الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في أدباء الحلة والمشهدين وفضلائهم
العلامة السيد نصر الله المشهدي الحسيني
(1)
وحيد أديب في الفضائل واحد
…
غدا مثل بسم الله فهو مقدم
إذا كان نور الشمس لازم جرمها
…
فطلعته الزهراء نور مجسم
واسطة عقد بيت السيادة، وإكليل هام النجابة والسعادة، تجسم من شرف باهر، وكرم سعى إليه الظلف والحافر. فهو من بيت، يحيى شذاهم الميت. وهو غصن من نبعة مكارم، قد تعفرت بتراب أعتابها وجوه الأعاظم. بيت النبوة والرسالة، ومهبط الوحي والبسالة، الذي تشرفت بدعائمه الأرض، وكان حبه على الخليفة من أنواع الفرض، حيث ينفع حبه لدى الله يوم العرض.
وهذا السيد ريحانة من تلك الحديقة. وزهرة من تلك الروضة الأنيقة، قد جمع لأشتات الكمال، وملك لأصناف المعال. فهو مزن الفضل الهاطل، وعقد جيد الأدب العاطل، ونرجس مروج الفصاحة، ووردة روضة المكارم والسماحة. وسحب الأدب
(1) ترجم له ياسين بن خير الله العمري في كتابه (غاية المرام ص 258) فقال: «السيد نصر الله المشهدي ثم البغدادي أوحد أهل عصره أدبا وفيه تشيع، ومن نظمه قوله مشطرا ابيات دعبل:
مطهرون نقيات ثيابهم
…
والذكر يشهد والقراءات والسير
وذكر الابيات الاربعة التي سترد في ترجمته. ولم يذكر تاريخ وفاته.
الزاخر، وبحر العلم الذي ما له آخر
فكم سدة معال رصفها، وجنة كمال زخرفها، وشاردة نوال ألفها. فهمي بأفضاله، وسما بعلمه وكماله. فلم تر العيون مثل طلعته، ولا رقى أهل الأدب إلى أكرم من قلعته.
قلعة هبط عليها وحي المعارف من سماء البلاغة، وتنزلت عليها صحف اللطائف حتى درس دفاتر أدب البلاغ والبلاغة.
أعجز بما تلاه من قرآن صدره وقلبه. وأبدع بما أبداه من توراة لبه وخلبه، فجاء نصر الله بفتحه التالي، وظهرت نسمات اللطف بفيضه المتلالي. ودخل أرباب الأدب إلى ديم مجده أفواجا، وصادفت بحر كمالاته في تيار الأنواء ماء ثجاجا، فسبح بحمد ربه على ما منحه من الأدب والفصاحة، واستغفره شكراً لإحسانه اذ جعله من بيت الشرف والسماحة. فأدبه مما يبهر العقول،
وقد عاشرته فرأيت منه في معرفة أبيات العربية، وأمثالها التي، شاكهت في سنائها النجوم المضية، ما يعيي الفصحاء، ويبهر البلغاء.
فمما اتفق إنه في مجلس عبد الله (1) كاتب ديوان بغداد الذي مر ذكره، وطاب في هذا الكتاب نشره، قرأت أبياتاً من ديوان أبي تمام، فأسفر عن خرد عرائس تلك الأبكار كشف اللثام.
فلعمري رأيت منه كل غريب، ومعرفة ما نالها في هذا العصر بفصاحة بيان، وطلاقة لسان.
(1) هو عبد الله الفخري الحسيني مرت ترجمته ج 1/ 262.
فلم أر ممن رأيته سوى هؤلاء الثلاثة: العلامة صبغة الله، والسيد عبد الله، وهذا الفاضل، بحور أدب ماء فضائلها في جداول البلاغة سائل. لا يحتاجون في السؤال والجواب إلى مراجعة رسالة أو كتاب.
له شعر مع أنه لم يحتفل به زلال، ونثر مع أنه لم يعتن به لآل.
إلا أنه أخذه الدهر، وحسده كف العصر. فأخذ ولم يراع صفوة شبابه وقد أثبت من شعره ما هو كالقمر ليلة بدره، فمن ذلك قوله مشطراً بيتي سيد الساجدين رضي الله عنه:
إذا ذكرت أياديك التي سلفت
…
وقد نسيت عهوداً منك في القدم
وشاهدت مقلتي حسن التفاتك لي
…
مع قبح فعلي وزلاتي ومجترمي
أكاد أهلك يأساً ثم يدركني
…
حسن الرجاء فينجيني من العدم
وكيف ييأسني فعل القبائح مع
…
علمي بأنك مجبول على الكرم
وله رحمه الله مصدراً ومعجزاً أبيات أبي نواس (1)
مطهرون نقيات ثيابهم
…
والذكر يشهد والقرآن والسور
تجري مجاري نداهم للأنام كما
…
تجري الصلاة عليه كلما ذكر
(1) الأبيات المشطرة ليست في ديوان ابي نواس.
