الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خاتمة الكتاب
وخاتمة الكتاب، في بعض المراسلات لنا مع الأحباب.
وذكر تقاريض وقعت من بعض الفضلاء على هذه الرسالة.
فمما حررته، والى النجيب الأريب أرسلته، جناب أخينا السيد علي سلمه الله العلي. بعد ورود كتابه هذا:
سلام لو أن الليل يهدى بمثله
…
لقلت بدا من جانبيه ذكاء
سلام من الخل الوفي لماجد
…
به فاخرت أرض وعز سماء
إن أسنى ما يهدى، وأعلى ما يسدى، فرائد دعوات تزين أصداف القلوب بضوئها الساطع، وتجلو اصداء الأذهان بنورها الهامع. وخرائد تحيات تأخذ بجامع الحواس، وينثر على رءوسهن ريحان وآس.
إلى الثقاب الماجد، والحلاحل الناقد، الأكرم الممجد، والسيف الباتر المهند، والبحر الهمام، والنجيب القمقام. نير فلك المجد والسعادة، وخير مجامع الفضائل والإجادة. الذي سرى صيت مجده في أقطار الأرض، فملأ طولها والعرض.
وأصبح كل ذي فضل في جنب فضله مفضول، ومن رام من أبناء الزمان أن يحذو حذوه أو يشق غباره نسب إلى الحماقة والفضول.
قطب سماء دائرة المجد والمآثر، وشاه رقعة المكارم والمفاخر، النطس الأديب، الندس الأريب، واللوذعي النجيب. والأريب الحسيب الذي لو تجلى لأبصار الناظرين لقيل برق شمس.
والذي لو قام على ساق عزمه لإدراك ما مضى لقيل رجع أمس.
السيد الفاضل المكرم، والسعد الناطل المفخم، صاحب المحامد والمفاخر. وساحب ذيل المراشد والمآثر. الهمام المسدد، والمغوار المسود. أعني فلان الأكرم الأوحد. لا زال كوكب افضاله ملازماً لأوج درجة السعود، ولا برح نير مجده على ذروة الارتقاء والصعود.
أما بعد، فيا نجل الأكارم، يا سجل المكارم، فالمعروض على ذلك الجناب، الذي هو منبع الفضل والآداب، أنا لما عزمنا على المسير، ووقعنا من الفراق في يوم عسير، انهلت عبرات العين فصارت دجلة على المراد، وأمطرت أنواء المدامع فسارت بالعبرة إلى بغداد.
ففي صبيحة يوم الرابع من الفراق، حللنا ساحة العراق، وأقررنا العيون بالتلاق. وطفقنا نثني على ذلك الجناب، والبحر العباب، ونطنب في مدائحه من كل باب. فتارة ننشر عرف محامدكم، وأخرى نذكر طيب مشاهدكم ومعاهدكم، وطوراً نتذاكر حسن حسنى الصنائع، وطوراً نتذكر ما وقع من اللطائف في المجامع. وتقرر إلى جناب حلبة الفصاحة. وقرير
ساحة السماحة، أعني كاتب ديوان بغداد، الذي عجز عن وصفه أرباب القلم والاستعداد، ما انطويتم عليه من الخصوص وما تلوتم في مدحه من النصوص. حتى أضحت مودته القديمة، وصداقته القويمة، كبنيان مرصوص.
وعرضنا عليه الأنموذج الذي أودعتمونا إياه من الروض النضر والنهر المفروز من ذلك البحر، الذي يحق لمؤلفه أن ينشد مادحاً نفسه: أنا الأوحد في ميدان البلاغة ولا فخر. وذكرنا لجنابه أنكم مع القيام بأمور الناس، وتلك الدعاوى التي حضرناها في مجلس الاستيناس. ما زال ذهنكم مشغولا بهذا المؤلف المرشح، والطراز الموشح. فقضى العجب. وطفق يتعجب.
فما برح أن شهد لكم بالفضل وباستقامة الحواس، وأضحى يرجحكم تارة على المعري وأخرى على أبي نواس. ولسان الحال يجيبه قل ما شئت في مديحه فلا باس. فأخذ من مخلصم تلك الكراريس وجعل يجيل طرف الطرف فيه، ويستغرب تلك الاستحضارات والنكت التي تحويه، فأوجب عليه تقريضه، وتمنى من تلك المسودة تمامه وتبييضه.
فصرنا مقدار أسبوع واثنان، ننظم في جيد عقد ذلك الجمان.
وننتهز الفرصة إلى الاستفسار عن اعتدال ذلك المزاج الوهاج.
