الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الثاني: فصلُ قولِ الصحابيِّ في تفسيرِ القرآنِ عن مجموعِ أقوالِ الصحابةِ، وعدمُ جمعِها وتأليفِ بعضِها إلى بعضٍ لتُفْهَمَ، والأصلُ في أقوالِهم الاتفاقُ، وتفسيرُ بعضِها بعضاً.
الثالث: فصلُ قولِ الصحابيِّ عن أقوالِ تلامذَتِهِ وفتاواهم مِن التابِعِين، الذين لا يخرُجُون غالباً عن قولِه؛ فإنَّ أقوالَ التابِعِين تفسِّرُ أقوالَ شيوخِهم مِن الصحابةِ.
جمعُ الآياتِ الواردةِ في حجابِ المرأةِ وسَتْرِها، وبيانُ المرادِ منها:
جاء في القرآنِ في حجابِ المرأةِ وسترِها صريحاً خمسةُ مواضعَ، وذِكْرُها في سياقٍ واحدٍ مِن الامتثالِ لقولِ اللهِ تعالى:{اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ} [الزُّمَر: 23]؛ أي: يؤكِّدُ بعضُه بعضاً، ويُصَدِّقُ بعضُه بعضاً، والمرادُ: أنَّ اللهَ يذكُرُ حكمَهُ في أكثَرَ مِن موضعٍ مكرَّراً؛ وهذا يزيدُ في إحكامِه، ويرفَعُ اللبسَ الواردَ عليه بعباراتٍ وحروفٍ في موضعٍ ليست في الآخَرِ؛ وأما الآياتُ الصريحةُ في حجابِ المرأةِ وسترِها، فهي:
الآيةُ الأُولَى: قولُه تعالى للمؤمِنِين بشأنِ نساءِ
النبيِّ صلى الله عليه وسلم: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} [الأحزاب: 53].
تقدَّم الكلامُ على معنى الحجابِ في القرآنِ، وفي استعمالِ السَّلَفِ، ولا خلافَ عندَهم أنَّ المرادَ بالحجابِ في الآيةِ هو الفاصِلُ بين شيئَيْنِ مِن جدارٍ أو خشَبٍ أو سِتَارةٍ أو غيرِها، ومِن ذلك قولُه:{وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} [الشورى: 51]، وليس المرادُ بالآيةِ: اللباسَ الذي تَلْبَسُهُ النساءُ.
وهذا الاصطلاحُ استعمَلَه الفقهاءُ المتأخِّرُون حتى شاعَ، حتى فسَّرَ بعضُهم القرآنَ باصطلاحِ الفقهاءِ، وجعلَ الحجابَ -وهو اللباسُ الساتِرُ- جلباباً وخماراً خاصّاً بأمهاتِ المؤمِيين! فابتدَعَ شيئاً لم يَقُلْ به أحدٌ مِن السَّلَفِ؛ إذْ إنَّهم يفرِّقُون بين حَجْبِ الشخوصِ، وسترِ الأبدانِ بثيابٍ؛ فاللهُ نهى المؤمِنِين عنِ النظَرِ إلى أزواجِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ولو كُنَّ متستِّراتٍ لا تُرَى أظفارُهُنَّ، وأمَرَهُنَّ وأمرَهُم عندَ المحادَثَةِ أن يكونَ مِن وراءِ حائطٍ أو سِتَارٍ، حتى إنَّهن إنْ رَكِبْنَ الإبلِ وُضِعْنَ في هَوْدَجٍ، ثم حُمِلْن عليها.
وإنَّما شدَّدَ اللهُ على نساءِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم تعظيماً للنبيِّ صلى الله عليه وسلم، وبقيَّةُ النساءِ يدخُلْنَ في هذا الحكمِ، لكنْ حكمُهُنَّ أخَفُّ؛
لأنَّ التَّبِعةَ عليهنَّ وعلى أزواجِهِنَّ أيسَرُ، وهذه الآيةُ تدلُّ على تحريمِ الاختلاطِ ومجالسةِ الجنسَيْنِ بعضِهما لبعضٍ بلا ضرورةٍ؛ لأنَّه ذكرَ علةً مشتَرَكَة لكلِّ النساءِ:{ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} [الأحزاب: 53]، وقال بعمومِ هذه الآيةِ ابنُ جريرٍ الطَّبَرِيُّ، وابنُ عبدِ البَرِّ وغيرُهما (1).
وهذه الآيةُ جاءت في حكمِ الاحتجابِ عن الرجالِ في البيوتِ، ومثلُه التعليمُ والعمَلُ؛ لأنَّه يطولُ الحديثُ والقعودُ، فكانت آيةُ الحجابِ [الأحزاب: 53] مبيِّنةً لحكمٍ، وآيةُ الجلابيبِ [الأحزاب: 59] مبيِّنَةً لحكمٍ آخَرَ؛ وهو اللباسُ عند إرادةِ الخروجِ إلى الطُّرُقاتِ، والسُّوقِ، والمساجِدِ، وغيرِها.
الآيةُ الثانيةُ: قال تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب: 33].
أنزَلَ اللهُ هذه الآيةَ وصدَّر الأمرَ بها لنساءِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم؛
(1)«تفسير الطبري» (19/ 166)، و «التمهيد» لابن عبد البر (8/ 236).
لمكانةِ بيتِ النبوَّةِ في المسلِمِين وعلوِّ منزلَتِهم، وكونِهم قدوةً للناسِ في الدِّينِ، وهذه الآيةُ كسابقَتِها في التشديدِ على أزواجِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ودخولِ غيرِهِنَّ، مع أنَّ غيرَهُنَّ أخفُّ وأيسرُ، واستَثْنَى خروجَ الحاجاتِ؛ فما نهاهُنَّ اللهُ عن الكلامِ مع الرجالِ لورودِ الحاجةِ؛ ولكنْ نَهَاهُنَّ عن الخضوعِ بالقولِ.
