الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حادي عشر: تلقين الميت بعد دفنه
* الصحيح من قولي العلماء في التلقين بعد الموت أنه غير مشروع، بل بدعة وكل بدعة ضلالة، وليس مذهب إمام من الأئمة الأربعة حجة في إثبات حكم شرعي، بل الحجة في كتاب الله وما صح من سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وفي إجماع سلف الأمة ولم يثبت في التلقين بعد الموت شيء من ذلك فكان مردوداً.
أما تلقين من حضرته الوفاة كلمة «لا إله إلا الله» ليقولها وراء من لقنه إياها فمشروع، ليكون آخر قوله في حياته كلمة التوحيد، وقد فعل ذلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع عمه أبي طالب، لكنه لم يستجب له، بل كان آخر ما قال:«إنه على دين عبد المطلب» (1).
* المستحب بعد الدفن هو الدعاء للميت بالمغفرة والتثبيت عند السؤال؛ فقد كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا فرغ من دفن الميت، وقف عليه فقال:«استغفروا لأخيكم، وسلوا له التثبيت، فإنه الآن يُسأل» (2).
* مناقشة كلام الأستاذ محمد حسين:
أولاً: استدل (ص36، 49) بحديث أبى أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إذا مات أحدكم فسويتم عليه التراب فلْيَقُم أحدكم على رأس قبره ثم يقول: يا فلان ابن فلانة
…
اذكر ما خرجت عليه من الدنيا: شهادة ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وأنك رضيت بالله رباً
…
» إلخ.
* الرد:
(1) فتاوى اللجنة الدائمة (8/ 338 - 339، 9/ 92 - 93) والحديث رواه مسلم (39/ 24).
(2)
رواه الإمام أبو داود (3221) وصححه الشيخ الألباني.
1 -
الحديث ليس حجة لأنه ضعيف كما نقل الأستاذ محمد حسين عن ابن القيم (ص36، 49) ونقل (ص49) عن ابن تيمية قوله فيه: «لا يحكم بصحته» ، وقد نصّ على ضعفه الحافظ ابن حجر العسقلاني وابن الصلاح والنووي (1).
2 -
قال الإمام ابن القيم في زاد المعاد: «ولم يكن ـ يعني الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ـ يجلس يقرأ عند القبر ولا يلقن الميت كما يفعله الناس اليوم» (2) وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
3 -
طالما أن الحديث ضعيف فإنه لا يعمل به في الأحكام ولا يبنى عليه حكم بالاستحباب، فقد ذكر الأستاذ محمد حسين (ص32) أن الحديث الضعيف لا يعمل به في الأحكام والعقائد.
4 -
التلقين بعد الدفن ورد فيه أثر رواه سعيد بن منصور في سننه عن راشد بن سعد وحمزة بن حبيب وحكيم بن عمير من التابعين وهذا الأثر جزم ابن حزم بضعف راشد وهو أحد رواته، ومن هذا نعلم أن التلقين بعد الدفن ليس فيه حديث أو أثر خال من القدح في سنده (3).
ثانياً: استدل بأقوال بعض العلماء وبعمل الناس لهذه البدعة حيث نقل (ص49) أن تلقين الميت في قبره جرى عليه عمل الناس، وقال به بعض العلماء.
* الرد:
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: «عادة بعض البلاد أو أكثرها، وقول كثير من العلماء أو العبّاد، أو أكثرهم ونحو ذلك، ليس مما يصلح أن يكون معارضاً لكلام الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ومن اعتقد أن أكثر هذه العادات المخالفة للسنن مجمع عليها بناءً على أن الأمة أقرتها ولم تنكرها، فهو مخطئ في هذا الاعتقاد، فإنه لم يزل ولا يزال في كل
(1) الإبداع (241).
(2)
زاد المعاد (1/ 532 - 533).
(3)
الإبداع (241) بتصرف.
