المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أولا: الذكر الجماعي - الرد على اللمع

[شحاتة صقر]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌كيف تناقش مبتدعاً

- ‌منهج الأستاذ محمد حسين في كتابه

- ‌أقوال للشيخ حسن البنا رحمه الله في وجوب اتباع النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهديها لأتباعه

- ‌قواعد أساسية في السنن والبدع ينبغي معرفتها

- ‌القاعدة الأولىتعريف البدعة

- ‌القاعدة الثانيةالحث على التمسك بالدين وإحياء السنة والتحذير من الابتداع

- ‌القاعدة الثالثةالأسباب التي أدت إلى ظهور البدع

- ‌القاعدة الرابعةتقسيم السنة إلى فعلية وتركية

- ‌القاعدة الخامسةالأصل في العبادات المنع

- ‌القاعدة السادسةمفاسد البدع

- ‌القاعدة السابعةأقسام البدع

- ‌القاعدة الثامنةهل في الدين بدعة حسنة

- ‌القاعدة التاسعةحكم البدعة في الدين بجميع أنواعها

- ‌القاعدة العاشرةالفرق بين البدعة والمصالح المرسلة

- ‌القاعدة الحادية عشرةالفرق بين البدع والاستحسان

- ‌القاعدة الثانية عشرةالمبتدع يتبع المتشابه وينصر به بدعته

- ‌القاعدة الثالثة عشرةالمبتدع يتخذ من زلات العلماء حجة لبدعته على الشرع

- ‌القاعدة الرابعة عشرةهل كل خلاف معتبر

- ‌القاعدة الخامسة عشرةأسباب الخطأ من أهل العلم

- ‌القاعدة السادسة عشرةأقوال الأئمة في اتباع السنة وترك أقوالهم المخالفة لها

- ‌القاعدة السابعة عشرةقواعد عامة لمعرفة البدعة

- ‌القاعدة الثامنة عشرةالخلاف في بعض البدع

- ‌القاعدة التاسعة عشرةالفرق بين البدعة والمبتدع

- ‌الرد على الشبهات التي استدل بها الأستاذ محمد حسين على جواز الابتداع في الدين وأن في الإسلام بدعة حسنة

- ‌الشبهة الثالثةتقسيم بعض العلماء البدع إلى حسنة وقبيحة

- ‌موقف الأستاذ محمد حسين من الأحاديث الضعيفة

- ‌مناقشة كلام الأستاذ محمد حسين

- ‌تجلية بدع وأخطاء (اللمع)

- ‌أولاً: الذكر الجماعي

- ‌ثانياً: صلاة النافلة مطلقاً جماعة وفي المساجد

- ‌ثالثاً: إحياء عشر ذي الحجة جماعة في المساجد

- ‌رابعاً: الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌خامساً: احتفال الشخص بعيد ميلاده أو عيد ميلاد أولاده

- ‌سادساً: الاحتفال بعيد الأم

- ‌سابعاً: الاحتفال بعيد شم النسيم

- ‌ثامناً: مسألة اللحية

- ‌تاسعاً: مسألة طول الملابس وقِصَرِها

- ‌عاشراً: معاملة أهل الذمة

- ‌حادي عشر: تلقين الميت بعد دفنه

- ‌ثاني عشر: إقامة السرادقات لأخذ العزاء

- ‌ثالث عشر: قراءة القرآن على القبر

- ‌رابع عشر: مسألة التوسل

- ‌خامس عشر: مسألة إخراج القيمة في زكاة الفطر

- ‌سادس عشر: مسألة الأسماء والصفات

- ‌مناقشة بعض آراء الأستاذ محمد حسين في كتابه(سلوكيات وأحكام المرأة في المجتمع المسلم)

- ‌بين الأستاذ محمد حسين والشيخ حسن البنا. . مقارنة

- ‌وختاماًً

الفصل: ‌أولا: الذكر الجماعي

‌تجلية بدع وأخطاء (اللمع)

‌أولاً: الذكر الجماعي

(1)

قواعد:

1 -

الذكر عبادة والعبادات توقيفية لا مجال للابتداع فيها أو للاستحسان، فلا يجوز التقرب إلى الله بتشريع شيء لم يشرعه.

2 -

الذكر من أفضل العبادات، وهو مأمور به شرعاً كما قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} [الأحزاب: 41، 42].

فالمسلم مطالب بذكر الله تعالى في كل وقت بقلبه ولسانه وجوارحه، لكن ينبغي للمسلم أن يكون في ذكره لله تعالى ملتزماً بحدود الشريعة ونصوصها وهدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم، لأن الاتباع شرط لصحة العمل.

