الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اللغوية، أو محاولة لتفضيل بعض اللغات على بعض، وإنما هو بكل بساطة النظر إلى اللغات من زوايا مختلفة، ومن أبعاد متفاوتة، وأيضا لأغراض مختلفة، وحين تتضح هذه الفكرة في الأذهان سوف يتلاشى كثير من الخلافات والمنازعات التي تثور اليوم بين اللغويين ذوي الاتجاهات المختلفة.
42-
اللهجات والتنوعات المحلية؛ اللغات الطبقية:
تعد الاختلافات اللهجية شيئا طبيعيا بالنسبة لكل الجماعات اللغوية، ربما فيما عدا الجماعات المتناهية في الصغر. وحتى في هذه الحالة من الممكن التعرف على بعض الخلافات الأسلوبية1 Idiolectic بين المتكلمين. وهذا راجع إلى الميل الطبيعي للغة نحو البعد عن المركز، إلا إذا اتخذت خطوات إيجابية مضادة. واللغة لو تركت وشأنها سوف تنقسم سواء عبر الزمان أو المكان. والتغير الذي يحدث عبر الزمان يرتبط أساسا بمباحث علم اللغة التاريخي. أما ذلك الذي يحدث عبر المكان فيهتم به علماء اللغة بأنواعهم الثلاثة. وإن عالم اللغة الوصفي يجب أن يخضع لتحليله الخلافات اللهجية، لتكون صورته التي يقدمها عن اللغة صورة كاملة. أما عالم اللغة التاريخي فيجب أن يأخذ في اعتباره الخلافات اللهجية كما تتضح في الماضي، وكما تؤثر في تطور اللغة موضوع دراسته. أما عالم اللغة الجغرافي فيجب أن ينظر إلى هذه الخلافات في ضوء لغة اليوم، ومدى تأثيرها على صورة الكرة الأرضية. وإذا ما تطورت الخلافات المحلية في الكلام حتى وصلت إلى نقطة أصبح معها التفاهم المشترك
1 كلمة Idiolect تعنى العادات الكلامية للمتكلم الفرد، ومثال ذلك اللغة الإنجليزية كما أتكلمها أنا. وهذا المصطلح مرادف تقريبا لمصطلح دي سوسير "كلام" Parole "انظر المبحث رقم 24".
أمرا صعبا أو مستحيلا أصبح مركز اللغة باعتبارها أداة اتصال في خطر أو عجز كبير. وإلى جانب هذا فإن دراسة اللهجات المعنية تصبح أمرا أساسيا إذا أراد الشخص أن يعرف أيها أكثر نفوذا في الاتصال داخل المنطقة موضوع دراسته.
وإن الخط الفاصل بين اللغة واللهجة يصعب في غالب الأحيان تتبعه ورسمه. التفاهم المشترك يعرض فقط جزءا من الإجابة، إذ أنه من المشاهد أن الاتصال بين أبناء مجموعتين يتكلمون لغتين مشتركتين، رسميتين ذواتي أصل واحد "مثل الإيطالية والإسبانية" قد يكون أسهل منه بين أبناء لهجتين تنتسبان إلى لغة رسمية واحدة "مثل الـPiedmontese والصقلية، ومثل الـAsturian وبعض الأشكال الإندونيسية". وهذا يرجع -جزئيا- إلى عوامل التعليم والأمية، ولكنه يرجع غالبا إلى تطور صرف. وإن عمل عالم اللغة الجغرافي لا ينتهي بمجرد تخطيط للغات ومناطقها وعدد المتكلمين بكل، حتى يتناول أيضا اللهجات الرئيسية لكل لغة وقيمة كل. وإن وقوف الانقسام اللهجي عقبة في طريق التفاهم اللغوي ليتفاوت أمره من لغة إلى لغة.
والعامل التعليمي يؤدي إلى انقسامات اجتماعية لغوية في داخل المنطقة الواحدة. وبوجه عام فإن هذا الانقسام يمس -بصورة أولية- هذه المستويات من اللغة التي تسمح بالتحولات الواسعة "المفردات والنحو" في حين أنه يؤثر تأثيرا صغيرا نسبيا -وإن بدا ذلك مثيرا- على الجانبين الفونولوجي والصرفي. وهذا يرجع إلى أنه في العادة ما يتقاسم كل المتكلمين باللغة -في منطقة واحدة- النماذج الصوتية والصرفية الأساسية. وحتى حين تحدث خلافات في هذا الخصوص فإنها نادرا ما تعوق التفاهم، على الرغم من ظهورها وبروزها. وذلك مثل ما يبدو من بعض أهالي نيويورك من ذوي الطبقات الدنيا من تغيير الـth إلى t أو d، وغيرها من التغييرات التي يتجنبها الرجل المثقف المنتمي إلى نفس المنطقة الجغرافية. ومثل هذا ينطبق على بعض اللندنيين من ذوي اللهجات الخاصة Cockney الذين ينطقون lidy بدلا من lady وغيره مما يأنف الرجل
المثقف اللندني عن استعماله.