ونقول أنى يتفق لنا مرة ذلك الملاقاة والامتزاج. إلى أن وقع توارد السفراء فصار محركاً لألسنة الوداد. ومتذكر لعهود الألفة والاتحاد، فسطرنا طرس المودة وأرسلناه.
فالمرجو من ذلك الجناب السامي أن تخرجونا من الخاطر العاطر الوقاد، فأنا ملازمون لمديحكم في كل محفل وناد.
وأن لا تقطعوا مراسلاتكم الشريفة فإنها لعليل الغرام برء الساعة، ولمريض الأسقام علاج. والسلام.
ومما أرسلته في الجواب:
سقى جانبي بغداد كل غمامة
…
يحاكي دموع المستهام هموعها
درر أدعية نسمت عليها أرج القبول، فغدت كالشمس الضاحية التي لم يعترها أفول. وغرر أثنية عبقت عراراً ورندا، وتفتحت على أطلال المكارم عبيرا وندا. وزواهر تحيات غزلتها أنامل الأدب فحاكتها برود المكارم، وجواهر تسليمات نسجتها بنات الأفكار فضاعت عن البنود والتمائم.
وصبا من كئوس ذكرك سكرى
…
لك حملتها ثناء وشكرا
ولوجدي زفت لطبعك لطفاً
…
واستعارت من طيب ذكرك نشرا
معك القلب حيث إذ سرت يسري
…
فاسألنه عني فذلك أدرى
من أولى العزم لي فؤاد كليم
…
في النوى لا يزال يتبع خضرا
يهدي إلى السدة العلية، والرتبة السامية البهية، برج أقمار السعادة، مطلع شموس السيادة، السدة الأسمى، والرتبة العظمى
بالله إن جزت كثبانا بذي سلم
…
قف بي عليها وقل لي هذه الكثب
سدة الجناب الممتاز، الملخص للحقيقة والمجاز. البديع بأنواع الإبداع والإعجاز، الموصوف بأصناف الإطناب والإيجاز، كرمة الكرم المورقة، ديمة الجود المغدقة. منبع العز والشرف. مرتع الفضل والظرف
فهو الندى وابن الندى وأخو الندى
…
حليف الندى ما للندى عنه مذهب
طود العلم المرتفع الشامخ، كهف العز الممتنع الباذخ، علم الجود المجتمع الراسخ. مقيد أرباب السماحة، مبلد أصحاب الفصاحة، أشعة أنوار الشموس، الطيب الطباع والنفوس.
أخ طاهر الأخلاق حلو كأنه
…
جنى النحل ممزوج بماء غمام
يزيد على الأيام صفو مودة
…
وشدة إخلاص ورعي ذمام
نادرة فلك المجد العالي، مقتدى أرباب الكمال والمعالي، واسطة عقد الدرر الثمين الغالي. وارث العلياء. كامل السماح والسخاء، الفضل الملخص، والنور المشخص، والتاج المفصص.
جامع المزايا والمناقب، صاحب المحامد والمواهب. قناص سوانح الأفكار، حائز قصب السبق في هذا المضمار، صدر الصدور، المستهزئ بالأقمار والبدور. عذب المناهل، ديباجة سطور الأواخر والأوائل، رحب الساحة، كامل الرجاحة، بدر الظلمة، وافي الحكمة، الشائع الذكر، والطيب النشر، الذي خاطبه لسان الزمان، بدون ترجمان.
ويومك ضامن لغد علواً
…
وعامك يلحق البشرى لقابل
فهو القطر الذي سالت به الجداول، والبدر الذي لم يكن له في الزمان مماثل، صاحب الظل المقيل، والأدب البارع الصقيل، نخبة الأنام السامي الذرى والأعلام. الخل الصفي.
والمخلص الوفي. سلالة الأنجاب، خلاصة الأصحاب، نادرة الأحباب.
ماذا أقول وأنت صنع الله من
…
قد خص بالآراء والتسديد
أن الذي يرجو لفضلك غاية
…
ليروم شيئا ليس بالموجود
الأكرم الأفخم، الأعظم الأعلم، الأخ الأعز الأمجد، حضرة السيد على الممجد.
لا زالت أغصان فضائله مدى الزمان مورقة، ولا برحت أهلة كمالاته على دمن الجهالات مشرقة، ماذر شارق، ولمع بارق، وهمل ركام، وسجع حمام. آمين، آمين. بمحمد وآله وصحبه الغر الميامين.
وبعد فالباعث إلى تسطير جريدة الإخلاص، المنبئة عن كامن الشوق ومزيد الاختصاص، أنه منذ رحلتم. وعلى الفرقة عزمتم.
