المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ثامنا: مسألة اللحية - الرد على اللمع

[شحاتة صقر]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌كيف تناقش مبتدعاً

- ‌منهج الأستاذ محمد حسين في كتابه

- ‌أقوال للشيخ حسن البنا رحمه الله في وجوب اتباع النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهديها لأتباعه

- ‌قواعد أساسية في السنن والبدع ينبغي معرفتها

- ‌القاعدة الأولىتعريف البدعة

- ‌القاعدة الثانيةالحث على التمسك بالدين وإحياء السنة والتحذير من الابتداع

- ‌القاعدة الثالثةالأسباب التي أدت إلى ظهور البدع

- ‌القاعدة الرابعةتقسيم السنة إلى فعلية وتركية

- ‌القاعدة الخامسةالأصل في العبادات المنع

- ‌القاعدة السادسةمفاسد البدع

- ‌القاعدة السابعةأقسام البدع

- ‌القاعدة الثامنةهل في الدين بدعة حسنة

- ‌القاعدة التاسعةحكم البدعة في الدين بجميع أنواعها

- ‌القاعدة العاشرةالفرق بين البدعة والمصالح المرسلة

- ‌القاعدة الحادية عشرةالفرق بين البدع والاستحسان

- ‌القاعدة الثانية عشرةالمبتدع يتبع المتشابه وينصر به بدعته

- ‌القاعدة الثالثة عشرةالمبتدع يتخذ من زلات العلماء حجة لبدعته على الشرع

- ‌القاعدة الرابعة عشرةهل كل خلاف معتبر

- ‌القاعدة الخامسة عشرةأسباب الخطأ من أهل العلم

- ‌القاعدة السادسة عشرةأقوال الأئمة في اتباع السنة وترك أقوالهم المخالفة لها

- ‌القاعدة السابعة عشرةقواعد عامة لمعرفة البدعة

- ‌القاعدة الثامنة عشرةالخلاف في بعض البدع

- ‌القاعدة التاسعة عشرةالفرق بين البدعة والمبتدع

- ‌الرد على الشبهات التي استدل بها الأستاذ محمد حسين على جواز الابتداع في الدين وأن في الإسلام بدعة حسنة

- ‌الشبهة الثالثةتقسيم بعض العلماء البدع إلى حسنة وقبيحة

- ‌موقف الأستاذ محمد حسين من الأحاديث الضعيفة

- ‌مناقشة كلام الأستاذ محمد حسين

- ‌تجلية بدع وأخطاء (اللمع)

- ‌أولاً: الذكر الجماعي

- ‌ثانياً: صلاة النافلة مطلقاً جماعة وفي المساجد

- ‌ثالثاً: إحياء عشر ذي الحجة جماعة في المساجد

- ‌رابعاً: الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌خامساً: احتفال الشخص بعيد ميلاده أو عيد ميلاد أولاده

- ‌سادساً: الاحتفال بعيد الأم

- ‌سابعاً: الاحتفال بعيد شم النسيم

- ‌ثامناً: مسألة اللحية

- ‌تاسعاً: مسألة طول الملابس وقِصَرِها

- ‌عاشراً: معاملة أهل الذمة

- ‌حادي عشر: تلقين الميت بعد دفنه

- ‌ثاني عشر: إقامة السرادقات لأخذ العزاء

- ‌ثالث عشر: قراءة القرآن على القبر

- ‌رابع عشر: مسألة التوسل

- ‌خامس عشر: مسألة إخراج القيمة في زكاة الفطر

- ‌سادس عشر: مسألة الأسماء والصفات

- ‌مناقشة بعض آراء الأستاذ محمد حسين في كتابه(سلوكيات وأحكام المرأة في المجتمع المسلم)

