المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌بين الأستاذ محمد حسين والشيخ حسن البنا. . مقارنة - الرد على اللمع

[شحاتة صقر]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌كيف تناقش مبتدعاً

- ‌منهج الأستاذ محمد حسين في كتابه

- ‌أقوال للشيخ حسن البنا رحمه الله في وجوب اتباع النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهديها لأتباعه

- ‌قواعد أساسية في السنن والبدع ينبغي معرفتها

- ‌القاعدة الأولىتعريف البدعة

- ‌القاعدة الثانيةالحث على التمسك بالدين وإحياء السنة والتحذير من الابتداع

- ‌القاعدة الثالثةالأسباب التي أدت إلى ظهور البدع

- ‌القاعدة الرابعةتقسيم السنة إلى فعلية وتركية

- ‌القاعدة الخامسةالأصل في العبادات المنع

- ‌القاعدة السادسةمفاسد البدع

- ‌القاعدة السابعةأقسام البدع

- ‌القاعدة الثامنةهل في الدين بدعة حسنة

- ‌القاعدة التاسعةحكم البدعة في الدين بجميع أنواعها

- ‌القاعدة العاشرةالفرق بين البدعة والمصالح المرسلة

- ‌القاعدة الحادية عشرةالفرق بين البدع والاستحسان

- ‌القاعدة الثانية عشرةالمبتدع يتبع المتشابه وينصر به بدعته

- ‌القاعدة الثالثة عشرةالمبتدع يتخذ من زلات العلماء حجة لبدعته على الشرع

- ‌القاعدة الرابعة عشرةهل كل خلاف معتبر

- ‌القاعدة الخامسة عشرةأسباب الخطأ من أهل العلم

- ‌القاعدة السادسة عشرةأقوال الأئمة في اتباع السنة وترك أقوالهم المخالفة لها

- ‌القاعدة السابعة عشرةقواعد عامة لمعرفة البدعة

- ‌القاعدة الثامنة عشرةالخلاف في بعض البدع

- ‌القاعدة التاسعة عشرةالفرق بين البدعة والمبتدع

- ‌الرد على الشبهات التي استدل بها الأستاذ محمد حسين على جواز الابتداع في الدين وأن في الإسلام بدعة حسنة

- ‌الشبهة الثالثةتقسيم بعض العلماء البدع إلى حسنة وقبيحة

- ‌موقف الأستاذ محمد حسين من الأحاديث الضعيفة

- ‌مناقشة كلام الأستاذ محمد حسين

- ‌تجلية بدع وأخطاء (اللمع)

- ‌أولاً: الذكر الجماعي

- ‌ثانياً: صلاة النافلة مطلقاً جماعة وفي المساجد

- ‌ثالثاً: إحياء عشر ذي الحجة جماعة في المساجد

- ‌رابعاً: الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌خامساً: احتفال الشخص بعيد ميلاده أو عيد ميلاد أولاده

- ‌سادساً: الاحتفال بعيد الأم

- ‌سابعاً: الاحتفال بعيد شم النسيم

- ‌ثامناً: مسألة اللحية

- ‌تاسعاً: مسألة طول الملابس وقِصَرِها

- ‌عاشراً: معاملة أهل الذمة

- ‌حادي عشر: تلقين الميت بعد دفنه

- ‌ثاني عشر: إقامة السرادقات لأخذ العزاء

- ‌ثالث عشر: قراءة القرآن على القبر

- ‌رابع عشر: مسألة التوسل

- ‌خامس عشر: مسألة إخراج القيمة في زكاة الفطر

- ‌سادس عشر: مسألة الأسماء والصفات

- ‌مناقشة بعض آراء الأستاذ محمد حسين في كتابه(سلوكيات وأحكام المرأة في المجتمع المسلم)

- ‌بين الأستاذ محمد حسين والشيخ حسن البنا. . مقارنة

- ‌وختاماًً

الفصل: ‌بين الأستاذ محمد حسين والشيخ حسن البنا. . مقارنة

مسعود الأنصاري في عُرْس وإذا جواري يُغَنِّين، فقلت:«أنتما صاحبا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومن أهل بدر، يفعل هذا عندكم؟» فقالا: «اجلس إن شئت فاسمع معنا وإن شئت اذهب، قد رُخِّصَ لنا في اللهو عند العرس» رواه الإمام النسائي، وقال الشيخ الألباني: إسناده صحيح، فالأمر استمر فيه الرخصة والحضور والاجتماع الرجال والنساء في العرس حتى بعد عصر النبوة» اهـ.

ونقول للقارئ الكريم: أين النساء في الأثر الذي ذكره؟ إنهن جوارٍ صغار، فالجارية هي البنت الصغيرة، وهي غير مأمورة بالحجاب.

* تنبيه: ما ثبت في هذا الحديث وغيره من غناء الجواري الصغار لا يدل على جواز الغناء الذي تصحبه المعازف (آلات الموسيقا)؛ لنهي النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن المعازف (1).

9 -

خلط بين عورة المرأة في الصلاة وعورة النظر إليها حيث نقل (ص20 - 21) أقوال بعض العلماء في عورة المرأة في الصلاة واستدل بها على جواز كشف المرأة لوجهها ويديها خارج الصلاة.

‌بين الأستاذ محمد حسين والشيخ حسن البنا. . مقارنة

ننقل هنا بعض الكلمات للشيخ حسن البنا تخص المرأة المسلمة، ننقلها هنا حتى يتبين الفرق بينه وبين الأستاذ محمد حسين:

قال الشيخ حسن البنا رحمه الله (2):

* «يرى الإسلام في الاختلاط بين المرأة والرجل خطراً محققاً فهو يباعد بينهما

(1) انظر: فتح الباري شرح حديث (949، 5590).

(2)

المرأة المسلمة وواجباتها (ص13 - 25) بتصرف.

ص: 244

إلا بالزواج، ولهذا فإن المجتمع الإسلامي مجتمع انفرادي لا مجتمع مشترك».

* «يقول دعاة الاختلاط أن في ذلك حرماناً للجنسين من لذة الاجتماع وحلاوة الأنس التي يجدها كل منهما في سكونه للآخر، والتي توجِد شعوراً يستتبع كثيراً من الآداب الاجتماعية، من الرقة وحسن المعاشرة ولطف الحديث ودماثة الطبع

ونحن نقول لهؤلاء: مع أننا لا نسلّم بما ذكرتم

نقول لكم: إن ما يعقب لذة الاجتماع وحلاوة الأنس من ضياع الأعراض وخبث الطوايا وفساد النفوس، وتهدم البيوت، وشقاء الأسر، وبلاء الجريمة، وما يستلزم هذا من طراوة الأخلاق ولين في الرجولة لا يقف عند حد الرقة، بل هو يتجاوز ذلك إلى حد الخنوثة والرخاوة، وكل ذلك ملموس لا يماري فيه إلا مكابر.