3 -

الذكر الجماعي: هو ما يفعله بعض الناس من الاجتماع في أدبار الصلوات المكتوبة أو في غيرها من الأوقات والأحوال ليرددوا بصوت جماعي أذكاراً وأدعية وأوراداً وراء شخص معين، أو دون قائد، لكنهم يأتون بهذه الأذكار في صيغة جماعية وبصوت واحد.

4 -

الذكر الجماعي لم يأمر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا حث عليه، ولو أمر به أو حث عليه لنُقل ذلك؛ وكذلك لم ينقل عنه الاجتماع للدعاء بعد الصلاة مع أصحابه.

5 -

إنكار الصحابة: عن أبي البختري قال أخبر رجل ابن مسعود رضي الله عنه أن قوماً يجلسون في المسجد بعد المغرب فيهم رجل يقول: «كبّروا الله كذا وسبحوا الله كذا

(1) راجع كتاب (الذكر الجماعي بين الاتباع والابتداع) للدكتور محمد عبد الرحمن الخميس.

ص: 123

وكذا واحمدوه كذا وكذا»، قال عبد الله:«فإذا رأيتَهم فعلوا ذلك فأْتِنى فأَخْبِرنى بمجلسهم» ، فلما جلسوا أتاه الرجل فأخْبَره، فجاء عبد الله بن مسعود فقال:«والله الذي لا إله غيره لقد جئتم ببدعة ظلماً أو قد فضلتم أصحاب محمد علماً» فقال عمر بن عتبة: «نستغفر الله» ، فقال:«عليكم الطريق فالزموه، ولئن أخذتم يمناً وشمالاً لتضلن ضلالاً بعيداً» (1).

وأيضاً أنكر عمر رضي الله عنه (2)، وأنكر أيضاً خباب بن الأرت رضي الله عنه (3).

6 -

مفاسد الذكر الجماعي:

- مخالفة هدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

- التشويش على المصلين.

- في هذا الذكر بصوت واحد تَشَبُّه بالنصارى الذين يجتمعون في كنائسهم لأداء التراتيل والأناشيد الدينية بصوت واحد.

* تنبيه: ذكر الأستاذ محمد حسين (ص83) حديث افتراق الأمة ثلاثاً وسبعين ملة كلهم في النار إلا واحدة، قالوا:«ومن هي يا رسول الله؟» ، قال:«ما أنا عليه وأصحابي» .

ونقول: تبين من إنكار عبد الله بن مسعود وخباب وعمر بن الخطاب رضي الله عنهم أن الذكر الجماعي ليس مما عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه.

الاجتماع على الذكر غير الذكر الجماعي:

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم: «لَأَنْ أَقْعُدَ مَعَ قَوْمٍ يَذْكُرُونَ اللهَ تَعَالَى مِنْ صَلَاةِ الْغَدَاةِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتِقَ أَرْبَعَةً مِنْ وَلَدِ

(1) رواه الإمام الدارمي (1/ 68 - 69) بإسناد جيد، وابن وضاح في البدع (ص8 - 13) من عدة طرق عن ابن مسعود. قال محقق كتاب (الأمر بالاتباع للإمام السيوطى) والأثر صحيح بمجموع طرقه.

(2)

البدع لابن وضاح (ص45)، وابن أبى شيبة في المصنف (558) وسنده حسن.

(3)

ابن وضاح في البدع (ص 32 رقم 32)، وابن أبى شيبة في المصنف (559).

ص: 124

إِسْمَاعِيلَ وَلَأَنْ أَقْعُدَ مَعَ قَوْمٍ يَذْكُرُونَ اللهَ مِنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ إِلَى أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ أَحَبُّ إِلَيَّ مَنْ أَنْ أَعْتِقَ أَرْبَعَةً» (1).

قد يفهم البعض من هذا الحديث استحباب الذكر الجماعي، وليس هذا بصحيح، وإنما فيه استحباب الاجتماع على الذكر، بمعنى أن يُعِينَ بعضنا بعضاً عليه بالتواجد في مكان واحد، ويوضح ذلك أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما طبّق ذلك عملياً لم يكن يذْكُر الله عز وجل مع أصحابه ذكرا جماعياً، فعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم كَانَ إِذَا صَلَّى الْفَجْرَ جَلَسَ فِي مُصَلَّاهُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ حَسَنًا (2). ورواه الإمام أبو داود بلفظ:«كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم إِذَا صَلَّى الْفَجْرَ تَرَبَّعَ فِي مَجْلِسِهِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ حَسْنَاءَ» (3) وفي رواية للإمام مسلم عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ قَالَ: قُلْتُ لِجَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رضي الله عنه: أَكُنْتَ تُجَالِسُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم؟ قَالَ: نَعَمْ كَثِيرًا. كَانَ لَا يَقُومُ مِنْ مُصَلَّاهُ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ الصُّبْحَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَإِذَا طَلَعَتْ قَامَ. وَكَانُوا يَتَحَدَّثُونَ فَيَأْخُذُونَ فِي أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ فَيَضْحَكُونَ وَيَتَبَسَّمُ صلى الله عليه وآله وسلم (4)، فكان صلى الله عليه وآله وسلم يذكر الله عز وجل ولم يكن الصحابة رضي الله عنهم يرددون خلفه أومعه صلى الله عليه وآله وسلم.

