الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الثواب» (1).
* سؤال: لو أن أحد العلماء استحب صلاة ركعتين أو أربع ركعات بعد كل أكل مثلاً شكراً لله على نعمة الأكل هل يجوز هذا على اعتبار أن هذا مسكوت عنه (حيث لم يرد في الشرع ما يبيح أو يمنع) وقياساً على فعل بلال رضي الله عنه في صلاة ركعتين بعد كل أذان ووضوء؟ الإجابة: هو بدعة، لأنه أحدث في الشرع ما لم يفعله الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ولا يقاس على فعل بلال رضي الله عنه، لأن فعل بلال رضي الله عنه أقره النبي صلى الله عليه وآله وسلم فهو سنة.
الشبهة الثالثة
تقسيم بعض العلماء البدع إلى حسنة وقبيحة
، أو محمودة ومذمومة:(من ص 18 - ص 20).
الرد:
1 -
ذكر الأستاذ محمد حسين أقوالاً للأئمة الشافعي وابن حزم وابن رجب الحنبلي وغيرهم، والكلام قد يكون فيه إجمال ويحتاج إلى تفصيل، وأحياناً ينقل الأستاذ محمد حسين من الكلام ما يؤيد رأيه ويترك باقي الكلام ويوضح ذلك أنه نقل كلام الإمام الشافعي ونقل كلام الحافظ ابن رجب في (جامع العلوم والحكم) وسأنقل هنا للقارئ الكريم كلاماً للحافظ ابن رجب الحنبلي وأيضاً في (جامع العلوم والحكم) يرد كلام الأستاذ محمد حسين في هذه الشبهة وغيرها.
قال الحافظ ابن رجب: «فقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «كل بدعة ضلالة» من جوامع الكلم، لا يخرج عنه شيء، وهو أصل عظيم من أصول الدين، وهو شبيه بقوله:«من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد» فكل من أحدث شيئاً ونسبه إلى الدين، ولم يكن
(1) فتح الباري شرح حديث (247).
له أصل من الدين يرجع إليه فهو ضلالة، والدين برئ منه، وسواء في ذلك مسائل الاعتقادات، أو الأعمال، أو الأقوال الظاهرة والباطنة، وأما ما وقع في كلام السلف من استحسان بعض البدع، فإنما ذلك في البدع اللغوية، لا الشرعية» ثم ذكر أمثلة على ذلك، منها جمع عمر الناس في قيام رمضان، وجمع المصحف في كتاب واحد (1).
2 -
قول الإمام الشافعي رحمه الله: «البدعة بدعتان: بدعة محمودة، وبدعة مذمومة، فما وافق السنة، فهو محمود، وما خالف السنة، فهو مذموم» واحتج بقول عمر رضي الله عنه في قيام رمضان: «نعمت البدعة هذه» (2).
يعني أنها محدثة لم تكن، وإذا كانت فليس فيها رد لما مضى» (3).
الرد:
قال الشيخ سليم الهلالي (4) راداً على من يستدل بهذا القول للإمام الشافعي: «أولاً: بالنسبة لما أخرجه أبو نعيم في الحلية (9/ 113) ففي سنده عبد الله بن محمد العطشي، ذكره الخطيب البغدادي في تاريخه والسمعاني في (الأنساب) ولم يذكرا فيه جرحاً ولا تعديلاً، وأما بالنسبة لما أخرجه البيهقي ففيه محمد بن موسى الفضل، لم أجد له ترجمة.
ثانياً: قول الإمام الشافعي ـ إن صح ـ لا يصح أن يكون معارضاً أو مخصصاً لعموم حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والإمام الشافعي نفسه رحمه الله نقل عنه أصحابه أن قول
(1) جامع العلوم والحكم (ص466، 467).
(2)
رواه أبو نعيم في حلية الأولياء (9/ 113).
(3)
أخرجه البيهقي في مناقب الشافعي (1/ 469).
(4)
البدعة وأثرها السيئ في الأمة: ص (63 - 66).
الصحابي إذا انفرد ليس حجة، ولا يجب على من بعده تقليده، فكيف يكون قول الإمام الشافعي حجة، وقول الصحابي ليس بحجة؟!
ثالثاً: كيف يقول الإمام الشافعي رحمه الله بالبدعة الحسنة وهو القائل: «من استحسن فقد شرع» ، والقائل في (الرسالة: ص507): «إنما الاستحسان تلذذ» ،
وعقد فصلاً في كتابه (الأم: 7/ 293 - 304) بعنوان: «إبطال الاستحسان» ، لذلك من أراد أن يفسر كلام الإمام الشافعي رحمه الله فلْيفعل ضمن قواعد وأصول الإمام الشافعي، وهذا يقتضي أن يفهم أصوله، وهذا الأمر مشهود في كل العلوم، فمن جهل اصطلاحات أربابها جهل معنى أقاويلهم، وإن المتأمل في كلام الإمام الشافعي رحمه الله لا يشك أنه قصد بالبدعة المحمودة البدعة في اللغة، وهذا واضح في احتجاج الشافعي رحمه الله بقول عمر رضي الله عنه وعلى هذا الأصل يفسر كلام الإمام الشافعي، وأنه أراد ما أراده عمر بن الخطاب رضي الله عنه أي: البدعة اللغوية لا الشرعية؛ فإنها كلها ضلالة؛ لأنها تخالف الكتاب والسنة والإجماع والأثر» ا. هـ بتصرف.
4 -
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «لا يحل لأحد أن يقابل هذه الكلمة الجامعة من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الكُليّة، وهي قوله: «كل بدعة ضلالة» بسلب عمومها، وهو أن يقال:«ليست كل بدعة ضلالة» ، فإن هذا إلى مشاقة الرسول أقرب منه إلى التأويل» (1).
5 -
إذا كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «كل بدعة ضلالة» ، وقال بعض العلماء:«ليست كل بدعة ضلالة، هناك بدعة حسنة وبدعة سيئة» فمع من تكون؟ قال الإمام الشافعي رحمه الله: «إذا وجدتم في كتابي خلاف سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقولوا بسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ودعوا ما قلت» .
6 -
من قسم البدعة إلى مذمومة ومحمودة نقول له: ما مقياس الذم والحمد؟ ما
(1) اقتضاء الصراط المستقيم (ص248).
مقياس أن هذه بدعة حسنة وهذه بدعة سيئة؟ المقياس هو الشرع وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم: «كل بدعة ضلالة» (1).
7 -
كثيرٌ من الذين قالوا بالبدع الحسنة قد أنكروا أعمالا في ظاهرها الحُسْن، بل إنك تجد أحد العلماء يقول في بدعةٍ ما إنها حسنة بينما تجد عالماً آخر وهو ممن يقول بالبدع الحسنة ينكرها أشد الإنكار وإليك بعض الأمثلة على ذلك:
أ- العز بن عبد السلام وهو من أشهر من قال بتقسيم البدع إلى بدع حسنة وبدع سيئة يقول: «فإن الشريعة لم ترِد بالتقرب إلى الله تعالى بسجدةٍ منفردةٍ لا سبب لها، فإن القرب لها أسباب، وشرائط، وأوقات، وأركان، لا تصح بدونها.
فكما لا يتقرب إلى الله تعالى بالوقوف بعرفة ومزدلفة ورمي الجمار، والسعي بين الصفا والمروة من غير نسكٍ واقعٍ في وقته بأسبابه وشرائطه، فكذلك لا يتقرب إليه بسجدةٍ منفردةٍ، وإن كانت قربةً، إذا لم يكن لها سبب صحيح.
وكذلك لا يتقرب إلى الله عز وجل بالصلاة والصيام في كل وقتٍ وأوانٍ، وربما تقرب الجاهلون إلى الله تعالى بما هو مبعد عنه، من حيث لا يشعرون» (2) اهـ.
وهذا الكلام صدر من العز بن عبد السلام رحمه الله أثناء إنكاره لصلاة الرغائب المبتدعة؛ وقد أنكر هذه الصلاة بالإضافة إلى العز بن عبد السلام كثير من العلماء القائلين بالبدعة الحسنة مثل الإمام النووي في فتاويه (ص57) مع العلم أن بعض العلماء قال باستحبابها وعدوها من البدع الحسنة.
ب - الإمام أبو شامة رحمه الله أنكر في كتابه (الباعث على إنكار البدع والحوادث) كثيراً من بدع الجنائز مثل قول القائل أثناء حمل الجنازة: استغفروا له غفر الله لكم، كما أنكر أن يكون للجمعة سنة قبلية (ص258 - 304)، وأنكر كذلك صلاة الرغائب (ص138 - 196)، وأنكر كذلك صلاة ليلة النصف من شعبان (ص134 - 138)،
(1) راجع أيضاً: القاعدة الثامنة: هل في الإسلام بدعة حسنة؟
(2)
الترغيب عن صلاة الرغائب الموضوعة (ص7 - 8).
ومع كل ذلك قال (ص95) بأن الاحتفال بالمولد النبوي يعتبر بدعة حسنة!!
جـ - الإمام النووي رحمه الله وهو من القائلين بتقسيم البدع، فقد قال:«قال الشيخ أبو محمد الجويني: رأيت الناس إذا فرغوا من السعي؛ صلوا ركعتين على المروة، قال: وذلك حسن، وزيادة طاعة، ولكن لم يثبت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، هذا كلام أبي محمد!! وقال أبو عمرو بن الصلاح: ينبغي أن يكره ذلك؛ لأنه ابتداء شعار، وقد قال الشافعي رحمه الله: ليس في السعي صلاة» ، ثم قال الإمام النووي:«وهذا الذي قاله أبو عمرو أظهر، والله أعلم» (1) ا. هـ.