كل هذه الآثار السيئة التي تترتب على الاختلاط تربو ألف مرة على ما ينتظر منه من فوائد، وإذا تعارضت المصلحة والمفسدة فدرء المفسدة أولا، ولا سيما إذا كانت المصلحة لا تعد شيئاً بجانب هذا الفساد».

* «يزيد الاختلاط قوة الميل، وقديماً قيل: إن الطعام يقوى شهوة النهم

والمرأة التي تخالط الرجال تتفنن في إبداء ضروب زينتها، ولا يرضيها إلا أن تثير في نفوسهم الإعجاب بها».

* «

ولهذا نحن نصرح بأن المجتمع الإسلامى مجتمع فردي لا زوجي، وأن للرجال مجتمعاتهم وللنساء مجتمعاتهن، ولقد أباح الإسلام للمرأة شهود العيد وحضور الجماعة، والخروج في القتال عند الضرورة الماسة، ولكنه وقف عند هذا الحد، واشترط لها شروطاً شديدة: من البعد عن كل مظاهر الزينة، ومن ستر الجسم، ومن إحاطة الثياب به، فلا تصف ولا تشف، ومن عدم الخلوة بأجنبي مهما تكن الظروف وهكذا».

* «عن معقل بن يسار رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لأن يُطْعَن في رأس أحدِكم بِمِخْيَطٍ مِن حديد خيرٌ له مِن أن يَمَسَّ امرَأَةً لا تحلُّ لَه» رواه الطبراني والبيهقي

ص: 245

ورجال الطبراني ثقات من رجال الصحيح، كذا قال الحافظ المنذري» (1).

* «ما نحن عليه ليس من الإسلام في شيء، فهذا الاختلاط بيننا في المدارس والمعاهد والمجامع والمحافل العامة، وهذا الخروج إلى الملاهي والمطاعم والحدائق، وهذا التبذل والتبرج الذي وصل إلى حد التهتك والخلاعة، كل هذه بضاعة أجنبية لا تمت إلى الإسلام بأدنى صلة، ولقد كان لها في حياتنا الاجتماعية أسوأ الآثار» .

* «يقول كثير من الناس: إن الإسلام لم يحرّم على المرأة مزاولة الأعمال العامة وليس هناك من النصوص ما يفيد هذا، فأْتوني بنص يحرّم ذلك.

ومثلُ هؤلاء من يقول: إن ضرب الوالدين جائز؛ لأن المنهي عنه في الآية أن يقال لها: «أُفّ» ولا نص على الضرب.

إن الإسلام يحرّم على المرأة أن تكشف عن بدنها، وأن تخلو بغيرها وأن تخالط سواها، ويحبب إليها الصلاة في بيتها، أفيقال بعد هذا: إن الإسلام لا ينص على حرمة مزاولة المرأة للأعمال العامة؟

إن الإسلام يرى أن للمرأة مهمة طبيعية أساسية هي المنزل والطفل، فهي كفتاة يجب أن تتهيأ لمستقبلها الأسرا، وهي كزوجة يجب أن تخلص لبيتها وزوجها، وهي كأم يجب أن تكون لهذا الزوج ولهؤلاء الأبناء، وأن تتفرغ لهذا البيت، فهي ربته ومدبرته وملكته.

ومتى فرغت المرأة من شئون بيتها لتقوم على سواه

؟

وإذا كان من الضرورات الاجتماعية ما يُلْجِئُ المرأة إلى مزاولة عمل آخر غير هذه المهمة الطبيعية لها، فإن من واجبها حينئذ أن تراعي هذه الشرائط التي وضعها الإسلام لإبعاد فتنة المرأة عن الرجل وفتنة الرجل عن المرأة، ومن واجبها أن يكون عملها بقدر ضرورتها، لا أن يكون هذا نظاماً عاماً، من حق كل امرأة أن تعمل على

(1) صححه الشبخ الألباني في صحيح الجامع (5045)، والسلسلة الصحيحة (226).

ص: 246

أساسه» انتهى كلام الشيخ حسن البنا رحمه الله.

* ولْيُقارن القارئ الكريم بين هذا الكلام وبين دعوة الأستاذ محمد حسين إلى:

1 -

أن تستقبل الزوجة الضيوف في غيبة زوجها (ص63).

2 -

مشاركة المرأة الطعام مع زوجها والضيف (ص66).

3 -

مخالطة النساء مع الرجال مع المؤانسة (ص68)(1).

4 -

دخول المسلم بيت أخيه في غيبته إذا أمنت الفتنة (ص70).

5 -

اعتياد الدخول (أي دخول الرجال الأجانب) على النساء (ص71).

6 -

وضوء النساء مع الرجال (ص79 - 80).

7 -

حق المرأة في تولي الوظائف العامة (ص102).

8 -

حق المرأة في انتخاب الخليفة (ص108).

9 -

حق المرأة في انتخاب أهل الحل والعقد أو أن تكون من أهل الحل والعقد (حق المرأة في الترشيح بمجالس الشورا)(ص110 - 111)(2).

(1) نُذَكّر الأستاذ محمد حسين ببيان الإخوان المسلمين عن المرأة المسلمة حيث قالوا (ص26): نحن لا ندعو للتبرج ولا للاختلاط ولا نقول بالتسامح فيه.

(2)

نادى الإخوان المسلمون في مبادراتهم للإصلاح في مصر بحق المرأة في المشاركة في انتخابات المجالس النيابية وما في مثلها وبحقها في تولى عضوية هذه المجالس في نطاق ما يحفظ لها عفتها وكرامتها!!! بل إنهم نادوا بحق المرأة في تولى الوظائف العامة عدا الإمامة الكبرى أو رئاسة الدولة في أوضاعنا الحالية ا. هـ (ص36) وبناءً على كلامهم للمرأة الحق في تولى الوزارة بل في تولي رئاسة الوزارة.

