الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الناظرِ وفتنَتِه؛ لا عورةٌ في ذاتِهِ للمرأةِ المنظورِ إليها، فيُسْتَرُ لغيرِه لا لذاتِه، أمَّا اختلافُهُمْ فعند عدمِ الفتنةِ ووجودِ الرُّخْصةِ للرجلِ أن ينظُرَ.
و
مِن الفروعِ المُوجِبةِ للنظرِ مسائلُ كثيرةٌ
، منها:
نظَرُ الرجلِ إلى المخطوبةِ، ونظرُ القاضي للتعرُّفِ على أحدِ الخصمَيْنِ إن كان امرأةً، أو إدلاءُ المرأةِ للشهادةِ على حقٍّ في بيعٍ أو شراءٍ أو خصومةٍ، حتى تُحْفَظَ الحقوقُ فلا تشتَبِهَ امرأةٌ بأُخرى؛ ولهذا يُطْلِقُ كثيرٌ مِن الفقهاءِ عباراتٍ في سياقِ حكمِ عورةِ النظرِ لا عورةِ السترِ، فيقولونَ في أحكامِ العقودِ والشهاداتِ والخصوماتِ:«يجوزُ أن ينظُرَ لوجهِها وكفَّيْها» ، ورُبَّما قال بعضُهم:«ينظُرُ إلى وجهِها وكفَّيْها؛ لأنَّهما ليسا بعورةٍ» ، أو يقولون:«لا يجبُ عليها سترُهما» ، وكلامُهم في عورةِ النظرِ، وتعليلُهم في عورةِ السَّتْرِ؛ ولذا تجدُ الأئمةَ أنفُسَهُمْ عندَ كلامِهم على مسألةِ: كشفِ الوجهِ عندَ الأجانبِ، ومسألةِ: النظرِ بلا مُوجِبٍ، يُوجِبونَ تغطيةَ المرأةِ لوجهِها:
ومِن أمثلةِ ذلك: ما يُقَرِّرُه الحنفِيَّةُ؛ كما قال أبو جعفَرٍ الطَّحَاوِيُّ عندَ الكلامِ على عورةِ السترِ في «شرح معاني الآثار» : «فأُبِيحَ للناسِ أن ينظُرُوا إلى ما ليس بمحرَّمٍ عليهم
مِن النساءِ؛ إلى وجوهِهِنَّ وأَكُفِّهِنَّ» (1)، وعندما يكونُ الكلامُ في سياقِ عورةِ النظرِ عندَ الحنفِيَّةِ فإنَّهم يُقَرِّرُون للمرأةِ حكماً يتعلَّقُ بها وبمَنْ يَلِيها، قال مُفْتِي الحنفِيَّةِ بدِمَشْقَ علاءُ الدِّينِ الحصكَفِيُّ في «الدر المختار»:«وتُمْنَعُ المرأةُ الشابَّةُ مِن كشفِ وجهِها بينَ الرجالِ» (2)، وقال الطَّحْطَاوِيُّ الحنفيُّ في «حاشيتِه»:«ومنعُ الشابَّةِ مِن كشفِ وجهِها لخوفِ الفتنةِ، لا لأنَّه عورةٌ» (3). انتهى.
ومِن ذلك: ما صنَعَه النوويُّ في «المجموع» عندَ كلامِه على عورةِ السترِ، فقَدِ استَثْنَى الوجهَ والكَفَّيْنِ (4)، قال الإمامُ الرمليُّ في «نهاية المُحْتَاج»:«وممَّنِ استَثْنَى الوجهَ والكفَّيْنِ: المصنِّفُ -النوويُّ- في «مجموعِه» ؛ لكنَّه فَرَضَه في الحُرَّةِ، ووجوبُ سترِهما في الحياةِ ليس لكونِهما عورةً؛ بل لكونِ النظرِ إليهما يوقِعُ في الفتنةِ غالباً» (5). انتهى.
(1)«شرح معاني الآثار» (4/ 332).
(2)
«الدر المختار» (1/ 438).
(3)
انظر: «حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح» (ص 241).