وان هموا احتجبوا عني فان لهم
…
في القلب مشهود فضل ليس يحتجب
أودعتم مخلصكم أصناف شوق أضر بالقلب ناره. وعلا على داخل الأحشاء شراره. تثقل عن حمله رضوى وسائر الجبال.
وهذا ظاهر في مخلصكم كما نظم الشاعر وقال
ومن بينات الشوق أني على النوى
…
أموت لذكراكم مرراً وابعث
يرى شخصكم نصب عينه، وساعة فرقتكم يوم بينه. حتى ألم به الجوى وطفق به النوى. وأقلقه وأذابه، وأنحفه وأضابه. فغدا يستنطق عن أخباركم المعربة والعجماء، ويستنشق شذا نسيمكم من الأرض والسماء. فيحمل النسيم أنواع الأشواق، ويودعه بث ذلك في ناحية العراق، حتى انه أنشد النسيم وهو ذاهب الرقاد، ما نظمه المغرم المشوق الكاتب عماد.
إذا جئتما أهل العراق فبلغا
…
سلام شج من شغله ما تفرغا
وقولا تركناه مطيع صبابة
…
عصى صبره والدمع في طوعه طغى
ولا تخبرا الا بحال اشتياقه
…
ففي ذكرها من شرحها كل مبتغى
يرنحني ذكراكما ويهزني
…
كأني سكران إلى نغمة صغى
من الصبر قلبي مذ نأيتم مفرغ
…
على أن همي أضحى فيه مفرغا
ففي ذلك الشوق المهم، والتوق الناحل الملم، إذ ورد الكتاب الذي نظم دراً، وفاق نظماً ونثراً، وساغ ورداً وصدراً. الذي دل لفظه على تحققه بالرئاسة، ومعناه على توحده وتفرده بالنفاسة. فهو الدر الرائق، الذي يزهو على العقود واللؤلؤ الفائق الذي ساد على الفرائد ويسود.
هذا العقود أم البدور بوادي
…
أم جنة زفت على القصاد
ام روضة بسمت زهور ثغورها
…
أم حلة وشيت من الأبراد
أم تلك أبيات أبيات البنا
…
رفعت على عمد رفعن عمادي
فتلقيته كما يتلقى الرحيق، من يد ذي القوام الرشيق، فوجدته أزهى وأزين من الذهب، وأحلى وأشهى من الشهد والضرب. فزادني فرحاً وشوقاً، ومنحني تودداً وتوقاً.
ولست أبرح في الحالين ذا قلق
…
باد وشوقي له في أضلعي لهب
ومدمع كلما كفكفت أدمعه
…
صوناً لذكرك يعصيني فينسكب
ويدعي في الهوى دمعي مقاسمتي
…
وجدي وحزني فيجري وهو يختضب
فسقاني سلافة أدب تخامر العقول، وتربو لطافة على أيام
الربيع وسائر الفصول، فهو الروض الذي ليس للربيع نضارة زهوه، وللسحاب شيم نموه ولهوه. بين نزاهة ونباهة، ولطافة وظرافة. وحسن وإحسان، وحدائق وجنان.
كأنه كأس ذهب طافت عليه حباب الكمال. وصندوق فضل قد أدخر أنواع المعارف فوقفت عنده الرجال. أو روض بلاغة مفروش بسندس الحكم والأدب. اللابس حلل الفصاحة المزرورة بالأنوار كأشكال الذهب. تعجز عن إدراك كنهه الفحول، ولم تصل إلى فهم فروعه فضلا عن الأصول.
الفاظه الدرر في أسلاكها، ومعانيه النجوم في أفلاكها.
تنثر درا، وتضوع مسكا وعطراً، وتفوق على الزهور ذكراً ونشراً فوطد غراماً على غرام، وأكد هياماً على هيام، فصرت في هذا الواد، ما قاله العذري في مؤكدات الوداد.
لو حز بالسيف رأسي في محبته
…
لمر يسعى سريعاً نحوه رأسي
ولو بلى تحت أطباق الثرى جسدي
…
لكنت أبلى وما قلبي لكم ناسي
أو يقبض الله روحي صار ذكركم
…
روحاً أعيش به ما دمت في الناس
فأيم الله تعالى قد سقاني شراب أدب لم أصح من سكره، ورحيق أرب لم أنجح مدى الزمان من فكره. حتى آل أمري بأن أتصامم عن الجواب، إذ ما أراني بالنسبة إليك إلا قطرة في عباب لكن التردد إليك الجأني، والحب إلى بابك لحاني
هذه قصتي وهذا حديثي
…
ولك الأمر فاقض ما أنت قاض
فإذا أحاط العلم الشريف، بما نزل من الشوق بهذا المدنف الضعيف، فالمأمول المتوقع من اللطف الشامل، والفاضل الوافر الوافي الكامل، توالي المراسلات والكتب، المستهزئة بأنواء الغمام والسحب، وأن تتلطفوا بإرسال أبيات، ومراسلات بعض شعراء العراق، وقصائدهم التي تصلح أن تكون للمجرة رواق. إذ قد استحسنتم تلفيق الروض النضر، مع ما فيه من الكسر الذي لا يقبل الجبر، كرماً منكم وإحساناً، وفضلا من جنابكم وامتناناً.