ص: 247

رد مجمل على بعض الأخطاء الواردة في كتابه (1)

* الرد على قوله في الحجاب ودعوته إلى الاختلاط بين الرجال والنساء:

1 -

تمسك الأستاذ محمد حسين بالمتشابه وترك المحكم فاستدل بأقوال أو أفعال للرسول صلى الله عليه وآله وسلم والصحابة كانت قبل الأمر باحتجاب النساء عن الرجال، فمثله كمثل من يستدل على جواز شرب الخمر بقوله تعالى:{لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَا} [النساء: 43] مع أن ذلك كان قبل تحريم الخمر.

2 -

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: قبل أن تنزل آية الحجاب كان النساء يخرجن بلا جلباب يرى الرجل وجهها ويديها، وكان إذ ذاك يجوز لها أن تظهر الوجه والكفين، وكان ـ حينئذ ـ يجوز النظر إليها؛ لأنه يجوز لها إظهاره، ثم لما أنزل الله عز وجل آية الحجاب بقوله:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ} [الأحزاب: 59] فحجب النساء عن الرجال، وكان ذلك لما تزوج زينب بنت جحش، فأرخى الستر، ومنع النساء أن ينظرن، ولما اصطفى صفية بنت حُيَيّ بعد ذلك ـ عام خيبر ـ قالوا:«إن حجبها فهي من أمهات المؤمنين، وإلا فهي مما ملكت يمينه» ، فحجبها، فلما أمر الله ألا يسألن إلا من وراء حجاب وأمر أزواجه وبناته ونساء المؤمنين أن يدنين عليهن من جلابيبهن، والجلباب هو الملاءة، وهو الذي يسميه ابن مسعود وغيره: الرداء، وتسميه العامة: الإزار، وهو الإزار الكبير الذي يغطي رأسها وسائر بدنها (2) وقد حكى أبو عبيد وغيره: أنها تُدْنِيه من فوق رأسها

(1) نرجو الله عز وجل أن يوفق أحد العلماء المخلصين للرد المفصل على الشبهات الواردة في الكتاب.

(2)

والعجيب قول الأستاذ محمد حسين في كتابه (سلوكيات المرأة: ص46) والجلابيب جمع جلباب وهو الرداء الذي يستر البدن ثم فسرها بالعباءة والملاءة والبالطو، وهو ما تلبسه المرأة فوق ملابسها لستر جميع البدن إلا الوجه كما تفعله الريفيات في عصرنا وبعض سكان الحضر بما يسمى الملاية.

ص: 248

فلا تظهر إلا عينها، ومن جنسه النقاب فكن النساء ينتقبن، وفي الصحيح أن المحرمة لا تنتقب ولا تلبس القفازين (1)، فإذا كن مأمورات بالجلباب لئلا يعرفن، وهوستر الوجه، أو ستر الوجه بالنقاب، كان الوجه واليدان من الزينة التي أمرت ألا تظهرها للأجانب (2) اهـ.

وجوب ستر الوجه والكفين:

قال الشيخ بكر أبوزيد: «معلوم أن العمل المتوارث المستمر من عصر الصحابة رضي الله عنهم فمَن بعدَهُم حجة شرعية يجب اتباعها، وتلقيها بالقبول، وقد جرى الإجماع العملي بالعمل المستمر المتوارث بين نساء المؤمنين على لزومهن البيوت فلا يخرجن إلا لضرورة أو حاجة، وعلى عدم خروجهن أمام الرجال إلا متحجبات غير سافرات الوجوه ولا حاسرات عن شيء من الأبدان، ولا متبرجات بزينة، واتفق المسلمون على هذا العمل، المتلاقي مع مقاصدهم في بناء صرح العفة والطهارة والاحتشام والحياء والغيرة، فمنعوا النساء من الخروج، سافرات الوجوه، حاسرات عن شيء من أبدانهن أو زينتهن.

فهذان إجماعان متوارثان معلومان من صدر الإسلام وعصور الصحابة والتابعين لهم بإحسان، حكى ذلك جمع من الأئمة، منهم الحافظ ابن عبد البر، والإمام النووي، وشيخ الإسلام ابن تيمية وغيرهم يرحمهم الله تعالا، واستمر العمل به إلى نحو منتصف القرن الرابع عشر الهجري، وقت انحلال الدولة الإسلامية إلى دول.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في (الفتح)(9/ 224): «لم تزل عادة النساء قديماً وحديثاً أن يسترن وجوههن عن الأجانب» انتهى (3).

(1) رواه الإمام البخاري (1838).

(2)

مجموع الفتاوى (11/ 424 - 425) الطبعة القديمة (22/ 110 - 111).

(3)

حراسة الفضيلة للشيخ بكر أبو زيد (ص29 - 30).

ص: 249

قال الشيخ محمد بن إسماعيل المقدم بعد أن نقل أقوالاً لكثير من علماء المذاهب الأربعة (1): تنبيهات: الأول: نستطيع أن نخلص مما تقدم بأن علماء المذاهب الأربعة متفقون على وجوب تغطية المرأة جميع بدنها عن الأجانب، سواء من يرى أن الوجه والكفين عورة، ومن يرى أنهما غير عورة لكنه يوجب تغطيتهما في هذا الزمان لفساد أكثر الناس ورِقّة دينهم، وعدم تورعهم عن النظر المحرم إلى وجه المرأة الذي هو مجمع المحاسن، ومعيار الجمال، ومصباح البدن (2).

الثاني: أجمع العلماء على مشروعية احتجاب النساء عن الرجال الأجانب فقد نقل الحافظ ابن حجر في (فتح الباري): «عن ابن المنذر أنه قال: «أجمعوا على أن المرأة المحرمة تلبس المخيط كله، والخفاف، وأن تغطى رأسها، وتستر شعرها إلا وجهها، فتسدل عليه الثوب سدلاًخفيفاً تستتر به عن نظر الأجانب» ا. هـ.

وهذا يقتضى أن غير المحرمة مثل المحرمة فيما ذكر، بل أوْلا» ا. هـ (3) وفيه دليل واضح، وكشف فاضح لجهل من ادعى أن النقاب بدعة لا أصل لها في الإسلام.

الثالث: أنه رغم الخلاف القديم بين الفقهاء في هذه المسألة إلا أنه بَقِيَ خلافاً نظرياً إلى حد بعيد، حيث ظل احتجاب النساء هو الأصل في الهيئة الاجتماعية خلال مراحل التاريخ الإسلامي، وفيما يلي نُقُول عن بعض الأئمة تؤكد أن التزام الحجاب كان أحد معالم سبيل المؤمنين في شتى العصور: قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «كانت سنة المؤمنين في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن الحرة تحتجب، والأمة تبرز» (4) ونقل

(1) عودة الحجاب (3/ 417 - 433).