ويكون فائدة الاجتماع عندئذ أنه أنشط للنفس لكونها مجبولة على التأسي، كما قالت الخنساء:

وَلَولا كَثرَةُ الباكينَ حَولي

عَلى إِخوانِهِم لَقَتَلتُ نَفسي

(1) رواه الإمام أبو داود (3667)، وحسنه الشيخ الألباني.

(2)

رواه الإمام مسلم (670).

(3)

سنن أبي داود (4850)، وصححه الشيخ الألباني.

(4)

صحيح مسلم (2322).

ص: 125

الرد على الشبهات

التي تعلق بها الأستاذ محمد حسين في استحباب الذكر الجماعي

نذكر أولاً أثر ابن مسعود رضي الله عنه في إنكار الذكر الجماعي، والذي ذكره الأستاذ محمد حسين في كتابه (ص16) روى الإمام الدارمي في سننه بسند صحيح (باب: 23، باب في كراهية أخذ الرأي): أخبرنا الحكم بن المبارك أخبرنا عمر بن يحيى بن عمرو بن سلمة قال: سمعت أبي يحدث عن أبيه قال: «كنا نجلس على باب عبد الله بن مسعود قبل صلاة الغداة فإذا خرج مشينا معه إلى المسجد فجاءنا أبو موسى الأشعري فقال: أخرج إليكم أبو عبد الرحمن بعد؟ قلنا: لا. فجلس معنا حتى خرج فلما خرج قمنا إليه جميعا فقال له أبو موسى: يا أبا عبد الرحمن إني رأيت في المسجد آنفًا أمرا أنكرته ولم أر والحمد لله إلا خيرًا. قال: فما هو؟ فقال: إن عشتَ فستراه. قال: رأيتُ في المسجد قوماً حِلَقا جلوساً ينتظرون الصلاة في كل حلقة رجُل وفي أيديهم حصا فيقول: كبروا مائة فيكبرون مائة، فيقول: هللوا مائة فيهللون مائة، ويقول: سبحوا مائة، فيسبحون مائة. قال: فماذا قلتَ لهم؟ قال: ما قلتُ لهم شيئاً انتظار رأيك أو انتظار أمرك. قال: أفلا أمرتهم أن يعدوا سيئاتهم وضمنت لهم أن لا يضيع من حسناتهم. ثم مضى ومضينا معه حتى أتى حلقة من تلك الحلق فوقف عليهم فقال: ما هذا الذي أراكم تصنعون؟ قالوا: يا أبا عبد الله حصا نعد به التكبير والتهليل والتسبيح. قال: فعدوا سيئاتكم فأنا ضامن أن لا يضيع من حسناتكم شيء، ويحكم يا أمة محمد ما أسرع هلكتكم هؤلاء صحابة نبيكم صلى الله عليه وآله وسلم متوافرون وهذه ثيابه لم تَبْلَ وآنيته لم تُكسر. والذي نفسي بيده إنكم لعلي ملة هي أهدي من ملة محمد أو مفتتحوا باب ضلالة. قالوا: والله يا أبا عبد الرحمن ما أردنا إلا الخير. قال: وكم من مريد للخير لن يصيبه، إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حدثنا أن قوما يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم، وايم الله ما أدري لعل أكثرهم منكم. ثم تولى عنهم فقال عمرو بن سلمة: رأينا عامة

ص: 126

أولئك الحلق يطاعنونا يوم النهروان مع الخوارج» (سنن الدارمي 1/ 79/204)

أولاً: قال الأستاذ محمد حسين (ص16) عن أثر ابن مسعود رضي الله عنه: «فمثله لا يخفى عليه الأحاديث الصحيحة بكثرتها عن فضل حلق الذكر، إنما الناس كانوا زمن فتن أيام الخوارج، فهؤلاء قوم مخصوصون خشي عليهم ومنهم الفتنة» ، وقال أيضاً:«قال العلماء: هذا يدل على أن هؤلاء كانوا مشهورين بالتشدد والخروج على الجماعة» .