ولا زلت بحر أدب يقذف اللآل. ما تعاقبت الأيام والليال.
بقيت بقاء الدهر ما ذر شارق
…
وغاور جيد المكرمات وانجدا
*** ومما ورد إلينا في الجواب:
الحمد لله الذي خص نوع الإنسان بأصناف الكمالات والتكريم، وميزه من الجنس الأعم بأنواع الاستعدادات وشرفه بالعقل القويم على أحسن تقويم، ورتب أفراد البشر الأسماء والهمم. وطرز منشور حقائقهم بطغراء ولقد كرمنا بني آدم. وألهمهم الحكمة وفصل الخطاب، وخصهم بما يتفرع عليه الثواب والعقاب، فأضحى كل واحد منهم أنموذجاً لحكمته الراجحة، وأطروفة أنيقة لقدرته الواضحة.
والصلاة والسلام على صاحب الشهود الأتم، والجود الأعم،
طراز نوع بني آدم، غرة جبهة العالم، الذي انجابت بطلوع شمس رسالته الظلم، المرسول إلى كافة الأمم. وعلى آله وأصحابه ما جرى قلم على الطروس، وما تفاوتت بالبلاغة النفوس.
وبعد فان أفصح تغريد سجعت به الحمائم. وأملح نشيد سرت به النسائم، وأرق نسمة هيجت العنادل، وأورق دوحة أذهبت البلابل. واسح مدرار انهمل بماء الحياة، فزاد صفاء على دجلة والفرات، وألذ قرقف أسكر العقول، وأغنج مهفهف لعبت به الشمول. وازين خريدة تاهت بحسنها النواظر، واحسن فريدة سبت الغائب والحاضر، تنسيم سلام طفق فتدفق من وادي الإخلاص، وكوثر دعاء صفا فترقرق من بطحاء الاختصاص، إلى روضة من رتع في رياض الأدب المريع، وسرح في حدائق الفضل فكل فصل له ربيع.
الفاضل المتقن الذي قد جمع أصناف الكمالات فأوعى، وأخذ من الفضائل قسطه الأوفر الأوفى. صاحب التصانيف الرائقة، وحاوي الخصائل العابقة. صاحب المآثر والمفاخر، الذي قد ورث المجد كابراً عن كابر.
الصنديد المفخم، والأرشد المعظم، سعد السعود، شريف الآباء والجدود، فخر العصابة العمرية، نتيجة السلالة الفاروقية، قطب سماء المكارم، نجل السادة الأكارم. معدن السماحة، رحب الساحة. الذي لو سطا ليث، ولو هطل غيث ولو انتضي صمصام، أو مضى فحسام.
فريد الأدب، كريم النسب، الذي علا فرق الفرقدين
فضلا وفقاهة، وتدرج إلى مدارج المجرة كمالا ونباهة. الذي لو رآه أبو الطيب لقال، هذا الذي طابت أرومته، وشرفت جرثومته، وتمثل في مديحه على الارتجال.
ذي المعالي فليعلون من تعالى
…
هكذا هكذا وإلا فلا لا
عف الإزار، كريم النجار، جامع المحامد والفخار. طيب الأصل والمحتد، معدن السيادة والسؤدد. فهامة الزمان. نادرة الدوران، ذو الخصائل الملكية. والمنائح البرمكية، نير فلك المناقب، صدر مسند المراقب المراتب. واسع الباع في الوجود، طويل الذراع في السجود.
وافر الأدب، كامل الحسب. ثاني ابن العميد، ذو الرأي السديد. حلال معضلات الشدائد، كشاف مشكلات الفوائد.
بحتري الأدب، عمادي الخطب، عطارد سماء المعارف، سيارة فلك العوارف. زركشي التقرير، بيضاوي الضمير.
الأمجد الأكرم، والأسد المقدم، والشجاع المعظم، فلان المحترم. لا زالت روضة فضائله نضرة الأغصان، وحديقة فواضله نامية الأفنان، وربيع إقباله وافر الاخضرار، وزمن فضله غرة الزمان والأدوار.
