الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال الفرزدقُ:
تَرَى لِلْكُلَيْبِيَّاتِ وَسْطَ بُيُوتهِمْ
…
وُجُوهَ إِمَاءٍ لَمْ تَصُنْهَا البَرَاقِعُ (1)
مصطلحاتُ السترِ واللباسِ في الشريعةِ وفي لغةِ الفقهاء، ووجوبُ التفريقِ بينهما:
يَرِدُ في القرآنِ والسُّنَّةِ مِن معاني السترِ ألفاظٌ ومُصْطَلَحاتٌ عديدةٌ، تُشكِلُ على كثيرٍ مِن الناسِ، ورُبَّما استعمَلَ بعضُ الفقهاءِ بعضَ تلك المصطلحاتِ على معانٍ غيرِ مطابِقَةٍ لمعناها في الوحيِ، واستعمالُ المصطلحاتِ واسعٌ في العلومِ والفنونِ، ولكنْ يَجِبُ التفريقُ بين الاستعمالِ في لغةِ الشرعِ والاستعمالِ في لغةِ الفقهاءِ -فإنَّ اللغةَ تستوعِبُ ذلك كلَّه غالباً -حتى لا تتداخَلَ المعاني وتختلِطَ الأفهامُ في المرادِ بمصطلحِ الوحيِ، ومصطلحِ بعضِ الفقهاءِ، وتلك الألفاظُ عديدةٌ، منها:
الحِجَابُ:
يُستعمَلُ الحجابُ في الكتابِ والسُّنَّةِ بمعنى الحاجِزِ الساتِرِ بين شيئَيْن، ويكونُ مِن جدارٍ أو قُمَاشٍ أو خَشَبٍ، وليس هو في القرآنِ والسُّنَّةِ يُطْلَقُ على
(1)«ديوان الفرزدق» (ص 363).
معنىً مِن معاني اللباسِ أو اللُّبْس، وهو المرادُ في الآيةِ لأمهاتِ المؤمِنِين:{وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} [الأحزاب: 53]، ومِن هذا المعنى قولُه تعالى:{وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} [الشورى: 51]، وقولُه عن مَرْيمَ:{فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا} [مريم: 17]، وقولُه عن نبيِّه سليمانَ:{فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ} [ص: 32]، وقولُه عن قولِ الكفارِ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم:{وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ} [فُصِّلَت: 5]، وكذلك هو في السُّنَّةِ بمثلِ هذا المعنى، فليس هو لباساً يختَصُّ به أحدٌ، وإنما هو ساتِرٌ بين جهتَيْنِ أو شيئينِ:
فقد يُطْلَقُ في اللُّغَةِ على الفَصْلِ بين رجالٍ ورجالٍ؛ كما في حديثِ أَنَسٍ رضي الله عنه في» الصحيحين» في قصةِ موتِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال:«أومَأَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بِيَدِهِ إلى أبي بَكْرٍ أن يتقدَّمَ وأَرْخَى الحجابَ، فلم يُقْدَرْ عليه حتى ماتَ» (1).
وقد يُطْلَقُ على الفصلِ بين الرجالِ والنساءِ؛ كما في قولِ عُمَرَ رضي الله عنه في «الصحيح» : «يا رسولَ اللهِ! يدخُلُ
(1) أخرجه البخاري (681)، ومسلم (419).
عليكَ البَرُّ والفاجِرُ، فلو أَمَرْتَ أمهاتِ المؤمنينَ بالحجابِ! فأنزَلَ اللهُ آيةَ الحجابِ» (1).
وقد يُطلَقُ على ما يستُرُ موضعاً مِن مواضعِ الجسَدِ، وهو قليلٌ؛ كما في «الصحيح» مِن حديثِ أبي هريرةَ رضي الله عنه؛ قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (كُلُّ بَنِي آدَمَ يَطْعُنُ الشَّيْطَانُ فِي جَنْبَيْهِ بِإِصْبَعِهِ حِينَ يُولَدُ، غَيْرَ عِيسَى بنِ مَرْيَمَ؛ ذَهَبَ يَطْعُنُ فَطَعَنَ فِي الحِجَابِ)(2).
وهذا المعنى في هذا الحديثِ الواردِ في قصةِ عيسَى هو الذي غلَبَ في كلامِ المتأخِّرِينَ مِن الفقهاءِ والكُتَّاب؛ فيُطْلِقُون لفظَ: «الحجابِ» على ما يستُرُ البَدَنَ مِن اللباسِ، وخصَّصوه ببَدَنِ المرأةِ، ومنهم مَن يخصِّصُه جدّاً، فيجعَلُه ما يستُرُ الرأسَ والوجهَ، وهذا التخصيصُ مع عدمِ معارضَتِه لأصلِ لغةِ العربِ، إلا أنَّه غيرُ معروفٍ في لغةِ الكتابِ والسُّنَّةِ، ولا اصطلاحِ الصحابةِ، فلا بُدَّ مِن تمييزِ ذلك حتَّى لا تتداخَلَ المصطلحاتُ والاستعمالاتُ في
(1) أخرجه البخاري (402)، واللفظُ له، ومسلم (2399)؛ مختصراً.
(2)
أخرجه البخاري (3286)، واللفظُ له، ومسلم (2366)؛ بنَحْوِه.