيْنِ عظيمَيْنِ:

- ‌توافُقِ الفطرةِ والشريعةِ

- ‌ الشريعةَ أسرعُ في التغييرِ مِن الفطرةِ

- ‌الشرائعُ والطبائعُ .. وتغييرُها:

- ‌ تغييرَ الفطرةِ الواحدةِ يُلْغِي معه شرائعَ كثيرةً

- ‌فطرةُ العفافِ وتغييرُها:

- ‌ جميعَ الأنبياءِ يَدْعُونَ إلى حفظِ أصول الفطرةِ مع التوحيدِ

- ‌تغييرُ الفطرةِ أخطرُ مِن تغييرِ سُنَنِ الكَوْنِ

- ‌الإنسانُ يمكِنُ أن يتطبَّعَ ويألَفَ ما يُخالِفُ بعضَ الفطرةِ

- ‌الحجابُ .. عبادةٌ وعادةٌ:

- ‌الشرائعُ أقوى هَيْبةً وحفظاً مِن العاداتِ في نفوسِ الناسِ

- ‌الحكمةُ مِن مشروعيَّةِ حجابِ المرأةِ:

- ‌الوسائلُ أكثرُ مِن الغاياتِ والمقاصد

- ‌ميلُ الجنسَيْنِ بعضِهما إلى البعضِ:

- ‌ مكابرةُ عدمِ التفريقِ بين الذكَرِ والأُنْثَى

- ‌تاريخُ تشريعِ الحجابِ والسترِ:

- ‌أنواعُ النساءِ في الحجابِ واللِّبَاسِ، وفسادُ قياسِ حكمِ بَعْضِهِنَّ على بعض:

- ‌الحِجَابُ:

- ‌الخِمَارُ:

- ‌يُستعمَلُ الخمارُ لتغطيةِ ثلاثةِ مواضعَ وشدِّها

- ‌الأوَّل: الرأسُ

- ‌الثاني: الصَّدْر

- ‌الثالث: الوَجْه

- ‌«الجِلبابُ:

- ‌الفَرْقُ بين الخمارِ والجلبابِ:

- ‌التاريخُ والواقعُ وأثَرُه على الفِقْه:

- ‌العربُ ولباسُ المرأةِ:

- ‌كانوا يُفَرِّقُون بين الحُرَّةِ والأَمَةِ بكشفِ الوجهِ

- ‌ تُسْتَرُ نساءُ نصارى العربِ

- ‌معنَى السفورِ عندَ العربِ:

- ‌ تبرُّجَ الجاهليةِ الأولَى

- ‌اشتراكِ لفظِ العورةِ بين السَّوْءَتَيْنِ والوجهِ

- ‌عورة الصلاةِ، وعورةُ السترِ والنظَرِ، وخلطُ كثيرٍ من الكُتَّاب بينهما:

- ‌نِقَابُ المرأةِ في الحَجِّ:

- ‌ما لا يُختلَفُ فيه مِن لباسِ المرأةِ:

- ‌يجبُ ألَّا يكونَ لباسُ المرأةِ عندَ الرجالِ مطيَّباً

- ‌يحرُمُ أن يكونَ لباسُ المرأةِ مشابِهاً لِلِباسِ الرجالِ

- ‌يجبُ ألَّا يكونَ لباسُ المرأةِ مختصّاً بلباسِ غيرِ المسلماتِ

- ‌تحريرُ محلِّ النزاعِ فيما يجبُ أن يُستَرَ مِن بدنِ المرأةِ:

- ‌أجمَعَ العلماءُ أنَّ حجابَ المرأةِ بمفهومِه العامِّ: شريعةٌ ودِينٌ

- ‌أجمَعُوا: أنَّ المرأةَ العجوزَ لها أن تكشِفَ وجهَها؛ بشرطِ ألَّا تتبَرَّجَ بزينةٍ على وجهِها

