الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد يكون الإفتاء مستحبّاً؛ وذلك إذا كان المفتي أهلاً للفتيا، وكان في البلد غيره
(1)
.
ثانياً: حكم الاستفتاء:
أما الاستفتاء فكذلك حكمه الوجوب في حقِّ العامِّي الذي نزل به أمرٌ أو حادثة لا يعلم حكمها، فإنه يجب عليه أن يستفتي عنها من يثق به من العلماء؛ لأنَّ الله تعالى يقول:{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}
(2)
، ولأنّه يجب عليه العمل حسب حكم الشرع، ولا يتأتّى له ذلك إلّا بسؤال العلماء، ولأنّه لو عمل دون علم فقد يقع في الحرام، أو يترك في العبادة ما لا بد منه
(3)
.
يقول الغزاليُّ رحمه الله: «العامِّيُّ يجب عليه الاستفتاء واتّباع العلماء»
(4)
.
(5)
.
ويقول النوويُّ رحمه الله: «فصل في آداب المستفتي وصفته وأحكامه
…
ثمّ قال: ويجب عليه الاستفتاء إذا نزلت به حادثة، يجب عليه علم حكمها، فإن لم
(1)
انظر: «شرح الكوكب» المنير لابن النجّار (4/ 583).
(2)
الأنبياء: 7.
(3)
انظر: «الموسوعة الفقهيّة» (32/ 46).
(4)
«المستصفى» (ص 372).
(5)
المصدر السابق.
يجد ببلده من يستفتيه؛ وجب عليه الرحيل إلى من يفتيه، وإن بعدت داره، وقد رحل خلائق من السلف في المسألة الواحدة الليالي والأيام»
(1)
.
ويقول الشاطبيُّ رحمه الله: «إن المقلِّد إذا عرضت له مسألة دينيَّة؛ فلا يسعه في الدِّين إلّا السؤال عنها على الجملة»
(2)
.
وجاء في إعانة الطالبين للدِّمياطيّ رحمه الله: «يجب على المستفتي عند حدوث مسألة أن يستفتي من عُرِفَ علمُه وعدالتُه
…
»
(3)
.
فإذا لم يجد من يفتيه لا في بلده ولا في غيره؛ فإنه يسقط عنه التكليف بالعمل إذا لم يكن له به علم، لا من اجتهاد معتبر، ولا من تقليد، ولا يثبت في حقّه حكم؛ لا إيجاب ولا تحريم، ولا غير ذلك؛ لأنّ شرط التكليف عند الأصوليّين العلم بالمكلَّف به، وهذا غير عالم بالفرض؛ فلا ينتهض سببه على حال، إذ لو كُلِّفَ بالعمل والحالة هذه؛ لكان تكليفاً بما لا يُطاق، وهو منتفٍ في هذه الشريعة والحمد لله، فيكون حاله كحال من لم تبلغه الدعوة
(4)
.
لكن ذهب ابن القيّم رحمه الله إلى أنّه في هذه الحالة يجب عليه أن يتّقيَ الله ما استطاع، ويتحرّى الحقَّ بجهده ومعرفة مثله. ثمّ ذكر كلاماً نفيساً؛ حيث قال: «وقد نصب الله تعالى على الحقِّ أمارات كثيرة، ولم يسوِّ الله سبحانه وتعالى بين ما يحبّه وبين ما يسخطه من كلِّ وجه بحيث لا يتميّز هذا من هذا، ولا بدّ أن تكون الفِطَرُ السليمة مائلة إلى الحقِّ مُؤْثِرة له، ولا بدّ أن يقوم لها عليه بعض الأمارات
(1)
(«المجموع» (1/ 54).
(2)
«الموافقات» (4/ 261).
(3)
«إعانة الطالبين» (4/ 219).
(4)
انظر: «المجموع» (1/ 58)، «الموافقات» (4/ 291).
المرجِّحة ولو بمنام أو بإلهام، فإن قُدّر ارتفاع ذلك كلّه، وعدمت في حقّه جميع الأمارات؛ فهنا يسقط التكليف عنه في حكم هذه النازلة، ويصير بالنسبة إليها كمن لم تبلغه الدعوة، وإن كان مكلَّفاً بالنسبة إلى غيره
…
والله أعلم»
(1)
.
(1)
«إعلام الموقّعين عن رب العالمين» (4/ 240).