الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القاعدة الثامنة
هل في الدين بدعة حسنة
؟
* قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: «كل بدعة ضلالة وإن رآها الناس حسنة» (1)
* من قسم البدعة إلى بدعة حسنة وبدعة سيئة فهو مخطاء ومخالف لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «كل بدعة ضلالة» (2)، لأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حكم على البدع كلها بأنها ضلالة، وهذا يقول ليس كل بدعة ضلالة، بل هناك بدعة حسنة (3).
* قال الإمام مالك: «من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمداً صلى الله عليه وآله وسلم خان الرسالة لأن الله يقول: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: 3] فما لم يكن يومئذ ديناً فلا يكون اليوم ديناً» (4).
* قال الإمام الشاطبي ـ رحمة الله ـ: «ذم البدع والمحدثات عام لا يخص محدثة دون غيرها
…
»، ثم قال: «الأدلة حجة في عموم الذم من أوجه:
أحدها: أنها جاءت مطلقة عامة على كثرتها لم يقع فيها استثناء البتة، ولم يأت فيها شيء مما يقتضى أن منها ما هو هدا، ولا جاء فيها: كل بدعة ضلالة إلا كذا وكذا، ولا شيء من هذه المعاني، فلو كان هناك محدثة يقتضى النظر الشرعي فيها الاستحسان أو أنها لاحقة بالمشروعات، لذكر ذلك في آية أو حديث، لكنه لا يوجد.
والثاني: أنه قد ثبت في الأصول العلمية أن كل قاعدة كلية أو دليل شرعي كلى إذا تكررت في مواضع كثيرة وأتى بها شواهد على معان أصولية أو فروعية ولم يقترن
(1) رواه اللالكائي (126) وابن بطة (205) والبيهقي في (المدخل إلى السنن)(191) وابن نصر في (السُنة70) بإسناد صحيح.
(2)
رواه الإمام أبو داود (4607) وصححه الشيخ الألباني.
(3)
محاضرات في العقيدة والدعوة (1/ 102).
(4)
الاعتصام (1/ 54).
بها تقييد ولا تخصيص، مع تكرارها، وإعادة تقررها فذلك دليل على بقائها على مقتضى لفظها من العموم كقوله تعالى:{أََلّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَا * وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلا مَا سَعَا} [النجم: 38، 39] وما أشبه ذلك، فما نحن بصدده من هذا القبيل، إذ جاء في الأحاديث المتعددة والمتكررة في أوقات شتى وبحسب الأحوال المختلفة أن كل بدعة ضلالة وأن كل محدثة بدعة، وما كان نحو ذلك من العبارات الدالة على أن البدع مذمومة، ولم يأت في آية ولا حديث تقييد ولا تخصيص ولا ما يفهم منه خلاف ظاهر الكلية فيها، فدل ذلك دلالة واضحة على أنها على عمومها وإطلاقها.
والثالث: إجماع السلف الصالح من الصحابة والتابعين ومن يليهم على ذمها كذلك وتقبيحها والهروب عنها، وعمن اتسم بشيء منها، ولم يقع منهم في ذلك توقف، فهوـ بحسب الاستقراء ـ إجماع ثابت، فدل على أن كل بدعة ليست بحق، بل هي من الباطل.
والرابع: أن متعقل البدعة يقتضي ذلك بنفسه؛ لأنه من باب مضادة الشرع واطراح الشرع، وكل ما كان بهذه المثابة فمحال أن ينقسم إلى حسن وقبيح، وأن يكون منه ما يُمدح ومنه ما يُذم، إذ لا يصح في معقول ولا منقول استحسان مشاقة الشارع» (1).
* يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «
…
البدعة الحسنة ـ عند من يقسم البدع إلى حسنة وسيئة ـ لابد أن يستحبّها أحد من أهل العلم الذين يقتدى بهم، ويقوم دليل شرعي على استحبابها، وكذلك من يقول: البدعة الشرعية كلها مذمومة لقوله صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الصحيح: «كل بدعة ضلالة» (2)، ويقول قول عمر في التراويح:
(1) الاعتصام (1/ 145، 146) بتصرف يسير.
(2)
رواه الإمام أبو داود (4607) وصححه الشيخ الألباني.
«نعمت البدعة هذه» (1) إنما أسماها بدعة باعتبار وضع اللغة، فالبدعة في الشرع عند هؤلاء ما لم يقم دليل شرعي على استحبابه، ومآل القولين واحد، إذ هم متفقون على أن ما لم يستحب أو يجب من الشرع فليس بواجب ولا مستحب، فمن اتخذ عملاً من الأعمال عبادة وديناً وليس ذلك في الشريعة واجباً ولا مستحباً فهو ضال باتفاق المسلمين (2) وسيأتي إن شاء الله الرد على شبهات المبتدعة التي احتجوا بها.
* يلزم من القول بالبدع الحسنة لوازم سيئة جدًا:
أحدها: أن تكون هذه البدع المستحبة ـ حسب زعمهم ـ من الدين الذي أكمله الله لعباده ورضيه لهم.
وهذا معلوم البطلان بالضرورة؛ لأن الله تعالى لم يأمر عباده بتلك البدع، ولم يأمر بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولم يفعلها ولا فعلها أحد من الخلفاء الراشدين ولا غيرهم من الصحابة رضي الله عنهم والتابعين وتابعيهم بإحسان، وعلى هذا فمن زعم أنه توجد بدع حسنة في الدين فقد قال على الله عز وجل وعلى كتابه وعلى رسوله صلى الله عليه وآله وسلم بغير علم.
الثاني: أن يكون النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه رضي الله عنهم قد تركوا العمل بسنن حسنة مباركة محمودة، وهذا مما يُنَزَّه عنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأصحابه رضي الله عنهم.
الثالث: أن يكون القائمون بالبدع الحسنة المزعومة قد حصل لهم العمل بسنة حسنة مباركة محمودة لم تحصل للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا لأصحابه رضي الله عنهم.
(1) رواه الإمام البخاري (2010).
(2)
مجموع الفتاوى (14/ 78).