- ‌أجمَعَ العلماءُ: أنَّ عورةَ الأَمَةِ ليست كعورةِ الحُرَّةِ

- ‌أجمَعَ العلماءُ: على التفريقِ بين عورةِ السَّتْرِ وعورةِ النظرِ

- ‌توظيفُ الخلافِ واستغلالُهُ لِهَدْمِ الأصولِ وخرقِ الإجماعِ:

- ‌الخلافُ وحقُّ الاختيارِ:

- ‌العقلُ يدلُّ على أنَّ تتبُّعَ الرُّخَصِ يُمْرِضُ الأبدانَ والأديانَ

- ‌القرآن لا تتعارَضُ آياته، بل تتوافقُ وتتعاضد:

- ‌أقوالُ الصحابةِ في حجابِ المرأةِ وسترِها، وأسبابُ الخطأِ فيها:

- ‌مِن أسبابِ الأخطاءِ في فهمِ أقوالِ الصحابةِ في حجابِ المرأةِ وسَتْرِها

- ‌جمعُ الآياتِ الواردةِ في حجابِ المرأةِ وسَتْرِها، وبيانُ المرادِ منها:

- ‌التَّدَرُّجُ في فرضِ الحجابِ:

- ‌حجابُ الصحابيَّاتِ والتابعيَّاتِ:

- ‌زِينةُ الوجهِ للعجوزِ، وزينةُ الوجهِ للشابَّة:

- ‌عورةُ السَّتْرِ وعورةُ النظرِ:

- ‌مِن الفروعِ المُوجِبةِ للنظرِ مسائلُ كثيرةٌ

- ‌ كانتِ الإماءُ في الطُّرُقاتِ أكثرَ مِن الحرائِرِ

- ‌كلامُ الأئمَّةِ الأربعةِ في كشفِ المرأةِ لوجهِها:

- ‌ مسألةُ عورةِ الصلاةِ:

- ‌ مسألةُ نِقابِ المُحْرِمةِ:

- ‌ مسألةُ العقودِ والشهاداتِ والخِطبةِ، والحاجةِ إلى النظرِ فيها:

- ‌ مذهَبَ مالِكٍ

- ‌ مذهبِ أبي حنيفةَ

- ‌تغطيةُ المرأةِ لوجهِها بينَ التشديدِ والتيسيرِ:

- ‌ مدارسُ فقهيَّةٌ مهزومةٌ تُرِيدُ أنْ تطوِّعَ الآياتِ والأحاديثَ والآثارَ لهذا الواقعِ البعيدِ

- ‌ التفريقُ بين هذه المدرسةِ المهزومةِ وبين منهجِ الأنبياءِ في تقريبِ الحقِّ والتدرُّجِ فيه

- ‌الأوَّلُ: قِصَّةُ أسماءَ بنتِ أبي بكرٍ:

- ‌الثاني: حديثُ المرأةِ الخَثْعَميَّةِ:

- ‌الثالثُ: حديثُ سُبَيْعةَ الأَسْلَميَّةِ:

- ‌الرابع: حديثُ سَفْعاءِ الخَدَّيْنِ:

الفصل: ‌الرابع: حديث سفعاء الخدين:

على النِّصْفِ مِن عدَّةِ الحُرَّةِ، وذهَبَ بعضُ السلفِ -كابنِ سيرينَ، ومكحولٍ؛ كما عزاهُ أحمدُ إليهما، وهو قولُ جماعةٍ مِن أهلِ الظاهِرِ- إلى أنَّ عدةَ الحرةِ كالأَمَةِ (1).

وجعَلَ مالِكٌ وربيعةُ وأحمدُ -في روايةٍ- ومجاهِدٌ والحَسَنُ وعُمَرُ بنُ عبدِ العزيزِ، الأَمَةَ المعتَدَّةَ بالأشهُرِ كالحُرَّةِ؛ تعتَدُّ ثلاثةَ أشهُرٍ (2).

ولا خلافَ عندَ العلماءِ أنَّ الحُرَّةَ والأَمَةَ إن كانَتْ حاملاً: أنَّها تَبِينُ بوَضْعِ حَمْلِها.