- ‌بين الأستاذ محمد حسين والشيخ حسن البنا. . مقارنة

- ‌وختاماًً

الفصل: ‌ثامنا: مسألة اللحية

‌ثامناً: مسألة اللحية

قال الشيخ على محفوظ رحمه الله: «ومن أقبح العادات: ما اعتاده الناس اليوم من حلق اللحية وتوفير الشارب، وهذه البدعة سَرَتْ إلى المصريين من مخالطة الأجانب، واستحسان عوائدهم حتى استقبحوا محاسن دينهم وهجروا سنة نبيهم محمد صلى الله عليه وآله وسلم فعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «خالفوا المشركين وفّروا اللحى وأَحْفُوا الشوارب» وكان ابن عمر إذا حَجَّ أو اعتمر قبض على لحيته فما فضل أخذه (1) ورواه مسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما أيضاً عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «أحفوا الشوارب وأعفُوا اللحا» (2) وروى أيضاً عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «خالفوا المشركين، أحفوا الشوارب وأوفروا اللحا» (3) وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «جزوا الشوارب وأرخوا اللحا، وخالفوا المجوس» (4).

التوفير: الإبقاء، وأحفوا (بهمزة قطع): من الإحفاء وهو المبالغة في الجز، وأعفوا: من أعفيته إذا تركته كثر وزاد، فإعفاء اللحية تركها لا تُقص حتى تعفو أي تكثر، وإرخاؤها وإيفاؤها بمعنى الإعفاء، والأحاديث في ذلك كثيرة وكلها نَصّ في وجوب توفير اللحية وحرمة حلقها والأخذ منها.

ولا يخفي أن قوله: «خالفوا المشركين» ، وقوله:«خالفوا المجوس» ، يؤيدان الحرمة؛ فقد أخرج أبو داود وابن حبان وصححه عن ابن عمر قال: قال

(1) رواه الإمام البخاري (5892).

(2)

رواه الإمام مسلم (259/ 53).

(3)

رواه الإمام مسلم (259/ 53).

(4)

رواه الإمام مسلم (260).

ص: 161

رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «من تشبه بقوم فهو منهم» (1) وهو غاية في الزجر عن التشبه بالفساق أو الكفار في أي شيء مما يختصون به من ملبوس أو هيئة. فهذان الحديثان (2) ـ بعد كونهما أمرين ـ دالان على أن هذا الصنع من هيئات الكفار الخاصة بهم، إذ النهي إنما يكون عما يختصون به، فقد نهانا صلى الله عليه وآله وسلم عن التشبه بهم نهياً عاماً في قوله: «من تشبه

» ومن أفراد هذا العام حلق اللحية، ونهياً خاصاً في قوله:«وفروا اللحى خالفوا المجوس، خالفوا المشركين» .

وقد اتفقت المذاهب الأربعة على وجوب توفير اللحية وحرمة حلقها والأخذ القريب منه»، ثم نقل الشيخ علي محفوظ نصوص المذاهب الأربعة على التحريم ثم قال:«ومما تقدم تعلم أن حرمة حلق اللحية هي دين الله وشرعه الذي لم يشرع لخلقه سواه، وأن العمل على غير ذلك سفه وضلالة أو فسق وجهالة أو غفلة عن هدى محمد صلى الله عليه وآله وسلم» (3).

* لا يجوز الأخذ من عرض اللحية ولا من طولها إذا كانت أقل من قبضة، ولم يصح حديث:«أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يأخذ من لحيته من عرضها وطولها» (4)، قال الترمذي:«هذا حديث غريب» ، وقال ابن الجوزى:«حديث لا يثبت» ، وقال النووي:«رواه الترمذي بإسناد ضعيف لا يحتج به» ، وضعفه الحافظ ابن حجر في الفتح، ونسب تضعيفه إلى البخاري أيضاً، وقال المباركفوري:«حديث ضعيف جداً» (5).

* إذا زادت اللحية عن قبضة:

(1) رواه الإمام أبو داود (4031) وقال الشيخ الألباني: حسن صحيح.

(2)

(خالفوا المشركين وفروا اللحى وأحفوا الشوارب)، و (جزوا الشوارب وأرخوا اللحى خالفوا المجوس).