* الرد:

1 -

نعم لا يخفي على ابن مسعود رضي الله عنه الأحاديث الصحيحة عن فضل حلق الذكر ولكنه فهم منها ما لم يفهمه الأستاذ محمد حسين، فليس في تلك الأحاديث ما يدل على الذكر الجماعي بأن يردد بعض الأشخاص بصوت جماعي وراء شخص معين ولذلك أنكر عليهم ابن مسعود رضي الله عنه هذه الكيفية، وهي بعينها التي يدافع عنها الأستاذ محمد حسين.

فمثل ابن مسعود رضي الله عنه لا يجهل كونهم يذكرون الله، ولكنه أنكر عليهم إضافتهم لهيئة أو مقدار معين لم يأذن به الله ولا شرعه رسوله صلى الله عليه وآله وسلم.

2 -

قال الأستاذ محمد حسين: «قال العلماء: هذا يدل على أن هؤلاء كانوا مشهورين بالتشدد والخروج على الجماعة» .

ونحن نسأله: من هم هؤلاء العلماء؟ فإن من خرّج هذا الأثر كالدارمي وابن وضاح ـ رحمهما الله ـ ذكروه في باب ذم الرأي والنهي عن البدع، ولم يفهموا منه ما فهمه الأستاذ محمد حسين.

والعلة المذكورة في نَصّ الأثر كما ذكر ذلك الأستاذ محمدحسين (ص16) هي (اجتماعهم في ناحية من مسجد الكوفة يسبحون تسبيحاً معلوماً) فهذه هي المخالفة التي وقعوا فيها.

3 -

قوله: «فهؤلاء قوم مخصوصون

وكانوا مشهورين بالتشدد

» إلخ،

ص: 127

نقول: ما دليلك على هذا الكلام؟ وكل من روى هذه الواقعة فهم منها إنكار ابن مسعود للذكر الجماعي، ومثله إنكار خباب وإنكار عمر رضي الله عنهم وكون هؤلاء المُنْكَر عليهم حاربوا الصحابة مع الخوارج ليس دليلاً على أن إنكار ابن مسعود رضي الله عنه كان لأنهم من الخوارج، بل ليس في أثر ابن مسعود رضي الله عنه أنه كان يعلم أصلاً أنهم من الخوارج أو من غيرهم، فقد كان ظهور أنهم من الخوارج بعد إنكار ابن مسعود عليهم. بل إن ابن مسعود رضي الله عنه توفي سنة 32 هـ أي قبل وفاة عثمان رضي الله عنه بثلاث سنوات فأي فتن كانت في هذا العصر؟

وكلام ابن مسعود رضي الله عنه ليس فيه أنه خشي الفتنة عليهم ومنهم، وإنما نص على أنها بدعة وأنهم ليسوا أفضل علماً من الصحابة الذين لم يفعلوا مثل ما فعل هؤلاء، وأرشدهم أن يلزموا طريق الصحابة حتى لا يضلوا، وكل ذلك يفيد أن الصحابة لم يكونوا يفعلون ذلك ولا يعرفونه.

ثم إن ابن مسعود رضي الله عنه أشار في آخر الحديث إلى وصف الخوارج، وأخبرهم أنه يتخوف أن يكون أكثرهم منهم، وهذا إشارة منه رضي الله عنه إلى أن البدع يجر صغيرها إلى كبيرها. وقد حدث ما خافه رضي الله عنه عليهم، ويدل على ذلك قول عمرو بن سلمة: رأينا عامة أولئك الحلق يطاعنونا يوم النهروان مع الخوارج.

ثانياً: قال (ص16، 109): «روى الإمام أحمد في كتاب الزهد عن أبي وائل قال: هؤلاء الذين يزعمون أن عبد الله بن مسعود كان ينهى عن الذكر، ما جالست عبد الله مجلسا ً قط إلا ذكر الله فيه» .

* الرد:

في هذا الأثر ـ إن صح ـ أن ابن مسعود كان يذكر الله، ولكن ليس فيه أنه كان يذكر الله والقوم يرددون وراءه، فتنبه!!

ثالثاً: استدلاله بعموم الأحاديث الدالة على فضل الاجتماع على ذكر الله ومجالس

ص: 128

الذكر مثل أحاديث: «إن لله تبارك وتعالى ملائكة سيارة يبتغون مجالس الذكر

» (1)، «ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله

» (2).