(4)
انظر: «المجموع» (3/ 174).
(5)
انظر: «نهاية المحتاج» (2/ 457).
وقال البيهقيُّ في «معرفة السُّنَنِ والآثار» ، لَمَّا ذكَرَ قولَ الشافعيِّ في جوازِ النظرِ لوجهِ المخطوبةِ وكَفِّها؛ لأنهما ليسَا بعورةٍ، قال:«وأمَّا النَّظَرُ -بغيرِ سببٍ مُبِيحٍ- لغيرِ مَحْرَمٍ، فالمنعُ منه ثابتٌ بآيةِ الحجابِ، ولا يجوزُ لهنَّ أن يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلا للمذكُورِينَ في الآيةِ مِن ذَوِي المحارمِ» (1).
وهكذا قال السُّبْكِيُّ: «الأقرَبُ إلى صنيعِ الأصحابِ: أنَّ وجهَها وكفَّيْها عورةٌ في النظرِ، لا في الصلاةِ» (2). انتهى.
ولهذا كان مذهبُ مالكٍ تحريمَ كشفِ المرأةِ لوجهِها عند وجودِ مَن ينظُرُ إليها في طريقِها، وجوازَه عندَ عدمِ وجودِ الناظِرِ؛ لأنَّه يفرِّقُ بين عورةِ السترِ وعورةِ النظرِ؛ قال ابنُ القَطَّانِ: «ويحتَمِلُ عندي أن يقالَ: إنَّ مذهبَ مالكٍ هو أنَّ نظَرَ الرجلِ إلى وجهِ المرأةِ الأجنبيَّةِ لا يجوزُ إلا مِن ضرورةٍ
…
والجوازُ للبُدُوِّ وتحريمُه مُرَتَّبٌ عندَه -أي: مالكٍ- على جوازِ النظرِ، أو تحريمِه؛ فكلُّ موضعٍ له فيه جوازُ النظر، فيه إجازةُ البُدُوِّ» (3). انتهى.
(1) انظر: «معرفة السنن والآثار» (10/ 23).
(2)
نقله عن الخطيبُ الشربيني في «مغني المحتاج» (4/ 209).
(3)
انظر: «النظر في أحكام النظر» (ص 50 - 51).
فمَنْعُهُما للكشفِ لا يلزَمُ منه أنْ يكونَ الوجهُ والكفَّانِ عندَهما عورةً، وعدمُ كونِ الوجهِ والكفَّيْنِ عندَهما عورةً، لا يلزَمُ منه كشفُهما.
وكثيراً ما تُبتَرُ أقوالُ الأئمَّةِ الفقهاءِ مِن المذاهبِ الأربعةِ، فيُؤخَذُ كلامُهم في عورةِ السترِ، وُيوضَعُ في عورةِ النظرِ؛ للتدليلِ على جوازِ السفورِ والتبرُّجِ! وسببُ ذلك إمَّا جهلٌ أو هوىً.
إشكالان:
الإشكالُ الأوَّلُ: يَسْتشكِلُ بعضُ الكُتَّابِ الجمعَ بينَ إطلاقِ بعضِ الفقهاءِ بقولِهم: «ويجوزُ له أَن ينظُرَ إلى وجهِها وكَفَّيْها» ، وبينَ إطلاقِهم:«يجبُ أنْ تَسْتُرَ وجهَها وكفَّيْها» ؛ فيَرَوْنَ أنَّ جوازَ النظرِ لازمٌ للكشفِ، كما يَحْسَبُون أنَّ السترَ لازِمٌ لعدمِ النظرِ.
الإشكالُ الثاني: يَسْتشكِلُ بعضُهم أمرَ اللهِ بغَضِّ البصَرِ، فهذا لازِمٌ لكشفِ الوجهِ؛ فكيفَ يؤمَرُ بغَضِّ البصرِ إلا لما هو موجودٌ؟!
وهذا الإشكالُ شبيهٌ بما سبقَ، وإنَّما يَرِدُ غالباً عندَ مَن لا يفرِّقُ بين عورةِ السترِ وعورةِ النظرِ؛ ولبيانِ