(3)

الإبداع في مضار الابتداع (ص408 - 410) بتصرف.

(4)

سنن الترمذي (2924) وقال الشيخ الألباني: موضوع.

(5)

انظر أدلة تحريم حلق اللحية للشيخ محمد بن إسماعيل المقدم (ص81).

ص: 162

ثبت أن ابن عمر رضي الله عنهما كان إذا حج أو اعتمر قبض على لحيته فما فضل أخذه (1)، وكان ابن عمر يفعل ذلك في الحج والعمرة، ولم يثبت عن غيره من الصحابة، ولا عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم مع ما هو معلوم من كثة لحاهم.

ولا شك أن قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وفعله أولى بالاتباع من قول غيره كائنا من كان، فالصحيح عدم الأخذ منها حتى لو زادت عن القبضة.

قال الإمام النووي: «والمختار ترك اللحية على حالها وألا يتعرض لها بتقصير شيء أصلاً» (2).

* مناقشة كلام الأستاذ محمد حسين:

أولاً: حاول الأستاذ محمد حسين (ص64 - 67) انتقاء أقوال بعض العلماء ليعارض بها الأحاديث الصحيحة التي رواها البخاري ومسلم والتي فيها الأمر بإعفاء اللحية ومخالفة المشركين والمجوس.

* الرد:

1 -

على فرض أن المسألة فيها خلاف ـ رغم أن نصوص المذاهب الأربعة تدل على حرمة حلق اللحية ـ، فإلى من نحتكم عند الاختلاف؟

قال تعالى: {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} [النساء: 59]، وقال تعالى:{وَأَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [آل عمران: 132].

والرسول صلى الله عليه وآله وسلم أمر بإعفاء اللحية مخالفة للمشركين والمجوس والأصل في أوامره صلى الله عليه وآله وسلم الوجوب لقوله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63] وغيره من الأدلة، والخروج عن هذا الأصل لا

(1) رواه الإمام البخاري (5892).

(2)

شرح صحيح الإمام مسلم (2614).

ص: 163

يجوز إلا بدليل تقوم به الحجة (1) وحلق اللحية فيه تشبه بالكافرين، وقد نهانا صلى الله عليه وآله وسلم عن التشبه بهم، وأمرنا بمخالفتهم في هذا الأمر بعينه فدل ذلك على وجوب إعفاء اللحية وحرمة حلقها.

2 -

الأحاديث التي فيها الأمر بإعفاء اللحية صحيحة رواها الشيخان: البخاري ومسلم، فلا نردها لقول عالم كائناً من كان.

وننقل للأستاذ محمد حسين ـ هنا ـ قول شيخه، الشيخ حسن البنا رحمه الله: «وإذا صح الحديث فقد وجب العمل به وإن لم يخرجه الشيخان، ولا يترك العمل به لرأي، ولا تقليد إمام، ولا لتوهم إجماع.

قال ابن القيم في إعلام الموقعين: والذي ندين الله عليه، ولا يسعنا غيره، أن الحديث إذا صح عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم يصح حديث آخر ينسخه، أن الفرض علينا وعلى الأمة الأخذ بحديثه وترك ما خالفه، ولا نتركه لخلاف أحد كائناً من كان، لا راويه، ولا غيره، إذْ من الممكن أن ينسى الراوى الحديث، ولا يحضره وقت الفتيا، أو يفطن لدلالته على تلك المسألة، أو يتأول فيه تأولاً مرجوحاً، أو يكون في ظنه ما يعارضه ولا يكون معارضاً في نفس الأمر، أو يقلد غيره في فتواه بخلافه، لاعتقاده أنه أعلم منه وأنه إنما خالف لما هو أقوى منه.