* الرد:

1 -

هذه الأحاديث لم تدل على الذكر الجماعي واستحبابه، وإنما هي دالة على استحباب الاجتماع على ذكر الله، وهناك فرق كبير بين هذا وذاك فالاجتماع على ذكر الله مستحب مندوب إليه بمقتضى الأحاديث الواردة في فضله، ولكن على الوجه المشروع الذي فهمه الصحابة وعملوا به، فقد كانوا يجتمعون على الذكر كما ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية:«كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا اجتمعوا أمروا واحداً منهم أن يقرأ والناس يستمعون، وكان عمر رضي الله عنه يقول لأبى موسى رضي الله عنه: ذكِّرنا ربنا، فيقرأ وهم يستمعون لقراءته» (3)، وليس في الأحاديث أن في مجالس الذكر هذه أن أحد الأشخاص يذكر الله وبقية المجلس يرددون وراءه، وليس فيه أنهم يرددون بصوت جماعي.

2 -

ذكر الإمام الشاطبي أن البدعة مضادة للطريقة الشرعية من عدة أوجه، وذكر منها:«التزام الكيفيات والهيئات المعينة كالذكر بهيئة الاجتماع على صوت واحد» (4).

رابعاً: نقل الأستاذ محمد حسين (ص112) عن شيخ الإسلام ابن تيمية في (اقتضاء الصراط المستقيم): «قال المروزى: «سألت أبا عبد الله عن القوم يبيتون فيقرأ قاريء ويدعو حتى يصبحوا؟» ، قال:«أرجو ألا يكون به بأس» ا. هـ. ثم قال: «وأقول: أليس هذا إقرار (5) من الإمام أحمد رضي الله عنه بالبدعة الإضافية؟»

(1) رواه الإمام البخاري (6408)، والإمام مسلم (2689).

(2)

رواه الإمام مسلم (2699).

(3)

مجموع الفتاوى (6/ 290)(الطبعة القديمة (11/ 533).

(4)

الاعتصام (1/ 44).

(5)

هكذا بالأصل ولعله خطأ طباعي، والصواب: إقراراً.

ص: 129

* الرد:

1 -

ليس في هذا إقرار من الإمام أحمد رضي الله عنه بالبدعة الإضافية كما ظن الأستاذ محمد حسين حيث قال في (اللمع: ص112): «إنه لم يعُرف عن الصحابة ومعهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنهم فعلوا ذلك ولكن أصل الذكر والتلاوة والاجتماع مقرر في الشرع، والإضافة الحسنة التي لا تدفع سنة هي مبيتهم معاً طول الليل يقرؤون ويذكرون» ا. هـ.

* ونقول: هذه ليست إضافة بل الليل وقت من الأوقات التي يجوز فيها الاجتماع على ذكر الله (ولكن ليس بالكيفية المبتدعة التي يرددون فيها بصوت جماعي) فلو اجتمعوا بالنهار لقال الأستاذ محمد حسين: حددوا وقت النهار.

2 -

اشترط الإمام أحمد في الاجتماع على الذكر (وليس الذكر الجماعي):

- ألا يكون على عمد.

- ألا يتخذ عادة.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في (اقتضاء الصراط المستقيم) قبل ثلاثة أسطر من الموضع الذي نقل منه الأستاذ محمد حسين: «روى أبو بكر الخلال في كتاب الأدب عن إسحاق بن منصور الكوْسَج: أنه قال لأبي عبد الله ـ الإمام أحمد ـ: «يُكره أن يجتمع القوم يدعون الله ويرفعون أيديهم؟» قال: «ما أكره للإخوان إذا لم يجتمعوا على عمد إلا أن يُكْثِروا» ، وقال إسحاق بن راهوية كما قال الإمام أحمد، وإنما معنى:«ألا يكثروا» ، ألا يتخذوها عادة حتى يكثروا، هذا كلام إسحاق».

ثم قال شيخ الإسلام بعد أسطر: «فقيَّد أحمد الاجتماع بما إذا لم يتخذ عادة» (1) ا. هـ.

3 -

مرة أخرى نذكّر أنه ليس في هذه النقول عن الإمام أحمد ولا في أحاديث

(1) اقتضاء الصراط المستقيم (ص274 - 275).

ص: 130

الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أن الذين يجتمعون على الذكر يرددون بصوت جماعي وراء شخص معين، أو يرددون بصوت جماعي بدون قائد.

خامساً: استدلاله (ص112) بكلام شيخ الإسلام ابن تيمية: «إن تطوع الصلاة فرادى وجماعة مشروع من غير أن يُتخذ جماعة عامة متكررة تشبه المشروع من الجمعة والعيدين والصلوات الخمس، فكذلك تطوع القراءة والذكر والدعاء جماعة وفرادا، وتطوع قصد بعض المشاهد ونحو ذلك كله من نوع واحد، يفرق بين الكثير الظاهر منه والقليل الخفي والمعتاد وغير المعتاد وكذلك كل ما كان مشروع الجنس لكن البدعة اتخاذه عادة لازمه حتى يصير كأنه واجب» (1)، ثم قال الأستاذ محمد حسين:«أليس ذلك موافقة وإقراراً بالذكر الجماعي وصلاة التطوع جماعة بشرط ألا يعتاد خوف الاعتقاد بأنه لازم وواجب؟» .