وقال أيضاً: «قال الشافعي وأصحابنا رحمهم الله يكرهون الجلوس للتعزية؛ قالوا: يعني بالجلوس لها: أن يجتمع أهل الميت في بيتٍ ليقصدهم من أراد التعزية، بل ينبغي أن ينصرفوا في حوائجهم، ولا فرق بين الرجال والنساء في كراهة الجلوس لها
…
إلخ» (2).
د- الإمام السيوطي رحمه الله فقد أنكر في كتابه (الأمر بالاتباع والنهي عن الابتداع) الصلاة في المساجد المبنية على القبور! وكذلك إيقاد السرج على القبور والمزارات (ص134) وأنكر صلاة الرغائب (ص166) وأنكر الاجتماع للعزاء (ص288) وأنكر التلفظ بالنية قبل الصلاة (ص295) وغير ذلك من البدع مع أنه قرر في كتابه هذا بأن البدع تنقسم إلى بدع حسنة وبدع سيئة!
يظهر بهذه النقول أنه لا يوجد ضابط معين يميز بين البدعة الحسنة ـ المزعومة ـ والبدعة السيئة؛ حتى عند القائلين بهذا التقسيم، ولا يَسْلم الشخص من الوقوع في هذا الاضطراب إلا بمتابعة السنة وترك الابتداع في الدين.
(1) المجموع (8/ 102).
(2)
الأذكار (ص136).
الشبهة الرابعة
قوله (ص20): البدعة الضلالة ما اجتمع فيها شروط أربعة:
1 -
ما أحدث مما لم يكن في زمن التشريع.
2 -
أن تكون في الدين ويقصد بها القربة إلى الله تعالا.
3 -
أن تخالف الشرع.
4 -
ألا تكون واقعة تحت عموم ما ندب الله إليه وحض عليه الله أو رسوله صلى الله عليه وآله وسلم.
الرد:
1 -
اشتراطه أن تكون مخالفة للشرع مجرد تحصيل حاصل فإذا كانت البدعة قد أُحدثت بعد التشريع، وفي الدين، ويقصد بها القربة إلى الله تعالى فهي مخالفة للشرع؛ لأنها استدراك على الشرع، وقد أكمل الله لنا الدين.
2 -
اشتراطه كونها مخالفة للشرع لا يعدو أحد أمرين:
أ- إما أن يكون مراده أن يأتي النهي الخاص عنها وهذا يكون من باب الذنوب والمعاصي لا من باب البدع ولا يُتَصَوَّر أن يتقرب بها أحد إلى الله، وهذا يتعارض مع قصد التقرب المذكور في الشرط الثاني.
ب- أن يكون مراده مخالفة دليل عام أو قاعدة كلية وهذا حاصل؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «
…
إياكم ومحدثاتِ الأمور فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة» (1) فإن من أوجه مخالفة الشرع التزام الكيفيات والهيئات المعينة التي لم ترد في الشرع كالذكر الجماعي بهيئة الاجتماع على صوت واحد، واتخاذ يوم ولادة النبي صلى الله عليه وآله وسلم عيداً (2).
(1) رواه الإمام أبو داود (4607) وصححه الشيخ الألباني، وروى الإمام مسلم لفظة:«كل بدعة ضلالة» .
(2)
راجع القاعدة الأولى: تعريف البدعة، والقاعدة السابعة، فقرة 3: انقسام البدع إلى حقيقية وإضافية.
3 -
قوله في الشرط الرابع: «ألا تكون واقعه تحت عموم ما ندب الله إليه وحض عليه الله أو رسوله صلى الله عليه وآله وسلم» ، وهذا اشتراط منه لمحل الخلاف فإن أصل الخلاف واقع في البدع الإضافية، فمراد الأستاذ محمد حسين من هذا الشرط إخراج البدع الإضافية عن إطار البدع المذمومة، وأكد هذا المعنى بقوله (ص20): «
…
ولا تكون بدعة ضلالة ما أُحدث في الدين من تجديد سنة اندرست أو هيئة فيها مصلحة تندرج تحت عموم وأصل ندب إليه الشرع من أفعال المعروف».
ونقول: إن تجديد ما اندرس من السنة مشروع بل مندوب إليه لقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «من أحيا سنة من سنتي فعمل بها الناس، كان له مثل أجر من عمل بها لا ينقص من أجورهم شيئاً، ومن ابتدع بدعة فعُمِل بها، كان عليه أوزار من عمل بها لا ينقص من أوزار من عمل بها شيئاً» (1).
أما إحداث هيئة فيها مصلحة لم يدل عليها الشرع فهذا هو محل الخلاف كإحداث جماعة الإخوان المسلمين لما يسمى بورد الرابطة ــ[ووقته ساعة الغروب تماماً من كل ليلة، وفيه: «ثم يستحضر صورة من يعرف من إخوانه في ذهنه ويستشعر الصلة الروحية بينه وبين من لم يعرفه منهم ثم يدعو لهم بمثل هذا الدعاء: «اللهم إنك تعلم أن هذه القلوب قد اجتمعت على محبتك والتقت على طاعتك
…
فوثق اللهم رابطتها
…
إلخ» (2)]ـ فإن الدعاء من حيث الأصل مندوب، ولكن هذا الورد إحداث لهيئة معينة من حيث الوقت والصيغة والكيفية؛ تحقيقاً لترسيخ معاني الترابط بين أفراد الجماعة. فنقول: سواءً كانت المصلحة هذه أو غيرها، فهل كانت مطلوبة على عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالقدر نفسه أم لا؟ والجواب: إن هذه المصلحة كانت مطلوبة بلا شك بل كانت الحاجة إليها أشد؛ فهي أمة ناشئة ودولة وليدة، ومع ذلك لم يرد مثل هذا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فهذا استدراك على الشرع، وقد أكمل الله لنا الدين،
(1) رواه الإمام ابن ماجه (209) وصححه الشيخ الألباني.
(2)
انظر صفته في مجموعة الرسائل للشيخ حسن البنا رحمه الله (ص377 - 378).
ونقول: التمسك بالعمومات مع الغفلة عن بيان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ـ بفعله وتركه ـ هو من اتباع المتشابه الذي نهى الله عنه ولو عولنا على العمومات، وصرفنا النظر عن البيان لانفتح باب كبير من أبواب البدع لا يمكن سده.
أمثلة توضح ذلك:
- لو تمسكنا بعموم فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فهل يجوز لنا أن نصلى عليه عند الطعام والشراب والعطاس وقبل دخول الخلاء؟
- لو تمسكنا بعموم فضل الصلاة هل يجوز لنا تحديد صلاة ركعتين أو أربعة أو خمسة لليلة معينة لم يحددها الشرع كليلة النصف من شعبان أو ليلة السابع والعشرين من رجب أو ليلة المولد النبوي، أو تحديد صلاة ركعتين لليلة السبت وأربعة لليلة الأحد وهكذا؟
الشبهة الخامسة
استدل الأستاذ محمد حسين بجمْع عمر الناس في قيام رمضان على إمام واحد في المسجد وقوله: «نِعْمَت البِدْعَةُ هذه» ، ثم قال:«وهذا لم يكن في زمن التشريع، بل صرح بقوله أن ذلك بدعة ولكنها محمودة، فقال: «نعمت البدعة هذه» ، وأنها تكون بدعة أفضل، وأفضل لو كانت آخر الليل (ص21 - 23).
الرد:
1 -
إن هذا منه على سبيل الرد والمناظرة، ومعناه: إذا كان هذا الفعل بدعة، فنعم البدعة هذه، كأنه كان جوابًا على معترض، وهذا مثل قوله تعالا:{قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ} (الزخرف:81).
أو أنه قصد البدعة اللغوية، أي أنها بدعة باعتبار إحيائها وإعادة العمل بها بعد أن توقف.
وسبق أن نقلنا في الرد على الشبهة الثالثة قول الحافظ ابن رجب الحنبلي (الذي نقل الأستاذ محمد حسين بعضه ولم ينقله كله): «وأما ما وقع في كلام السلف من استحسان بعض البدع إنما ذلك في البدع اللغوية لا الشرعية فمن ذلك قول عمر رضي الله عنه لما جمع الناس في قيام رمضان على إمام واحد في المسجد، وخرج ورآهم يصلون كذلك فقال: «نعمت البدعة هذه» ، ومراده أن هذا الفعل لم يكن على هذا الوجه قبل هذا الوقت، ولكن له أصول في الشريعة يُرجع إليها، فمنها أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يحث على قيام رمضان ويُرغّب فيه، وكان الناس في زمنه يقومون في المسجد جماعات متفرقة ووحداناً، وهو صلى الله عليه وآله وسلم صلى بأصحابه في رمضان غير ليلة، ثم امتنع بعد ذلك معللاً بأنه خشي أن يكتب عليهم، فيعجزوا عن القيام به (1)، وهذا قد أُمِنَ بعده صلى الله عليه وآله وسلم وروى عنه أنه كان يقوم بأصحابه ليالي الأفراد في العشر الأواخر (2)، ومنها أنه أمر باتباع سنة الخلفاء الراشدين، وهذا قد صار من سنة خلفائه الراشدين، فإن الناس اجتمعوا عليه في زمن عمر وعثمان وعلا». (3)
2 -
قال الإمام الشاطبي رحمه الله: «فإن قيل كيف سماها عمر رضي الله عنه بدعة وحسنها بقوله: نعمت البدعة هذه، وإذا ثبتت بدعة مستحسنة في الشرع ثبت مطلق الاستحسان في البدع.
