الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مراتب المفتين
يختلف العلماءُ المفتون في رُتَبِهِم تَبعاً لاختلاف درجاتهم في الاجتهاد، وقد قسّم العلماء رُتب المفتين إلى أقسام متعدّدة؛ يمكن إجمالها فيما يلي:
المرتبة الأُولَى: المفتي المجتهد المستقلّ:
وهو الذي بلغ مرتبةً في العلم استقلَّ فيها بإدراك الأحكام الشرعيَّة من أدلّتها العامّة والخاصّة، من غير تقليد لأحد، أو تقيُّد بمذهب أحد؛ فهو يستنبط الأحكام الشرعيّة من مصادرها الأصليّة وَفْق نظره وتحقيقه واجتهاده هو، من غير أن يكون تابعاً لمن سبقه من العلماء والمجتهدين
(1)
.
يقول ابن القيِّم رحمه الله: «العالِمُ بكتاب الله وسُنَّة رسوله وأقوال الصحابة؛ فهو المجتهد في أحكام النوازل، يقصد فيها موافقة الأدلّة الشرعيّة حيث كانت، ولا ينافي اجتهاده تقليده لغيره أحياناً؛ فلا تجد أحداً من الأئمّة إلّا وهو مقلِّدٌ من هو أعلم منه في بعض الأحكام»
(2)
.
ويقول السيوطيُّ رحمه الله: «هو الذي استقلَّ بقواعده لنفسه، يبني عليها الفقه خارجاً عن قواعد المذهب المقرَّرة»
(3)
.
(1)
انظر: «أدب المفتي والمستفتي» لابن الصلاح (ص 21)، «تهذيب الفروق» لمحمّد بن علي (2/ 116)، «صفة الفتوى والمفتي والمستفتي» لابن حمدان (ص 16)، «الاجتهاد ومدى حاجتنا إليه في هذا العصر» لمحمّد سيّد موسى (ص 357).
(2)
«إعلام الموقّعين عن رب العالمين» (4/ 232).
(3)
«الردُّ على من أخلد إلى الأرض وجهل أنّ الاجتهاد في كلّ عصر فرض» (ص 39).
المرتبة الثانية: المفتي المجتهد المُطْلَق المنتسب إلى مذهب إمامٍ:
وهو المفتي الذي ينتسب إلى مذهب إمامٍ من الأئمّة المجتهدين، إلَّا أنَّه لا يكون مقلِّداً له في أحكام المذهب ولا في دليله؛ ولكن يطلب معرفة الأحكام بطريق إمامه، ويسلك مسلكه في طريقة الاجتهاد
(1)
. ويُلقَّب بـ: «مجتهد التخريج»
(2)
.
فالمفتي هنا وإن كان يتبع إمامَ مذهبِه من حيث الأصول التي يبني عليها استدلاله واستنباطه، إلّا أنه يستقلُّ عنه فيما يؤدّيه إليه اجتهاده في الأحكام التفصيليّة والفروع الفقهيّة؛ لما له من القدرة على التخريج والاستنباط، وإلحاق الفروع بالأصول التي قرّرها إمامه
(3)
.
(4)
.
المرتبة الثالثة: المفتي المُقيَّد في مذهب من انتسب إليه:
وهو الفقيه المجتهد الذي أتقن مذهب إمامه، واستقلَّ بتقريره بالدليل،
(1)
انظر: «المجموع» للنووي (1/ 43)، «صفة الفتوى والمفتي والمستفتي» (ص 17)، «إعلام الموقّعين» (4/ 232)، «تهذيب الفروق» (2/ 117).
(2)
انظر: «الردّ على من أخلد إلى الأرض» (ص 41).
(3)
انظر: «الاجتهاد ومدى حاجتنا إليه في هذا العصر» (ص 357 - 358)، «منهجيّة الفتوى في المدرسة المالكية الأندلسية» لدريد الزواوي (ص 35).
(4)
«الردّ على من أخلد إلى الأرض» (ص 39).
وحفظ فتاويه وأقواله، إلّا أنّه لا يتعدَّى ما قرَّره إمامُه من أصول وقواعد، مع قدرته على التحرير والتقرير والترجيح بينها، إلّا أنّه ليس له مَلَكَة الاستنباط من أصول إمامه أو التخريج على أقواله
(1)
. ويُلقب بـ: «مجتهد التَّرجيح»
(2)
.
(3)
.