* الرد: كان الأوْلى بالأستاذ محمد حسين أن ينقل كلام شيخ الإسلام قبل الموضع الذي نقل منه بصفحتين حيث قال: «

وذلك أن الاجتماع لصلاة تطوع، أو استماع قرآن، أو ذكر الله ونحو ذلك إذا كان يفعل ذلك أحياناً، فهذا أحسن فقد صح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه صلى التطوع في جماعة أحياناً (2) وخرج إلى أصحابه وفيهم من يقرأ وهم يستمعون، فجلس معهم يستمع (3) وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا اجتمعوا أمروا واحداً يقرأ وهم يستمعون وقد ورد في القوم الذين يجلسون يتدارسون كتاب الله وسنة رسوله وفي القوم الذين يذكرون الله من الآثار ما هو معروف

فأما اتخاذ اجتماع راتب يتكرر بتكرار الأسابيع والشهور والأعوام غير الاجتماعات المشروعة: فإن ذلك يضاهي الاجتماعات للصلوات الخمس، وللجمعة، والعيدين

(1) اقتصاء الصراط المستقيم (ص277)(لم يذكر الأستاذ محمد حسين المصدر).

(2)

انظر صحيح البخاري (727)، وصحيح مسلم (33، 658 - 660).

(3)

روى الإمام ابن أبي حاتم عن يونس بن محمد بن فضالة الأنصاري، عن أبيه قال: وكان أبي ممن صحب النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أتاهم في بني ظفر، فجلس على الصخرة التي في بني ظفر اليوم، ومعه ابن مسعود ومعاذ بن جبل وناس من أصحابه، فأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم قارئاً فقرأ

»، وقال الشيخ أحمد شاكر:«إسناده صحيح» .

ص: 131

والحج وذلك هو المبتدع المحدث» (1).

* هذا الكلام لشيخ الإسلام مفسر للذي نقله الأستاذ محمد حسين (ص112) وليس فيه ما يدل على الذكر الجماعي حيث إن فيه أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم جلس معهم يستمع والصحابة كان يقرأ منهم واحد والباقون يستمعون، وليس في كلام شيخ الإسلام ابن تيمية أنهم كانوا يقرؤون بصوت واحد أو يقرأ واحد والباقون يرددون وراءه، فأين في كلام شيخ الإسلام الموافقة والإقرار بالذكر الجماعي؟

* توضيح: المشاهد عرّفها شيخ الإسلام ابن تيمية في نفس الكتاب (اقتضاء الصراط المستقيم) بأنها الأمكنة التي قام فيها الأنبياء أو الصالحون أو أقاموا فيها أو عبدوا الله سبحانه فيها، لكنهم لم يتخذوها مساجد (2)(كجبل ثور وجبل أحد وجبل حراء)، وليس المقصود ـ كما يتبادر لذهن بعض الناس ـ الأضرحة والمقامات التي على قبور الصالحين والتي اتخذها الناس مساجد مخالفين قوله صلى الله عليه وآله وسلم:«لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» (3).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «فأما مقامات الأنبياء والصالحين وهي الأمكنة التي قاموا فيها وعبدوا الله سبحانه فيها، لكنهم لم يتخذوها مساجد فالذي بلغني في ذلك قولان عن العلماء المشهورين:

أحدهما: النهي عن ذلك وكراهته، وأنه لا يستحب قصْد بقعة للعبادة إلا أن يكون قصْدها للعبادة مما جاء به الشرع، مثل أن يكون النبي صلى الله عليه وآله وسلم قصَدها للعبادة كما قصَد الصلاة في مقام إبراهيم، وكما كان يتحرى الصلاة عند الاسطوانة (4) وكما كان يقصد المساجد للصلاة، ويقصد الصف الأول ونحو ذلك.

(1) اقتضاء الصراط المستقيم (ص274)، وقد ذكر الأستاذ محمد حسين بعضه (ص114).

(2)

اقتضاء الصراط المستقيم (ص347).

(3)

رواه البخاري (1330).

(4)

رواه الإمام البخاري (502)، الاسطوانة: السارية والغالب أنها تكون من بناء بخلاف العمود فإنه من حجر واحد، ويقال: إنها السارية المتوسطة من الروضة الشريفة.