من لم يكن علوياً حين تنسبه
…
فليس يعلو له قدر ولا خطر
وكيف يسحب ذيل الفخر يوم علا
…
فماله من قديم الدهر مفتخر
الله لما برى خلقاً فأتقنه
…
ولا كم أمرهم فالكل مفتقر
وحيث كنتم لسر الله أوعية
…
صفاكم واصطفاكم أيها الغرر
فأنتم الملأ الأعلى وعندكم
…
توراة موسى وما قد أودع الخضر
والصحف أجمع والإنجيل يتبعها
…
علم الكتاب وما جاءت به السور
وله مشطراً بيتي دعبل الخزاعي:
لا أضحك الله سن الدهر ان ضحكت
…
ولا تبسم في أفنانه الزهر
ولا مشى في الورى حاف ومنتعل
…
وآل أحمد مقهورون قد أسروا
مشردون نفوا من قعر دارهم
…
فليس يأويهم بدو ولا حضر
جنوا ثمار المنايا وهي يانعة
…
كأنهم قد جنوا ما ليس يغتفر
وله مشطرا بيتي أبي نواس
إذا عاينتك العين ما بعد غاية
…
ونورك يسمو البدر والشمس لا يخبو
وأدهشت الأبصار من عطر ما رأت
…
وشكك فيك الطرف أثبتك القلب
ولو أن قوماً أمموك لقادهم
…
سنا وجهك الوضاح والسابق الحب
وان خسئت أبصارهم بالسنا يقد
…
نسيمك حتى يستدل به الركب
وله مخمساً أبيات المجنون (1):
سما وجه ليلى أن يشاهد جهرة
…
ولكن وراء الستر يلمح خلسة
فصرت وقد أمسيت للخلق عبرة
…
إذا رمت من ليلى على البعد نظرة
لأطفى جوى بين الحشى والأضالع
…
أجل تراها أن تشاهد في الكرى
ولكن إذا ما السكر للعقل حيرا
…
وحاول طرفي أن يرى الوجه سفرا
يقول رجال الحي تطمع أن ترى
…
بعينيك ليلى مت بداء المطامع
متى تستطيع العين شرب شرابها
…
وقد أسكر الكونين لمع سرابها
وقد نظرت من لم يقس بترابها
…
وكيف ترى ليلى بعين ترى بها
سواها وما طهرتها بالمدامع
…
وتنشق ريا من بها الكون عطرا
فأهدت الى العشاق مسكا وعنبرا
(1) يريد مجنون ليلى المشهور.
وأنت تشم الدهر شيحاً واذخرا
…
وتلتذ منها بالحديث وقد جرى
حديث سواها في خروق المسامع
…
فلما صحا النشوان من خمرة اللمى
وألبس للآداب برداً منمنما
…
غدا قائلا لما أتاها مسلما
أجلك يا ليلى عن العين إنما
…
أراك بقلب خاضع لك خاشع
وله أيضا مخمساً بيتي المجنون أيضاً:
أسال العشق دمع العين سيلا
…
وشن على الحشى رجلا وخيلا
فصيرني الهوى صبحاً وليلا
…
أمر على الديار ديار ليلى
أقبل ذا الجدار وذا الجدارا
…
أشم تراب من للعقل نسبي
فينعش نشره المسكي لبي
…
واستلم السلام بكل شعب
وما حب الديار شغفن قلبي
…
ولكن حب من سكن الديارا
وله وقد شطرهما:
أمر على الديار ديار ليلى
…
فألقى العاشقين بها حيارى
وأطلب غفلة الرقباء عني
…
فألثم ذا الجدار وذا الجدارا
وما حب الديار شغفن قلبي
…
وان حازت محاسن لا تبارى
وكانت كالجنان مزخرفات
…
ولكن حب من سكن الديارا
واتفق انه حضرنا معه في مجلس، وكنت إذ ذاك شاباً، فجرى ذكر القريض فقال رأيت على باب مرقد أحد الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين مكتوبا بيتين من الشعر، وقد خمستهما وشطرتهما،
فطلب مني أن أخمسهما قبل أن أرى تخميسه، فقلت:
قد ضاقت السبل والأرواح في وهج
…
والضوء في القلب والأحشاء والمهج
بالله أقسم لا بالبيت والحجج
…
لن أبرح الباب حتى تصلحوا عوجى
وتقبلوني على عيبي ونقصاني
…
قد أسعر القلب والعينان في ذرف
والصدر في قلق والروح في تلف
…
وقد أتيت لدفع الحزن واللهف
فان رضيتم فيا عزي ويا شرفي
…
وان أبيتم فمن أرجو لغفراني
واعترض رحمه الله على قولي: بالله أقسم لا بالبيت والحجج، حيث وقع القسم بالله دون الحجج، فأجبته بالفور بقول الشيخ عبد الغني النابلسي، رحمه الله تعالى:
بالله أقسم لا بالذاريات ولا
…
بالعاديات ولا بالنجم والفلق
فانه أقسم بالله دون سور القرآن. فاستحسن مني الجواب وسرعته.
وتخميسه هذا:
يا سادة نورهم كالصبح في البلج
…
وفيض نائلهم للوفد كاللجج
وترب أعتابهم كالمسك في الأرج
…
لن أبرح الباب حتى تصلحوا عوجى
وتقبلوني على عيبي ونقصاني
…
سودت وجهي بما أودعت في صحفي
وقد مددت إليكم كف معترف
…
بالذنب. من أبحر الغفران مغترفي
فان رضيتم فيا عزي ويا شرفي
…
وان أبيتم فمن أرجو لغفراني
وتشطيره رحمه الله تعالى:
لن أبرح الباب حتى تصلحوا عوجي
…
فقد حنت قامتي أثقال عصياني
وتقبلون على الجاني بوجد رضى
…
وتقبلوني على عيبي ونقصاني
فان رضيتم فيا عزي ويا شرفي
…
ويا سمو مقامي فوق كيوان
ويا بشارة نفسي بالذي ظفرت
…
وان أبيتم فمن أرجو لغفراني
***