وأُمُّ الوَلَدِ لو مات سيِّدُها وزوجُها معاً ولم تَعْلَمِ الأوَّلَ منهما، فإنَّها تعتَدُّ أربعةَ أشهُرٍ وعشراً كالحُرَّةِ؛ قاله غيرُ واحدٍ مِن الفقهاءِ مِن المالِكِيَّةِ وغيرِهم (3).

‌الرابع: حديثُ سَفْعاءِ الخَدَّيْنِ:

وهو حديثُ جابِرِ بنِ عبدِ الله رضي الله عنه، قال: شَهِدتُّ مع رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم الصلاةَ يومَ العيدِ، فبدَأَ بالصلاةِ قبلَ الخُطْبَةِ بغيرِ أَذَانٍ ولا إقامةٍ، ثم قامَ متَوَكِّئاً على بلالٍ، فأمَرَ بتقوَى اللهِ، وحَثَّ على طاعَتِه، ووعَظَ الناسَ وذَكَّرَهم، ثم مَضَى حتَّى أتى النساءَ، فوعَظَهُنَّ وذكَّرَهُنَّ، فقال: (تَصَدَّقْنَ؛

(1) انظر: «المحلَّى» (11/ 308)، و «المبدع» (7/ 76).

(2)

انظر: «المدونة» (2/ 8 - 9)، و «المبدع» (7/ 83 - 84).

(3)

انظر: «المدونة» (2/ 17)، و «الأم» (6/ 555).

ص: 173

فإِنَّ أكْثَرَكُنَّ حَطَبُ جَهَنَّمَ)، فقامَتِ امرأةٌ مِنْ سِطَةِ النِّسَاءِ سَفْعَاءُ الخَدَّيْنِ، فقالَتْ: لِمَ يا رسولَ اللهِ؟ قال: (لِأنَّكُنَّ ثُكْثِرْنَ الشَّكَاةَ، وَتَكْفُرْنَ العَشِيرَ)، قال: فجعَلْنَ يتَصَدَّقْنَ مِنْ حُلِيِّهِنَّ، يُلْقِينَ في ثوبِ بِلَالٍ مِنْ أَقْرِطَتِهِنَّ وخَوَاتِمِهِنَّ (1).

وبيانُ ما أشكَلَ فيه مِن أوخُهٍ:

أولاً: أنَّ المرأةَ المذكورةَ لا يُجزَمُ بكونِها حُرَّةً شابَّةً، وظاهِرُ الحديثِ: أنَّها مِن القواعدِ أو الإماءِ؛ فـ «السَّفْعَةُ» شُحُوبٌ وسوادٌ أو تغيُّرٌ، وغالباً ما يُصِيبُ كِبارَ السِّنِّ أو الجوارِيَ؛ لكثرةِ بُرُوزِهِنَّ، وحديثُ «سَفْعَاءِ الخَدَّيْنِ» نظيرُ ما في «صحيح البخاري» ، قالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ رضي الله عنها: رَأَى النبيُّ صلى الله عليه وسلم في بيتِها جارِيَةً في وجهِها سَفْعَةٌ، فقال:(اسْتَرْقُوا لَهَا)(2)، وكونُها كاشفةً لا يجعَلُ منها حُرَّةً؛ فقد كانتْ جاريةً.

ثانياً: يَعْضُدُ أنَّ سَفَعَ الخَدَّيْنِ يكونُ في قواعدِ النساءِ، لا في المرأةِ الشابَّةِ الحسناءِ، ما في روايةِ أحمدَ والنَّسَائِيِّ في هذا الحديثِ، قال:«مِنْ سَفِلَةِ النِّسَاءِ، سَفْعَاءُ الخَدَّيْنِ» (3)؛

(1) أخرجه البخاري (958 و 961 و 978)، ومسلم (885/ 4).

(2)

أخرجه البخاري (5739).

(3)

أخرجه أحمد (3/ 318 رقم 14420)، والنسائي (1575).