فالجواب: إنما سماها بدعة باعتبار ظاهر الحال من حيث تركها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، واتفق أنها لم تقع في زمان أبي بكر رضي الله عنه لا أنها بدعة في المعنا، فمن سماها بدعة بهذا الاعتبار فلا مشاحة في الأسامي، وعند ذلك لا يجوز أن يستدل بها على جواز الابتداع بالمعنى المتكلم فيه لأنه نوع من تحريف الكلم عن مواضعه» (4)
(1) رواه الإمام البخاري (2012).
(2)
رواه الإمام أبو داود (1375) وصححه الشيخ الألباني.
(3)
جامع العلوم والحكم (ص366، 367).
(4)
الاعتصام (1/ 190).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «وأما قول عمر رضي الله عنه: «نعمت البدعة هذه» فأكثر ما فيه تسمية عمر تلك بدعة، مع حسنها، وهذه تسمية لغوية، لا تسمية شرعية. وذلك أن البدعة في اللغة تعم كل ما فعل ابتداء من غير مثال سابق، وأما البدعة الشرعية: فما لم يدل عليه دليل شرعي، فإذا كان نص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد دل على استحباب فعل، أو إيجابه بعد موته، أو دل عليه مطلقا، ولم يعمل به إلا بعد موته ككتاب الصدقة، الذي أخرجه أبو بكر رضي الله عنه، فإذا عمل ذلك العمل بعد موته، صح أن يسمي بدعة في اللغة، لأنه عمل مبتَدَأ، كما أن نفس الدين الذي جاء به النبي صلى الله عليه وآله وسلم يسمى بدعة، ويسمى محدثا في اللغة.
ثم ذلك العمل الذي دل عليه الكتاب والسنة: ليس بدعة في الشريعة، وإن سمي بدعة في اللغة. فلفظ البدعة في اللغة أعم من لفظ البدعة في الشريعة. وقد علم أن قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم:«كل بدعة ضلالة» لم يُرَدْ به كل عمل مُبتَدَأ، فإن دين الإسلام ـ بل كل دين جاءت به الرسل ـ فهو عمل مبتدأ، وإنما أراد ما ابتُدِئ من الأعمال التي لم يشرعها هو صلى الله عليه وآله وسلم.
وإذا كان كذلك فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم قد كانوا يصلون قيام رمضان على عهده جماعة وفرادي، وقد قال لهم في الليلة الثالثة، أو الرابعة، لما اجتمعوا:«إنه لم يمنعني أن أخرج إليكم، إلا كراهة أن تفرض عليكم، فصلوا في بيوتكم، فإن أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة» (1) فعلل صلى الله عليه وآله وسلم عدم الخروج بخشية الافتراض، فعُلم بذلك أن المقتضي للخروج قائم، وأنه لولا خوف الافتراض لخرج إليهم، فلما كان في عهد عمر رضي الله عنه جمعهم على قارئ واحد، وأسرج المسجد. فصارت هذه الهيئة، وهي اجتماعهم في المسجد وعلى إمام واحد مع الإسراج عملًا لم يكونوا يعملونه من قبل، فسُمِّي بدعة؛
(1) رواه الإمام البخاري (2012، 7290)
لأنه في اللغة يسمى بذلك. ولم يكن بدعة شرعية، لأن السنة اقتضت أنه عمل صالح، لولا خوف الافتراض، وخوف الافتراض زال بموته صلى الله عليه وآله وسلم فانتفى المعارض» (1).
* قال الأستاذ محمد حسين ص (22 - 23): «لعل قائل (2) يقول: صلاة التراويح جماعة في المسجد خلف إمام واحد ليست بدعة لقيام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جماعة في رمضان، فأقول: فما الأمر الذي تخلف في اليوم الرابع حيث لم يخرج عليهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم كالأيام الثلاثة الأولا؟»
* الرد:
هذا الأمر ذكره الأستاذ محمد حسين نفسه (ص21) وهو قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «أما بعد فإنه لم يَخْفَ عليّ مَكانُكم، ولكن خشِيتُ أن تُفتَرض عليكم فتعجزوا عنها» .
وقال الحافظ ابن حجر: «فلما مات النبي صلى الله عليه وآله وسلم حصل الأمن من ذلك» (3).
* قال الأستاذ محمد حسين (ص23): «فبجانب قول عمر رضي الله عنه أنها بدعة فقد روى سعيد بن منصور في سننه عن زكريا بن أبي مريم الخزاعي قال: «سمعت أبا أمامة الباهليّ يقول: «إن الله كتب عليكم صيام رمضان ، ولم يكتب عليكم قيامه ، وإنما القيام شيء ابتدعتموه فدوموا عليه ولا تتركوه ، فإن ناساً من بني إسرائيل ابتدعوا بدعة ابتغاء رضوان الله فعاتبهم الله بتركها ، فقال: {وَرَهْبانِيّةً ابْتَدَعُوها}» فقد سمّى الصحابي الجليل أبو أمامة الباهلي قيام رمضان جماعة في المسجد بدعة واستحسنها وطلب المداومة عليها. انتهى كلامه.
الرد:
1 -
لم أجد هذا الأثر في سنن الإمام سعيد بن منصور، وإنما وجدته في تفسير الإمام الطبري (برقم 26063) عند تفسير الآية 27 من سورة الحديد، قال الإمام
(1) اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم (ص 250)
(2)
هكذا بالأصل، والصواب: قائلاً. ولعله خطأ طباعي.
(3)
فتح الباري، شرح حديث (2010).
قال الإمام ابن أبي حاتم الرازي في كتاب (الجرح والتعديل) عن زكريا بن أبي مريم: «روى عن أبي أمامة، روى عنه هشيم، سمعت أبى يقول ذلك، حدثنا عبد الرحمن نا صالح بن أحمد بن محمد بن حنبل نا علي يعنى بن المديني قال: سمعت عبد الرحمن بن مهدي، وذكر زكريا بن أبي مريم الذي روى عنه هشيم، فقال: قلنا لشعبة: لقيتَ زكريا سمع من أبى أمامة، فجعل يتعجب ثم ذكره، فصاح صيحة، قال أبو محمد: دلت صيحة شعبة أنه لم يرض زكريا.
قال الحافظ ابن حجر في (لسان الميزان ترجمة رقم (1942): «زكريا بن أبي مريم شيخ، حدّث عنه هشيم، قال النسائي: ليس بالقوي، وقال عبد الرحمن بن مهدي: ذكرناه لشعبة فصاح صيحة، قال ابن أبي حاتم عقب حكاية بن مهدي: فدلت صيحة شعبة أنه لم يرضه، وقال الساجي: تكلموا فيه، وقال أبو داود: لم يرو عنه إلا هشيم، وقال الدارقطني: يعتبر به، وقد ذكره ابن حبان في الثقات» ا. هـ.
هل يُعتمد على توثيق ابن حبان؟
قال الشيخ الألباني في كتابه (تمام المنة في التعليق على فقه السنة: ص20 - 21): «
…
المجهول بقسميه لا يُقبل حديثه عند جمهور العلماء، وقد شذّ عنهم ابن حبان فقبل حديثه، واحتج به وأورده في (صحيحه)، قال الحافظ ابن حجر في (لسان الميزان): «قال ابن حبان: من كان منكر الحديث على قلته لا يجوز تعديله إلا بعد السبر، ولو كان ممن يروي المناكير، ووافق الثقات في الأخبار، لكان عدلا مقبول الرواية، إذ
الناس أقوالهم على الصلاح والعدالة حتى يتبين منهم ما يوجب القدح [فيُجرح بما ظهر منه من الجرح]، هذا حكم المشاهير من الرواة، فأما المجاهيل الذين لم يرو عنهم إلا الضعفاء فهم متروكون على الأحوال كلها». (الضعفاء: 2/ 192 - 193) والزيادة من ترجمة عائذ الله المجاشعي.
ومن عجيب أمر ابن حبان أنه يورد في الكتاب المذكور ـ بناء على هذه القاعدة المرجوحة ـ جماعة يصرح في ترجمتهم بأنه «لا يعرفهم ولا آباءهم» ! فقال في الطبقة الثالثة: «سهل، يروي عن شداد بن الهاد، روى عنه أبو يَعْفور، ولست أعرفه، ولا أدري مَنْ أبوه» .
ومن شاء الزيادة في الأمثلة فليراجع (الصارم المُنْكي: ص 92 - 93)، وقد قال بعد أن ساقها:«وقد ذكر ابن حبان في هذا الكتاب خلقا كثيرا من هذا النمط، وطريقته فيه أنه يذكر من لم يعرفه بجرح وإن كان مجهولا لم يعرف حاله، وينبغي أن ينتبه لهذا ويعرف أن توثيق ابن حبان للرجل بمجرد ذكره في هذا الكتاب من أدنى درجات التوثيق» .