وهذه الآيةُ تدلُّ على مباعَدةِ مواضعِ النساءِ عن الرجالِ؛ كما صحَّ عن مجاهِدِ بنِ جَبْرٍ في تفسيرِه لتبرُّجِ الجاهليةِ: «كانَتِ المرأةُ تخرُجُ تَمْشِي بين يدي الرجالِ، فذلك تبرُّجُ الجاهليةِ (1)، وقد ذكَرَ مقاتِلُ بنُ حَيَّانَ: أنَّ تبرُّجَ الجاهليةِ أنهنَّ كُنَّ يضَعْنَ الخمارَ على رؤوسِهِنَّ ولا يَشْدُدْنَه (2).
ورُوِيَ عن بعضِ السلفِ -كابنِ عباسٍ رضي الله عنهما أنَّ تبرُّجَ الجاهليةِ الأُولَى كان بين نُوحٍ وإدريسَ (3)، وقال عكرمةُ: هي زَمَنَ ولادةِ إبراهيمَ (4)، ورُوِيَ أنَّها بعدَ ذلك (5).
(1) أخرجه عبد الرزاق في «تفسيره» (2/ 116)، وابنُ سعد في «الطبقات الكبير» (10/ 189).
(2)
سبق تخريجه (ص 60).
(3)
سبق تخريجه (ص 61).
(4)
أخرجه ابن سعد في «الطبقات الكبير» (10/ 189 و 190).
(5)
انظر: «تفسير ابن جرير» (19/ 97 - 98).
ولو كان بعدَ نوحٍ تبرُّجٌ عامٌّ أشدُّ مِن هذا، لذكَرَهُ اللهُ مثالاً لسوئِه.
وقد قال بعمومِ هذه الآيةِ على نساءِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وغيرِهن جماعةٌ؛ كالجَصَّاصِ، وابنِ كثيرٍ (1)، وغيرِهما؛ ويدلُّ على ذلك أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يُبايِعُ النساءَ على عدمِ التبرُّجِ تبرُّجَ الجاهليةِ الأُولَى؛ كما صحَّ في «المسنَد» لَمَّا بايَعَتْهُ أُمَيْمةُ بنتُ رُقَيْقةَ كان مما قال لها:(وَلَا تَبَرَّجِي تَبَرُّجَ الجَاهِلِيَّةِ الأُولَى)(2)؛ وله شاهِدٌ عنِ ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما؛ أخرَجَه الطبرانيُّ (3).
ولكنْ كُلَّما كان الرجُلُ أكثَرَ قدوةً مِن غيرِه في الناسِ مِن العلماءِ والمصلِحِين والأُمَراءِ، وجَبَ أن تكونَ نساؤهم أكثَرَ سَتْراً؛ لأنَّ الناسَ تقتَدِي بكُبَرائِها، فيأخُذُون أجورَ مَن تَبِعَهم بخيرٍ، ويأخُذُون إثمَ مَن تَبِعَهم بسوءٍ وشَرّ
الآيةُ الثالثةُ: قال تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ
(1) انظر: «أحكام القرآن» (5/ 259)، و «تفسير ابن كثير» (11/ 150)
(2)
أخرجه أحمد في «مسنده» (2/ 196 رقم 6850)، وابن جرير في «تفسيره» (22/ 597).
(3)
أخرجه الطبراني في «الكبير» (11/ 264 رقم 11688).
يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الأحزاب: 59].
وهذه الآيةُ وا لآيتانِ بعدَها [النور: 31، 60] هي أصرَحُ الآياتِ وأوضَحُهُنَّ في حجابِ نساءِ المؤمِنِينَ عامَّةً؛ فهي لـ (نساءِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، و (بناتِه)، و (نساءِ المؤمِنِين)، أمَرَهُنَّ اللهُ أنْ يُدْنِين عليهن مِن جلابِيبِهِنَّ، وقد تقدَّمَ تعريفُ الجلابيبِ، وأنَّها ما يكونُ مِن لباسٍ فَضْفاضٍ فوقَ الخمارِ يستوعِبُ أعلَى البدنِ ووَسَطَه، ويُسْدَلُ فيُغَطَّى به الوجهُ والصدرُ؛ ففي «الصحيحين» ، مِن حديثِ عائشةَ رضي الله عنها، قالت:«فَخَمَّرْتُ وَجْهِي بِجِلْبَابِي» (1).
والجِلْبابُ قريبٌ مِن العَبَاءةِ اليومَ، لكنَّها غيرُ مفصَّلةٍ، وهو القِنَاعُ والمُلَاءةُ، والجِلْبابُ ليس غطاءً خاصّاً بالوجهِ وحدَه، ولكنَّه للوجهِ وغيرِه؛ ولذا قال:{يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ} ؛ يعني: تأخُذُ شيئاً مِن جلبابِها وتُنْزِلُه على وجهِها، والإدناءُ مِنَ الدُّنُوِّ وهو القُرْبُ، ويكونُ مِن مكانٍ عالٍ أو مُوَازٍ، والدُّنُوُّ نزولٌ؛ فيُسَمَّى أسفلُ الشيءِ وأقرَبُه: أدناهُ، ويقالُ للنازلِ الهابطِ بالنسبةِ للعالي: أدْنَى ودَانٍ؛ كما في قولِه: {فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ} [الروم: 3].
(1) سبق تخريجه (ص 52).
والأمرُ في الآيةِ هو لتغطيةِ المرأةِ وجهَها، فالجلبابُ في الأعلَى، فأُمِرَتْ أن تُنزِلَهُ على وجهِها وتُرْخِيَه عليه؛ قال الزمخشريُّ:«يقالُ إذا زَلَّ الثوبُ عن وجهِ المرأةِ: أَدْنِي ثوبَكِ على وجهِكِ» (1).
ويدلُّ على أنَّ الإدناءَ في الآيةِ يتضَمَّنُ القربَ مِن عُلُوٍّ: قولُ ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما: «يُدْلِينَ عليهنَّ مِن جلابِيبِهِنَّ» ؛ كما عندَ الشافعيِّ والبيهقِيِّ (2)؛ ففسَّرَ (الإدناءَ) بـ (الإدلاءِ)، والإدلاءُ يكونُ مِن الشيءِ العالي؛ ومنه قولُه:{عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (6) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى (7) ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} [النجم: 5 - 9]، وهو قُرْبُ جبريلَ مِن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فكان عالياً ثم دَنَا فتدَلَّى إليه، ومنه سُمِّيَ الدَّلْوُ دَلْواً؛ لأنَّه يُدْلَى به مِن عُلْوٍ إلى أسفَلِ البِئْرِ.