ص: 132

والقول الثاني: أنه لا بأس باليسير من ذلك كما نُقِل عن ابن عمر أنه كان يتحرى قصد المواضع التي سلكها النبي صلى الله عليه وآله وسلم (1) وإن كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد سلكها اتفاقاً لا قصداً

»، ثم قال شيخ الإسلام إن عمر رضي الله عنه لما رجع من حجته رأي الناس ابتدروا المسجد، فقال:«ما هذا؟» قالوا: «مسجد صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: «هكذا هلك أهل الكتاب قبلكم، اتخذوا آثار أنبيائهم بِيَعاً، من عرضت له الصلاة فليصل ومن لم تعرض له الصلاة فليمض (2)» ، وفي رواية عنه: أنه رأي الناس يذهبون مذاهب فقال: «أين يذهب هؤلاء؟» ، فقيل:«يا أمير المؤمنين، مسجد صلى فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم فهم يصلون فيه» ، فقال:«إنما هلك من كان قبلكم بمثل هذا، كانوا يتبعون آثار أنبيائهم ويتخذونها كنائس وبيعاً فمن أدركته الصلاة منكم في هذه المساجد فليصل، ومن لا فليمض ولا يتعمدها» (3)، وروى ابن وضاح وغيره أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أمر بقطع الشجرة التي بويع تحتها النبي صلى الله عليه وآله وسلم بيعة الرضوان؛ لأن الناس كانوا يذهبون تحتها، فخاف عمر عليهم الفتنة (4)، ثم قال شيخ الإسلام: «إن ما فعله ابن عمر لم يوافقه عليه أحد من الصحابة فلم ينقل عن الخلفاء الراشدين ولا عن غيرهم من المهاجرين والأنصار أن أحداً منهم كان يتحرى قصد الأمكنة التي نزل فيها النبي صلى الله عليه وآله وسلم والصواب مع جمهور الصحابة؛ لأن متابعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم تكون بطاعة أمره، وتكون في فعله بأن يفعل مثل ما فعل على الوجه الذي فعله، فإذا قَصَد النبي صلى الله عليه وآله وسلم العبادة في مكان كان قَصْد العبادة فيه متابعة له، كقصْد المشاعر والمساجد.

وأما إذا نزل في مكان بحكم الاتفاق لكونه صادف وقت النزول أو غير ذلك مما

(1) رواه الإمام البخاري (483).

(2)

رواه سعيد بن منصور وعبد الرزاق وأشار الحافظ ابن حجر في فتح الباري (1/ 708)(حديث 483) أن ذلك ثابت عن عمر.

(3)

صحح إسناده شيخ الإسلام ابن تيمية في التوسل والوسيلة (ص102).

(4)

أخرجه ابن سعيد في الطبقات الكبرى (2/ 100) وصحح إسناده الحافظ ابن حجر.

ص: 133

يُعلم أنه لم يتحرّ ذلك المكان: فإذا (1) تحرينا ذلك المكان لم نكن متبعين له؛ فإن الأعمال بالنيات

فأما قصد الصلاة في تلك البقاع التي صلى فيها اتفاقاً فهذا لم يُنقل عن غير ابن عمر من الصحابة، بل كان أبو بكر وعمر وعليّ وسائر السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، يذهبون إلى مكة حجاجاً وعماراً ومسافرين، ولم يُنقل عن أحد منهم أنه تحرى الصلاة في مصليات النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومعلوم أن هذا لو كان عندهم مستحبا ًلكانوا إليه أسبق، فإنهم أعلم بسنته وأتْبع لها من غيرهم، وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم:«عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة» (2).

وتحري هذا ليس من سنة الخلفاء الراشدين، بل هو مما ابتُدع، وقول الصحابي إذا خالف نظيره ليس بحجة، فكيف إذا انفرد عن جماهير الصحابة؟

أيضاً فإن تحري الصلاة فيها ذريعة إلى اتخاذها مساجد، والتشبه بأهل الكتاب مما (3) نهينا عن التشبه بهم فيه، وذلك ذريعة إلى الشرك بالله، والشارع قد حسم هذه المادة بالنهي عن الصلاة عند طلوع الشمس، وعند غروبها، والنهي عن اتخاذ القبور مساجد: فإذا كان قد نهى عن الصلاة المشروعة في هذا المكان وهذا الزمان سداً للذريعة، فكيف يستحب قصد الصلاة فيه من غير أن يكونوا قد قصدوه للصلاة فيه والدعاء فيه؟

ولو ساغ هذا لاستُحب قصْد جبل حراء والصلاة فيه، وقصد جبل ثور والصلاة فيه» (4).