ولهذا نجد المحققين من المحدثين كالذهبي والعسقلاني وغيرهما لا يوثقون من تفرد بتوثيقه ابن حبان. انتهى كلام الشيخ الألباني (بتصرف).
2 -
على فرض صحة الأثر ـ وقد تبين ما فيه ـ فإن كلام أبي أمامة رضي الله عنه لا يعدو أن يكون مثل كلام عمر رضي الله عنه وقد سبق بيان معناه.
3 -
تفسير الآية: قال الحافظ ابن كثير: «يخبر تعالى أنه منذ بعث نوحا عليه السلام لم يرسل بعده رسولا ولا نبيا إلا من ذريته وكذلك إبراهيم عليه السلام ـ خليل الرحمن ـ لم ينزل من السماء كتابا ولا أرسل رسولا ولا أوحى إلى بشر من بعده إلا وهو من سلالته، حتى كان آخر أنبياء بني إسرائيل عيسى ابن مريم الذي بَشَّرَ مَنْ بعده بمحمد صلوات الله وسلامه عليهما ولهذا قال تعالى:{ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ} وهو الكتاب الذي أوحاه الله إليه {وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ} وهم الحواريون {رَأْفَةً} أي رقة وهي الخشية {وَرَحْمَةً} بالخلق، وقوله:{وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا} أي ابتدعتها أمة النصارى {مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ} أي ما شرعناها لهم وإنما هم التزموها من تلقاء أنفسهم، وقوله تعالى:{إِلَّا ابْتِغَاء رِضْوَانِ اللَّهِ} فيه قولان:
أحدهما: أنهم قصدوا بذلك رضوان الله، قاله سعيد بن جبير وقتادة.
والآخر: ما كتبنا عليهم ذلك إنما كتبنا عليهم رضوان الله.
وقوله تعالى: {فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا} أي فما قاموا بما التزموه حق القيام وهذا ذم لهم من وجهين: أحدهما: الابتداع في دين الله ما لم يأمر به الله.
والثاني: في عدم قيامهم بما التزموه مما زعموا أنه قربة يقربهم إلى الله عز وجل.
4 -
ليس في الآية دليل على جواز الابتداع في الدين أو أن في الإسلام بدعة حسنة فقد تبين من كلام الحافظ ابن كثير أن الله قد ذمّ ابتداعهم في دين الله ما لم يأمر به الله، ولو فُرِضَ أن هذا جائز في شرع من قبلنا (النصارا) فقد جاء شرعُنا بنسخه لقوله صلى الله عليه وآله وسلم:«كل بدعة ضلالة» (1).
(1) رواه الإمام مسلم (867).
الشبهة السادسة
قال (ص23، 24) إن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما استحسن صلاة الضحى جماعة في المسجد وسماها بدعة حسنة.
الرد:
سنذكر الآثار التي استدل بها الأستاذ محمد حسين ونرد على كلامه بالتفصيل:
* أولاً: قال الأستاذ محمد حسين (ص23 - 24): «عن مجاهد قال: دخلت أنا وعروة بن الزبير المسجد فإذا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما جالس إلى حجرة عائشة والناس يصلون الضحى في المسجد فسألناه عن صلاتهم، فقال: «بدعة» رواه البخاري (1)، ففي الحديث تسمية ابن عمر لصلاة الضحى جماعة في المسجد بدعة ولم يذمها ولم ينه عنها ومثله ومثل مجاهد وابن الزبير لا يترك بدعة ضلالة أمامه ويقرها».
* الرد:
قوله إن ابن عمر لم يذمها ولم ينه عنها
…
إلخ، أقول: ألم يقل ابن عمر إنها بدعة؟ وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم: «كل بدعة ضلالة» ، أليس هذا إنكاراً لها أم لابد أن ينكر عليهم باليد؟ ويدل على إنكار ابن عمر رضي الله عنه قول الإمام النووي:«وأما ما صح عن ابن عمر أنه قال في الضحى: هي بدعة، محمول على أن صلاتها في المسجد والتظاهر بها، كما كانوا يفعلونه بدعة، لا أن أصلها في البيوت ونحوها مذموم» (2)، ويدل على ذلك أيضاً ما قاله الحافظ في فتح الباري ـ بعد عدة أسطر من المكان الذي نقل منه الأستاذ محمد حسين ـ: «قال عياض وغيره: إنما أنكر ابن عمر ملازمتها وإظهارها في المسجد، وصلاتها جماعة، لا أنها مخالفة للسنة، ويؤيده ما رواه ابن أبى شيبة عن ابن
(1) رواه الإمام البخاري (1775).
(2)
شرح صحيح الإمام مسلم حديث (7/ 7).
مسعود أنه رأي قوماً يصلونها فأنكر عليهم، وقال: إن كان ولابد ففي بيوتكم» اهـ.
* ثانياً: قال الأستاذ محمد حسين (ص24): «جاء في (فتح الباري) لابن حجر عن الحكم بن الأعرج عن الأعرج قال: سألت ابن عمر عن صلاة الضحا، فقال: «بدعة ونعمت البدعة» كما روى عبد الرزاق في مصنفه بإسناد صحيح كما ذكره أيضاً صاحب فتح الباري
…
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: «لقد قُتل عثمان وما أحد يسبحها، وما أحدث الناس شيئاً أحب إليَّ منها» ، فقد استحسن ابن عمر صلاة الضحى جماعة في المسجد وسماها بدعة ومحدثة».
* الرد:
1 -
أطلب من القارئ الكريم أن يقرأ النص مرة أخرى فقد سئل ابن عمر عن صلاة الضحى (لم يُسأل عن صلاة الضحى جماعة وفي المسجد)، فقال:«بدعة ونعمت البدعة» ، فمن أين جاء بهذا الاستدلال العجيب.
2 -
أما قوله: «نعمت البدعة» و «وما أحدث الناس شيئاً أحب إليَّ منها» فليس دليلاً على جواز الابتداع في الدين؛ فقد تقدم كلام ابن رجب الحنبلي: «وأما ما وقع في كلام السلف من استحسان بعض البدع فإنما ذلك في البدع اللغوية لا الشرعية» (1) فيكون قوله رضي الله عنه كقول أبيه في صلاة التراويح: «نعمت البدعة» من حيث المداومة عليها كما سبق الرد عليه.
ويدل لذلك قول عائشة رضي الله عنها: «ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصلى سُبْحة الضحى قط، وإني لأُسبّحها، وإن كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لَيَدَع العمل وهو يحب أن يَعْمل به خشية أن يعمل به الناس فيفرض عليهم» (2).
قال الإمام البيهقي: «عندي أن المراد بقولها: «ما رأيته سبحها» أي داوم
(1) جامع العلوم والحكم (366).
(2)
رواه الإمام مسلم (718).
عليها، وقولها:«وإني لأسبحها» أي أداوم عليها» (1).
قال الإمام النووي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يواظب عليها خشية أن تفرض، وهذا في حقه صلى الله عليه وآله وسلم، وقد ثبت استحباب المحافظة في حقنا بحديث أبى الدرداء وأبى ذر (2).
فقول ابن عمر رضي الله عنه عن صلاة الضحى: «نعمت البدعة» ، ليس دليلاً على الابتداع في الدين، فسنة الضحى ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من فعله ومن قوله (3).
بل ثبت في السنة ما يدل على جواز صلاة الضحى في المسجد ـ فرادى وليس في جماعة ـ، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سريَّة فغنموا وأسرعوا الرجعة، فتحدث الناس بقُرْب مغزاهم وكثرة غنيمتهم وسرعة رَجْعتهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:«ألا أدلكم على أقرب منه مغزى وأكثر غنيمة وأوشك رجعة؟ من توضأ ثم غدا إلى المسجد لِسُبحة الضحا، فهو أقرب مغزى وأكثر غنيمة، وأوشك رجعة» (4).
قال الحافظ ابن حجر: «وفي الجملة ليس في أحاديث ابن عمر ما يدفع مشروعية صلاة الضحا؛ لأن نفيَه محمول على عدم رؤيته لا على عدم الوقوع في نفس الأمر، أو الذي نفاه صفة مخصوصة» (5).
الشبهة السابعة
استدلال الأستاذ محمد حسين (ص24، 25) بهذا الحديث: عن بلال بن
(1) فتح الباري شرح حديث (1177).
(2)
شرح صحيح الإمام مسلم حديث (717 - 721).
(3)
انظر: البخاري (1176، 1178)، ومسلم (718، 719، 720، 721).
(4)
رواه الإمام أحمد (6638) وقال الشيخ الألباني: «حسن صحيح» ، وقال الشيخ أحمد شاكر:«إسناده صحيح» .
(5)
فتح الباري، شرح حديث (1175)، وانظر المسألة بالتفصيل في زاد المعاد (1/ 341 - 360).
الحارث رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال له: «اعلم» ، قال:«ما أعلم يا رسول الله؟» ، قال:«إنه من أحيا سنة من سنتي قد أميتت بعدي كان له من الأجر مثل أجر من عمل بها من غير أن ينقص من أجورهم شيئاً ومن ابتدع بدعة ضلالة، لا يرضاها الله ورسوله، كان عليه مثل آثام من عمل بها لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئاً» ، ثم قال الأستاذ محمد حسين:«فقد قيد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم البدعة هنا بكونها ضلالة وقابل بها السنة، وهذا بمفهومه يفيد أن من البدع ما ليس بضلالة، وهو ما لا يقابل السنة الحسنة، بل يساويها ويكون مثلها» .