وقد فَسَّرَ إدناءَ الجلابيبِ بتغطيةِ الوجهِ في هذه الآيةِ وغيرِها مِن السُّنَّةِ والأثَرِ جماعةٌ مِن الصحابةِ؛ صحَّ عن
(1) انظر: «تفسير الزمخشري» (3/ 560).
(2)
أخرجه الشافعي في «الأم» (3/ 370)، وفي «مسنده» (1/ 303 رقم 788)، ومِن طريقِه البيهقيُّ في «معرفة السنن» (7/ 141 - 142).
ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما، وعائشةَ رضي الله عنها، ومِن التابِعِين: عن عَبِيدةَ السَّلْمانيِّ، ومحمَّدِ بنِ سِيرِينَ، وابنِ عَوْنٍ، ولا أعلَمُ أحداً مِن الصحابةِ صحَّ عنه خلافُ هذا المعنى.
أما ما جاء عنِ ابنِ عباسٍ، فقولُه:«أمَرَ اللهُ نساءَ المؤمِنِين إذا خَرَجْنَ مِن بيوتِهِنَّ في حاجةٍ أنْ يُغطِّينَ وجوهَهُنَّ مِن فوقِ رؤوسِهِنَّ بالجلابيبِ، ويُبْدِين عيناً واحدةً» ، أخرَجَهُ ابنُ جريرٍ وابنُ أبي حاتِمٍ عن عليِّ بنِ أبي طلحةَ، عنِ ابنِ عبَّاسٍ (1)؛ وهي صحيفةٌ قوَّاها أحمدُ، واحتج بها البخاريُّ (2).
وأما ما جاء عن عائشةَ، فقولُها:«تَسْدُلُ المرأةُ جلبابَها مِن فوقِ رأسِها على وجهِها» (3)؛ أخرَجَه سعيدُ بنُ منصورٍ في «سُنَنِه» بسندٍ صحيحٍ.
وأما ما جاء عن عَبِيدةَ السَّلْمانيِّ، فما رواه ابنُ عونٍ،
(1) أخرجه ابن جرير في «تفسيره» (19/ 181)، وابن أبي حاتم، كما في «الدر المنثور» (12/ 141)، مِن طريقِ عليِّ بن أبي طلحةَ، عن ابن عباس.
(2)
انظر: «فتح الباري» (8/ 438 - 439).
(3)
أخرجه سعيدُ بن منصور في «سننه» ، كما في «فتح الباري» (3/ 406).
عن محمَّدِ بنِ سيرينَ، قال: سألتُ عَبيدةَ السَّلْمانيَّ عن قولِ اللهِ تعالى: {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ} [الأحزاب: 59]؛ فغَطَّى وجهَهُ ورأسَهُ وأبرَزَ عينَه اليُسْرَى؛ وبهذا فسَّرَه ابنُ سيرينَ وابنُ عَوْنٍ؛ رواه ابنُ جريرٍ (1).
وعلى هذا كان عَمَلُ نساءِ الصحابةِ جميعاً في الصدرِ الأوَّلِ، كما في «الصحيحين» ، مِن حديثِ حفصةَ بنتِ سِيرِينَ، عن أُمِّ عَطِيَّةَ وغيرِها: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا أَمَرَ بحضورِ النساءِ للعيدَيْنِ، سُئِلَ: أعَلَى إحدانا بأس إذا لم يكنْ لها جِلْبابٌ ألَّا تَخْرُجَ؟ قال: (لِتُلْبِسْهَا صَاحِبَتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا، وَلْتَشْهَدِ الخَيْرَ وَدَعْوَةَ المُسْلِمِينَ)(2).
ويستَشْكِلُ بعضُهم ما جاء في الآيةِ الرابعةِ، وهي قولُه تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ
(1) أخرجه ابن جرير في «تفسيره» (19/ 181 و 182).
(2)
أخرجه البخاري (324)، ومسلم (890).
بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ} [النور: 31].
ومَن لم يَعْرِفْ أزمنةَ نزولِ آياتِ الحجابِ، ولم يَجْمَعْ أقوالَ الصحابةِ في آياتِ الحجابِ والسَّتْرِ بعضَها إلى بعضٍ، وينظُرْ في مذاهِبِهم فيما تعلَّقَ ببابِ لباسِ المرأةِ وسترِها وحجابِها -: أشكَلَ عليه ذلك، وضَرَبَ بعضَها ببعضٍ، على ما تقدَّمَ بيانُه؛ فآياتُ الحجابِ في سورةِ النُّورِ والأحزابِ لم تَنْزِلْ دَفْعَةً واحدةً، وأقوالُ الصحابةِ في التفسيرِ تتنوَّعُ حسَبَ الحالاتِ والمواضِعِ ولا تتعارَضُ، ومِن بابِ أَوْلَى أقوالُ الصحابيِّ في المسألةِ الواحدةِ، كما تقدَّمَ.
فاللهُ تعالى ذكَرَ في الآيةِ الزِّينةَ، وجعلَها إجمالاً على نوعَيْن:
الأوَّل: الزِّينةُ الباطِنةُ، التي يكونُ الأصلُ فيها عدمَ الظهورِ، وهذا في قولِه:{وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} ، ثم أتبَعَها بالاستثناءِ.
