الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أمين الفتوى إسماعيل
رجل تطعمه الزمان وجاءه
…
طرفين في الاحلاء والامرار
كشاف معضلة وعاطر نسمة
…
غيث همي بكماله المدرار
صاحب العزم والحزم، والحكم والحتم. والفضل الضاف، والكمال الذي ليس خاف. الذي انجلت غياهب الأدب بنوره، وتجلت أهلة الإنشاء في سماء القرطاس بمنظومه ومنثوره جمرة الأدب المتوهجة، ووقدة المعارف المتأججة، القادح باقتراحه زند الكمال، والموري بأدبه صدور الكمل من الرجال.
عنترة ميدان القريض، ومنبع عين البلاغة المفيض. سوار زند الإنشاء. وخلخال ساق الإفتاء، مسند الفقه المشيد، ومهاد أصول الدين المهيد. ونفس بيت الأدب وقصيدها، ومنبع عين القريض ونشيدها. مورد جمة الكمال، وموقد جمرة المعال.
ومشتى الأدب ومصيفه، ومقر الفضل ومفيضه.
وها هو الآن عمود ذلك البلد، ولم يدانه في أدبه وكماله أحد.
***
بغداد دار السلام (1) وما فيها من الأدباء الكرام
أما بغداد. فهي ارم ذات العماد، التي لم يخلق مثلها في البلاد. طيبة الماء والهواء، التي اتفقت على لطافتها الآراء. ذات حدائق وجنان، تسمو سبا وسائر البلدان. فهي البلدة الطيبة، والعروس المتحببة. قصورها مشيدة، وأوقاتها سعيدة. كلها أعياد ومواسم، وثغورها بالإقبال بواسم. قد جمعت من الحسن والإحسان. ما يربو بلطافته فردوس الجنان.
قد زادتها دجلة حسناً بانخفاضها، وخدمتها بما أودعته في جداولها وحياضها. تمير ماءها تحت البيوت والقصور. وتقبل بشفاه الأدب أقدام تلك البروج والثغور. فمرة تصفو فتزيل الكمد، وأخرى تربو فتنسج على وجهها الزرد. وهي خادمة الرصافة، تنمو على ماء السماء باللطافة.
شرك النفوس ونزهة ما مثلها
…
للمطمئن وعقلة المستوفز
وهي ذات مروج وأزهار، وجنات تجري من تحتها الأنهار.
قد حفتها أيدي الملاحة. وزفتها بأنواع الانفراد وأصناف الرجاحة فكل بقعة منها تحكى بأزهارها النضار، وكل مليح فيها يخجل بقوامه الغصون وبملاحته الأقمار.
(1) سمي المنصور العباسي المدينة التي أنشأها مدينة السلام. غير ان المتأخرين اخذوا يطلقون عليها دار السلام خطأ.
وسامية الأعلام تلحظ دونها
…
سنا النجم في آفاقها متضائلا
نسخن به إيوان كسرى بن هرمز
…
فأصبح في أرض المدائن عاطلا
فلو أبصرت ذات العماد عمادها
…
لأعيت أعاليها حسادا وآملا
ولو لحظت حسناء تدمر حسنها
…
درت كيف تبني بعدهن المجاولا
حيا الله دار السلام، وحباها بالعز والإكرام، لم يكن عليها في لطافتها كلام، تحي العليل، وتشفي الغليل. وتورث القلوب نشاطاً وسروراً، وتولي أرباب الكمد انبساطا وحبورا. فيها الكمال مذخور، والأدب مأثور، والعلم ظاهر. والفضل متكاثر.
وهي ذات القلعة، والحصانة والمنعة. والخندق والباري، واللطف الساري. أم الفضل، التي لم يكن لها في كمالها مثل.
سقى جانبي بغداد كل غمامة
…
يحاكي دموع المستهام هموعها
معاهد من غزلان ألف تحالفت
…
لواحظها أن لا يداوي صريعها
بها تسكن النفس النفور ويغتدي
…
بآنس من قلب المقيم نزيعها
يحن إليها كل قلب كأنما
…
تشاد بحبات القلوب ربوعها
فكل ليالي وصلها زمن الصبا
…
وكل فصول الدهر فيها ربيعها
ولأهلها من عهد بني العباس، لما كان الزمان ضاحكاً غير
عباس، رئاسة في الشعر والأدب، وخلافة في معرفة أيام العرب.
فشعرهم غذاء الروح، ومرهم القلب الكليم المجروح. كأنما نسجوه من خيوط اللطافة، وحاكوه على نول التفويق والانافة، وسلكوه في سمط البلاغة سلك اللآل، وجعلوه قلادة لنحور العارفين من الرجال. فباهوا بأشعارهم غرر النفوس، والحق أن لا عطر بعد عروس.
إذا ذكروا حنت عروقي وأعظمي
…
إليهم ولم يرو غليلي سواهم
بقلبي لهم شوق يكاد يذيبني
…
ويقلقني دون الأنام هواهم
ومع ما لهم من الأدب من وراثة، وفي مزارع الكمال من حراثة جدد ذكرهم، ورقق فكرهم، الوزير المرحوم، والهزبر المعلوم. الآصف الأسمى. والوكيل الأنمى، أرسطو الآراء، ونتيجة العظماء، ومطلق الوكلاء. فريد الزمان، الذي لم ينتج بنظيره الدوران. ذو الآراء الصائبة، والأفكار الثاقبة، خلاصة من ملك القلم والسيف، وإكرام النزيل والضيف. حاتم العصر الذي لم ير مثله الدهر. أسخى من بذل، وأشجع من حمل السمر والذبل. المرحوم المغفور، والمشكور المبرور، أحمد السيرة، محمود السريرة، أحمد باشا أسكنه الله الجنان وحفه بشآبيب الغفران.
فقد كان سوق الأدب عنده نافقاً. ونبل القريض في ساحته راشقا. قصدته الأدباء، ومدحته الشعراء. وكانت لأهل الأدب في وقته جولة، حتى أنسى بكرمه ابن العميد وسيف الدولة. أجاز الشعراء وأكرم العلماء، فباهت به بغداد، سائر المدائن والبلاد.
وأصابنا من إحسانه وكرمه، وعمتنا بعض آلائه ونعمه، عليه الرحمة والرضوان ما تعاقب الملوان.
فلنذكر أولا من علمائها الأعلام، ولنردفهم بشعرائها الكرام***