الرد:
1 -
الحديث أخرجه الإمام الترمذي (2830)، والإمام ابن ماجة (210) وهو حديث ضعيف؛ حيث إن فيه كثير بن عبد الله، قال الحافظ ابن رجب الحنبلي في (جامع العلوم والحكم) عنه: فيه ضعف، وقال عنه الإمام الشافعي والإمام أبو داود: أحد الكذابين، وقال عنه الإمام أحمد: منكر الحديث، ليس بشيء ولذلك ضعفه الشيخ الألباني (1) وغيره.
2 -
على فرض صحة الحديث ـ وقد تبين أنه ضعيف ـ فإن الأستاذ محمد حسين استدل بمفهوم المخالفة، وإذا قلنا بمفهوم المخالفة على رأي طائفة من أهل الأصول، فإن الدليل دل على تعطيله في هذا الموضع وهو قوله صلى الله عليه وآله وسلم:«كل بدعة ضلالة» (2)، فقوله صلى الله عليه وآله وسلم إن صح الحديث:«ومن ابتدع بدعة ضلالة، لا يرضاها الله ورسوله» صلى الله عليه وآله وسلم ذكر لبيان الواقع فكل بدعة ضلالة لا يرضاها الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وليس معناه أن هناك بدعاً ضلالة يرضاها الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم وبدعاً ضلالة لا يرضاها الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم؛ لأن الضلالة لازمة للبدعة على الإطلاق.
ومثله قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً}
(1) انظر ضعيف سنن الترمذى (500) وضعيف سنن ابن ماجه (37).
(2)
رواه الإمام أبو داود (4607) وصححه الشيخ الألباني.
[آل عمران: 30] فإنه لا يعمل بمفهوم المخالفة وهو: جواز أكل الربا إذا لم يكن أضعافاً مضاعفة، لأن الدليل دل على تحريم الربا قليله وكثيره (1).
3 -
يقول الأستاذ محمد حسين: «من البدع ما ليس بضلالة وهو ما لا يقابل السنة، بل يساويها ويكون مثلها» ا. هـ.
ولنا سؤال: كيف نعرف أن هذه بدعة ضلالة وتلك بدعة ليست ضلالة وتساوى السنة؟ لمن نرجع في التمييز بينهما؟ هل نرجع للأستاذ محمد حسين أم لغيره؟ ولو تُرك الأمر هكذا لكان لكل مسلم بدعه الخاصة به التي يرى أنها ليست ضلالة ويرى أنها تساوى السُّنة وتكون مثلها، وتكون النتيجة أن يكون لكل مسلم ديناً يختلف عن الأخر.
ونقول للأستاذ محمد حسين: المرجع في ذلك هو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فخير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وآله وسلم الذي قال: «كل بدعة ضلالة» .
الشبهة الثامنة
استدلاله بحديث: «من سَنّ في الإسلام سُنّة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سَنّ في الإسلام سُنّة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من غير أن ينقص من أوزارهم شيء» رواه مسلم، ثم قال: «فالحديث يثبت الابتداع الحسن في الإسلام ويقره ويثبت الابتداع السيئ في الإسلام ولا يقره
…
» إلخ (ص25 - 26).
الرد:
1 -
قال الإمام الشاطبي رحمه الله: «ليس المراد بالحديث الاستنان بمعنى الاختراع
(1) انظر الاعتصام (1/ 181)، الوجيز في أصول الفقه للدكتور عبد الكريم زيدان (ص370).
وإنما المراد العمل بما ثبت من السنة النبوية، وذلك من وجهين:
أحدهما: أن السبب الذي جاء لأجله الحديث هو الصدقة المشروعة بدليل ما ثبت في الصحيح من حديث جرير بن عبد الله رضي الله عنهما قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في صدر النهار فجاء قوم حفاة عراة مجتابي النمار أو العباء، متقلدي السيوف، عامتهم من مُضر بل كلهم من مضر، فتمعّر وجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما رأي بهم من الفاقة، فدخل ثم خرج، فأمر بلالاً فأذن وأقام فصلى ثم خطب فقال:«{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ} إلى آخر الآية: {إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1] والآية التي في الحشر: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [الحشر: 18] تصدق رجل من ديناره، من درهمه، من ثوبه، من صاع بُرِّه، من صاع تمره» ، حتى قال:«ولو بشق تمرة» ، قال: فجاء رجل من الأنصار بصُرَّة كادت كفه تعجز عنها، بل قد عجزت، قال: ثم تتابع الناس حتى رأيت كومَين من طعام وثياب حتى رأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتهلل كأنه مذهبة، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها
…
» إلخ الحديث (1).
فتأملوا أين قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «من سن سنة حسنة ومن سن سنة سيئة
…
» تجدوا ذلك فيمن عمل بمقتضى المذكور على أبلغ ما يقدر عليه حتى بتلك الصرة فانفتح بسببه باب الصدقة على الوجه الأبلغ، فسُرَّ بذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى قال: «من سن في الإسلام سنة حسنة
…
» الحديث، فدل على أن السنة ها هنا مثل ما فعل ذلك الصحابي، وهو العمل بما ثبت كونه سنة.
الوجه الثاني من وجهي الجواب: أن قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «من سن سنة حسنة ومن سن سنة سيئة
…
» لا يمكن حمله على الاختراع من أصل، لأن كونها حسنة أو سيئة لا
(1) رواه الإمام مسلم (1017) مجتابى النمار: خرقوها وقوروا وسطها، النمار: ثياب صوف، تمعر: تغير.
يعرف إلا من جهة الشرع؛ لأن التحسين والتقبيح مختص بالشرع، لا مدخل للعقل فيه وهو مذهب جماعة أهل السنة، وإنما يقول به المبتدعة، أعنى: التحسين والتقبيح بالعقل، فلزم أن تكون السنة في الحديث إما حسنة في الشرع وإما قبيحة بالشرع فلا يصدق إلا على مثل الصدقة المذكورة، وما أشبهها من السنن المشروعة وتبقى السنة السيئة مُنَزّلة على المعاصي التي ثبت بالشرع كونها معاصي، كالقتل في حديث ابن آدم حيث قال صلى الله عليه وآله وسلم:«لأنه أول من سَنَّ القتل» (1) وعلى البدع لأنه قد ثبت ذمها والنهي عنها بالشرع كما تقدم» (2).
2 -
يقول الأستاذ محمد حسين: «فالحديث يثبت الابتداع الحسن في الإسلام ويقره» .
ونقول له: من أين لك هذا؟ وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم: «من سن في الإسلام سنة حسنة» ، ولم يقل:«من ابتدع في الإسلام بدعة حسنة» .
ومما يدل على تناقضه قوله بعد سطور: «وأما حسنة وسيئة فهو مما دل عليه أصل في الدين يحسنه أو يصححه» ا. هـ.
ونسأله: لِمَ ردّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قول الثلاثة الذين قال أحدهم: «أما أنا فأنا أصلى الليل أبداً» ، وقال آخر:«أنا أصوم الدهر ولا أفطر» وقال آخر: «أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبداً» ، وقال لهم:«من رغب عن سنتي فليس مني» (3) مع أن لفعلهم هذا أصلاً في الشرع من الصلاة والصيام؟
(1) رواه الإمام البخاري (3335).
(2)
الاعتصام (1/ 179 - 181) بتصرف.
(3)
رواه الإمام البخاري (5063).
الشبهة التاسعة
قوله (ص26 - 27): إن البدعة الحسنة في الدين قد يكون في الدين ما هو أحسن منها، وهذا لا ينفي حسنها وإن أثبت ما هو أفضل منها
…
واستدل بقول غضيف بن الحارث الثمالى: «بعث إلاّ عبد الملك بن مروان، فقال: «يا أبا سليمان إنا قد جمعنا الناس على أمرين» ، فقال:«وما هما؟» قال: «رفع الأيدي على المنابر يوم الجمعة، والقصص بعد الصبح والعصر» ، فقال:«أما إنهما أمثل بدعتكم عندي ولست بمجيبكم إلى شيء منها، قال: «لم؟» قال: «لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «ما أحدث قوم بدعة إلا رُفِعَ مثلها من السنة» ، فتمسُّك بسنة خيرٌ من إحداث بدعة».
ثم قال الأستاذ محمد حسين: «فغضيف رضي الله عنه أثبت أن الدعاء يوم الجمعة ورفع الأيدي على المنابر وكذلك الدرس الديني ـ القصص ـ بعد صلاة الصبح وبعد صلاة العصر بدعة، سماها أمثل بدعكم فوصفها بالحسن، كما أن التمسك بما كان عليه الأمر قبل البدعة التي استحسنها بقوله: «خير من إحداثها» ، فقال:«خير من إحداث بدعة» ، و «خير» أفعل تفضيل بين خيرين».