وقت من ينهى عن عامة العبادات المحدثة المخالفة للسنة، ولا يجوز دعوى إجماع بعمل بلد أو بلاد من بلدان المسلمين، فكيف بعمل طوائف منهم؟ وإذا كان أكثر أهل العلم لم يعتمدوا على عمل علماء أهل المدينة وإجماعهم في عصر مالك، بل رأوا السنة حجة عليهم كما هي حجة على غيرهم، ومع ما أُوتوه من العلم والإيمان، فكيف يعتمد المؤمن على عادات أكثر من اعتادها عامة
…
أو قوم مترئسون بالجهالة، لم يرسخوا في العلم
…
أو قد دخل معهم فيها بحكم العادة قوم من أهل الفضل من غير رويّة، أو لشبهة أحسن أحوالهم فيها أن يكونوا فيها بمنزلة المجتهدين من الأئمة والصديقين» (1).
ثالثاً: نقل (ص49) أنه: قيل: إن التلقين ينفعه كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن قال: «إنه ليسمع قرع نعالهم» .
*الرد:
1 -
قال الشيخ ابن باز رحمه الله: «الأمور ليست بالقياس وإنما العبادة توقيفية، وسماع قرع النعال لا ينفعه ولا يضره، والميت إذا مات انتقل من الدنيا دار العمل وختم على عمله وانتقل إلى دار الجزاء» (2).
2 -
قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «استغفروا لأخيكم وسَلُوا له التثبْيت فإنه الآن يُسْأَل» (3)، ولم يقل:«لقنوا أخاكم» ، ولو كان التلقين مشروعاً ما تركه النبي صلى الله عليه وآله وسلم السنين الطوال مع عدم المانع من فعله ووجود المقتضي له وهو التقرب إلى الله تعالا، والوقت وقت تشريع وبيان للأحكام، فلو كان ديناً وعبادة يُتقرب بها إلى الله تعالى ما تركه السنين الطويلة مع أمره بالتبليغ وعصمته من الكتمان.
رابعاً: قال الأستاذ محمد حسين (ص50): «وأقول: وعلى هذا القول فإن ترك
(1) اقتضاء الصراط المستقيم (ص245) بتصرف.
(2)
مجموع فتاوى الشيخ ابن باز (13/ 207).
(3)
رواه الإمام أبو داود (3221) وصححه الشيخ الألباني.
التلقين هذا يعتبر بدعة تَرْكِيّة».
* الرد:
1 -
يجب أن نُثْبِتْ أولاً أنه سُنّة ثم نقول هذا القول، وأنّى لنا ذلك ولم يَثْبُتْ فيه حديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولا أثر عن الصحابة، ولا التابعين وقد سبق نقل كلام شيخ الإسلام ابن تيمية في رده على من يستدل بعمل الناس فالتلقين بدعة وليس تركه بدعة.
2 -
الآن فقط تذكر الأستاذ محمد حسين تَرْك السنن رغم أن كتابه (اللمع) فيه هدم لكثير من السنن والتحايل لتركها اعتماداً على أقوال بعض العلماء. والعجيب جداً أن الأستاذ محمد حسين لم يقل إن ترك ما صَحَّ عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم (من الاستغفار للميت وسؤال التثبيت له) لم يقل إن تركه بدعة تركية، بل تعلق بالحديث الضعيف في التلقين وبعمل بعض الناس به وقال إن ترك العمل بالتلقين يُعَدّ بدعة تركية!!! وما هذا إلا ثمرة لترك المحكَم والتعلق بالمتشابه.
* توضيح: البدعة التَّرْكِية: ترك المطلوبات الشرعية وجوباً أو ندباً إن كان الترك تديناً؛ لأنه تدين بضد ما شرع الله، أما تركها كسلاً أو تضييعاً أو ما أشبه ذلك فهو راجع إلى المخالفة للأمر فإن كان في واجب فمعصية، وإلا فلا (1).وعلى فرض أن التلقين سنة، فإنا لا نعلم أن أحداً من الذين يتركون التلقين يتركونه تديناً، فكيف يوصف ذلك بكونه بدعة تركية؟
(1) الإبداع (ص53) بتصرف، وانظر أقسام البدع من هذا الرد.