الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عبد الله باشا الكوبرلي
الوزير الشهيد، والدستور السعيد، مفرد الوزراء. وواحد الوكلاء وأفضل الفضلاء، عبد الله باشا الكوبرلي
هو من بيت، يحيى بشذاهم الميت. كلهم رجال، لم يحتمل لقيل وقال. وكلهم أسود بدون باسهم الشجاعة لا تسود.
هم الأسد يغشون الوقائع حسرا
…
وهل يلبس الأسد الدلاص المسردا
على كل طيار العنان مطهم
…
سليم الشظا ضافي السبيبين أجردا
وهذا السيد وزير، ما له في الفضل نظير، سامي الذات والجود، لا يحتاج إلى مكارمه شهود. عارف همام، ما عليه في المعارف كلام، أسد أسد، ما علاه في الشجاعة أحد، باسل جليل، ما له في البساله مثيل، سخي جواد، أربى بسخائه كل العباد، بليغ فصيح، يجل عن التعريف والمديح، قمر منير، يسمو على الصاحب والسمير.
شمس الوزارة حين يظلم أفقها
…
وهلالها في كل ليل أليل
رقت الوزارة في علو مقامه
…
فغددت بسؤدده كبدر منجلي
زفت لجنابه من المعالي عروسها، وصعد أفلاك المعارف فدانت له شموسها، رقى أوج المكارم فكان قطبها الثابت. رتع في مروج الولاية، وقطف أزهار الموانح والهداية، فلم يخل ناد من سماحة ولم ينج زند من اقتداحه.
ورث العلم والرئاسة من أجداده، ونال أعلى المراتب بغريب استعداده. فالأديب نزيل هو منجده، والمجد عبد هو سيده.
فجميع الأدباء تحت ظلاله، تستمد الفضل من عام فضله وعميم افضاله. لم ير في الأدب والعلم والرئاسة له مثال، ويحق لمثله شمس كمال، ان يستهزئ بأقمار الليال.
وساحته مثوى الوفود فلم يزل
…
يفارقها وفد وينتابها وفد
أغر كأن المجتلين جبينه
…
وقد ملأ الأنوار أعينهم رمد
يحوم على راياته النصر والضيا
…
بكفيه يجري فوقها الدم والحقد
ملك العلوم والأدب، وفاق برفيع المجد والحسب. سامي المقدار، الذي تلوح من غرره شموس وأقمار. وارف الأفياء والظلال، المشرق كالأقمار في الليال، يجري لسانه من الكلام، ما يستحسنه الدهر فضلا عن الأنام.
فيه لوذعية ترقيه، وألمعية من غرر در المحاسن تنقيه. له همم سائغة المذاق، وكرم ثبت له في ميدان العطاء السباق، مروق الخصال والأخلاق، مشمول الشمائل على الإطلاق.
له جل فضل لو تجسم بعضه
…
ومر بأهل الأرض لافتتن الكل
ترقى إلى أعلى مقام من العلا
…
فما سامه بعد ولا ناله قبل
فلله دره، في الكرم ما أبره. قد نظم الدرر، وطلعت لجبهة الوزارة منه غرر. فهو في الفضائل مشهور، وبجميل الذكر في الألسنة مذكور. جاء كما شاءت الظنون، متفرد من الفضل بجميع الفنون، وهو شمس تلك النجوم، الذي حصل من الشدة والبأس كل ما يروم.
فدرر البلاغة عن ذاته منشورة، ورتب المعالي على جنابه مقصورة، ونوادر اللطائف في ذاته الشريفة محصورة، وألويته في الظفر تحت جواشن الوقاية منصوره.
حلى جيد الوزارة بنظام أدبه، ورفع سامي الرئاسة برفيع حسبه
له جل ذكر إن خلا الدهر بأهله
…
تسطرها كتب وترسمها صحف
حوى كرما لو قسمت بعض أيده
…
على الناس وفاهم وتم له الصرف
له في العلا والجود والمجد رتبة
…
وفي كل حزب في النوال له صنف
فالوزارة تشرفت بناديهم، والرئاسة هطلت من أكفهم وأياديهم.
فالإمارة ذروة حسبهم، والمهارة شطر من أدبهم، ففضائلهم خزائن الكمالات والمعارف، تتعلم من نقد مسكوكها الصيارف.
فقد تمت في الرئاسة شمائلهم، وعمت أرباب الفصاحة فضائلهم
فهم المقضون الحوائج، المرضون النتائج، المشار إليهم بالنباهة والذكاء، والموموقون بحسن البداهة والزكاء.
