الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولكن الحقيقة الباقية حتى الآن أن لغة الحديث هي أهم وسائل الاتصال الإنساني وأوسعها انتشارا ومتوسط ما ينتجه الإنسان من حديث أكبر بكثير مما ينتجه من كلام مكتوب وإيماءات وإشارات ولهذا فإنه من السائغ للغوي Linguist -على عكس دارس فقه اللغة philologist- أن يهتم أولا باللغة المنطوقة، ثم ثانيًا باللغة المكتوبة "باعتبارها -إلى حد كبير أو صغير- تمثيلا صادقا للغة المنطوقة"، وأخيرا -بدرجة ضئيلة إن وجد اهتمام ألبتة- بنظم الاتصال الأخرى.
3-
خصائص اللغة المتكلمة:
إن اللغة المتكلمة لتمتد إلى كل مجالات الحياة البشرية بدون استثناء أو تمييز. كل الناس تتفاهم أساسًا عن طريق الأصوات الكلامية، وهذا يعني أن اللغة جامعة، بمعنى أنها توجه وتصاحب كل نشاط إنساني يشترك فيه اثنان أو أكثر.
واللغة -لكونها نظامًا من النوافل ذات المعنى وتستلزم اثنين فأكثر "حتى عندما تتكلم إلى نفسك فأنت تجرد من شخصك فردا متكلما وآخر سامعا"- تعتمد على الاصطلاح والاتفاق الجماعي السابق، بين أعضاء الجماعة اللغوية، على المعنى أو المعاني المعينة التي تستدعيها أصوات خاصة وإذا تحدثنا موضوعيا، فإن اللغة التي لا تفهمها لا تزال لغة في الواقع، ولكن من وجهة النظر الذاتية "ولأسباب عملية" لا تعتبر لغة وإنما مجموعة من الأصوات العشوائية فقط، كعملة مشتركة قابلة للتداول بين اثنين على الأقل تصبح لغة بالمعنى الذاتي والنفعي لكلمة لغة.
وعلى الرغم من تعدد اللغات وتنوعها، فكلها تحمل خصائص مشتركة.
أولاها وأهمها أن كل اللغات تتكون من أصوات تصدرها أعضاء النطق الإنسانية، هذه الأصوات -لتصبح ذات معنى- يجب أن توضع في شكل تتابعي محدد معين، مكونة" كلمات أو مجموعة من الكلمات هذه الكلمات أو مجموعاتها يجب أن تكون محل اتفاق أعضاء المجموعة اللغوية باعتبارها قيمًا رمزية تستحضر -ولو على وجه التقريب- في ذهنهم أفكارًا معينة.
وإنه لواضح بدرجة كافية أن القيمة التي يدل عليها الرمز تتم بطريق التحكم والفرض، وأنه ليس هناك أي رابطة فطرية بين اللفظ ومدلوله، ولو صح الافتراض القائل بوجود علاقة فطرية بينهما لكان حتمًا أن يتكلم الناس لغة واحدة.
ولكن الأمر على غير ذلك، فكلمة dog في الإنجليزية يقابلها chien الفرنسية، و perro الإسبانية، و inu اليابانية اللغة المتكلمة إذن تعتمد على الاصطلاح والاتفاق الجماعي مهما قل عدد أفراد الجماعة اللغوية، وهذا يضع اللغة حتما في قائمة الرموز مثل عملة النقد الورقية التي ترمز إلى قيمة شرائية معينة، وتعتمد في قيمتها على العرف والاتفاق بين أفراد المجتمع، لا على قيمتها الذاتية.
عملية الكلام -إذن- تتكون من جانبين عضوي ونفسي، وحركة الكلام تبدأ من الرباط النفسي أو العقلي الذي سبق الاتفاق عليه في عقول المتكلمين بين دلالة معينة ومجموعة من الأصوات، ترمز إليها، ولكن سرعان ما تنتقل إلى العملية العضوية عن طريق إشارات عصبية يرسلها العقل إلى الجهاز النطقي لإنتاج الصوت المطلوب.
وفي الحال تبدأ مهمة الجهاز النطقي الذي يصدر أصواتا متتابعة مسموعة تنتقل عن طريق موجات صوتية إلى أذن السامع، وأذن السامع بدورها توصل الرمز الصوتي الذي استقبلته إلى العقل، الذي يعطي هذه الرموز قيمتها، ويترجم الرسالة على ضوء ما اختزن فيه سابقا من علاقة بين الرمز الصوتي