وبعد، فحيث ما كنا في قلق واضطراب، وتردد واكتئاب، نقتنع بالخيال، ونرجو زمن الوصال، وننتظر البريد، ونتذكر العهود، ونشتكي الصدود، وننشر المناقب، ونجلي الغياهب ونكرر المديح، ونشتاق إلى الوجه الصبيح، إذ ورد الكتاب
المستطاب، والفصل الخطاب، فأورد طرباً وسروراً، وملأ القصور فرحاً وحبورا، فطربنا بوروده، وسكرنا بنغمة عوده.
فأخذ الحواس يبشر منها البعض الآخر، ويتصرف كل منها في حصته الأوفى والأوفر.
أما الحواس الظاهرة فالباصرة غدت ترتع في تلك الرياض، وتسبح في تلك الحياض. والسامعة تتشنف بقرطق تلك الألفاظ السحرية، والنسائم السحرية، واللامسة منها تقلب ذلك المنشور وتضعه تارة على العيون وأخرى على الصدور، والذائقة تمضغ تلك الألفاظ السكرية. والشامة تستنشق منها ريا ذلك الصاحب، ذي الأدي والمواهب.
وأما الحواس الباطنة فباتت متصرفة في مزاياه كل منها وظيفته المخصوصة، وحصته الحصيصة. فيا لها من نضرة، وجنة خضرة، تحير النواظر، وتجل عن النظائر. وتسلب المشاعر، وتبلد كل ناثر وشاعر. وتهيج الشجون، وتنتج الفنون، وتذهب بالعقول. وتذهب على المنقول. وتطرب السامع، وتزين المجامع. وتجل عن التشبيه، وتستغني عن التنبيه، وتصقل الأذهان، وتكمل العرفان.
فأيم الله لقد تاه الشعور، وكاد أن يفور، فأخذتها أخذ مشتاق منتظر، وعانقتها عناق عاشق حذر، فطفقت أتأمل في مزاياه.
وأطالع صوراً بهية من مراياه. فرأيتها أجل رتبة من أن تدرك، وأعسر طريق يسلك، فقلت يا للعشيرة، إنها والله روضة نضيرة،
وديمة مطيرة، وأوبة مسافر، وفكاهة مسامر، ورجعة سفر، ونسمة سحر، وشراب مخمور، وصلة مهجور، وعدة منتجز، وعقلة مستوفز.
وما قنعت بذلك إلى ان عرضتها على ذي أدب بارع، وفضل واسع. فأضحت العامة تتعجب، فاقبل بعضهم على بعض يتلاومون يقولون ما سمعنا بهذا في الملة الآخرين.
وأنا أبين لهم أن هذا أيسر ما يكون عند هذا المصنف، واسهل ما يتصور عند هذا المؤلف. فنهض كل منهم يحمد سبكه، ويمضي صكه.
فمنهم من يقول انه لصباح عيد، يقرب البعيد، ويقيد الشريد، ويزيل التنكيد، ومنهم من يقول شاهت الوجوه، وان هذا هو البحر الزاخر، والسندس الفاخر، ونتيجة الأول والآخر.
ومنهم من يلجج ويتلعثم ويتلجلج، بأن هذا وشي الطروس، وجنة النفوس، ولا عطر بعد عروس.
فوقع القوم في حيص بيص، والفقير أقول لهم هل من مبارز يجاريه، أو مناجز يباريه. فلما سلموا واستسلموا.
وتصامموا وألموا. فشمرت عن ساق الاجتهاد، مع علمي بأني لست من رجال هذا الجهاد. لكن نقويه بالتجلد، كي ننسبهم إلى التبلد، فسطرت طروس المودة، من غير آلة ولا عدة. وأرسلته فبوصول الكتاب، المأمول من ذلك الجناب، أن لا تخرجونا بعد هذا
من ساحته الضمير، وان لا تقطعوا عنا رسائلكم الشريفة، واذكرونا كما نذكركم في الخلوات والجلوات. وعلى كل الحالات.
والسلام عليكم ورحمة الله والبركات.
*** ومما أرسلته لبعض أهل الفضل:
بسم الله الرحمن الرحيم، حامدا ومصليا ومسلما
إن أحسن ما يهدى من التسليمات أروجها، ومن التحيات أبهجها، ومن التسليمات والأثنية أجلاها، ومن الأدعية المستجابة أعلاها. إلى سيد رضع ثدي المعارف ورقى، ووقف مواقف الفضائل على هامة المعارف وارتقى. عرائس موانح ملهمات الفضائل، وحاوي التجريد عن الدناءات المنحطة والرذائل.