ولو قُدر انتفاء ذلك كله ـ ولا سبيل إلى العلم بانتفائه ولا ظنه ـ لم يكن الراوي معصوماً ولم توجب مخالفته لما رواه سقوط عدالته حتى تغلب سيئاته حسناته» انتهى كلام الشيخ حسن البنا (2) وفيه رد واضح على منهج الأستاذ محمد حسين في الاستدلال.

3 -

قال الشيخ السيد سابق رحمه الله عن قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «خالفوا المشركين وفروا اللحا» : «حمل الفقهاء هذا الأمر على الوجوب وقالوا بحرمة حلق اللحية بناء

(1) تمام المنة في التعليق على فقه السنة للشيخ الألباني (80) وانظر: الوجيز في أصول الفقه د/عبد الكريم. زيدان (ص294).

(2)

مباحث في علوم الحديث للشيخ حسن البنا (57 - 58).

ص: 164

على هذا الأمر» (1).

وقد كتب الشيخ حسن البنا مقدمة لكتاب (فقه السنة) وكان ذلك أثناء الاحتلال البريطاني لمصر، فهل حالنا الآن أشد من أيام الاحتلال؟ فالواجب علينا تغيير الواقع بأحكام الشرع، وليس تطويع أحكام الشرع لتبرير الواقع.

4 -

قال الدكتور عبد الله ناصح علوان ـ وهو من رموز الإخوان المسلمين في العالم ـ: «وقد اتفقت المذاهب الأربعة على وجوب توفير اللحية، وحرمة حلقها» (2).

ثانياً: قال الأستاذ محمد حسين (ص69): «الأمر في الحديث بجز الشوارب وإنهاكها وفَعَله بعض الصحابة، وترَك القص بعض الصحابة، بل إن عمر بن الخطاب كان يترك سباليه أي يطيل طرفي شاربه ـ وأحاديث الفطرة بإعفاء اللحية هي هي بقص الشارب، والاختلاف حاصل وبلا نكير، فلماذا ينكر البعض الخلاف في حلق اللحية والخلاف حاصل من قديم» .

الرد:

1 -

فيما يتعلق بالشارب ورد في السنة:

- قص الشارب (من الفطرة)(مسلم 261)

- أنهكوا الشوارب. (البخاري 5893)

- أحفوا الشوارب. (البخاري 5892)

- جزّوا الشوارب.

(مسلم 260)

فالسنة دلت على الأمرين (أي القص والإحفاء) ولا تعارض فإن القص يدل على أخذ البعض، والإحفاء يدل على أخذ الكل وكلاهما ثابت (3).

(1) فقه السنة: (1/ 44).

(2)

تربية الأولاد في الإسلام (2/ 899).

(3)

فتح الباري، (شرح حديث 5889).

ص: 165

و «أنهكوا» : بالغوا في القص، ومثله «جزوا» ، فاختلاف الصحابة إنما هو في العمل بأحد الأمرين وكلاهما وارد قولًا عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فالصحابة لم يخالفوا أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم فما الدليل في ذلك على الاختلاف في أمر اللحية؟

وهل ثبت في الأحاديث التخيير بين حلق اللحية أو توفيرها؟ وهل ثبت أن أحد الصحابة حلق لحيته؟ فالأمر في الحديث يدل على وجوب إعفاء اللحية ولم يخالف في ذلك أحد من الصحابة.

2 -

استدل الأستاذ محمد حسين (ص69) بأن عمر رضي الله عنه كان يترك سباليه أي يطيل طرفي شاربه والأمر بإعفاء اللحية هو الأمر بقص الشارب وقد خالفه عمر، فظن الأستاذ محمد حسين أن هذا دليل على عدم وجوب إعفاء اللحية.

والرد من وجوه:

أ- العجيب أن الأستاذ محمد حسين أراد أن يترك العمل بحديث رواه البخاري ومسلم عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لفعل عمر، ولكن الأعجب: من الذي روى هذا الأثر عن عمر؟ يجيب الأستاذ محمد حسين (ص69): «قال الإمام الغزالى في الإحياء: ولا بأس بترك سباليه وهما طرفا الشارب، فعل ذلك عمر وغيره» (1) هذا هو تخريج الحديث مع العلم بأن إحياء علوم الدين مليء بالأحاديث الضعيفة والموضوعة فالغزالي ليس محدثاً (2)، والغزالي لم يذكر من رواه من علماء الحديث.