الرد:
أولاً: هذا الأثر رواه الإمام أحمد في المسند (16907) وقال محققه: إسناده ضعيف ـ وقال محقق جامع العلوم والحكم: وفي الإسناد (بقية) وهو مدلس وقد عنعن، وفيه أبو بكر بن أبى مريم وهو ضعيف. اهـ فهذا الأثر لا يثبت، بل هو ضعيف؛ لأن في إسناده أبا بكر بن عبد الله بن أبي مريم الغساني وهو ضعيف، ضعفه الأئمة أحمد، وأبو داود، وأبو حاتم، وابن معين وأبو زرعة، وابن سعد، وابن عدي، والدارقطني، انظر ترجمته في (تهذيب التهذيب: 12/ 28 - 29)، و (تقريب التهذيب: 2/ 398)، و (ميزان الاعتدال: 4/ 498)، و (سير أعلام النبلاء: 7/ 64).
ثانياً: على افتراض صحة هذا الأثر، فإنه لا يجوز أن يعارَض كلام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بكلام أحد من الناس كائناً من كان.
ثالثاً: على فرض صحة الحديث فإنه لا يصح للاستدلال به على أن هناك بدعة حسنة في الدين وفي الشرع أفضل منها، وذلك لما يأتي:
1 -
أن غضيفاً بن الحارث رضي الله عنه رفض الاستجابة لهذه البدع، وردها، ولو كانت حسنة، لما امتنع من الأخذ بها، بل لم يُجِبْهم إلى هذه البدعة حيث قال:«ولست بمجيبكم إلى شيء منها» ، وهذا إنكار منه وإلا لو كانت بدعة حسنة لكان هو أول من يفعلها لأنه راوي الحديث ولم يفهم منه مثل ما فهم الأستاذ محمد حسين.
2 -
استدلال غضيف رضي الله عنه بعدم إجابتهم إلى شيء منها بقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «ما أحدث قوم بدعة إلا رُفع من السنة مثلها» فبدعتهم بنص الحديث سبب في رفع السنة، فلو كانت هذه البدعة حسنة، لم يرفع من السنة مثلها؛ لأن رفع السنة عقوبة، والحسَن لا يعاقَب عليه. فهل يُعقل أن تكون هناك بدعة حسنة مع كونها سبباً في رفع السنة، فالحديث حجة على الأستاذ محمد حسين؛ لأن الحديث يدل على العموم «ما أحدث قوم بدعة إلا رفع مثلها من السنة» فكل بدعة سبب في رفع مثلها من السنة، فكيف يمكن أن تكون هناك بدعة حسنة؟
رابعاً: يقول الأستاذ محمد حسين: سماها «أمثل بدعكم» فوصفها بالحسن كما ذكر أن التمسك بما كان عليه الأمر قبل البدعة التي استحسنها بقوله: «خير من إحداثها» ، فقال:«خير من إحداث بدعة» ، و «خير» أفعل تفضيل بين خيرين» اهـ.
* الرد: هذا استدلال عجيب جداً فهل قول: «تمسك بسنة خير من إحداث بدعة» دليل على أن إحداث البدعة فيه خير ولكن التمسك بالسنة فيه خير أفضل منه؟ سبحان الله العظيم!!! هل قولنا إن الجنة خير من النار دليل على أن النار فيها خير وأن الجنة أفضل منها؟ قال تعالى: {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلاً} [الفرقان: 24] هل قولنا إن محمداً صلى الله عليه وآله وسلم خير من أبى جهل دليل على أن أبا جهل فيه خير ولكن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أفضل منه؟ ومن أوضح الأدلة على ذلك أيضاً قول
يوسف عليه السلام: {يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} [يوسف: 39] وهذا تفضيل لا يدل على اشتراكهما في الصفة، وليس دليلاً على أن أصنامهم فيها خير.
* وكذلك قول غُضَيفٍ رضي الله عنه: «إنهما أمثل بدعتكم عندي» أمر نسبي، أي هي بالنسبة للبدع الأخرى أخف شراً، وأقل مخالفة. وليس معناه أنه استحسنهما، بل معناه أن هاتين أخف بدعكم ضرراً كما يقال:«المريض اليوم أمثل» ، أي: أحسن حالاً، وليس معناه أنه شفي تماماً، وهذا مثال للتوضيح: لو أن مدرساً عقد امتحاناً لطلابه وعددهم 50 طالباً مثلاً وحصل أفضل الطلاب على 15 ? فمن الطبيعي أن يقول له المدرس: أنت أفضل طالب في الفصل، فهل يعنى ذلك أن هذا الطالب جيد؟ كلا، بل يعنى أن هذا الطالب هو أقلهم سوءاً.
ملحوظة: هناك فرق بين كون الشيء بدعة وكونه مخالفاً للسنة فمثلاً إطالة الخطيب في خطبة الجمعة مخالف للسنة ولكنه ليس ببدعة اصطلاحاً، وكذلك إرسال اليدين وعدم وضعهما على الصدر أثناء القيام الذي قبل الركوع مخالف للسنة وليس ببدعة. فكذلك كون القصص بعد الفجر والعصر مخالف للسنة؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يتخول أصحابه بالموعظة مخافة السآمة عليهم، ولكن ليس معنى ذلك أن تحديد موعد للدرس بدعة لا عندنا ولا عند الأستاذ محمد حسين. وكذلك رفع اليدين على المنابر في الدعاء فإنه ليس بدعة ولكن الكلام في المواظبة عليها.
الشبهة العاشرة
استدلاله (ص27 - 30) بجمع أبي بكر وعثمان رضي الله عنهما للمصحف.
الرد:
أولاً: القرآن كان في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم مكتوباً في الصحف؛ لقوله تعالى: {يَتْلُو
صُحُفاً مُطَهَّرَة} [البينة: 2] وقول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: «لا تكتبوا عني، ومن كتب عني غير القرآن فليمحه» (1)، لكنها كانت مفرقة، كما يدل على ذلك قول زيد بن ثابت رضي الله عنه في قصة جمع القرآن التي رواها الإمام البخاري:«فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال» .
ثانياً: إن جمع القرآن لم يأت به الصحابة من تلقاء أنفسهم، بل هو تحقيق لوعد الله تعالى أيضاً بجمعه؛ كما وعد بحفظه:{إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} [القيامة: 17]، فإذا جمعنا بين الآيتين؛ تبين لنا يقيناً أصل عظيم وهو أن الذي شرع الغاية لم ينس الوسيلة، فكما أن حفظ القرآن غاية شرعها الله، كذلك جَمْعه وسيلة بيّنها الله، فكان على عهد النبوة مكتوباً في الصحف التي هي العسب واللخاف (2) وكذلك صدور الرجال، فلما رأى الصحابة أن القتل استحرَّ بالقراء يوم اليمامة؛ لجؤوا إلى الوسائل الأخرى التي كان القرآن مكتوباً فيها، فجمعوها، وكان ذلك إيذاناً من الله بتحقيق جمع القرآن وحفظه.
ثالثاً: إن اتفاق الصحابة وقع على جمع القرآن وذلك إجماع منهم وهو حجة بلا ريب كيف وهم القوم لا يجتمعون على ضلالة؟! وقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إنَّ اللهَ ـ تعالى ـ لا يَجمعُ أُمَّتي على ضلالةٍ» (3).
رابعاً: إن حاصل ما فعله الصحابة وسائل لحفظ أمر ضروري، أو دفع ضرر اختلاف المسلمين في القرآن، والأمر الأول من باب «ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب» ، والأمر الثاني من باب «درء المفاسد، وسد الذرائع» وهي قواعد أصولية مستنبطة من الكتاب والسنة.
فإن قيل: فلماذا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ قيل: لوجود المانع، وهو أن القرآن
(1) رواه الإمام مسلم (3004).
(2)
العسب جمع عسيب وهو جريد النخل، و (اللخاف) كلِحاف: حجارة بيض رقاق، واحدتها لخفة، كسمكة.
(3)
رواه الإمام الحاكم في المستدرك، وصححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع (1848).
كان يتنزل عليه طيلة حياته، وقد ينسخ الله سبحانه منه ما يريد، فلما انتفى المانع؛ فعله الصحابة رضي الله عنهم باتفاق.
وقال أيضاً: «وهذا له أصل يشهد له في الجملة، وهو الأمر بتبليغ الشريعة، وذلك لا خلاف فيه؛ لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ} [المائدة: 67] وأمته مثله» (3)، وقال الحافظ ابن رجب:«وقد كان صلى الله عليه وآله وسلم يأمر بكتابة الوحي، ولا فرق بين أن يكتب مفرقاً أو مجموعاً، بل جمعه صار أصلح» (4).
(1) اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم (ص 250)
(2)
الاعتصام (1/ 181، 182) بتصرف.
(3)
الاعتصام (1/ 182) بتصرف.
(4)
جامع العلوم والحكم (476).
* قال الدكتور عبد الكريم زيدان: «لا خلاف بين العلماء في أن العبادات لا يجرى فيها العمل بالمصالح المرسلة، لأن أمور العبادة سبيلها التوقيف، فلا مجال فيها للاجتهاد والرأْي، والزيادة عليها ابتداع في الدين، والابتداع مذموم فكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار» (1)، وقد قال الأستاذ محمد حسين (ص29): «اقتضت المصلحة ذلك
…
» وقال (ص30): «رأي الصحابة والمسلمون المصلحة في ذلك» ا. هـ. فهذا من قبيل المصالح المرسلة (2) فليس في جمع الصحابة للقرآن دليل على أن في الإسلام بدعة حسنة (3).
سادساً: قد أمر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم باتباع سنة الخلفاء الراشدين وهذا من سنة خلفائه الراشدين.
