الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
على "e" القصيرة وأن téctus تحتوي على "e" الطويلة، وربما كان من الممكن تأكيد هذه النتجية عن طريق مقارنة الكلمات اللاتينية بكلمات مقاربة في لغات أخرى في نفس عائلة اللغات الهندية الأوربية، ولكن ذلك ربما جرنا إلى دراسات مقارنة لسنا في حاجة إليها، إذ يمكن حل مشكلتنا عن طريق الدليل الداخلي وحده في اللاتينية وسلالاتها.
وقد استعمل دي سوسير إعادة التركيب اللغوي عند إثبات وجود صوت ساكن ثان مضمحل للجذور اللاتينية التي تحتوي -بصورة استثنائية- على ساكن واحد "النموذج العادي للجذر اللاتيني هو ساكن، علة، ساكن"، وقد وجدت مؤخرًا، بعد اكتشاف اللغة الحثية، "عضو بائد من العائلة الهندية الأوربية" صورة منعكسة لهذا الساكن المضمحل مؤكدة صحة الفرض القديم.
36-
تاريخ اللغات والإحصاء المعجمي:
وهنا لدينا نظام منهجي يهدف إلى أن يدلنا عند أي فترة تاريخية تباعدت لغتان قريبتان، وذلك عن طريق أخذ عينات مختلفة من مفرداتها كما تظهر الآن وعمل تخطيط يبين مقدار الكلمات التي ما تزال مشتركة بينهما، مع تطابق المعنى أو اختلافه، والكلمات المختلفة وبعد هذا -مع الاستعانة بعمليات إحصائية حسابية معقدة نوعًا- يمكن الوصول إلى تحديد الطول الزمني الذي استغرقته هذه اللغات حتى وقع بينها الاختلاف.
ولكن مشكلة هذا المنهج أنه ذاتي إلى حد كبير وغير دقيق، ومنذ البداية واجهنا السؤال الحائر: ماذا يمكن أن تمثل كمية معقولة من العينات الكلامية؟ ومن سيكون الحكم في اختيار أنواع معينة من الكلام واستبعاد أنواع أخرى؟ وشيء ثان هو: أي أساس نملكه حتى نزعم أن الاختلافات الحادثة فعلا تتفق في وقتها مع الزمن الذي نقدره؟ اللهم إلا إذا أمكننا أن نأخذ نفس المفردات،
ونعقد مقارنات بينها على طول التاريخ الطويل للغتين وإن معاني الكلمات تتغير دائما، بشكل ملحوظ، فإذا حدث وظلت الكلمة حية في اللغتين فأي درجة من التغير الدلالي سوف نقبلها، باعتبارها تشكل اختلافًا كافيًا يسمح لنا أن نقول إن الكلمتين لم تعودا بعد متقاربتين، ويجب أن توضعها في عمود السوالب لا في عمود الموجبات، أضف إلى ذلك أن جامعي الإحصاءات المعجمية عادة ما يكشفون عن جهل مؤسف باللغات التي يعالجونها، وبتطورها التاريخي، وحتى بمركزها الحاضر.
ولم تؤخذ في الاعتبار -من الناحيتين المادية والمنهجية- مرحلة الحضارة التي أمكن اجتيازها وقت انفصال اللغتين، وأنه من الشائع على الألسن -على سبيل المثال- أن يوجد اتفاق بعيد المدى في معاني الكلمات بين اللغات الرومانسية أكثر منه بين اللغات الجرمانية، وقائل هذا يعلله بأنه يعود إلى أن اللغات الرمانسية تلتقي في تمثيلها لقدر مشترك من الحضارة الرومانية، بينما الجرمانية قد انفصلت لغاتها، في وقت كانت ما تزال فيه في درجة متأخرة، ونتيجة لهذا فإن كلمة pedicure أو بعض الصيغ الأخرى المماثلة ستكون مشتركة بين اللغات الرومانسية كلها، بينما كلمة Fusspflege الألمانية لا تحمل معنى عند المتكلم الإنجليزي، على الرغم من أنه يملك في لغته المقابل الاشتقاقي للعناصر الألمانية وهي foot و ply.
وهناك مجال لإعطاء هذه الدراسة طابعًا علميًا، ولكن هذا قد يستدعي دراسة مقارنة تفصيلية لكل الملامح الموجودة في لغتين أو أكثر، سواء كانت صوتية أو صرفية أو نحوية أو معجمية، فإذا طبق هذا المنهج الدقيق فإننا سنجد أمامنا -كمعاملات عددية numerical coefficients- درجات الاختلاف التي أدت إلى انشعاب لغة من أخرى، وبذلك نكون قادرين على أن نحكم -مثلا- بأن اختلاف اللغة السردينية عن اللاتينية القديمة أقل بكثير من اختلاف اللغة الرومانية عنها، إننا قد نعرف بالضبط -باستخدام الطريقة
العددية- درجة اختلاف كل واحدة من اللغتين عن اللغة الأم، وربما أمكننا أن نصل كذلك إلى معرفة درجة العلاقة الحاضرة بين الفرعين اللغويين الحديثين.
وهذه النسب المئوية قد يمكن حينئذ تشغيلها بمساعدة حقائق تاريخية معروفة لترتيب الأحداث تاريخيًا، ولكن ما دامت الوسيلة التطبيقية المتبعة الآن -كما كان الحال في الماضي- طريقة تتعرض الإصابة والخطأ، لأنها تعتمد أكثر ما تعتمد على واحد أو أكثر من الظواهر التي حدث وأثارت مخيلة اللغوي، بينما تغفل في الواقع كل العوامل الأخرى -فستظل لا تخدم أي غرض، ولا توصل إلى نتيجة سوى إثارة الجدل والنقاش.
وإن التاريخ اللغوي، والإحصاء المعجمي ليعدان فحسب آخر مظهر للمناهج غير العلمية في أساسها.