ص: 174

يعني: مِن أَقَلِّ النساءِ شأناً، وكذلك ما رواه أحمدُ وأبو داودَ، مِن حديثِ عوفِ بنِ مالِكٍ الأشجَعِيِّ، قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (أَنَا وَامْرَأَةٌ سَفْعَاءُ الخَدَّيْنِ كَهَاتَيْنِ يَوْمَ القِيَامَةِ -وأَوْمَأَ بالوُسْطَى والسَّبَّابَةِ- امْرَأَةٌ آمَتْ مِنْ زَوْجِهَا، ذَاتُ مَنْصِبٍ وجَمَالٍ، حَبَسَتْ نَفْسَها عَلَى يَتَامَاهَا؛ حَتَّى بَانُوا أَوْ مَاتُوا)(1).

وإنما ذكَرَ جابرٌ رضي الله عنه قولَهُ: «سَفِلَة النِّساءِ» ؛ ليبيِّنَ أنها ليستْ مما تَفتِنُ الناظرَ إليها.

ثالثاً: أنَّ الحديثَ لم يَرِدْ في جميعِ طُرُقِه وصفُ وجهِ المرأةِ، وإنَّما تفرَّد به عبدُ المَلِكِ، عن عطاءٍ، عن جابرٍ؛ أخرَجَه مسلِمٌ (2)، وقد رواهُ ابنُ جُرَيْجٍ، عن عطاءٍ، عن جابِرٍ، ولم يَذْكُرْ وَصْفَها (3)، وقد جاءتِ القِصَّةُ مِن حديثِ جماعةٍ مِن الصحابةِ؛ رواها ابنُ مسعودٍ (4)، وابنُ عُمَرَ (5)،

(1) أخرجه أحمد (6/ 29 رقم 24006)، وأبو داود (5149).

(2)

في «صحيحه» (885/ 4).

(3)

كما عند البخاري (961 و 978)، ومسلم (885/ 3).

(4)

أخرجه النسائي في «الكبرى» (9212 و 9213).

(5)

أخرجه مسلم (79).

ص: 176

وابنُ عباسٍ (1)، وأبو هريرةَ (2)، وأبو سعيدٍ (3) رضي الله عنهم، ولم يَذْكُرُوا سُفُورَها؛ ولذا قِيلَ بشُذوذِ هذه اللفظةِ في الحديثِ، وإن كانتْ محفوظةً فلا يُعْلَمُ كونُها قاعداً أم أمَةً أم حُرَّةً، وفي المحكَمِ حُجَّةٌ وغُنْيَةٌ وكفايةٌ، والمُتشابِهاتُ لا يَتَّبِعُها إلَّا مَنْ في قلوبِهِمْ زَيْغٌ؛ كما قال اللهُ تعالى. والله أعلم.

وبهذا ينتَهِي المقصودُ مِن هذه الرسالةِ، ولم تكن الغايةُ منها سَوْقَ الأدلةِ ولا سردَ أقوالِ الفقهاءِ وحَشْدَها، فإنَّ هذا البابَ لا حدَّ له ولا حَصْر، والمرادُ هو إعادةُ ما زُحْزِحَ مِن الأدلة والأقوالِ إلى مواضعِها، وبيانُ مُحْكَمِها مِن متشابِهِها؛ فإنَّ مِن الأدلةِ ما كان على موضعٍ عند العلماء يعرِفُون سياقَهُ ومنزلةَ دلالتِه بالنسبةِ لغيرِه، حتى جاء الزمنُ المتأخر فاستثير وحُمّل ما لا يحتمل، وجُعل منه أصلاً في الباب، واستُنبط منه ما جُعل تجديداً للدين، وما هو إلا قول دخيل لا يُعرف في قولٍ ولا عملٍ سالف، والله أعلم وأحكَم، وهو الموفق للهدى والسداد، وصلَّى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم.

(1) أخرجه البخاري (98)، ومسلم (884).

(2)

أخرجه مسلم (80).

(3)

أخرجه البخاري (304)، ومسلم (80 و 889).

ص: 177