الشبهة الحادية عشرة
استدلاله (ص30) بتشكيل المصحف وتنقيطه ووضع الأعشار والأرباع والأحزاب.
الرد:
الرد على هذه الشبهة كالرد على الشبهة السابقة فهذا من المصالح المرسلة وقد اتفق المسلمون على ذلك للمصلحة كما قال الأستاذ محمد حسين (ص30)(4)، فليس فيها دليل على ما ذهب إليه؛ لدخوله تحت عموم الأدلة الدالة على وجوب حفظ
(1) الوجيز في أصول الفقه (ص238 - 242) بتصرف.
(2)
الوجيز في أصول الفقه (ص237).
(3)
راجع للأهمية: القاعدة التاسعة: الفرق بين البدع والمصالح المرسلة.
(4)
راجع القاعدة التاسعة: الفرق بين البدعة والمصالح المرسلة.
القرآن وإتقانه تلاوةً وتعلمًا وتعليمًا. والظاهر دخول النقط والشكل في عموم النصوص الدالة على وجوب حفظ القرآن كما أنزل.
الشبهة الثانية عشرة
استدلاله (ص30، 31) بالأذانين لصلاة الجمعة في عهد عثمان لما اتسعت المدينة وسوقها وهذا محدث في صلاة الجمعة ولم يخالف في ذلك أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم (ص30، 31).
الرد:
1 -
هذا من سنة الخلفاء الراشدين وقد أمر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم باتباع سنتهم، فهذه سنة شرعية نحن مأمورون باتباعها.
2 -
لم يسنه عثمان رضي الله عنه إلا لسبب لم يكن موجوداً في عهد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وهو سعة المدينة وتباعد الناس (1) فقد زاده عثمان لحاجة الناس إليه، وأقرَّهُ عليّ رضي الله عنه، واستمر عمل المسلمين عليه (2).
3 -
يقول الأستاذ محمد حسين (ص31): «وهذا محدث ولم يخالف أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم» .
ونقول: عدم مخالفة الصحابة رضي الله عنهم في ذلك إجماع منهم على هذا الأمر، والإجماع أحد أدلة الأحكام الشرعية، فالدليل الإجماع وليس أنه بدعة محدثة حسنة.
تنبيه: الهدف من الأذان الذي زاده عثمان رضي الله عنه تنبيه الناس أن اليوم يوم جمعة حتى
(1) الشرح الممتع (3/ 573) بتصرف.
(2)
جامع العلوم والحكم (467).
يستعدوا ويبادروا للصلاة قبل الأذان المعتاد المعروف بعد الزوال (1).
الشبهة الثالثة عشرة
الرد:
1 -
دلت أحاديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على الخلافة مثل قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «لا يزالُ هذا الأمرُ عزيزاً إلى اثنَاْ عشرَ خليفة» (2) وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «سيكون خلفاء فيكثرون» ، قالوا:«فما تأمرنا؟» ، قال:«فُوا ببيعة الأول فالأول» (3)، (فُوا: فعل أمر بالوفاء).
فاختيار الخليفة ليس بدعة حسنة بل أصل من أصول الشرع لا تنتظم حياة المسلمين إلا به، فلا يحق للأستاذ محمد حسين أن يقول:«محدث بعد محدث» .
قال إمام الحرمين الجوينى: «فنصب الإمام عند الإمكان واجب بإجماع من أشرقت عليه الشمس شارقة وغاربة، واتفاق المذاهب قاطبة، أما أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رأوا البدار إلى نصب الإمام حقاً، وتركوا ـ بسبب التشاغل به ـ تجهيز رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ودفنه» (4).
(1) مجموع فتاوى الشيخ ابن باز (12/ 348) وانظر الأجوبة النافعة للشيخ الألباني (ص20 - 22).
(2)
رواه الإمام مسلم (1821/ 8).
(3)
رواه الإمام البخاري (3455).
(4)
غياث الأمم في التيات الظلم (ص55) بتصرف.
2 -
إن لم يكن اختيار الخليفة دليله السنة فدليله إجماع الصحابة، وإن لم يكن إجماع الصحابة فسنة الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وهي سنة واجبة الاتباع بنص حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وإن لم يكن الدليل أياً مما سبق فالمصلحة المرسلة.
هذه أدلة أربعة على أن هذا الحكم (اختيار خليفة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم) ليس من البدع الحسنة.
3 -
اختيار أبي بكر رضي الله عنه كان بإجماع الصحابة ومن سنة الراشدين وكذلك عمر وعثمان وعليّ رضي الله عنهم وليس من البدع الحسنة.
قال الإمام النووي: «مات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم يستخلف أحداً بنص صريح، وهذا مذهب أهل السنة والجماعة، بل أجمعت الصحابة على عقد الخلافة لأبي بكر وتقديمه لفضيلته» (1).
4 -
هذا الكلام من الأستاذ محمد حسين لا علاقة له إطلاقاً بموضوع البدعة الحسنة؛ لأن أدلة الشرع إنما دلت على وجوب نصب الخلفاء ولم تتعرض لكيفية ذلك، فكيف تُوصَف طرق التنصيب المختلفة التي أجمع عليها الصحابة رضي الله عنهم بكونها محدث بعد محدث.
الشبهة الرابعة عشرة
استدلاله (ص31) باتخاذ تأريخ للمسلمين وتدوين الدواوين في عهد أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه.
الرد:
(1) شرح صحيح الإمام مسلم (حديث 2384).
1 -
هذان فعلهما عمر رضي الله عنه وهو خليفة راشد أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم باتباع سنته، وحذرنا من كل بدعة فقال:«كل بدعة ضلالة» .
2 -
هذان فعلهما عمر رضي الله عنه وهما من المصالح المرسلة وهي أحد أدلة الأحكام.
فليس في ذلك دليل على أن في الإسلام بدعة حسنة (1).
الشبهة الخامسة عشرة
ذكر الأستاذ محمد حسين (ص136 - 142) تحت عنوان: «هل تطلق البدعة على كل ما لم يفعله النبي صلى الله عليه وآله وسلم؟» 76 سؤالاً من شاكلة:
- هل فرش المساجد بدعة؟ فلم يكن ذلك معروفاً على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟
- هل توصيل الكهرباء وإضاءة المساجد بدعة؟
- هل وضع الساعات لمعرفة الأوقات بالمساجد بدعة؟
- هل استخدام المراوح في المساجد بدعة؟
- هل الخطبة والأذان في الميكروفون بدعة؟
- هل نقل الحجاج بالطائرات والسفن والسيارات بدعة؟
الرد:
(1) راجع: القاعدة التاسعة: الفرق بين البدع والمصالح المرسلة.
أولاً: على فرض أن هذه الأشياء من المصالح المرسلة فليس فيها دليل على البدعة الحسنة وقد تقدم في أول هذا الرد الفرق بين البدع والمصالح المرسلة، والفرق بين البدع والاستحسان.
قال الدكتور عبد الكريم زيدان: «لا خلاف بين العلماء في أن العبادة سبيلها التوقيف، فلا مجال فيها للاجتهاد والرأي، والزيادة عليها ابتداع في الدين، والابتداع مذموم، فكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار (1)، فالفرق شاسع بين المصالح المرسلة والبدع.
ثانياً: قال الدكتور محمد بن حسين الجيزاني ـ عضو هيئة التدريس بالجامعة الإسلامية في المدينة النبوية ـ: «إن المصلحة المرسلة لا مدخل لها في التعبدات المحضة، كأفعال الصلاة وأفعال الحج وأنصبة المواريث ومقادير الكفارات والعِدَد والحدود.
فجميع هذه المسائل تعبدية توقيفية، لا مجال فيها للرأي، ولا مدخل فيها للاجتهاد، إلا أن الاستصلاح ربما يقع في بعض العبادات، لكنه إنما يقع في وسائلها المطلقة لا في ذات العبادة وأصلها، ولا يقع أيضاً في وسائلها التوقيفية التي ورد بها الشارع.
ومن الأمثلة على ذلك أن استقبال القبلة ودخول الوقت أمور تعبدية لابد من تحقيقها بالنسبة إلى الصلاة، وقد يستعان في معرفة القبلة بالبوصلة أو غيرها، وبالساعة في معرفة وقت الصلاة، فكل هذا من قبيل الوسائل التي أطلقها الشارع، وتندرج تحت قاعدة (ما لا يتم الواجب إلا به).
ومن ذلك أيضاً: إنشاء طابق ثانٍ للطواف والسعي والصلاة في المسجد الحرام، ومثل إنشاء جسر متعدد الأدوار للجمرات» (2) ا. هـ.
(1) الوجيز في أصول الفقه (ص238 - 242) بتصرف.
(2)
موقع الإسلام اليوم 27/ 2/1427هـ.
وينطبق هذا الكلام على معظم الأمثلة التي ذكرها الأستاذ محمد حسين، فمثلاً استخدام الناس المراوح في المساجد، وتوصيل الكهرباء إليها، وإضاءتها وفرشها، وغير ذلك، كلها وسائل لعمارة المساجد، حيث إن الشرع قد حثّ على عمارتها وهذه وسائل لعمارتها، قال تعالى:{إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَاّ اللهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَن يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِين} [التوبة: 18] فقد أثبت الإيمان في الآية لمن عمر المساجد بالصلاة فيها، وتنظيفها وإصلاح ما وَهَى منها (1).