(2)

قال الدكتور عبد الله ناصح علوان: بعد أن ذكر الآيات والأحاديث وأقوال الفقهاء المتعلقة بموضوع تغطية الوجه: ويتضح مما قاله الأئمة المجتهدون أن وجه المرأة عورة وأن ستره واجب وأن كشفه حرام

حتى فقهاء الحنفية الذين ذهبوا إلى جواز الكشف فإنهم قيدوه بأمن الفتنة

وهل أحد ينكر إشاعة الفساد والفتنة في المجتمع الذي نتخبط فيه، وفي المحيط الذي نتعايش معه؟ (إلى كل أب غيور يؤمن بالله ص28).

(3)

السرد القوى للشيخ التويجري (ص248 - 249).

(4)

تفسير سورة النور (ص56).

ص: 250

الإمام ابن رسلان رحمه الله اتفاق المسلمين على منع خروج النساء سافرات (1) اهـ.

وقال الإمام أبو حامد الغزالي رحمه الله: «لم يزل الرجال على ممر الزمان مكشوفي الوجوه، والنساء يخرجن منتقبات» (2).

وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله: «إن العمل استمر على جواز خروج النساء إلى المساجد والأسواق والأسفار منتقبات لئلا يراهن الرجال» (3).

بعض أدلة وجوب تغطية المرأة وجهها وكفيها:

الدليل الأول: قال تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} [الأحزاب: 53]، قال الدكتور عبد الله ناصح علوان: «وإذا كانت هذه الآية نزلت في أمهات المؤمنين

فالعبرة ـ كما يقول الأصوليون ـ بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وإذا كانت أمهات المؤمنين المقطوع بعفتهن وطهارتهن مأمورات بالحجاب، وعدم الظهور أمام الأجانب فالنساء المسلمات بشكل عام مأمورات بالستر وعدم الظهور من باب أولا، وهذا يسمى بالمفهوم الأولوي عند الفقهاء وعلماء الأصول (4).

قال الشيخ بكر أبو زيد: «في قوله ـ تعالى ـ في آية الحجاب هذه: {ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} علة لفرض الحجاب في قوله ـ سبحانه ـ: {فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ} بمسلك الإيماء والتنبيه وحكم العلة عام لمعلولها هنا؛ لأن طهارة قلوب الرجال والنساء وسلامتها من الريبة، مطلوبة من جميع المسلمين، فصار فرض الحجاب على نساء المؤمنين من باب الأولى من فرضه على أمهات المؤمنين، وهن الطاهرات المُبَرَأَىت من كل عيب ونقيصة رضي الله عنهن.

(1) عون المعبود (4/ 106).

(2)

احياء علوم الدين (4/ 729).

(3)

فتح الباري (9/ 337).

(4)

تربية الأولاد في الإسلام (1/ 278).

ص: 251

فاتضح أن فرض الحجاب حكم عام على جميع النساء لا خاص بأزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأن علة الحكم دليل على عموم الحكم فيه، وهل يقول مسلم: إن هذه العلة: {ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} غير مرادة من أحد من المؤمنين» (1).

قال الدكتور عبد الله ناصح علوان (وهو أحد رموز الإخوان المسلمين في العالم): «وإذا كانت هذه الآية نزلت في أمهات المؤمنين فالعبرة ـ كما يقول الأصوليون ـ بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وإذا كانت أمهات المؤمنين المقطوع بعفتهن وطهارتهن مأمورات بالحجاب، وعدم الظهور أمام الأجانب فالنساء المسلمات بشكل عام مأمورات بالستر وعدم الظهور من باب أولا» . (2)

الدليل الثاني: قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} [الأحزاب: 59]، قال الإمام السيوطي رحمه الله:«هذه آية الحجاب في حق سائر النساء، ففيها وجوب ستر الرأس والوجه عليهن» (3)، قال الشيخ بكر أبو زيد:«وهذه الآية صريحة على أنه يجب على جميع نساء المؤمنين أن يغطين ويسترن وجوههن وجميع أبدانهن وزينتهن، وفي هذا تميز لهن عن اللائى يكشفن من نساء الجاهلية حتى لا يتعرضن للأذى ولا يطمع فيهن طامع، ومعنى الجلباب في الآية هو معناه في لسان العرب، وهو اللباس الواسع الذي يغطى جميع البدن، وهو بمعنى الملاءة والعباءة، فتلبسه المرأة فوق ثيابها من أعلى رأسها مُدْنية ومُرخية له على وجهها وسائر جسدها، وما على جسدها من زينة مكتسبة، ممتداً إلى ستر قدميها» (4).

قال الدكتور عبد الله ناصح علوان: «المرأة المسلمة مأمورة بمقتضى آية {يُدْنِينَ

(1) حراسة الفضيلة (ص36 - 37).

(2)

تربية الأولاد في الإسلام (1/ 278).

(3)

نقله عنه الشيخ بكر أبو زيد في كتابه (حراسة الفضيلة: ص39).

(4)

حراسة الفضيلة (39 - 40) بتصرف.

ص: 252

عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ} بارتداء الجلباب وستر وجهها عن الأجانب». (تربية الأولاد في الإسلام 1/ 199)

الدليل الثالث: قال الله تعالى: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور: 30 - 31]، قال الشيخ بكر أبو زيد: «تعددت الدلالة في هاتين الآيتين الكريمتين على فرض الحجاب وتغطية الوجه من وجوه أربعة مترابطة، هي:

الوجه الأول: الأمر بغض البصر وحفظ الفرج من الرجال والنساء على حد سواء في الآية الأولى وصدر الآية الثانية وما ذاك إلا لعظم فاحشة الزنا، وأن غض البصر وحفظ الفرج أزكى للمؤمنين في الدنيا والآخرة، وأبعد عن الوقوع في هذه الفاحشة، وإن حفظ الفرج لا يتم إلا ببذل أسباب السلامة والوقاية ومن أعظمها غض البصر، وغض البصر لا يتم إلا بالحجاب التام لجميع البدن، ولا يرتاب عاقل أن كشف الوجه سبب للنظر إليه والتلذذ به، والعينان تزنيان وزناهما النظر، والوسائل لها أحكام المقاصد، ولهذا جاء الأمر بالحجاب صريحاً في الوجه بعده:

الوجه الثاني: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} منها: أي لا يظهرن شيئاً من الزينة للأجانب عن عمد وقصد، إلا ما ظهر منها اضطراراً لا اختياراً، مما لا يمكن اخفاؤه كظاهر الجلباب ـ العباءة ويقال: الملاءة ـ الذي تلبسه المرأة فوق القميص والخمار، وهي مالا يستلزم النظر إليه رؤية شيء من بدن المرأة الأجنبية؛ فإن ذلك معفو عنه، وتأمل سراً من أسرار التنزيل في قوله تعالى:{وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ}

ص: 253

كيف أسند الفعل إلى النساء في عدم إبداء الزينة متعدياً وهو فعل مضارع: {يُبْدِينَ} ومعلوم أن النهي إذا وقع بصفة المضارع، يكون آكد في التحريم، وهذا دليل صريح على وجوب الحجاب لجميع البدن وما عليه من زينة مكتسبة، وستر الوجه والكفين من باب أولا.