مطلع طوالع مطالع العلا، والصاف قلائد نحور الملا. مختصر مطول العلوم. والشفاء الكافي لأهل المنثور والمنظوم. النهر العذب الغابق، والبحر الزاخر الرائق، أنيس الجليس، العقد النفيس، درر غرر روض الآداب، تحفة الملوك وروضة صفا الأصحاب نهاية غاية البيان، موجز نصوص غاية الإتقان، إكليل تاج السعادة الفتح القدير في موانح الإفادة، صواعق زواجر أهل الضلال، مفاكهة السمير في أندية المعال. تحفة المؤمنين، وهداية الموحدين، صاحب المكارم الشافية، واللوامع الكافية، البحر المحيط الزاخر، والدر الثمين الفاخر، دلائل الخيرات، والحصن
الحصين في كل الملمات. مشارق شوارق مشكاة أهل الأدب مصباح مصابيح أسرار البلاغة للعرب. مجمع البحرين للمكارم والعلا. ملتقى أبحر الرئاسة والولا. الفتح الباري، والنور الساري، أطواق أطباق السماحة، مختصر منتهى النباهة والفصاحة. هواطل معالم التنزيل، نعمة الله في كل جميل.
فصوص فتوحات المعارف الجزيلة، تنقيح توضيح تلويح كل فضيلة، إشارات عوارف معارف التعريف. فصول نوادر التحري والتصريف. منحة شوارد الحكم، نفحة أزهار البراع والقلم. المثل السائر في البلاد، والدرة الفاخرة لكل العباد. أنوار آثار المآرب، جمع جوامع المحامد والمواهب. موطئ جامع الأصول المغني عن المعقول والمنقول. أنفع الوسائل، مجمع الوسائل، غنية منية الورى، كيمياء السعادة في كل ما جرى. سلوان المطاع شركة العلوم بالإجماع. إحياء العلوم. والقاموس المحيط بكل مفهوم. صحاح جوهرة النفاسة، صرة خلاصة الرئاسة، غاية خيرية الآداب، والروض النضر لذوي الألباب، عقود الجمان.
شقائق النعمان، قلائد النحور، كشكول الأيام والدهور.
ربيع الأبرار، ونزهة الأخيار ذخيرة الجلالة، خزينة النبالة.
الدر المختار، والألمعي المغوار، صدر الشريعة والوسيلة التامة في كل ذريعة، خريدة الكرم. حجة لسان العرب والعجم مولانا فلان. لا زال بالفضل مقيماً وبطول العمر نديماً، ولا برح طود كمال، وكعبة معال، وقبلة نوال، ومحجة النساء والرجال.
آمين، آمين. انه مجيب السائلين.
وبعد فالمعروض إليكم، لا زالت نعم الله هاطلة عليكم، أن المخلص للود القديم، والشوق المستديم، والإخلاص الجسيم، أنه بينما كنا في انتظار ورود أخباركم السارة، وترقب نفحات نسائمكم البارة. إذ وردت المشرفة العلية، ولا زلتم تحت لواء سيد البرية، فأزاحت صدأ مرآة الخواطر، وجلبت المسرات إلى المشوق بالباطن والظاهر. وانسرينا بورودها غاية السرور، وزادت بقدومها المترقب كل حبور. فكانت بادئة لإطفاء نار الأشواق، وسبباً لانخماد لهيب الإحراق.
والآن لجلب الدعوات الخيرية، والتوجهات السنية العلية، حررنا عريضة الإخلاص، وجريدة الاختصاص. فالمرجو التوجه التام في كل موضع ومقام.
والله يبقيك، ومن كل سوء يقيك.
*** ومما أرسلته لبعض الأصدقاء:
سلام يعطر أنفاس الصبا، وينشر نوافح فوائح الأعراف على هامة الربا.
سلام كما غنت بروض أزاهر
…
وذكر كما نامت عيون سواهر
وثناء يثني عنان الوفاق، ويجمع بين المشوق والمشتاق.
ثناء كماء المزن يحكي هوامعا
…
كشوق مشوق شوقه فيك وافر
ودعاء يعطر الكون رياه، ويصل من الإجابة إلى منتهاه، يعبق طيباً، ويحكى غصناً رطيباً.
دعاء إلى هام السماكين مرتق
…
فيعلو على شمس الضحى ويفاخر
وتحيات أرجة كزهر الجنان، ومصادفة مغازلة الحسان، تقطر عنبراً، وتضاهي فرائد ودررا.
تحية من شطت به عنك داره
…
وأنت سمع وعين وناظر
ترفع إلى المقام الرفيع، والنادي الزاهر المريع، نادي المبجل المكرم، ومحل المقدس المعظم، حادي المكارم والمآرب، خلاصة المحامد والمآدب. شمس مشارق الفصاحة، تاج مفارق السماحة.