واستخدام الميكروفون في الخطبة والأذان مجرد وسيلة لتبليغ صوت الخطيب والمؤذن، ووضع الساعات لمعرفة الأوقات مجرد وسيلة لتحديد وقت الصلاة، وما ذُكِر من الأمثلة ليس له علاقة من بعيد أو قريب بمسألة البدعة الحسنة.
ثالثاً: من العجيب أن يسأل الأستاذ محمد حسين: «هل نقل الحجاج بالطائرات والسفن والسيارات بدعة؟» .
ونقول له: هل يعتقد أحد من المسلمين أن الحج عن طريق الطائرة أفضل في الثواب من الحج عن طريق الإبل؟ إن طريقة انتقال الحاج لأداء الفريضة يرجع إلى العادة وليس العبادة، وهذا أمر مسلّم به، فليس فيما ذكره الأستاذ محمد حسين دليل على وجود البدعة الحسنة.
رابعاً: بعض الأمثلة التي ذكرها الأستاذ محمد حسين تحتاج إلى بحث؛ لأن بعض العلماء قد يعتبرها من المكروهات كالزخرفة للمساجد (2)، أو من البدع كالدعاء الجماعي في الطواف. (3)
خامساً: بعض الأمثلة التي ذكرها الأستاذ محمد حسين أخطأ وقال إنها لم تكن
(1) انظر تفسير القرطبي.
(2)
انظر فقه السنة (1/ 297)، صحيح فقه السنة (1/ 565).
(3)
فتاوى اللجنة الدائمة (11/ 358)، فتاوى أركان الإسلام للشيخ ابن عثيمين (ص544 - 545).
موجودة على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، رغم وجودها على عهده صلى الله عليه وآله وسلم أو أن لها أصلاً من هديه صلى الله عليه وآله وسلم، وإليك بعض الأمثلة:
- قال الأستاذ محمد حسين (ص138 رقم 26): «هل خلْع جميع الناس لأحذيتهم لأداء الصلوات بدعة؟ فقد كانوا يصلون بأحذيتهم ولا يخلعونها في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم؟»
* تعليق: قال الشيخ الألباني: «وكان يقف حافياً أحياناً ويتنعل أحياناً (1) وأباح ذلك لأمته فقال: «إذا صلى أحدكم فلْيَلْبس نعليه أو ليخلعهما بين رجليه ولا يؤذ بهما غيره» (2) وأكد عليهم الصلاة فيهما أحياناً فقال: «خالفوا اليهود فإنهم لا يصلون في نعالهم ولا خفافهم» (3)» ا. هـ (4).
وعن عبد الله بن السائب قال: «رأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يصلى يوم الفتح، ووضع نعليه عن يساره» (5)، فقد ثبت جواز خلع الأحذية لأداء الصلوات من قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم وفعله.
- قال الأستاذ محمد حسين (ص139 رقم 3): «هل الالتزام بدرس ديني في يوم وموعد محدد مقرر بدعة؟ فقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتخوّل الناس بالموعظة» .
* تعليق: ذكر الإمام البخاري في كتاب العلم، باب 12: باب من جعل لأهل العلم أياماً معلومة (الحديث رقم 70): عن أبي وائل قال: كان عبد الله (يعنى ابن مسعود) يذكّر الناس في كل خميس، فقال له رجل:«يا أبا عبد الرحمن لوَدِدْتُ أنك ذكّرتنا كل يوم» ، قال:«أما إنه يمنعنى من ذلك أنّي أكره أنْ أُمِلَّكُم وإني أتخَوَّلُكم بالموعظة كما كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يتخَوَّلُنا بها مخافةَ السَّآمةِ علينا» .
(1) رواه الإمام أبو داود (653) وهو حديث متواتر كما ذكر الإمام الطحاوا.
(2)
رواه الإمام أبو داود (655) والبزار وصححه الإمام الحاكم ووافقه الإمام الذهبى وصححه الشيخ الألباني.
(3)
رواه الإمام أبو داود (652) وصححه الإمام الحاكم ووافقه الإمام الذهبا، وصححه الشيخ الألباني.
(4)
صفة صلاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم (ص 54).
(5)
رواه الإمام أبو داود (648) وصححه الشيخ الألباني.
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: «قوله: «باب من جعل لأهل العلم يوماً معلوماً» وكأنه أخذ من صنيع ابن مسعود في تذكيره كل خميس أو من استنباط عبد الله (يعني ابن مسعود) ذلك من الحديث الذي أورده» اهـ.
وروى الإمام مسلم (2633) عن أبي سعيد الخدري قال: جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالت: «يا رسول الله، ذهب الرجال بحديثك فاجعل لنا من نفسك يوماً نأتيك فيه تعلمنا مما علمك الله» ، قال:«اجتَمِعْنَ يوم كذا وكذا» ، فاجتمَعْنَ فأتاهُن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فعلمَهُنّ مما علمه الله، ورواه البخاري في صحيحه، كتاب العلم، باب: هل يُجعل للنساء يومٌ على حدة في العلم؟ حديث رقم (101)
- قال الأستاذ محمد حسين (ص136 رقم 1): «هل فرش المساجد بدعة فلم يكن ذلك على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟»
* تعليق: ثبت في صحيح البخاري كتاب الصلاة، باب الصلاة على الحصير (رقم 380) أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلى على حصير.
قال الحافظ ابن حجر تعليقاً على هذا الحديث: «بل سيأتي عنده ـ البخاري ـ من طريق أبي سلمة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان له حصير يبسطه ويصلي عليه» ، وكأن الحافظ رحمه الله يشير إلى ما رواه البخاري (730) عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان له حصير يبسطه بالنهار ويحتجره بالليل، فثاب إليه ناس فصلوا وراءه.
قال الحافظ: «يحتجره: أي يتخذه مثل الحجرة، فثاب: أي اجتمعوا» .
وروى البخاري أيضاً (731) عن بسر بن سعيد عن زيد بن ثابت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اتخذ حجرة وقال: حسبت أنه قال: «من حصير» في رمضان فصلى فيها ليالي، فصلى بصلاته ناس من أصحابه فلما علم بهم جعل يقعد، فخرج إليهم فقال:«قد عرفتُ الذي رأيتُ من صنيعكم، فصلوا أيها الناس في بيوتكم، فإن أفضل صلاة المرء في بيته، إلا المكتوبة» .
وقال الحافظ ابن حجر أيضاً تعليقاً على الحديث رقم 380: «وفي مسلم من حديث أبى سعيد أنه رأي النبي صلى الله عليه وآله وسلم يصلى على حصير» .
خامساً: ملحوظة: كرر الأستاذ محمد حسين بعض الأمثلة كما في مسألة المراحيض ودورات المياه في المساجد ذكرها تحت رقم (25، 43)، وذكر المراوح تحت رقم (13) ثم ذكر تكييف المسجد تحت رقم (46)، وذكر فرش المساجد تحت رقم (1) ثم ذكر فرش السجاجيد تحت رقم (47).
سادساً: في المقابل نسأل الأستاذ محمد حسين عن بعض ما نعتقده بدعة، ونظن أنه يعتقده كذلك، مثل إضافة لفظ (سيدنا) في الأذان بأن يقول المؤذن: أشهد أن سيدنا محمداً رسول الله، فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يَنْهَ المؤذنين عن ذلك، ولم يرِدْ عنه صلى الله عليه وآله وسلم دليل خاص في قَصْر المؤذنين على ذلك، مع كون النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو سيدنا بحكم الواقع وبحكم الشرع (انظر سنن أبي داود 4806)، وقد اشترط الأستاذ محمد حسين (ص20) في كون الشيء بدعة (ألا تكون واقعة تحت عموم ما ندب الله إليه وحض عليه الله أو رسوله صلى الله عليه وآله وسلم) لكي يُخْرج بذلك البدع الإضافية من بدع الضلالة، وبالتالي ـ حسب كلامه ـ لا يكون قول المؤذن:(أشهد أن سيدنا محمداً رسول الله) من البدع، وبهذه الطريقة ينفتح الباب لكثير من البدع مثل قول الشيعة:(أشهد أن علياً وليّ الله) في الأذان فإنه من أولياء الله بلا شك، وكذلك ما يحدث في دولة كسوريا من الأذان الجماعي، حيث يؤذن مجموعة من الناس معاً ويردد مجموعة أخرى خلفهم.
وهذه بعض الأمثلة لبدع إضافية نعتقد أن الأستاذ محمد حسين يوافقنا على أنها من البدع الضلالة، فإما أن يقول إن هذه البدع الإضافية بدع حسنة، وإما أن يقول إنها بدع ضلالة وعندئذ يُقِر بأن «كل بدعة ضلالة» كما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ويقر بأنه ليس في الدين بدعة حسنة:
1 -
الأذان لصلاة العيدين.
2 -
قول كثير من المصلين بين ركعات التراويح: «أبوبكر الصديق رضي الله عنه»
وغيرها من الأذكار بصوت واحد.
3 -
الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وآله وسلم من المؤذن عقب الأذان مع رفع الصوت بهما وجعلهما بمنزلة ألفاظ الأذان.
4 -
صلاة تحية المسجد جماعة.
5 -
صلاة سنة الظهر جماعة في المسجد.
6 -
صيام يوم ذكرى غزوة بدر والخندق وفتح مكة
…