وفي الاستثناء {إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} لم يسند الفعل إلى النساء؛ إذ لم يجاء متعدياً، بل جاء لازماً، ومقتضى هذا أن المرأة مأمورة بإخفاء الزينة مطلقاً غير مخيرة في إبداء شيء منها وأنه لا يجوز لها أن تتعمد إبداء شيء إلا ما ظهر اضطراراً بدون قصد فلا إثم عليها، مثل انكشاف شيء من الزينة من أجل الرياح أو لحاجة علاج لها ونحوه من أحوال الاضطرار، فيكون معنى الاستثناء رفع الحرج، كما في قوله تعالى:{لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَاّ وُسْعَهَا} [البقرة: 286].

الوجه الثالث: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} والخُمُر جمع خمار، مأخوذ من الخَمْر، وهو الستر والتغطية، ومنه قيل للخَمْر: خَمْراً؛ لأنها تستر العقل وتغطيه، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في (فتح الباري: 8/ 489): «ومنه خمار المرأة؛ لأنه يستر وجهها» انتها.

فيكون معنى {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} : أمر من الله لنساء المؤمنين، أن يلقين بالخمار إلقاءً محكماً على المواضع المكشوفة وهي الرأس والوجه، والعنق، والنحر، والصدر، وذلك بلفّ الخمار الذي تضعه المرأة على رأسها وترميه من الجانب الأيمن على العاتق الأيسر، وهذا هو التقنع؛ وهذا خلافاً لما كان عليه أهل الجاهلية من سدل المرأة خمارها من ورائها وتكشف ما هو قدامها، فأُمِرْن بالاستتار، ويدل لهذا التفسير المتسق مع ما قبله، الملاقي للسان العرب كما ترا، أن هذا هو الذي فهمه نساء الصحابة ـ رضي الله عن الجميع ـ فعملن به، وعليها ترجم الإمام البخاري في صحيحه فقال:«باب: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ}» وساق بسنده حديث عائشة رضي الله عنها قالت: «يرحم الله نساء المهاجرين الأُوَل، لما أنزل

ص: 254

الله: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} شققن مروطهن فاختمرن بها».

قال ابن حجر في (الفتح: 8/ 489) في شرح هذا الحديث: «قوله: «فاختمرن» : أي غطين وجوههن وذكر صفته كما تقدم» انتها.

ومن نازع فقال بكشف الوجه؛ لأن الله لم يصرح بذكره هنا، فإنا نقول له: إن الله ـ سبحانه ـ لم يذكر هنا الرأس، والعنق، والنحر، والصدر، والعضدين، والذراعين والكفين، فهل يجوز الكشف عن هذه المواضع؟ فإن قال: لا، قلنا: والوجه كذلك لا يجوز كشفه من باب أولا؛ لأنه موضع الجمال والفتنة، وكيف تأمر الشريعة بستر الرأس والعنق والنحر والصدر، والذراعين والقدمين، ولا تأمر بستر الوجه وتغطيته، وهو أشد فتنة وأكثر تأثيراً على الناظر والمنظور إليه؟ وأيضاً ما جوابكم عن فهم نساء الصحابة ـ رضي الله عن الجميع ـ في مبادرتهن إلى ستر وجوههن حين نزلت هذه الآية؟

الوجه الرابع: {وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ} وفي هذا الوجه ثلاث دلالات:

الأولى: يحرم على نساء المؤمنين ضرب أرجلهن ليعلم ما عليهن من زينة.

الثانية: يجب على نساء المؤمنين ستر أرجلهن وما عليهن من الزينة، فلا يجوز لهن كشفها.

الثالثة: حرّم الله على نساء المؤمنين كل ما يدعو إلى الفتنة، وإنه من باب الأولى والأقوى يحرم سفور المرأة وكشفها عن وجهها أمام الأجانب عنها من الرجال؛ لأن كشفه أشد داعية لإثارة الفتنة وتحريكها، فهو أحق بالستر والتغطية وعدم إبدائه أمام الأجانب، ولا يستريب في هذا عاقل» (1).

الدليل الرابع على وجوب تغطية وجه المرأة وكفيها: عن أم سلمة ـ رضي الله

(1) حراسة الفضيلة (ص43 - 49) بتصرف.

ص: 255

عنها ـ قالت: «لما نزلت {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ} خرج نساء الأنصار كأن على رؤوسهن الغربان من الأكسية» (رواه الإمام أبو داود 4101 وصححه الشيخ الألباني) وقال بعد أن أورده في كتابه (حجاب المرأة المسلمة): «والجلباب هو الملاءة التي تلتحف بها المرأة فوق ثيابها على أصح الأقوال» ، ونقل عن الإمام ابن حزم قوله:«والجلباب في لغة العرب التي خاطبنا بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو ما يغطي جميع الجسم لا بعضه» ا. هـ (1)، قال الشيخ بكر أبو زيد أن ستر الجلباب للوجه وجميع البدن وما عليه من الثياب ـ الزينة المكتسبة ـ هو الذي فهمه نساء الصحابة رضي الله عنهم (2).

الدليل الخامس: قال صلى الله عليه وآله وسلم: «المرأة عورة» (3) قال الشيخ التويجري: «وهذا الحديث دالٌّ على أن جميع أجزاء المرأة عورة في حق الرجال الأجانب سواء في ذلك وجهها وغيره من أعضائها» (4).

تحريم اختلاط المرأة بالرجال الأجانب:

قال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله: «اختلاط الرجال بالنساء له ثلاث حالات:

الأولى: اختلاط النساء بمحارمهن من الرجال وهذا لا إشكال في جوازه.

الثانية: اختلاط النساء بالأجانب لغرض الفساد، وهذا لا إشكال في تحريمه.