ونقول للأستاذ محمد حسين: ذكرتَ (ص32) أن الحديث الضعيف لا يعمل به في الأحكام والعقائد، فهل هذا الأثر الذي ذكرتَه عن (إحياء علوم الدين) صحيح أم لا؟ وإذا كان صحيحاً فلماذا لم تذْكُر من أخرجه؟ وإذا كنت لا تعرف من أخرجه

(1) إحياء علوم الدين (1/ 166).

(2)

قال شيخ الإسلام ابن تيمية إن أبا المعالا، وأبا حامد الغزالي، وابن الخطيب وأمثالهم، لم يكن عندهم من المعرفة بعلم الحديث ما يعدون به من عوام اهل الصناعة فضلاً عن خواصها، ولم يكن الواحد من هؤلاء يعرف البخاري ومسلماً وأحاديثهما، إلا بالسماع كما يذكر ذلك العامة، ولا يميزون بين الحديث الصحيح المتواتر عند أهل العلم بالحديث وبين الحديث المفترى المكذوب، وكتبهم أصدق شاهد بذلك ففيها عجائب. (مجموع الفتاوى 2/ 307)(الطبعة القديمة 4/ 72، 73).

ص: 166

ولا تعرف درجته من الصحة فكيف تحث الناس على ترك العمل بحديث في البخاري ومسلم لأثر لا تعرف من أخرجه ولا تعرف ما إذا كان صحيحاً أم ضعيفاً؟

ب- إن صح ذلك عن عمر رضي الله عنه فليس معناه أنه كان لا يقص شاربه بل معناه أنه كان يترك جانبيه.

قال الحافظ ابن حجر: «

وأما الشارب فهو الشعر النابت على الشفة العليا، واختلف في جانبيه وهما السبالان فقيل: هما من الشارب ويشرع قصهما معه، وقيل: هما من جملة شعر اللحية» (1).

ثالثاً: قال الأستاذ محمد حسين (ص69): «ذهب بعض العلماء المعاصرين

إلى أن حكم اللحية مثل أحكام النظافة كتقليم الأظافر وحلق العانة لأنها من أحكام الفطرة كما جاء في الحديث».

الرد:

1 -

نترك الرد هنا للأستاذ محمد حسين فننقل هنا ما نقله (ص65) عن الإمام النووي حيث قال: «لا يمنع قرن الواجب بغيره كما قال تعالى: {كُلُوا مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141]، والإيتاءُ واجب والأكل ليس بواجب» (2).

ونقول: اللحية واجبة ولا يمتنع قرنها مع سنة، وقد دل على الوجوب أحاديث الأمر بها مخالفةً للمشركين والمجوس، فاشتراكها مع تقليم الأظافر وحلق العانة في أنهم من أحكام الفطرة لا يمنع أنها واجبة.

2 -

إذا كان حكم اللحية مثل أحكام النظافة فلماذا أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بتوفيرها وأمر في نفس الحديث بمخالفة المشركين؟

3 -

بالنسبة لسنن الفطرة مثل تقليم الأظافر وحلق العانة:

(1) فتح الباري، شرح حديث (2889).

(2)

شرح صحيح الإمام مسلم (حديث 259).

ص: 167

قال أنس رضي الله عنه: «وُقِّت لنا في قص الشارب، وتقليم الأظافر، ونتف الإبط، وحلق العانة، أن لا نَتْرُك أكثر من أربعين ليلة» (1)، وفي رواية: «وَقَّت لنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حلق العانة وتقليم الأظافر

» (2).

قال الإمام النووي: «معناه: لا تترك تركاً يتجاوز به أربعين لا أنهم وقّت لهم الترك أربعين» .