أما اللغة الطبقية التي تعني أن كلام طبقة اجتماعية يختلف تماما أو تقريبا عن طبقة اجتماعية أخرى في نفس المنطقة فهذا شيء نادر الحدوث، وإن كان يحدث أحيانا وبخاصة في المناطق المختلفة. وإن سكنى أصحاب الطبقات المختلفة -عادة- في دائرة واحدة، ومنطقة سكنية واحدة، وحتمية التفاهم والاتصال بينهم هو العامل الأساسي في أن أبناء الطبقات الاجتماعية يمكنهم أن يتفاهموا بعضهم مع بعض بلهجاتهم الخاصة.
وأي مكان يوجد فيه مستوى رسمي نموذجي وطني، تميل فيه عادة لغة القسم المتعلم من السكان إلى الاقتراب منه، أو مطابقته "مرة ثانية مع بعض الاستثناءات الظاهرة، وهذا يعطي لغة القسم المتعلم من السكان ميزة العمومية في المنطقة ما دامت لغة الطبقة الدنيا تستسلم بصورة سهلة للاتجاهات اللهجية المحية.
وإن عالم اللغة الجغرافي لا بد أن يأخذ في اعتباره المستويين الاجتماعي والثقافي للكلام، وبخاصة حينما يصبحان مهمين من وجهة نظر الاتصال والتفاهم. وفي نفس الوقت، وفي حالة اللغات ذوات المجموعات المتكلمة الكبيرة، والتي تملك مستوى عاليا من الحضارة، وقدرا رفيعا من الثقافة، قد يبدو مفيدا للباحث أن يوجه اهتمامه، ويشحذ انتباهه، خاصة بالنسبة للمستوى القومي الذي يتمتع بامتيازات عدة. فهو أولا يتطابق مع اللغة الرسمية والكتابية، وهو ثانيا يتمتع باتساع منطقة نفوذه، ولا يتحدد بمنطقة محلية، وهو ثالثا يحمل في طياته كثيرا من الخصائص اللهجية حتى بالنسبة للمتكلمين باللهجات المحلية أو الطبقية أكثر من معظم سائر التنوعات المحلية واللهجات الطبقية في المنطقة. وإنه لتوجد في أقطار كثيرة أماكن تتقاسم لغويا بين الطبقية والمحلية، مثل إيطاليا. ولكن لو أنك تكلمت هناك باللغة النموذجية القومية، فإنك سوف تفهم بوجه عام، وإن لم يأتك الرد دائما بنفس الطريقة. وأكثر من هذا فإن هناك الآن اتجاها
حديثا للغة نحو التوحيد والتجميع خارج المستوى المحلي أو الطبقي، وذلك بمساعدة الراديو والتليفزيون والأفلام الناطقة التي تنال لغتها إعجابا وقبولا، وبخاصة بين الأجيال الناشئة.
وإن بعض اللغويين يؤمنون بأن "اللغة هي ما يتحدثه الناس وليس كما يظن بعضهم هي ما ينبغي أن يتحدثه الناس". وهذا من وجهة نظرهم يشمل اللهجات المحلية والعامية والصيغ غير النموذجية بوجه عام، ويجعلها كلها على قدم المساواة مع اللغة النموذجية. وأي إنسان يختلف مع وجهة النظر المتطرفة هذه يتهم بالأرستقراطية وتقييم الأشياء بناء على ذوقه الخاص.
إنه من الممكن قبول القول بأن الصيغ العامية واللهجية وغير النموذجية كلها صيغ حية ومستعملة. ومن الممكن أيضا قبول القول بأن كثيرا من هذه الصيغ كان في الماضي داخلا ضمن اللغة النموذجية، ومنظورا إليه نظرة احترام وتقدير وإن التقليل من قيمة أي من هذه الصيغ، والنظر إليها على أنها أقل من الناحية الأدبية والجمالية ليعد شيئا فرديا، كما أنه يعد تفضيلا ذاتيا، ومع هذا فإنه يجب أن يظل واضحا أن بقاء مثل هذه الصيغ اللهجية غير النموذجية من الكلام يؤدي إلى تعطيل تيار التفاهم، الذي يعد قبل كل شيء الهدف الأساسي للغة. وإن الالتزام اللغوي لا يختلف عن أي نوع آخر من أنواع الالتزام الاجتماعي. فإذا كان مرغوبا أن تملك نظاما موحدا للمرور حتى لا يصاب السائقون في مناطق غير مناطقهم بالاضطراب، ولا يقعوا في حوادث تصادم فإن من المرغوب فيه على قدم المساواة في المناطق المتحدة سياسيا أن توجد بعض المقاييس التي تؤدي إلى الوحدة اللغوية، وتقلل من سوء التفاهم، ونقص وسائل الاتصال. وهؤلاء اللغويون الذين ينادون بمبدأ "دع لغتك وشأنها"، واستعمل
أي صيغة لغوية تعجبك إنما يسيئون إلى اللغة، ويقضون على أهم أغراضها وهؤلاء يعترفون ضمنيا بخطئهم في هذا الرأي حين يبالغون في كتاباتهم في الحرص على أن يتجنبوا المحلية والعامية والابتذال، وحتى الأساليب الدارجة، ويتوخوا لغة صحيحة أنيقة قد تنحرف بهم نحو التكلف والتقعر.