الثاني: الزينةُ الظاهرةُ، التي تظهَرُ لمن خَصَّهُم اللهُ بها، بقولِه:{وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} ، وبعضُ الناظِرِين لتفسيرِ السلفِ لقولِه:{إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} يَحْمِلُ تفسيرَهم أنَّهنَّ يُظْهِرْنَهُ للأجانبِ غيرِ
المحارِمِ، فيَنْقُلُون عن جماعةٍ مِن الصحابةِ والتابِعِين قولَهم في:{إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} أنَّه: الكَفُّ والوَجْهُ؛ كما رُوِيَ عنِ ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما، وابنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، والضَّحَّاكِ، أو: الكُحْلُ والخِضَابُ والخَاتَمُ؛ كما رُوِيَ عنِ ابنِ عباسٍ، ومجاهِدٍ، وابنِ جُبَيْرٍ، أو: الكُحْلُ والخاتَمُ؛ كما رُوِيَ عن أنَسٍ رضي الله عنه، أو: الخِضَابُ والكُحْلُ؛ كما رويَ عن عطاءٍ، أو: الكُحْلُ؛ كما رُوِيَ عن الشَّعْبِيِّ، وقتادةَ، أو: الوجهُ والثيابُ؛ كما رُوِيَ عن الحسَنِ، وقتادةَ، أو: الوجهُ وثُغْرةُ النَّحْرِ؛ كما جاء عن عِكْرِمةَ، أو: الكُحْلُ والثيابُ؛ كما جاء عن الشَّعْبيِّ؛ وما سبقَ أصَحُّ ما جاء عن الصحابةِ والتابِعِين مِن تفسيرِ آيةِ الزِّينةِ (1).
وكلامُ هؤلاءِ السلفِ كلُّه في الزينةِ الظاهرةِ للمحارِمِ مِن النَّسَبِ والرَّضَاعِ، وليستْ للأجانِبِ، ولمَّا كثُرَ السُّفُورُ والتعرِّي اليومَ يَسْتثقِلُ بعضُ الناسِ هذا الفهمَ، وهذا مِن أثرِ الواقعِ على النفوسِ؛ فإنَّ الصحابةَ والتابعينَ كانُوا على
(1) انظر هذه الآثارَ في: «تفسير عبد الرزاق» (2/ 56)، و «مصنف ابن أبي شيبة» (17281 - 17300)، و «تفسير ابن جرير» (17/ 258 - 261)، و «تفسير ابن أبي حاتم» (8/ 2574 - 2575).
قَدْرٍ شديدٍ مِن العفافِ والسترِ، حتَّى إنَّهم قَلَّما يَسْأَلُون عما تُبْدِيه الحُرَّةُ للرجلِ الأجنبيِّ.
ويوضِّحُ أنَّ مرادَ الصحابةِ والتابِعِينَ بكشفِ الزينةِ الظاهرةِ: للمحارمِ لا الأجانبِ، نصوصُهم الأُخْرَى ونصوصُ غيرِهم الصريحةُ في ذلك؛ فهي لا تَتَّفِقُ وتجتَمِعُ إلا على هذا المعنى؛ وذلك مِن أربعةِ أوجُهٍ:
الوجهُ الأوَّلُ: أنَّ جميعَ مَن صحَّ عنه تفسيرُ الزينةِ الظاهرةِ في آيةِ النُّورِ: {إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} قد صَحَّ عنه ما يؤيِّدُ حملَ تفسيرِهِ على تخصيصِهِ للمحارِمِ صريحاً أو قرينةً قويةً في موضِعٍ آخَرَ:
- أما عبدُ الله بنُ عبَّاسٍ: فصحَّ عنه أنَّه قال: «الزينةُ الظاهرةُ: الوجهُ، وكُحْلُ العينِ، وخِضَابُ الكفِّ، والخاتَمُ، فهذا تُظْهِرُه في بيتِها لمن دخَلَ عليها» ، ثم قال صريحاً:
{وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ} ، والزينةُ التي تُبْدِيها لهؤلاءِ الناسِ: قُرْطَاها، وقِلَادَتُها، وسوارَاها، فأمَّا
خَلْخَالُها، ومِعْضَدَتُها، ونحرُها، وشعرُها، فلا تُبْدِيه إلا لزَوْجِها»؛ أخرَجَه البيهقيُّ عن عليٍّ، عنِ ابنِ عباسٍ، وهو صحيحٌ (1).
وصحَّ عنِ ابنِ عباسٍ أيضاً لَمَّا ذكَرَ المَحارِمَ: «الزِّينةُ التي تُبْدِيها لهؤلاءِ: قُرْطَاها وقِلَادَتُها، وسِوَارَاها، وأما خَلْخَالَاها ومِعْضَدَاها ونَحْرُها وشعرُها، فإنَّها لا تُبْدِيه إلا لزَوْجِها» ؛ أخرَجَه ابنُ جَرِيرٍ عن عليٍّ، عن ابنِ عباسٍ (2)، وعلى هذا اتَّسَقَ جميعُ تفسيرِ ابنِ عباسٍ وأقوالِه في كلِّ أبوابِ الفِقْه؛ كالحَجِّ، وآيَةِ الأحزابِ، وفي آيَةِ القواعِدِ -العجائِزِ-: فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ} [النور: 60] قال: «الجلابِيب» (3)، وهي التي على الشابَّةِ، كما صَحَّ عنِ ابنِ عباسٍ قولُه: «أمَرَ اللهُ نساءَ المؤمِنِين إذا خَرَجْنَ مِن بيوتِهِنَّ في حاجةٍ أن يُغَطِّينَ وجوهَهن مِنْ فوقِ
(1) أخرجه ابن جرير في «تفسيره» (17/ 259)، وابن أبي حاتم في «تفسيره» (8/ 2576)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (7/ 94).
(2)
أخرجه ابن جرير في «تفسيره» (17/ 264 و 267).
(3)
أخرجه أبو عبيد في «فضائل القرآن» (ص 307)، وابن جريرٍ في «تفسيره» (17/ 360)، وابن أبي حاتم في «تفسيره» (8/ 2641)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (7/ 93).
رؤوسِهِنَّ بالجلابيبِ، وُيبْدِينَ عَيْناً واحدةً» (1)، وصحَّ عنه أيضاً قولُه:«تُدْلِي الجلبابَ على وجهِها» (2).