هو بحر تموج الفضل فيه
…
وبدا الدر من فصيح مقاله
هو غيث من استغاث يديه
…
أمطرت بالغنى ربي آماله
طلع في أفق الفصاحة بدرا، وغذا في قفار الفصاحة بحرا، زف عروس الوزارة بحلي المعارف، وأسبل على أكتاف الإمارة من اللطائف سوالف. إذ هو من بيت الفضل والكمال، الذي تحلت به الوزارة وحلت به المعال. فرجالهم صدور الصدارة، ومعارفهم عقود نحور الوزارة. وبيتهم في الدولة العثمانية من أعظم البيوت، لم يمكن للبليع في الثناء على بيتهم ورجالهم إلا السكوت إذ هم فوق ما ينطق ويقول، قد استغنوا في التعريف عن التحرير والنقول، ومع وزارتهم وعظم صدارتهم لم يمنعهم عن الكمال شاغل، ولا صدهم عن اكتساب الفضائل حافل.
فوالد هذا الوزير، ما له في المعارف نظير، وهو في صدارته العظمى، ومرتبته الأسمى كان يدرس بكل فن، ويفوق بعلمه وفضله فضلاء الزمن. وقد أخذ جدي عنه. واكتسب أنواع المعارف منه. وله من حضرته الإجازة العامة، والمعارف الطامة، ففضله رحمه الله لا ينكر.، ولواء علمه في أندية الإفادة أخضر.
وأما صاحب الترجمة شبل ذلك الأسد، فلم يدانه في علمه ورئاسته أحد. رأيته سنة سبع وأربعين ومائة وألف وهو مقدم
جيش الروم وأميرهم، ورافع راية تدبيرهم ونصيرهم. وقسمت له في تلك الرئاسة شهادة، ونال من فضل الله تعالى فوق سعادته سعادة.
وله شعر يدل على كماله، وأثر ينبئ عن سناء أفضاله. وقد أثبت منه هذا القدر، يغني بسنائه عن الدر.
فمن قوله:
سرى من جميلة طيف الخيال
…
فشرد نومي وكم طربا
فؤادي وهيج عيني البكا
…
فسحت مدامعها سكبا
أحب جميلة حب الحياة
…
وأمنحها ودي الأطيبا
على أنها شحطت دارها
…
وأمسى الفؤاد بها متعبا
إليك جميل أسر الحشا
…
هوى لن يغال ولن يكذبا
إذا كذب الحب أربابه
…
وحال عن العهد من أغربا
فإن الذي لك في مدرج
…
من الصدر ما كان أن ينضبا
إذا غبت عن بصري ساعة
…
ولم اغتبق ريقك الأعذبا
بقيت مجناً على لوعة
…
يظل الفؤاد بها ملهبا
وقيت الردى وبلغت المنى
…
وسأمني حبك المعطبا
وليل تحير ظلماؤه
…
تخال كواكبه لغبا
أرقت ومثلي يعاني الهموم
…
لأمر يرد الفتى أشيبا
لأجتلد القوم في دارهم
…
وأقضي من شأنهم مأربا
وبين سرند وسرخابه
…
ضمنت لخيلي أن تنهبا
سأمنح أو أستريح العلا
…
وذكراً أسيره طيبا
ومن يك يصبو إلى المكرمات
…
رأى دونها الموت مستعذبا
وفينا إذا الحرب قد شمرت
…
وخاف العواقب من جربا
ترى كل ابيض ثبت المقام
…
إذا طلب الجازع المهربا
إذا راح يعدو به سابح
…
يخال على متنه كوكبا
وله رحمه الله عليه
أمن آل ليلى رسوم الديار
…
فعيناك دمعهما بانحدار
فسلها النجاد وما بالجميل
…
بكاء الكبير على رسم دار
تجر بها ذيلها الرامسات
…
وصوب الحيا كل غاد وسار
على حين لاح قناع المشيب
…
وأضحى الشباب كثوب معار
فدع ذا وعد لمسعاتنا
…
وأيامنا الغر غير القصار
بطاء الزمان على غيرنا
…
سبقن بها بالعلا والفخار
رفعنا الخوافق من أرضنا
…
نغير على كل باد وقار
إذا أرض قوم نزلنا بها
…
تركنا المنازل صفر المقار
نسوق نساءهم بالقنا
…
حواسر كالوحش بيض المعار
كرائم انزلن دار الهوان
…
والحق أربابها بالسوار
فلو أنهم حاولوا صلحنا
…
إذا وجدونا لهم خير جار
ولكنهم طلبوا حربنا
…
فسيموا الهوان بسوء ائتمار
فسل عن مآثرنا عالما
…
فليس الجهول بها مثل دار
وشمنا بتبريز برق المنى