الصاعد إلى أسنمة الكمال وغواربها، المشهور في مشارق الأرض ومغاربها.
بعزم إذا ما انساب في مدلهمة
…
من الخطب لم ترتد إلا على فضل
حاوي المفاخر. غمام المجد المتقاطر. وسحاب الفضل الزاخر. ذو المجد الموفور، والرشد المشهور. ليث المشاهد.
عذب المصادر والموارد، السيد الهمام، والباسل الضرغام.
فرع شجرة النبوة، نبعة ساحة المكارم والفتوة. الغصن الوريق، والروض الأنيق. بدر سماء السيادة، غصن دوحة الشرف والسعادة
له همم تُعلّى كل حين
…
يفوت به ذرى النجم العلي
وحسن خلائق رقت وجاءت
…
كما هب النسيم مع العشي
تحلى فضله بعلا نهاه
…
كما زان المقلد بالحلي
النجم الثاقب، والسحاب الساكب، عروس مملكة القرائح، محل تنزل الإلهامات واللوائح. مولانا الأكرم، وسيدنا الأعظم فلان. اسبغ الله عليه برود الافضال، ومتعه بنوافج مسك الإقبال، بجدك والآل، ما تعاقبت الأيام والليال. آمين.
وبعد. فالذي ينهى إلى عالي الجناب، خصه الله بكل سار ومحاب، أنه منذ رحلتم، وعلى النهضة جزمتم، نحن في أشد شوق وشغف، وأتم توق ولهف. إذ ما أودعتمونا من الظرف، هو للأسماع شنف.
فالمرجو أن تذكرونا بكل آن، ولا زلتم في حفظ الملك المنان.
*** ومما أرسلته إلى الأديب الكامل محمد الغلامي:
يا طود علم القوافي
…
كطور سينا وقاف
يا أوحد العلم يا من
…
قريضه كالسلاف
يا أوحد الخلق طراً
…
لم الجفا والتجافي
أطلت أيام هجري
…
من بعد ذاك التصافي
لم ذا التقاطع عني
…
وفي علاك طوافي
من بعد حب وود
…
وصحبة وائتلاف
ورسل شعر وكتب
…
عن الورى غير خافي
كدرت بالقطع عيشي
…
من بعد ما كان صافي
أني أحبك حبا
…
يصان عن انكشاف
ودي مصون فلا في
…
ميم ولام وقاف
أضرمت في القلب ناراً
…
على التقطع ضاف
كأنها الشمس في في
…
فاء ولام وكاف
فيا لحى الله وقتاً
…
من الزمان المجافي
ويا بعاداً لدهر
…
تباً له من منافي
يا دهر بؤسك بؤس
…
ما ذقته كان كافي
هلا رددت لصب
…
رقاده بالتلافي
هلا رحمت هيامي
…
وحرقتي والتهافي
فجد بصفحك واسمح
…
من قبل جوب الفيافي
بالله يا دهر جد لي
…
برعدها وبقاف
واسمح برسل وكتب
…
من بعد ذاك الجفاف
من سيد ساد علما
…
بحر لعلم القوافي
عال بفضل ومجد
…
سام بحسن اتصاف
بنانه للمعالي
…
وللنهى كالأثافي
يراعه ذو فنون
…
ولحنه في اختلاف
جميع أهل المعالي
…
لفضله باعتراف
وكل من فيه فضل
…
من بحره في اغتراف
ما مثله كأس علم
…
أهل الجهالة شافي
فإنه لي صدوق
…
خلوصه لي وافي
شكى لسوء مزاج
…
فعافه يا معافي
فأنت يا رب حسب
…
وأنت يا رب كافي
يا رب فاغمره لطفا
…
يا رب شاف وعاف
لا زال شمس معال
…
وكعبة في المطاف
وبدر علم وفضل
…
على المكارم طافي
فأجاب:
محضتني الود صافي
…
يا ذا الهمام المصافي
لله درك طوداً
…
تنوب عن طود قاف
أطلت جنح المعالي
…
بدت طويل الخوافي
يا عين أعيان عصري
…
وقبلتي وطوافي
أرسلت لي حر لفظ
…
لكن رقيق الحوافي
فقمت أفرش خدي
…
كرامة للموافي
وأمسح الجسم فيه
…
لأنه خير شافي
مولاي فاسمع حديثي
…
لعله غير خاف
لم ألق في الدهر بؤسا
…
وبعده لي عوافي
لكن زماني رماني
…