وجميعُ أصحابِ ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما الذين رُوِيَ عنهم ما يشابِهُ قولَه، لم يكونُوا يَسْأَلُونَ عن غيرِ المَحارِمِ، والسؤالُ عنهم غيرُ واردٍ؛ لوضوحِه وجَلَائِه، وقد كانُوا على نوعٍ مِن العفافِ والسَّتْرِ شديدٍ، فيُطْلِقُونَ إطلاقاتٍ لا يَفهَمُها مَن تأثَّرَ بواقعِ السفورِ والتعرِّي، حتى أصبحَ مِن النساءِ مَن تلبَسُ عندَ الأجانبِ ما لا تلبَسُهُ نساءُ السلفِ عندَ أَبِيها وأَخِيها وابْنِها، ومَن جمَعَ أقوالَ أُولئِكَ السلَفِ المفسِّرِينَ للزِّينةِ مِن أبوابِ السترِ والعوراتِ، ظهَرَ له مرادُهم جليّاً:
- فأمَّا سعيدُ بنُ جُبَيْرٍ، فصَحَّ عنه: أنَّ تخفيفَ اللهِ عن القواعِدِ -العجائزِ- هو وضعُ الجلابيبِ فقط، قال سعيدُ بنُ جُبَيْرٍ:«لا تتَبَرَّجْنَ بوضعِ الجلبابِ؛ أَن يُرَى ما عليها مِن الزِّينةِ» (3)، والجلابيبُ: هي ما يستُرُ الوجوهَ كما تقدَّمَ بيانُه، فإنْ كانَتْ هذه هي الرخصةَ عند سعيدِ بنِ جُبَيْرٍ للعجوزِ، فهي ليست رخصةً للشابَّةِ، وقد أجمَعَ العلماءُ:
(1) سبق تخريجه (ص 101).
(2)
سبق تخريجه (ص 70).
(3)
أخرجه ابن أبي حاتم في «تفسيره» (8/ 2642).
أنَّه لا يحِلُّ للعجوزِ إظهارُ شعرِها؛ حَكَى الإجماعَ: الجَصَّاصُ وابنُ حزمٍ (1).
- وأمَّا عطاءُ بنُ أبي رَبَاحٍ، فقد صحَّ عنه تفضيلُه سترَ الشعرِ عن المحارِمِ، فقد قال في الرجُلِ يرى مِن النساءِ -مِمَّا يحرُمُ عليه نكاحُهُنَّ- رؤوسَهُنَّ:«يَستَتِرْنَ أحبُّ إليَّ، وإنْ رأى فلا بأسَ» ؛ أخرجَه ابنُ أبي شيبةَ، عن عبدِ الملِكِ، عن عطاءٍ، وهو صحيحٌ (2).
ثمَّ إنَّه قد صَحَّ عن عطاءٍ ما صحَّ عن سعيدِ بنِ جُبَيْرٍ في العجوزِ؛ أنَّها تضَعُ جلبابَها، والجلبابُ: ما على الوجهِ.
- وأمَّا مجاهِدُ بنُ جَبْرٍ، فصحَّ عنه أنَّه لا يرى وضعَ الخمارِ عند المرأةِ الكافرةِ؛ فكيف يُحمَلُ قولُه في الزِّينةِ الظاهرةِ:«الخَاتَمُ والخضابُ والكُحْلُ» أنَّها للرجالِ الأجانبِ مشرِكِين ومسلِمِين؟! فقد روَى لَيْثٌ عن مجاهِدٍ قال: «لا تَضَعِ المسلمةُ خمارَها عندَ مُشرِكَةٍ،
(1) انظر: «أحكام القرآن» للجصاص (5/ 196)، و «المحلى» لابن حزم (10/ 32).
(2)
أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (17566).
ولا تَقْبَلْها (1)؛ لأنَّ اللهَ تعالى يقولُ: {أَوْ نِسَائِهِنَّ} ؛ فليس مِن نسائِهِنَّ»؛ رواه البيهقيُّ عنه (2)، وروايةُ ليثٍ عن مجاهِدٍ كتابٌ ونُسْخةٌ؛ ذكَرَه ابنُ حِبَّانَ (3).
وقد صَحَّ عن مجاهِدٍ -كما صَحَّ عن سعيدِ بنِ جُبَيْرٍ، وعطاءٍ- في العجوزِ، وأنَّ اللهَ رخَّص لها بوضعِ جلبابِها (4)، وهذه خَصِيصةُ العَجُوزِ عندَه عن الشابَّةِ.
- وأما قولُ عامِرٍ الشَّعْبيِّ: «الكُحْلُ والثِّيَابُ» ، وقولُ عكرمةَ مولَى ابنِ عباسٍ:«الوَجْهُ وثُغْرَةُ النَّحْرِ» ، فقد صحَّ عنهما أنَّهما كانا يَنْهَيَانِ أن تضَعَ المرأةُ خمارَها عند عَمِّها وخالِها، خلافاً لجمهورِ العلماءِ؛ فكيفَ يُحمَلُ قولُه في:{وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} : أنَّ المرأةَ تُبْدِي وجهَها ونَحْرَهَا وكُحْلَها للأجانبِ الأبعَدِينَ، وهما
(1) يُقال: قَبِلَتِ القابِلةُ المرأةَ تَقْبَلُها قِبالةً وقِبالاً: تَلقَّتِ الولَدَ مِن بطنِ أمِّه عند الوِلادة. «تاج العروس» (30/ 209).
(2)
أخرجه سعيد بن منصور ف «سننه» (1576 /التفسير)، ومِن طريقِه البيهقيُّ في «السنن الكبرى» (7/ 95).
(3)
انظر: «الثقات» (7/ 331).
(4)
أخرجه سعيد بن منصور في «سننه» (1617 /التفسير)، وابن جرير في «تفسيره» (17/ 361 و 363 و 364). وهو في «تفسير مجاهد» (2/ 444).
يُشَدِّدَانِ في المحارِمِ غيرِ المَذْكُورِينَ في الآيةِ؟! فقد رَوَى داودُ، عن الشعبيِّ وعكرمةَ، في قولِه:{وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ} ، حتى فَرَغَ منها؛ قالا:«لم يَذْكُرِ العَمَّ والخالَ؛ لأنَّهما يَنْعَتانِ لأبنائِهما، وقالا: لا تَضَعْ خمارَها عندَ العَمِّ والخَالِ» ؛ أخرَجَه ابنُ أبي شيبةَ وابنُ جَرِيرٍ وابنُ المُنْذِرِ (1).
ويَعْضُدُ هذا ما رواه جابِرٌ عن عامِرٍ الشَّعْبيِّ؛ أنَّه كَرِهَ أن ينظُرَ إلى شعرِ كلِّ ذي مَحْرَمٍ؛ أخرَجَه ابنُ أبي شيبةَ (2).