المرتبة الرابعة: المفتي الذي تفقَّه في مذهب إمامه:
وهو الذي حفظ فتاوى مذهب إمامه وفروعه، مع فهمه لها ولضوابطها وتخريجات أصحابه، وقدرته على الرجوع إلى مصادره، إلّا أنّه ليس له مَلَكَة في تقرير أدلّة المذهب، وتحرير أقيسته، فهو يُقلِّد إمامه تقليداً محضاً من جميع الوجوه
(4)
. ويُلقَّب بـ: «مجتهد الفتيا
(5)
».
(1)
انظر: «المجموع» (1/ 44)، «إعلام الموقّعين» (4/ 233)، «تهذيب الفروق» (2/ 118).
(2)
انظر: «الردّ على من أخلد إلى الأرض» (ص 41).
(3)
«صفة الفتوى والمفتي والمستفتي» (ص 22).
(4)
انظر: «أدب المفتي والمستفتي» (ص 36)، «إعلام الموقّعين» (4/ 234).
(5)
انظر: «الرد على من أخلد إلى الأرض» (ص 41).
يقول ابن القيِّم: «النوع الرابع: طائفة تفقَّهت في مذاهب من انتسبت إليه، وحفظت فتاويه وفروعه، وأقرّت على أنفسها بالتقليد المحض من جميع الوجوه؛ فإن ذكروا الكتاب والسنَّة يوماً في مسألة؛ فعلى وجه التبرُّك والفضيلة، لا على وجه الاحتجاج والعمل
…
»
(1)
.
المرتبة الخامسة: المفتي المجتهد في باب معيَّن أو مسألة معيَّنة:
ذهب جمهور العلماء
(2)
إلى أنَّ المفتي يجوز أن يكون مجتهداً في باب معيَّن من أبواب الفقه، أو مسألة من مسائله، وهو ما يسمى بـ «الاجتهاد الجزئي» ؛
(1)
«إعلام الموقّعين» (4/ 234).
- تنبيه: يقول ابن الصلاح رحمه الله: «من عددناه من المفتين المقلِّدين ليسوا مفتين حقيقةً، لكن لمّا قاموا مقامهم، وأدَّوا عنهم عُدُّوا معهم، وسبيلهم أن يقولوا مثلاً: مذهب الشافعي كذا، أو نحو هذا، ومن ترك منهم الإضافة؛ فهو اكتفاء بالمعلوم من الحال عن التصريح به، ولا بأس بذلك» «أدب المفتي والمستفتي» (ص 33).
(2)
وذهبت طائفة من العلماء إلى المنع من تَجَزُّئ الاجتهاد، وعليه فإنّ من أتقن باباً معيَّناً من أبواب الفقه أو مسألة من مسائله؛ فإنه ليس له التصدر للفتيا فيما أتقنه. وهو منقول عن الإمام أبي حنيفة.
وذهبت طائفة ثالثة إلى التفريق بين المجتهد في باب الميراث وغيره من أبواب الفقه؛ فيجيزون أن يختصّ المجتهد بالاجتهاد في باب المواريث دون غيره من أبواب الفقه. وهو مذهب ابن الصبّاغ من الشافعية.
انظر هذه المذاهب في: «المستصفى» للغزالي (2/ 389)، «المحصول» للرازي (6/ 25 - 26)، «الإحكام» للآمدي (4/ 199)، «المجموع» (1/ 71)، «كشف الأسرار» (4/ 17)، «إعلام الموقّعين» (4/ 216، 217)، «الإنصاف» للمرداوي (12/ 265)، «إرشاد الفحول» للشوكاني (2/ 216 - 217)، «الاجتهاد ومدى حاجتنا إليه في هذ ا العصر» (ص 376) وما بعدها، «تجزّؤ الاجتهاد» لعبداللّه الحمّاد (ص 13 - 15).
ذلك أنَّ المجتهد بلغ هذه الرتبة لما حصل له من العلم بالحكم الشرعيّ بدليله؛ فوصف الاجتهاد -المصطلح عليه- يتحقَّق للمجتهد إذا اجتمعت له أدوات العلم بالحكم الشرعي بدليله في جميع أبواب الفقه ومسائله، وهذا الوصف متحقِّق في المجتهد الجزئي، إلّا أنه ضاق نشاطه عن الاجتهاد في غير ما اجتهد فيه من أبواب ومسائل الفقه الأخرى
(1)
.
(1)
انظر: «الاجتهاد ومدى حاجتنا إليه في هذا العصر» (ص 376، 377).