الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القاعدة التاسعة
حكم البدعة في الدين بجميع أنواعها
كل بدعة في الدين فهي محرمة وضلالة، لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «
…
وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة» (1)، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم:«من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» (2)، وفي رواية:«من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد» (3)، فدل الحديث على أن كل محدث في الدين فهو بدعة، وكل بدعة ضلالة مردودة، ومعنى ذلك أن البدع في العبادات والاعتقادات محرمة ولكن التحريم يتفاوت بحسب نوعية البدعة:
- فمنها ما هو كفر صراح كالطواف بالقبور تقرباً إلى أصحابها، وتقديم الذبائح والنذور لها والاستغاثة بهم، وكمقالات غلاة الجهمية والمعتزلة.
- ومنها ما هو من وسائل الشرك، كالبناء على القبور والصلاة والدعاء عندها.
- ومنها ما هو فسق اعتقادي، كبدعة الخوارج والقدرية والمرجئة في أقوالهم واعتقاداتهم المخالفة للأدلة الشرعية.
- ومنها ما هو معصية، كبدعة التبتل والصيام قائماً في الشمس، والخصاء بقصد قطع شهوة الجماع؟ (4)(أي تفرغاً للعبادة وتقرباً إلى الله)
* قال الإمام الشاطبي: «
…
البدع من جملة المعاصا، وقد ثبت التفاوت في المعاصى فكذلك يتصور مثله في البدع
…
وإذا قلنا إن من البدع ما يكون صغيرة فذلك
(1) رواه الإمام أبو داود (4607) وصححه الشيخ الألباني.
(2)
رواه الإمام مسلم (1718).
(3)
رواه الإمام مسلم (1718/ 18).
(4)
محاضرات في العقيدة والدعوة للشيخ الفوزان (1/ 101).
بشروط:
أحدها: أن لا يداوم عليها، فإن الصغيرة لمن داوم عليها تكبر بالنسبة إليه؛ لأن ذلك ناشيء عن الإصرار عليها، والإصرار على الصغيرة يصيّرها كبيرة، فكذلك البدعة من غير فرق.
والشرط الثاني: ألا يدعو إليها، فإن البدعة قد تكون صغيرة، ثم يدعو مبتدعها إلى القول بها والعمل على مقتضاها فيكون إثم ذلك كله عليه.
والشرط الثالث: ألا تُفعل في المواضع التي هي مجتمعات الناس، أو المواضع التي تقام فيها السنة، وتظهر فيها أعلام الشريعة، فأما إظهارها في المجتمعات ممن يُقتدى به أو ممن يُحسَن به الظن فذلك من أضر الأشياء على سنة الإسلام فإنها لا تعدو أمرين: إما أن يُقتدى بصاحبها فيها، فإن العوام أتباع كل ناعق، وإذا اقتُدى بصاحب البدعة الصغيرة كبرت بالنسبة إليه؛ لأن كل من دعا إلى ضلالة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها، فعلى حَسَب كثرة الأتباع يعظم الوزر، وأما اتخاذها في المواضع التي تقام فيها السنة فهو كالدعاء إليها بالتصريح؛ لأن عمل إظهار الشعائر الإسلامية يوهم أن كل ما أظهر فيها فهو من الشعائر، فكأن المُظهِر لها يقول: هذه سنة فاتبعوها.
الشرط الرابع: ألا يستصغرها ولا يستحقرها ـ وإن فرضناها صغيرة ـ فإن ذلك استهانة بها، والاستهانة بالذنب أعظم من الذنب، فكان ذلك سبباً لعظم ما هو صغير.
فإذا تحصلت هذه الشروط فإن ذلك يرجى أن تكون صغيرتها صغيرة، فإن تخلف شرط منها أو أكثر صارت كبيرة، أو خيف أن تصير كبيرة، كما أن المعاصي كذلك، والله أعلم» (1).
(1) الاعتصام (2/ 383 - 413) بتصرف.
* هل هناك بدعة مكروهة؟
قال الإمام الشاطبي رحمه الله: «وأما كلام العلماء فإنهم وإن أطلقوا الكراهية في الأمور المنهي عنها لا يعنون بها كراهية التنزيه فقط، وإنما هذا اصطلاح المتأخرين حين أرادوا أن يفرقوا بين القبيلين، فيطلقون لفظ الكراهية على كراهية التنزيه فقط، ويخصون كراهية التحريم بلفظ التحريم والمنع، وأشباه ذلك.