قال الإمام الشوكاني: «بل المختار أنه يضبط بالأربعين التي ضبط بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلا يجوز تجاوزها، ولا يعد مخالفاً للسنة مَنْ ترك القص ونحوه بعد الطول إلى انتهاء تلك الغاية» . (3)

* ونسأل الأستاذ محمد حسين: هل يأخذ هؤلاء العلماء المعاصرون بحديث أنس رضي الله عنه أم يجوز عندهم ترك العانة والإبط والأظافر أكثر من أربعين يوماً؟

رابعاً: قال الأستاذ محمد حسين (ص67): «نقل النووي في (شرح مسلم)، قال: قال القاضي عياض (المالكي المذهب رحمه الله) يكره حلق اللحية وقصها وتحذيفها

انتهى كلام القاضي. وأقول (القائل الأستاذ محمد حسين): وهذا أيضاً فقه المذهب المالكي ينص عليه هذا الإمام القاضي عياض من أنه يكره حلق اللحية فلم يوجبها ويحرم حلقها، ولكنها الكراهة التي من فعلها لم يؤجر ولم يأثم بحلقها، وأعيد القول: إن هذا مذهب أي آلاف الأئمة العلماء على مدار تاريخ المذهب».

الرد:

1 -

لا يُعرف الحق في مسألة ما بكثرة القائلين به، بل يعرف الحق بالدليل من الكتاب والسنة، وقد تقدم كلام الشيخ حسن البنا رحمه الله ومن الأفضل إعادته هنا، حيث قال: «وإذا صح الحديث فقد وجب العمل به وإن لم يخرجه الشيخان، ولا يترك

(1) رواه الإمام مسلم (258).

(2)

رواه الإمام أبو داود (4200) وصححه الشيخ الألباني.

(3)

نيل الأوطار (1/ 163).

ص: 168

العمل به لرأي، ولا تقليد إمام، ولا لتوهم إجماع».

2 -

القول بكراهة حلق اللحية ليس مذهب المالكية وإنما قال به بعضهم أو القليل منهم.

وننقل هنا بعض أقوال علماء المذهب المالكي: قال الإمام ابن عبد البر في (التمهيد): «ويحرم حلق اللحية ولا يفعله إلا المخنثون من الرجال» ، وقال الإمام القرطبي:«لا يجوز حلق اللحية ولا نتفها ولا قصها» ، وقال النفراوي في شرحه على رسالة أبي زيد:«فما عليه الجند في زماننا من أمر الخدم بحلق لحاهم لا شك في حرمته عند جميع الفقهاء» ، وقال العلامة الدسوقي في حاشيته على شرح خليل:«يحرم على الرجل حلْق لحيته أو شاربه، ويُؤدَّب من يفعل ذلك» .

3 -

لم يكمل الأستاذ محمد حسين كلام الإمام النووي حيث قال: «هذا آخر كلام القاضي، والمختار ترك اللحية على حالها وأن لا يتعرض لها بتقصير شيء أصلاً» (1) قال الحافظ ابن حجر بعد أن نقل كلام القاضي عياض السابق: «كذا قال وتعقبه النووي بأنه خلاف الخبر في الأمر بتوفيرها، قال: والمختار تركها على حالها وأن لا يتعرض لها بتقصير ولا غيره» (2).

4 -

هناك ملاحظات على كلام القاضي:

أ- يُفهم من تعقب الإمام النووي أن كلام القاضي عن التقصير وليس الحلق.

ب- هل القاضي عياض يريد بالكراهة الكرهة التحريمية أم التنزيهية، قال الإمام الشوكاني:«والمكروه يقال بالاشتراك على أمور ثلاثة: الأول: على مانهي عنه نهي تنزيه، وهو الذي أشعر فاعله أن تركه خير من فعله، الثاني: على ترك الأولا، الثالث: على المحظور وهو المحرم» (3).