تنبيه: قال الأستاذ محمد حسين (ص 8): «ما فعله ابن عمر ليس إلا من قِبَل

(1) في طبعة أخرى: فإنا إذا

(2)

سنن أبي داود (4607)، وسنن الترمذي (2676)، وسنن ابن ماجه (42)، والمسند (17076)، وصححه الشيخ الألباني وروى الإمام مسلم (867) لفظة: كل بدعة ضلالة.

(3)

هكذا بالأصل ولعل الصواب: فيما.

(4)

اقتضاء الصراط المستقيم (347 - 352) بتصرف.

ص: 134

التبرك بالآثار، وليس على سبيل العمل بالسنة المتبعة».

الرد:

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «وهذا من ابن عمر تحرٍّ لمثل فعله صلى الله عليه وآله وسلم، فإنه قصد أن يفعل مثل فعله، في نزوله وصلاته، وصبه للماء وغير ذلك، لم يقصد ابن عمر الصلاة والدعاء في المواضع التي نزلها (1).

* تنبيه هام: الأذكار والأوراد الثابتة في النصوص توقيفية:

عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة، ثم اضطجع على شقك الأيمن، ثم قل: «اللهم إني أسلمت نفسي إليك، ووجهت وجهي إليك، وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك، رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت، ونبيّك الذي أرسلت» ، فإن مُتَّ من ليلتك فأنت على الفطرة، واجعلهن آخر ما تتكلم به»، قال: فرددتهُا على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلما بلغتُ «آمنت بكتابك الذي أنزلت» قلتُ: «ورسولك» ! قال: «لا، ونبيّك الذي أرسلت» رواه البخاري ومسلم، قال الحافظ ابن حجر:«ألفاظ الأذكار توقيفية في تعيين اللفظ وتقدير الثواب» (2).

قال الشيخ الألباني: «فيه ـ أي في هذا الحديث ـ تنبيه قوي على أن الأوراد والأذكار توقيفية وأنه لا يجوز التصرف فيها بزيادة أو نقص، ولو بتغيير لفظ لا يفسد المعنا، فإن لفظ «الرسول» أعم من لفظة «النبي» ومع ذلك رده النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع أن البراء رضي الله عنه قاله سهواً لم يتعمده! فأين منه أولئك المبتدعة الذين لا يتحرجون من أي زيادة في الذكر أو نقص منه؟» (3)

وقال الإمام النووي: «

واختار المازري أن سبب الإنكار أن هذا ذكر

(1) اقتضاء الصراط المستقيم (2/ 330).

(2)

فتح الباري شرح حديث (247).

(3)

صحيح الترغيب والترهيب، التعليق على حديث رقم (602).

ص: 135

ودعاء، فينبغي فيه الاقتصار على اللفظ الوارد بحروفه» (1).

* وبعد هذا الرد تتضح مخالفات الإخوان المسلمين في الذكر:

1 -

الذكر الجماعي حيث يجتمعون أحياناً ويقول أحدهم أذكار الصباح أو المساء ويردد الآخرون خلفه في صوت واحد.

2 -

في رسالة (المأثورات) للشيخ حسن البنا رحمه الله تخصيص بعض الأذكار بالصباح والمساء رغم أن ذلك لم يَرِد عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم مثل الفاتحة، والكافرون، والزلزلة، والنصر

إلخ (2)

3 -

الاعتماد في بعض الأذكار على الأحاديث الضعيفة.

4 -

تحديد أذكار معينة بأعداد محددة في أوقات محددة لم يرد في الشرع تحديدها بهذه الكيفية مثل ورد الدعاء (3).

5 -

ورد الرابطة ووقته ساعة الغروب تماماً من كل ليلة، وفيه: «ثم يستحضر صورة من يعرف من إخوانه في ذهنه ويستشعر الصلة الروحية بينه وبين من لم يعرفه منهم ثم يدعو لهم بمثل هذا الدعاء: «اللهم إنك تعلم أن هذه القلوب قد اجتمعت على محبتك والتقت على طاعتك

فوثق اللهم رابطتها

إلخ» (4) وتحديد هذا الوقت بمثل هذا الدعاء وبهذه الكيفية من استحضار صورة الناس في ذهنه لم يدل عليه دليل لا من كتاب ولا سنة ولا إجماع. ولو كان خيراً لسبقنا إليه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه رضي الله عنهم.

والدعاء عبادة، وألفاظ الأذكار توقيفية، فهذه المخالفات تُعدّ من البدع الإضافية.

(1) شرح صحيح الإمام مسلم (حديث 2710).

(2)

مجموعة الرسائل (ص343 - 352).

(3)

انظر صفته في مجموعة الرسائل (ص377)، وراجع كلام شيخ الإسلام في الرد على الشبهة رقم 5.

(4)

انظر صفته في مجموعة الرسائل (377 - 378).

ص: 136