الثالثة: اختلاط النساء بالأجانب في دور العلم، والحوانيت، والمكاتب، والمستشفيات، والحفلات، ونحو ذلك، فهذا في الحقيقة قد يظن السائل في باديء الأمر أنه لا يؤدي إلى افتتان كل واحد من النوعين بالأخر، ولكشف حقيقة هذا القسم فإنا نجيب عنه من طريق مجمل ومفصل:

(1) حجاب المرأة المسلمة (ص38).

(2)

حراسة الفضيلة (ص41).

(3)

رواه الإمام الترمذى (1189)، وصححه الشيخ الألباني.

(4)

الصارم المشهور على أهل التبرج والسفور (ص96).

ص: 256

أما المجمل: فهو أن الله ـ تعالى ـ جبل الرجال على القوة والميل إلى النساء، وجبل النساء على الميل إلى الرجال مع وجود ضعف ولين، فإذا حصل الاختلاط نشأ عنه آثار تؤدي إلى حصول الغرض السيء؛ لأن النفوس أمارة بالسوء، والهوى يعمى ويُصِمّ، والشيطان يأمر بالفحشاء والمنكر.

وأما المفصل: فالشريعة مبنية على المقاصد ووسائلها، ووسائل المقصود الموصلة إليه لها حكمه، فالنساء مواضع قضاء وطر الرجال.

وقد سد الشارع الأبواب المُفضية إلى تعلق كل فرد من أفراد النوعين بالآخر

» ثم ذكر الأدلة على تحريم هذا النوع من الاختلاط (1).

بعض الأدلة على تحريم اختلاط المرأة بالرجال الأجانب:

الدليل الأول: قال تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} [الأحزاب: 53] قال الدكتور عبد الله ناصح علوان: «وإذا كانت هذه الآية نزلت في أمهات المؤمنين فالعبرة ـ كما يقول الأصوليون ـ بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وإذا كانت أمهات المؤمنين المقطوع بعفتهن وطهارتهن مأمورات بالحجاب، وعدم الظهور أمام الأجانب فالنساء المسلمات بشكل عام مأمورات بالستر وعدم الظهور من باب أولا» (2).

الدليل الثاني: قال الله عز وجل: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلا

(1) فتوى الشيح محمد بن إبراهيم في حكم الاختلاط بين الرجال والنساء.

(2)

تربية الأولاد في الإسلام (1/ 278).

ص: 257

يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور: 30 - 31] قال الدكتور عبد الله ناصح علوان: «فإذا كان الأمر ـ في هذه الآية ـ يشمل غض البصر ووضع الخمار على الرأس وفتحة الصدر، وعدم إبداء الزينة والمفاتن إلا للمحارم

أفليس يدل هذا الشمول على أن المرأة المسلمة مأمورة بالستر والحشمة والعفة وعدم الاختلاط بالأجانب؟» (1)

وقال أيضاً: «فكيف نتصور غض البصر لكل من الرجل والمرأة وهما مجتمعان في مكان واحد فالآية إذن في مدلولها تنهى عن الاختلاط وتحرمه» (2).

الدليل الثالث: روى الإمام البخاري والإمام مسلم عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ» ، فقال رجل:«يا رسول الله، أفرأيتَ الحَمْو؟ (3)» ، قال:«الحمو الموت» (4)، قال الشيخ الشنقيطي رحمه الله: «فسمى صلى الله عليه وآله وسلم دخول قريب الرجل على امرأته وهو غير مَحْرَم لها باسم الموت، ولا شك أن تلك العبارة هي أبلغ عبارات التحذير، وهذا دليل صحيح نبوي على أن قوله تعالى:{وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ} عام في جميع النساء؛ إذ لو كان حكمه خاصاً بأزواجه صلى الله عليه وآله وسلم لَمَا حذر الرجالَ هذا التحذير البالغ العام من الدخول على النساء.

وظاهر الحديث التحذير من الدخول عليهن ولو لم تحصل الخلوة بينهما، وهو كذلك، فالدخول عليهن والخلوة بهن كلاهما محرم تحريماً شديداً بانفراده» (5).

الدليل الرابع: عن أبي أسيد الأنصارى رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو خارج من المسجد، فاختلط النساء مع الرجال في الطريق فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:«اسْتَأْخِرْنَ، فإنه ليس لَكُنّ أن تحْقُقْنَ الطريق، عليكن بحافاتِ الطريق» فكانت المرأة

(1) تربية الأولاد في الإسلام (1/ 278 - 279).

(2)

تربية الأولاد في الإسلام (1/ 204).

(3)

أي أقارب الزوج والزوجة ممن ليسوا محارمها مثل أخي الزوج وابن عم الزوجة.

(4)

البخاري 5232، مسلم 2172.

(5)

أضواء البيان (6/ 592 - 593) عن عودة الحجاب (3/ 308 - 309).

ص: 258

تلتصق بالجدار، حتى إن ثوبها ليتعلق بالجدار من لصوقها به (1).

قال الشيخ محمد بن إبراهيم مفتى الديار السعودية سابقاً: «قال ابن الأثير في (النهاية في غريب الحديث): «يحققن الطريق» : هو أن يركبن حُقَّها وهو وَسَطُها»، ووجه الدلالة: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا منع الاختلاط في الطريق لأنه يؤدى إلى الافتتان، فكيف يقال بجواز الاختلاط في غير ذلك؟!»

الدليل الخامس: عن أبي سعيد الخُدْري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إن الدنيا حُلْوَةٌ خَضِرَة، وإن الله مُسْتَخلِفُكم فيها، لينظرَ كيف تعملون، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء؛ فإن أولَ فتنةِ بني إسرائيل كانت في النساء» رواه الإمام مسلم (2742).

قال الشيخ محمد إبراهيم: «ووجه الدلالة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر باتقاء النساء، وهو يقتضي الوجوب، فكيف يحصل الامتثال مع الاختلاط؟ هذا لا يجوز» .

الدليل السادس: قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «ما تركتُ بعدي فتنةً هي أضَرُّ على الرجال من النساء» (رواه الإمام مسلم: 2741).

قال الشيخ محمد بن إبراهيم: «ووجه الدلالة: أنه وصفهن بأنهن فتنة فكيف يُجمع بين الفاتن والمفتون؟ هذا لا يجوز» .

الدليل السابع: قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم «خيرُ صفوفِ الرجالِ أوَّلُها وشرُّها آخرُها وخيرُ صفوفِ النساءِ آخرُها وشرُّها أوَّلُها» رواه الإمام مسلم (440).