(1) شرح صحيح مسلم (2614).

(2)

فتح الباري: (10/ 422).

(3)

إرشاد الفحول: (ص 6).

ص: 169

* تنبيه: قال الإمام ابن القيم: «قال ابن وهب: سمعت مالكاً يقول: لم يكن من أمر الناس ولا مَنْ مضى من سلفنا، ولا أدركتُ أحداً ممن أقتدي به يقول في شيء: «هذا حلال، وهذا حرام» وما كانوا يجترئون على ذلك، وإنما كانوا يقولون: نكره كذا ونرى هذا حسناً، فينبغي هذا، ولا نرى هذا، ورواه عنه عتيق بن يعقوب، وزاد: ولا يقولون حلال ولا حرام، أمَا سمعت قول الله تعالى:{قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا أَنزَلَ اللهُ لَكُم مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُم مِّنْهُ حَرَامًا وَحَلَالاً قُلْ آللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ} [يونس: 59] الحلال ما أحله الله ورسوله، والحرام ماحرمه الله ورسوله.

قلت (القائل الإمام ابن القيم): وقد غلط كثير من المتأخرين من أتباع الأئمة على أئمتهم بسبب ذلك، حيث تورع الأئمة عن إطلاق لفظ التحريم، وأطلقوا لفظ الكراهة، فنفى المتأخرون التحريم عما أَطلق عليه الأئمة لفظ الكراهة، ثم سهل عليهم لفظ الكراهة وخفّت مؤنته عليهم فحمله بعضهم على التنزيه، وتجاوز به آخرون إلى كراهة ترك الأولا، وهذا كثير جداً في تصرفاتهم» (1).

ثم ذكر الإمام ابن القيم أمثلة كثيرة منها قول الإمام أحمد: لا يعجبني أكل ما ذبح للزهرة ولا الكواكب ولا الكنيسة وكل شيء لغير الله، قال الله عز وجل:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ} [المائدة: 3]، فتأمل كيف قال:«لا يعجبني: فيما نَصّ الله ـ سبحانه ـ على تحريمه واحتج بتحريم الله له في كتابه» ا. هـ.

خامساً: قال الأستاذ محمد حسين (ص124): «ومن البدع التَّرْكِية ترك سنة إعفاء اللحى من غير سبب شرعي عند من يراها سنة» ا. هـ.

الرد:

سبق أن حلق اللحية حرام لأن إعفاءها واجب.

(1) إعلام الموقعين: (1/ 40).

ص: 170

وهل الأستاذ محمد حسين يرى أنها سنة فيكون تركها بدعة تركية طبقاً لكلامه؟ أم أنه يرى رأياً غير ذلك؟

* توضيح: البدعة التَّرْكِية: ترك المطلوبات الشرعية وجوباً أو ندباً إن كان الترك تديناً، لأنه تدين بضد ما شرع الله، أما تركها كسلاً أو تضييعاً أو ما أشبه ذلك فهو راجع إلى المخالفة للأمر، فإن كان في واجب فمعصية، وإلا فلا (1).

* سؤال: لو تخيلنا أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم جاءنا وأمرنا بهذا الأمر: «خالفوا المشركين، أحفوا الشوارب وأوفوا اللحا» ، هل نقول له ما قاله الأستاذ محمد حسين في كتاب (اللمع):«قال فلان وقال فلان، يا رسول الله، فالمسألة فيها خلاف» ، أم نقول:«سمعاً وطاعة يا رسول الله؟» .

* سؤال آخر: لو فرضنا أن كل مسلم حليق ينفق على (تنعيم) لحيته في الشهر جنيهاً واحداً ثمن المعجون والأمواس فكم من الملايين ينفقها المسلمون في معصية الله؟ أليس إخواننا المستضعفون في شتى بقاع الأرض أولى بتلك الملايين؟

(1) الإبداع (ص53) بتصرف (وانظر أقسام البدع في هذا الرد).

ص: 171