ثمَّ إنَّه قد صحَّ عن الشعبيِّ ما صحَّ عنِ ابنِ جُبَيْرٍ وعطاءٍ ومجاهِدٍ في العجوزِ (3).
- وأمَّا الحسَنُ البَصْرِيُّ: فإنَّه لا يَرَى أن يَرَى الأخُ أُخْتَه بلا خمارٍ على رأسِها؛ فقد صحَّ عن هشامٍ، عن
(1) أخرجه ابن أبي شيبة في (مصنفه)(17580)، ومِن طريقِه ابنُ المنذِر؛ كما في «تفسير ابن كثير» (10/ 220)، وابن جرير في «تفسيره» (19/ 173).
(2)
أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (17569).
(3)
أخرجه ابن جرير في «تفسيره» (17/ 363).
الحسَنِ؛ في المرأةِ تضَعُ خمارَها عندَ أَخِيها؟ قال: «واللهِ ما لها ذَاكَ» ؛ أخرَجَه ابنُ أبي شيبةَ، وهو صحيحٌ (1)؛ وهذا دليلٌ أنه يقصِدُ المحارِمَ، وما كانوا يَسْأَلُونَ ولا يَقْصِدُونَ غيرَهم لشِدَّةِ وَرَعِهم.
وقد صحَّ عنِ الحسَنِ البصريِّ، مثلُ ما صحَّ عند ابنِ جبيرٍ وعطاءٍ ومجاهِدٍ والشعبيِّ في العجوزِ، وأنَّ اللهَ خَصَّها بوضعِ الجلبابِ (2).
- وأمَّا الضَّحَّاكُ، فيدلُّ على أنَّه يتكلَّمُ عن المحارِمِ: ما رواه مُزَاحِمٌ عنه أنَّه قال: «لو دخَلْتُ على أُمِّي، لقُلْتُ: غَطِّي رأسَكِ» ؛ أخرَجَه ابنُ أبي شيبةَ (3).
- وأمَّا قتادةُ، فصَحَّ عنه ما صَحَّ عند ابنِ جُبَيْرٍ وعطاءٍ ومجاهدٍ والشعبيِّ والحسَنِ في العجوزِ (4).
وعلى هذا المعنى لم يخرُجْ واحدٌ مِن أصحابِ ابنِ عباسٍ وغيرِهم مِن التابِعِين؛ فقد صحَّ عن عكرمةَ
(1) أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (17568).
(2)
أخرجه عبد الرزاق في «تفسيره» (2/ 63)، وابن أبي حاتم في «تفسيره» (8/ 2641 - 2642)
(3)
أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (17574 و 17576).
(4)
أخرجه ابن أبي حاتم في «تفسيره» (8/ 2640).
وأبي صالحٍ: «أنَّ الزِّينةَ الظاهرةَ: ما فوقَ الدِّرْعِ» (1)، والدِّرْعُ: ثوبُ البيتِ لا ثوبُ الخروجِ كما هو معروفٌ؛ لأنَّ الدِّرْعَ يظهَرُ معه الشعرُ والنَّحْرُ، وهو محرَّمُ الكشفِ للأجانبِ بالإجماعِ.
وصح تفسيرُ الزينةِ الظاهرةِ أيضاً بالدِّرْعِ عن إبراهيمَ النخعيِّ (2).
وصحَّ عن طاوسٍ: ما كان أكرَهَ إليه مِن أن يَرَى عورةً مِن ذاتِ مَحْرمٍ، قال: وكان يَكْرَهُ أنْ تَسلَخَ خمارَها عندَه؛ رواه عبدُ الرَّزَّاقِ، عن مَعْمَرٍ، عنِ ابنِ طاوسٍ، عن أَبِيه، وهو صحيحٌ (3).
- وأمَّا عبدُ الله بنُ عُمَرَ، فإنَّه قد صحَّ عنه أنَّه جعَلَ ما استَثْناه اللهُ للعجوزِ أن تكشِفَه هو جِلْبَابَها (4)، ويتَّفِقُ العلماءُ أنْ لا خَصِيصةَ للعجوزِ في ذلك، فبَقِيَ جلبابُ الوجوهِ على الشابَّةِ، ولا يليقُ بفقهِ الصحابةِ ولا بعقولِهم
(1) أخرجه ابنُ أبي شيبة في «مصنفه» (3/ 383).
(2)
أخرجه ابنُ أبي حاتم (10/ 109)، والطحاويُّ في «شرح معاني الآثار» (4/ 332)؛ بسندٍ صحيحٍ.
(3)
أخرجه عبد الرزاق في «مصنفه» (12831).
(4)
أخرجه سعيد بن منصور في «سننه» (1616 /التفسير)، وابن أبي حاتم في «تفسيره» (8/ 2641).
وفهمِهم، أنْ تُضرَبَ أقوالُهم بعضُها ببعضٍ في البابِ البَيِّنِ الواضِحِ؛ كحجابِ المرأةِ ولباسِها.
وعلى هذا الجمعِ بوَّب البيهقيُّ في «سننه» فقد ترجَمَ على تفسيرِ ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما لقولِه تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31]، فقال:«باب: ما تُبْدِي المرأةُ مِن زينَتِها للمَذْكُورِين في الآيةِ مِن محارِمِها» ، ثم أورَدَ قولَ ابنِ عباسٍ الذي فيه:«والزِّينةُ الظاهرةُ: الوجهُ وكُحْلُ العينِ وخِضَابُ الكَفِّ والخاتَمُ؛ فهذا تُظْهِرُه في بيتِها لمن دخَلَ عليها» (1).
ونصَّ على هذا ابنُ عبدِ البرِّ؛ فجعَلَ كشفَ الزينةِ وإظهارَها للمحارمِ لا للأجانبِ، فقال:«إنَّ ذَوِي المحارِمِ مِن النَّسَبِ والرضاعِ لا يُحتجَبُ منهم ولا يُستتَرُ عنهم إلا العَوْراتُ، والمرأةُ فيما عدَا وجهَها وكَفَّيْها عورةٌ» (2).