…
فعجنا إليه صدور الفهار
نقود الجياد إلى أرضها
…
ونرجو الذي نصره في نتظار
فلما طلعنا على مائها
…
إذا القوم حشوا جلود النمار
فلم يلبث الخيل إن شابهوا
…
بمنفجر من دم القرن جار
فأفلت فلّهم هاربين
…
وغودر صرعاهم في الديار
وحل بسرخابها خيلنا
…
تغاديهم ناحلات العذار
ثمانية بعد عشرين يوماً
…
يرون الكواكب نصف النهار
أخذنا عليهم بأطرافها
…
وضاق بنا ذرعهم بالحصار
وباتت عقائل في حوزها
…
سهارى يحاذرن غشيان عار
فان ما طلتنا فكان الإياب
…
لأعداء جمع لها مستزار
فسوف ترى العام محفوفة
…
قرى اذربيجان غابات غار
وملتثمين غداة الصباح
…
إذا ركبوا كالنجوم السوار
يدبر أمرهم حازم
…
طويل النجاد كريم النجار
يخوض بهم غمرات الردى
…
إذا ما الجبان انثنى للفرار
فكيف يزيرونها وقعة
…
ينسى الخريدة عقد الازار
ولا خفض أو تستباح البلاد
…
بضرب الكتائب وسط الديار
وحتى ترى البيض مثل المها
…
عواني ترجى ببيض عوار
وله رحمة الله عليه:
من كان ذا حاجة في النفس يضمرها
…
مخافة الموت لم يملك بها ظفرا
لقد حلفت يميناً ما أخيس بها
…
ولا أبالي أطال العيش أم قصرا
لأقضين لنفسي العام حاجتها
…
أو تبلغ النفس من أعذارها عذرا
وله غفر الله له:
جد الرحيل ضحى فالعيش مذموم
…
والشمل منصدع والليل مصروم
بانوا وغودر قلبي لهف واجدة
…
اثر الحمول وماء العين مسجوم
وفي الخدور عروب غير فاحشة
…
في الخصر منها وفي الكشحين تهضيم
غراء عبهرة لفاء خرعبة
…
شماء مارنها بالمسك مرثوم
كأنها رشا في ظل نادرة
…
عاطى الخلا أحور العينين مشهوم
كيف العزاء وقلبي فيك مرتهن
…
صب بذكرك مخبول ومفهوم
تعتادني فيك من فرط الهوى غير
…
تكاد تنشق منهن الحيازيم
ببيت متشجر أحوى له وهل
…
يراقب النجم والظلماء علجوم
قد طال فيك اشتياقي يا أمينة هل
…
يوماً برد جديد الوصل تنعيم
قد كنت منيتني ثم ارعويت به
…
لياً فيا لك وعداً فيه تزعيم
عودي فجودي بما أخلقت من أرب
…
للمستهام بها تشفى الحيازيم
قد كنت أضمر حاجاتي وأكتمها
…
حتى متى طول هذا الشوق مكتوم
وكنت أسألها حيناً فما وصلت
…
حتى بليت ونال الجسم تسقيم
وحال ما بيننا غير ملمعة
…
شهب متالف مقفار دياميم
بيد مسهبة مرت مخفضة
…
بهماء صادية أصداؤها هيم
وحال دونك أقوام ذوو عدد
…
صهب السبال هلابيج مغاريم
هل يبلغني نواها بعد ما شحطت
…
سحا النجاء جموم الشد مرسوم
عبل الشوى ساقط التقريب مندلق
…
نهد التليل ستوح فيه تسهيم
مسانح خيفق نهد مراكله
…
كأنه سهد بالماء مرهوم
مدارك هاديات الوحش بسبقها
…
شد الجراء إذا كَلّ الصهاميم
وله رحمه الله تعالى:
سقى منزلا لم تلف قفراً به أهلا
…
سجال الحيا وبلا بمنهمل وبلا
أقام به الأهلون حتى تصدعت
…
بهم صارفات الدهر فانصدعت شملا
وكل عزيز كالغزالة بادن
…
مخصرة أردانها تشتكي الثقلا
كأن على أنيابها ماء مزنة
…
ثياب بصا في الحلس طاب وما أحلى
فما أم خشف ترتعي وسط روضة
…
خذول تزجي بالكثيب لها طفلا
بأحسن منها يوم قامت فودعت
…
وقد سال منها الدمع يحدر وانهلا
أآمن قد مل العزاء وشفني
…
إليك ارتياحي وافتقاري لك الوصلا
بليت وما زاد الهوى غير جدة
…
عليك فما أدرى المحب وما أبلى
لحاني عليها اللائمون وأسبلوا
…
علي سفاها في مودتها جهلا
يعيرونني في حبها ثم لم يكد
…
فؤادي من ذكرى أمينة أن يبلى