وأما المتقدمون من السلف فإنهم لم يكن من شأنهم فيما لا نص فيه صريحاً أن يقولوا: هذا حلال وهذا حرام. ويتحامون العبارة خوفاً مما في الآية من قوله تعالى: {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللهِ الْكَذِبَ} [النحل: 116]، وحكى مالك عمن تقدم هذا المعنا، فإذا وجدت في كلامهم في البدعة أو غيرها: أكره هذا، ولا أحب هذا وهذا مكروه وما أشبه ذلك، فلا تقطعن على أنهم يريدون التنزيه فقط فإنه إذا دل الدليل في جميع البدع على أنها ضلالة فمن أين يعد فيها ما هو مكروه كراهية التنزية؟» (1).
ومما يوضح كلام الإمام الشاطبي أن الإمام الترمذي قال في سننه: «باب كراهية إتيان الحائض» ، وذكر فيه قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:«من أتى حائضاً، أو امرأة في دبرها فقد كفر بما أُنزِل على محمد صلى الله عليه وآله وسلم» (2) فهل يُعقل أن يستدل الإمام الترمذي بالحديث على الكراهة التنزيهية؟!!
* الدليل على أن البدع لا تكون مكروهة تنزيهاً (3):
1 -
قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «من رغب عن سنتي فليس مني» (4) رداً على من قال من الصحابة: «أما أنا فأقوم ولا أنام» وعلى من قال: «أما أنا فلا أنكح النساء» فأتى
(1) الاعتصام (2/ 397، 398).
(2)
رواه الإمام الترمذي (135) وصححه الشيخ الألباني.
(3)
الاعتصام (1/ 165 - 169، 2/ 394، 398)، الإبداع (ص145 - 147) بتصرف.
(4)
رواه الإمام البخاري (5063)، الإمام مسلم (1401).
بهذه العبارة وهي أشد شيء في الإنكار، ولم يكن ما التزموا إلا فعل مندوب أو ترك مندوب إلى فعل مندوب أخر.
2 -
دخل أبو بكر رضي الله عنه على امرأة من قيس يقال لها زينب فرآها لا تتكلم فقال: «ما لها لا تكلمّ؟» قالوا: «حجتْ مُصْمتة» ، قال لها:«تكلمي فإن هذا لا يحل، وهذا من عمل الجاهلية» ، فتكلمت (1). فتأمل كيف جعل ترك الكلام من المعاصي مع أنه في نفسه من المباحات، لأنه جرى مجرى ما يتشرع به ويدان لله به.
3 -
قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «كل بدعة ضلالة» وكل ما ورد في ذم البدع يقتضي التأثيم والتهديد والوعيد، وهي خاصية المحرم.
4 -
إذا تأملنا حقيقة البدعة ـ دقَّتْ أو جلّت ـ وجدناها مخالفة للمكروه من المنهيات المخالفة التامة، وبيان ذلك:
أن مرتكب المكروه إنما قصده نيل غرضه وشهوته العاجلة متكلاً على العفو اللازم فيه، ورفع الحرج الثابت في الشريعة، فهو إلى الطمع في رحمة الله أقرب فهو يخاف الله ويرجوه، والخوف والرجاء شعبتان من شعب الإيمان.
ومرتكب أدنى البدع يكاد يكون على ضد هذه الأحوال، فإنه يعد ما دخل فيه حسناً، بل يراه أولى بما حدَّ له الشارع، فأين مع هذا خوفه أو رجاؤه؟ وهو يزعم أن طريقه أهدى سبيلاً، ونحلته أولى بالاتباع.
* إذا ثبت أن المبتدع آثم فليس الإثم الواقع عليه على رتبة واحدة، بل هو على مراتب مختلفة، من جهة كون البدعة حقيقية أو اضافية، فإن الحقيقية أعظم وزراً؛ لأنها مخالفة محضة وخروج عن السنة ظاهر.
(1) رواه الإمام البخاري (3834).