بالهجر والعسر كافي
لي قلب صب كئيب
…
وللسرور منافي
تغني خمور التجني
…
يا صاحبي عن سلافي
فهاك مجمل حالي
…
لقد عفاني عفافي
ولست أطلب شيئاً
…
إذا كفاني كفافي
فللعيال ضجيج
…
كل يروم تلافي
وإنني ذو عناء
…
يا سيدي والتهاف
لذاك تأخير كتبي
…
وكان فيك ائتلافي
وقلت يا نفس هلا
…
أحوك وشي القوافي
عسى يكون خلاصي
…
بكامل ذي عفاف
بالجاه إن لم يكن لي
…
من راحتيه اغترافي
لم لا أخص بمدحي
…
عثمان أكرم وافي
والكل يروي حديثاً
…
عن جوده المتلافي
لكنه سوء حظي
…
يصير البر جافي
يا واهب الخيل يا من
…
قد نالها كل عافي
يا مفرد النظم يا من
…
كل له باعتراف
يا من تضوع زد من
…
ميم وسين وكاف
يا من تملك زد في
…
راء وفاء وقاف
أشكوك أبناء عصر
…
وعودهم بالخلاف
عليهم المطل لما
…
على نحت القوافي
فافهم معاني مزاجي
…
وصنه عن انحراف
لا زال نظمك زهراً
…
يحلو بحسن اقتطاف
فراجعته أيضاً:
يا كهف ركن المعالي
…
ويا مطاف الرجال
يا مفرد الفضل يا من
…
قريضه قد حلا لي
قد فقت كل البرايا
…
بنظم سلك اللآلي
أتحفتني بقريض
…
يهزو بضوء الهلال
منحتني بقصيد
…
يزري ببرد الزلال
فأنت بدر معال
…
وأنت شمس كمال
وأنت واحد فضل
…
وفضلك المتلالي
يا أوحد الناس علماً
…
ويا وحيد المقال
أرخصت للناس شعراً
…
من بعد ما كان غالي
فجدت كالسحب نظما
…
وفقتها بانهمال
توجت تاج كمال
…
من المعارف غالي
فأنت بحر علوم
…
وما سواك كآل
أزهرت مرج الثريا
…
وحزته بالعوالي
فرقت للجهل جيشاً
…
بصارم ونصال
سطوت في سهم فضل
…
علوت في ذا النزال
أضرمت بالحلم حرباً
…
وبالظبا والنبال
وإنما الدهر قدماً
…
عن مثل فضلك خالي
فكل شيخ كمال
…
بظل مجدك قالي
وكل شاب معال
…
لوصف علمك تالي
وأنت كعبة علم
…
حطت لديك رحالي
يا أشعر الخلق طراً
…
ويا هلال الليالي
بلغت هام الثريا
…
ففقت في كل حال
قد حزت كل جميل
…
ونلت كل جمال
ففضك النجم سمكا
…
وعلمك المتعالي
سموت كل البرايا
…
بسؤدد وجلال
فللمعارف مولى
…
وللطائف والي
قلبي بودك سال
…
وليس عن ذاك سالي
أشدو بمدح ووصف
…
فيكم بكل مجال
فأنت طود بيان
…
على البرية عالي
وهضبة في المعاني
…
أزرت بكل الجبال
وكيف لا يا حبيبي
…
وفضلك المتوالي
حزت النهى بيمين
…
فقت الورى بشمال
شكوت دهراً ملما
…
ما حيلي واحتيالي
فانه من قديم
…
أهل المعارف قالي
كم ذقت منه مراراً
…
لكنني لا أبالي
فيا له من مسيء
…
لله دري وبالي
ان ساء بالقهر لم لا
…
يصغي إلى عرض حالي
أضحى به كل حر
…
من العنا كخيال
فلا ترم منه عطفا
…
ولا ترم لوصال
أما الذي أنت تعني
…
فخلب في الفعال (1)
ما قط عمّر ربعاً
…
وانه في عضال
وخذ لمعظم نفح
…
من الزمان انثنى لي
وهاك بكراً عروساً
…
سمت بحسن خصال
وهاكها بنت فكري
…
جادت بطيب فعالي
عروسة ذي بهاء
…
زفت لمولى الموالي
(1) في الاصل: العضال
لا زال بدر معال
…
وشمس أفق نوال
وقبلة ومطافاً
…
وكعبة للمنال
ومرجعاً وملاذاً
…
لمشكل وسؤال
ما دار راح شمول
…
وهب ريح شمال
بالمصطفى وذويه
…
وصحبه وبآل
*** هذا آخر ما أوردناه في هذا الكتاب من السؤال والجواب.