قال الشيخ محمد بن إبراهيم: «ووجه الدلالة أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم شرع للنساء إذا أتَيْن إلى المسجد فإنهن ينفصلن عن الجماعة على حدة، ثم وصف أول صفوفهن بالشر، والمؤخر منهن بالخير، وما ذلك إلا لبُعد المتأخرات عن الرجال عن مخالطتهم ورؤيتهم وتعلق القلب بهم عند رؤية حركاتهم وسماع كلامهم، وذمّ أول صفوفهن لحصول عكس ذلك، ووصف آخر صفوف الرجال بالشر إذا كان معهم نساء في المسجد؛

(1) رواه الإمام أبو داود 5272 وحسنه الشيخ الألباني.

ص: 259

لفوات التقدم والقُرْب من الإمام وقربه من النساء اللاتى يشغلن البال، وربما أفسدن به العبادة وشوشن النية والخشوع.

فإذا كان الشارع توقع حصول ذلك في مواطن العبادة مع أنه لم يحصل اختلاط فحصول ذلك إذا وقع اختلاط من باب أولى فيمنع الاختلاط من باب أولا» (1).

قال الدكتور عبد الله ناصح علوان (بعد أن ذكر بعض الأدلة من الكتاب والسنة على حرمة الاختلاط): «فهذه النصوص القرآنية، والأحاديث النبوية تحرم اختلاط الرجال بالنساء بشكل قاطع جازم لا يحتمل الشك ولا الجدل!! فالذين يبيحون الاختلاط ويبررونه بتعويدات اجتماعية ومعالجات نفسية، وحجج شرعية، فإنهم في الواقع يفترون على الشرع ويتجاهلون الفطرة الغريزية ويتجاهلون الواقع المرير الذي آلت إليه المجتمعات الإنسانية قاطبة» (2).

رد مجمل على شبهات دعاة السفور:

قال الشيخ بكر أبو زيد: «ونقول لكل مؤمن ومؤمنة: فيما هو معلوم من الشرع المطهر، وعليه المحققون، أنه ليس لدعوة السفور دليل صحيح صريح، ولا عمل مستمر من عصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى أن حدث في المسلمين حادث السفور في بدايات القرن الرابع عشر، وأن جميع ما يستدل به دعاة السفور عن الوجه والكفين لا يخلو من حال من ثلاث حالات:

1 -

دليل صحيح صريح لكنه منسوخ بآيات فرض الحجاب كما يعلمه من حقق تواريخ الأحداث، أي قبل عام خمس من الهجرة، أو في حق القواعد من النساء، أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء.

2 -

دليل صحيح لكنه غير صريح لا تثبت دلالته أمام الأدلة القطعية الدلالة من الكتاب والسنة على حجب الوجه والكفين كسائر البدن والزينة، ومعلوم أن رد

(1) فتوى الشيخ محمد بن إبراهيم في حكم الاختلاط بين الرجال والنساء.

(2)

تربية الأولاد في الإسلام (1/ 279).

ص: 260

المحكم إلى المتشابه هو طريق الراسخين في العلم.

3 -

دليل صريح لكنه غير صحيح لا يُحتج به، ولا يجوز أن تعارض به النصوص الصحيحة الصريحة والهدي المستمر من حَجْب النساء لأبدانهن وزينتهن ومنها الوجه والكفان، هذا مع أنه لم يقل أحد في الإسلام بجواز كشف الوجه واليدين عند وجود الفتنة ورقة الدين وفساد الزمان، بل هم مجمعون على سترهما، كما نقله غير واحد من العلماء، وهذه الظواهر الإفسادية قائمة في زماننا، فهي موجبة لسترهما، لو لم يكن أدلة أخرا.

وإن من الخيانة في النقل نسبة هذا القول إلى قائل به مطلقاً غير مقيد؛ لتقوية الدعوة إلى سفور النساء عن وجوههن في هذا العصر، مع ما هو مشاهد من رقة الدين والفساد الذي غشي بلاد المسلمين» (1).

قال الشاعر:

لا يَأْمَنَنَّ على النساءِ أخٌ أخاً

ما في الِرجالِ على النساءِ أمينُ

إنَّ الأمِينَ وإنْ تَعَفَّفَ جهْدَهُ

لابُدَّ أنْ بِنَظْرَةٍ سَيَخُونُ

هل للمرأة حق في انتخاب الخليفة؟

قال الأستاذ محمد حسين في كتابه عن المرأة (ص108): «ومن أعظم الأدلة على حق المرأة في إبداء الرأي في اختيار الخليفة ما كاد يكون إجماعاً من الصحابة لعدم الاعتراض على قيام عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه بعد وفاة الخليفة عمر بن الخطاب، وقد أصبح له الأمر في اختيار أحد الرجلين ليكون خليفة المسلمين: عثمان بن عفان وعليّ بن أبي طالب.

قال ابن كثير في البداية والنهاية: «ثم نهض عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه يستشير فيهما حتى خلص إلى النساء في رحالهن» ، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج

(1) حراسة الفضيلة (ص61 - 62).

ص: 261

السنة النبوية: «بقي عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه يشاور الناس ثلاثة أيام وأخبر أن الناس لا يعدلون بعثمان، وأنه شاور حتى العذارى في خدورهن» »، ثم قال الأستاذ محمد حسين:«فإذا كانت العذراء قد أبدت برأيها في اختيار الخليفة، فلابد وأن رأْي النساء يكون معمولاً به منذ عهد الصحابة رضي الله عنهم وأن لرأيهن تأثيراً في اختيار الخليفة» ا. هـ.

* الرد:

أولاً: بنى الأستاذ محمد حسين إجماع الصحابة على قصة وردت في أحد كتب التاريخ، ونقول: أثبِت العرش ثم انقش، أثبِت أولاً أن هذا صحيح ثم ابنِ عليه إجماع الصحابة، وأنّى لك ذلك، فقد ذكر الحافظ ابن كثير هذا الكلام في كتابه (البداية والنهاية) وهو كتاب تاريخ، ومتى كانت كتب التاريخ والقصص مصدراً من مصادر الأحكام الشرعية؟ ثم إن الحافظ ابن كثير ذكر هذه القصة بصيغة التمريض مما يدل على ضعفها فقال: «ويُروى أن أهل الشورى جعلوا الأمر إلى عبد الرحمن ليجتهد للمسلمين في أفضلهم ليوليهم

ثم نهض عبد الرحمن بن عوف يستشير الناس فيهما ويجمع رأي المسلمين برأي رؤوس الناس وأقيادهم، جميعاً وأشتاتاً، مثنى وفرادا، ومجتمعين، سراً وجهراً، حتى خلص إلى النساء المخدّرات في حجابهن وحتى سأل الولدان في المكاتب» (1).

