الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القاعدة الرابعة
تقسيم السنة إلى فعلية وتركية
(1)
سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما تكون بالفعل تكون بالترك، فكما كلفنا الله تعالى باتباع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في فعله الذي يتقرب به إذا لم يكن من باب الخصوصيات، كذلك طالبنا باتباعه في تركه فيكون الترك سنة، وكما لا نتقرب إلى الله تعالى بترك ما فعل، لا نتقرب إليه بفعل ما ترك فلا فرق بين الفاعل لما ترك والتارك لما فعل. والكلام في ترك شيء لم يكن في زمنه صلى الله عليه وآله وسلم مانع منه وتوفرت الدواعي على فعله، كتركه الأذان للعيدين، والغسل لكل صلاة، وصلاة ليلة النصف من شعبان، والأذان للتراويح، والقراءة على الموتا، فهذه أمور تُركت في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم السنين الطوال مع عدم المانع من فعلها ووجود مقتضيها، لأنها عبادات والمقتضي لها موجود وهو التقرب إلى الله تعالا، والوقت وقت تشريع وبيان للأحكام، فلو كانت ديناً وعبادة يُتقرب بها إلى الله تعالى ما تركها السنين الطويلة مع أمره بالتبليغ وعصمته من الكتمان، فتركه صلى الله عليه وآله وسلم لها ومواظبته على الترك ـ مع عدم المانع ووجود المقتضي ومع أن الوقت وقت تشريع ـ دليل على أن المشروع فيها هو الترك، وأن الفعل خلاف المشروع، فلا يتقرب بها؛ لأن القربة لابد أن تكون مشروعة.
وأما ما فعله الخلفاء ولم يكن موجوداً من قبلُ فهو لا يخرج عن أمور لم يوجد لها المقتضي في عهد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بل في عهد الخلفاء كجمع المصحف، أو كان المقتضي موجوداً في عهد الرسول ولكن كان هناك مانع كصلاة التراويح في جماعة فإن المانع من
(1) الإبداع (ص34 - 44) بتصرف. القول الفصل في حكم الاحتفال بمولد خير الرسل (ص78 - 79).
إقامتها جماعة والمواظبة عليها خوف أن تُفْرَض، فلما زال المانع بانتهاء زمن الوحي صح الرجوع فيها إلى ما رسمه النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حال حياته.
* ما تركه النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع قيام المقتضي على فعله فتركه هو السنة وفعله بدعة مذمومة، لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يفارق الدنيا إلا بعد أن أكمل الله الدين وأتم نعمته على المسلمين {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِينًا} [المائدة: 3].
* عدم عمل السلف الصالح بالنص على الوجه الذي يفهمه مَنْ بعدهم، يمنع اعتبار ذلك الفهم صحيحاً، إذ لو كان صحيحاً لم يعزب عن فهم السلف الصالح ويفهمه من بعدهم، كما يمنع اعتبار ذلك النص دليلاً عليه؛ إذ لو كان دليلاً لعمل به السلف الصالح.
*قال الإمام الشافعي رحمه الله: «ولكنا نتبع السنة فعلًا وتركًا» (1).
(1) فتح الباري (3/ 475).