ومَن نظَرَ إلى تفسيرِ بقيةِ الصحابةِ في ذلك، وجَدَ أنه يتطابَقُ مع هذا المعنى ويوافِقُه؛ كما صحَّ عن عبدِ الله بنِ مسعودٍ رضي الله عنه؛ أنَّ الزينةَ الظاهرةَ: الثيابُ (3)، وعلى هذا
(1) سبق تخريجه (ص 105 - 106).
(2)
انظر: «التمهيد» (8/ 236).
(3)
أخرجه عبد الرزاق في «تفسيره» (2/ 56)، وسعيد بن منصور=
جميعُ أصحابِه وغيرُهم مِن العراقِيِّين؛ كأبي الأحوَصِ والنَّخَعِيِّ والحسَنِ وابنِ سِيرِينَ وغيرِهم (1)، وقال به مجاهدٌ (2)، ومرادُه بالثيابِ: التي تكونُ تحتَ الجلبابِ مما على الثيابِ الداخليةِ مِن زخرفةٍ وزينةٍ، فالجلبابُ يستُرُ زينةَ الملابسِ التي تحتَه ممّا يُلبَسُ في البيوتِ عادةً، فللمحارمِ رؤيةُ ذلك؛ لأنَّ الزينةَ تكونُ بالثيابِ كما في قولِه تعالى:{خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: 31]؛ يعني: زينةَ ثيابِكم؛ وبهذا فسَّرَ أبو إسحاقَ السَّبِيعِيُّ قولَ ابنِ مسعودٍ رضي الله عنه؛ فقد تَلَا هذه الآيةَ: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} لَمَّا روى تفسيرَ ابنِ مسعودٍ، عن أبي الأحوَصِ، عنه (3).
= في «سننه» (1569 /التفسير)، وابن أبي شيبة في «مصنفه» (17282 و 17296)، وابن جرير في «تفسيره» (17/ 256 و 257)، وابن أبي حاتم في «تفسيره» (8/ 2573 و 2574)، وغيرهم.
(1)
انظر: «سنن سعيد بن منصور» (1571)، و «مصنف ابن أبي شيبة» (17285 و 17289 و 17293)، و «تفسير ابن جرير» (17/ 257).
(2)
أخرجه ابن أبي حاتم في «تفسيره» (8/ 2574).
(3)
انظر: «تفسير عبد الرزاق» (2/ 56)، و «تفسير ابن جرير» (17/ 257).
الوجهُ الثاني: أنَّ فِقْهَ السلفِ في غيرِ التفسيرِ في بقيةِ أبوابِ السترِ والنظَرِ، دالٌ على هذا المعنى؛ فقد صحَّ عنِ ابنِ شهابٍ الزُّهْرِيِّ قولُه:«لا بأسَ أن ينظُرَ الرجلُ إلى قُصَّةِ المرأةِ مِن تحتِ الخمارِ، إذا كان ذا مَحْرَمٍ، فأمَّا أنْ تسلَخَ خمارَها عندَه، فلا» (1).
وقال الزهريُّ أيضاً في المرأةِ تسلَخُ خمارَها عند ذي مَحْرَمٍ: «أمَّا أنْ يَرَى الشيءَ مِن دونِ الخمارِ، فلا بأسَ، وأمَّا أن تسلَخَ الخمارَ، فلا» ؛ أخرجَه عبدُ الرَّزَّاقِ عن مَعْمَرٍ، عنه، وهو صحيحٌ (2).
ومَن جَمَعَ أقوالَ السلَفِ في جميعِ الأبوابِ، ونظَرَ فيها في سياقٍ واحدٍ، أدرَكَ حجمَ وَرَعِهم وتحفُّظِ نسائِهم، وأدركَ أنهم يَدُورون في دائرةٍ أُخرى مِن العِفَّةِ والاحتياطِ على غيرِ ما يحمِلُه كثيرٌ مِن الكُتَّابِ عنهم؛ فإنَّهم لا يريدونَ مِن معنى الزينةِ التي تتعلَّقُ بالوجهِ وما حولَه للأجانبِ الأبعَدِين، وهم لا يختَلِفُون في جوازِ كشفِ المرأةِ لوجهِها للأقرَبِين، ولا يخوضونَ في ذلك؛ وإنَّما يذكُرُون الوجهَ اختصاراً لإجازةِ زينَتِه تبغاً مِن الكُحْلِ والقُرْطِ، ويذكُرُون
(1) أخرجه عبد الرزاق في «مصنفه» (12829).
(2)
أخرجه عبد الرزاق في «مصنفه» (12830).
اليَدَ اختصاراً ليدخُلَ فيها زينَتُها مِن الخاتَمِ والخضابِ والسِّوَارِ، ولا يَعْنُون الوجهَ بذاتِه، ولا اليدَ بذاتِها؛ ومَن نظَرَ في مجموعِ تفسيرِهم، أدرَكَ ذلك يقيناً.
ومِن المهمِّ بيانُه: أنَّ تفسيرَ الصحابةِ للزِّينةِ الظاهرةِ مِن بابِ شِدَّةِ العفافِ وغايةِ الاحتشامِ، والسترِ الذي هم عليه؛ ولا يظهر أنَّهم يُحَرِّمون على المرأةِ أن تُبْدِيَ شعرَها ويديها عندَ محارمِها، فهذا الذي خففت به الشريعةُ، وهو الذي نعتقِدُ، ولكنَّ المرادَ مِن بيانِ أقوالِهم ووضعِها في مواضعِها وسياقاتِها التي أوْرَدُوها فيها: أنَّ المعاصِرِين لمَّا بعَّدَ الزمانُ والواقعُ بينهم وبين ذلك الجيلِ، وضَعُوا أقوالَهم في غيرِ موضعِها، ولم تتصَوَّرْها نفوسُهم إلا كذلك؛ فكانت أقوالُ السلفِ في بيانِ الحكم احتياطاً، ثم وُضِعَت في غير موضعِها تفريطاً.
الوجهُ الثالثُ: أنَّ اللهَ رخَّصَ في الآيةِ الخامسةِ مِن آياتِ الحجابِ للقواعِدِ أنْ يضَعْنَ ثيابَهُنَّ فقال: {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [النور: 60].