فتأمل أخي القارئ كيف جعل الأستاذ محمد حسين الدليل على حق المرأة في اختيار الخليفة رواية لا سَنَدَ لها ذكرها الحافظ ابن كثير في (البداية والنهاية) وأشار إلى ضعفها بأن ذكرها بصيغة التمريض، ونقول: يجب علينا أن نجعل الدليل أمامنا ولا نجعله وراءنا، وألا نصدر أحكاماً ثم نبحث عن دليل عليها، بل ننظر أولاً في الآثار ونتأكد من صحتها ثم ننظر إن كانت تصلح دليلاً أم لا.

ثانياً: يقول الإمام الجويني في كتابه (غياث الأمم في التياث الظلم: ص80 - 81):

(1) البداية والنهاية (4/ 192)، والمكاتب: الكتاتيب.

ص: 262

«والآن نبدأ بتفصيل صفات أهل العقد والاختيار، فليقع البداية بمحل الإجماع في صفة أهل الاختيار، ثم ينعطف على مواضع الاجتهاد والظنون، فما نعلمه قطعاً أنَّ النسوة لا مدخل لهن في تخير الإمام وعقد الإمامة، فإنهن ما رُوجِعن قط، ولو اسْتُشِير في هذا الأمر امرأة لكان أحرى النساء وأجدرهن بهذا الأمر فاطمة رضي الله عنها، ثم نسوة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أمهات المؤمنين، ونحن بابتداء الأذهان نعلم أنه ما كان لهن في هذا المجال مخاض في منقرض العصور ومَكَرّ الدهور» اهـ.

ثالثاً: بنى الأستاذ محمد حسين على هذه القصة الضعيفة أن العذراء الصغيرة قد أبدت رأيها في اختيار الخليفة فلابد أن لرأي النساء تأثيراً في اختيار الخليفة.

ونقول له: في هذه القصة (الضعيفة) أيضاً أنه شاور الولدان في المكاتب (أي الكتاتيب) فهل ـ من وجهة نظر الأستاذ محمد حسين ـ للصبيان في المدارس الإبتدائية الحق في اختيار الخليفة بناء على استدلاله بهذه القصة الضعيفة.

هل للمرأة حق في انتخاب أهل الحل والعقد؟

استدل الأستاذ محمد حسين على ذلك بما اعتقد أنه حق لها في انتخاب الخليفة ـ وقد تبين بطلان ذلك ـ فبنى هذا الحكم على أصل باطل حيث قال (ص110): «أهل الحل والعقد اصطلاح إسلامي يطلق على من يُكْتَفَى بمشاورتهم دون الأمة، وتعتبر مشاورتهم بمنزلة مشاورة جميع أفراد الأمة، فتتبعهم الأمة فيما يرون وتثق بهم لما تعرفه من حسن الرأي والمعرفة بالأمور، ومن الحرص على مصالح الأمة، مع تقوى وعدالة ومخافة الله تعالا، فهؤلاء هم الذين تفوضهم الأمة في انتخاب الخليفة ومشاورته في الأمور، فهم أهل الشورى وهم في اصطلاح العصر يطلق عليهم: مجلس الشورى أو مجلس الأمة، أو نواب الشعب، وقد تبين فيما سبق أن للمرأة حق انتخاب الخليفة بطريقة مباشرة مع جميع أفراد الأمة مثل ما يسمى بالاستفتاء العام، وأما حق المرأة في انتخاب أهل الحل والعقد فهذا يثبت لها من باب الأولا؛ لأنها تملك انتخاب الخليفة فيكون لها من باب الأولى انتخاب من ينتخب الخليفة» اهـ كلامه.

ص: 263

* الرد:

تبين فيما سبق ضعف الأدلة التي اعتمد عليها في حق المرأة في انتخاب الخليفة، ونقلنا عن الإمام الجويني الإجماع على أن النساء لا مدخل لهن في اختيار الخليفة، فإذا كان الأصل باطلاً فالفرع من باب أولا؛ حيث لا يستقيم الظل والعود أعوج.

هل للمرأة حق في الترشيح لمجالس الشورا؟

بنى هذا الحكم أيضاً على ما اعتقد أنه حق لها في انتخاب الخليفة وقد تبين بطلان ذلك، فبنى هذا الحكم على أصل باطل، وقد سبق أن قال (ص110): إن «أهل الحل والعقد هم الذين تفوضهم الأمة في اختيار الخليفة، وهم في اصطلاح العصر يطلق عليهم مجلس الشورى أو مجلس الأمة، أو نواب الشعب» ا. هـ.

وفي (ص111) قال: «إن لها الحق بل واجب عليها أو جائز لها حسب الحال أن تشارك في الترشيح لمجلس الشورى أو مجلس الأمة ـ الشعب ـ أو أي مجلس يكون اشتراكها فيه يحقق المصلحة العامة للمسلمين» ا. هـ.

وقد سبق أن نقلنا عن الإمام الجويني أن النساء لا مدخل لهن في اختيار الخليفة، وبناء عليه لا مدخل لهن في الترشيح لمجلس الشورى الذي يختار الخليفة.

* تنبيه: من مفاسد ترشيح المرأة لمجالس الشورى والشعب اختلاطها بالرجال من غير المحارم داخل المجلس واختلاطها أثناء حملتها الانتخابية بمن ستطلب منهم أن يؤيدوها (1).

(1) رشح الإخوان المسلمون نساءً في انتخابات مجلس الشعب عامي 2000، 2005، بل إنهم قالوا في مبادرتهم حول الإصلاح التي أعلنت يوم 12 محرم 1425هـ (ص15) بحق كل مواطن ومواطنة في تولي عضوية المجالس النيابية، متى توافرت فيه الشروط العامة التي يحددها القانون ا. هـ، وبذلك جعلوا للرجل الكافر والمرأة الكافرة الحق في أن يكونوا من أهل الحل والعقد، حيث إنهم لم يشترطوا الإسلام بل ذكروا أن هذا حق لكل مواطن ومواطنة، رغم ما سبق بيانه من أن المرأة المسلمة ليس لها الحق في ذلك فضلاً عن الكافر والكافرة، قال الدكتور عبد الكريم زيدان: «من شروط أهل الحل والعقد العدالة الجامعة لشروطها

ومن شروط العدالة الإسلام فيشترط أن يكون الشخص مسلماً» ا. هـ (أصول الدعوة: ص209).

ص: 264