واتَّفق المفسِّرُون مِن الصحابةِ والتابعينَ أنَّ الثيابَ التي رخَّصَ اللهُ بوضعِها للعجوزِ هي الجلابيبُ؛ جاء بسنَدٍ
صحيحٍ ذلك عن ابنِ عباسٍ وابنِ مسعودٍ وابنِ عُمَرَ رضي الله عنهم والشَّعْبيِّ وابنِ جُبَيْرٍ والحسَنِ ومجاهِدٍ وعطاءٍ وعِكْرِمةَ وقتادةَ وغيرِهم (1)، وهؤلاءِ كُلُّهم لهم تفسيرٌ للزينةِ الظاهرةِ كما تقدَّمَ، واتَّفَقُوا هنا على أنَّ ما تختَصُّ به العجوزُ عن الشابَّةِ رفعُ الجلبابِ فقطْ، والجلابيبُ: هي ما تختَصُّ بسترِ الوجهِ مِن بَشَرَةِ الجِسْمِ، وتكونُ فوقَ بقيَّةِ الثيابِ ثوباً على ثوبٍ، فالجلبابُ فوقَ الخمارِ؛ ويدلُّ على أنَّ الجلابيبَ: ما كانتْ تستُرُ الوجوهَ للشابَّةِ: جملةٌ مِن تفسيرِ أفصَحِ الناسِ وأقرَبِهم إلى الوحيِ، وهمُ الصحابةُ والتابِعُون:
منها: قولُ عائشةَ رضي الله عنها: «تَسْدُلُ المرأةُ جلبابَها مِن فوقِ رأسِها على وجهِها» ؛ أخرَجَه سعيدُ بنُ منصورٍ بسنَدٍ صحيحٍ (2)، وقولُها في «الصحيحَيْن»:«فخَمَّرْتُ وَجْهِي بجِلْبَابِي» (3).
ومنها: قولُ ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما: «تُدْلِي الجلبابَ إلى وجهِها» ؛ أخرَجَه أبو داودَ في «المسائِلِ» بسندٍ صحيحٍ، وتقدَّمَ
(1) انظر: «تفسير عبد الرزاق» (2/ 63)، و «تفسير ابن جرير» (17/ 360 - 360)، و «تفسير ابن أبي حاتم» (8/ 2639 - 2642).
(2)
سبق تخريجه (ص 101).
(3)
سبق تخريجه (ص 52).
بطُولِه (1)، وقولُه:«أمَرَ اللهُ نساءَ المؤمِنِين إذا خرَجْنَ مِن بيوتِهِن في حاجةٍ أنْ يُغَطِّينَ وجوهَهُنَّ مِن فوقِ رُؤُوسِهِنَّ بالجلابيبِ، ويُبْدِين عَيْناً واحدةً» ؛ رواه ابنُ جريرٍ بسندٍ صحيحٍ (2).
ومنها: ما رواه عاصِمٌ الأحوَلُ، قال: كُنَّا ندخُلُ على حفصةَ بنتِ سيرينَ، وقد جعَلَتِ الجلبابَ هكذا، وتَنقَّبت به، فنقولُ لها: رحمَكِ اللهُ! قال اللهُ تعالى: {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ} [النور: 60]، وهو الجِلبابُ، قال: فتقولُ لنا: أيُّ شيءٍ بعدَ ذلك؟ فنقولُ: {وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ} [النور: 60]؛ فتقولُ: هو إثباتُ الجلبابِ (3).
وإذا اتَّفق الصحابةُ على أنَّ رخصةَ النساءِ العجائزِ وضعُ الجلابيبِ، وكشفُ الوجهِ مِن غيرِ زِينةٍ، فماذا يُحِلُّون للمرأةِ الشابَّةِ أمامَ الأجانِبِ؟!
وقد حكَى الإجماعَ غيرُ واحدٍ مِن العلماءِ على أنَّه لا يجوزُ للعجوزِ أنْ تكشِفَ شَعْرَها للأجانِبِ مهما بلَغَ
(1) سبق تخريجه (ص 70).
(2)
سبق تخريجه (ص 101).
(3)
أخرجه سعيد بن منصور في «سننه» (1618 /التفسير)، وسعدان بنُ نصرٍ في «جزئه» (60)؛ ومن طريقِ سعدانَ أخرجَه البيهقي في «السنن الكبرى» (7/ 93).
سِنُّها، حكى الإجماعَ الجَصَّاصُ وابنُ حزمٍ وغيرُهما (1)، فشعرُ العجوزِ عورةٌ للأجانِبِ، كشعرِ الشابَّةِ؛ بلا خلافٍ.
وإذا كان تفسيرُ ابنِ عُمَرَ وابنِ عباسٍ وابنِ جُبَيْرٍ وعكرمةَ والحسَنِ والشَّعْبيِّ والضَّحَّاكِ ومجاهِدٍ وقتادةَ لآيَةِ: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} : أنَّها الوجهُ والكَفَّانِ، ويرادُ بها: الأجانبُ، فما الفائدةُ مِن نزولِ آيةِ القواعدِ، والترخيصِ لها بوضعِ الجلبابِ؟!
الوجهُ الرابعُ: أنَّ اللهَ نَهَى عن إظهارِ الزينةِ بقولِه: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} ، ثم استَثْنَى؛ فقال:{إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} ، ثم أرادَ أن يبيِّنَ المعنِيِّينَ بإظهارِ الزينةِ لهم، مُفصِّلاً لمراتِبِهم بحسبِ قُرْبِهم؛ فقال:{وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ} [لنور: 31]، وقد يَسْتشكِلُ البعضُ ذِكْرَ الزوجِ مع أنَّه لا يُستثنى دونَه شيءٌ، وإنما ذُكِرَ مع غيرِه مِنَ المحارِمِ مِن بابِ حصرِ المعنِيِّينَ حتى لا يُظَنَّ أنَّ الخطابَ للأَبْعَدِينَ، وليس المرادُ أنَّ الزينةَ له كالزِّينةِ لغيرِه؛ ولذا بدأَ به للخَصُوصِيَّةِ،
(1) انظر: «أحكام القرآن» للجصاص (5/ 196)، و «المحلى» (10/ 32).