الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العلامة صبغة الله بن إبراهيم
(1)
أما هذا العلامة. فهو في طلعة الأيام غرة، وفي خد الكمال شامة. له جامعية علوم تربو عن الحصر، وأنواع فضائل لا يقدر على إنكارها فضلاء العصر. فجمل فضائله مما تقصر عن تفضيله العبارات، ومجامع فضله مما وقعت عليها من ارباب الفضل اشارات.
(1) ترجم له محمد الغلامي في شمامة العنبر (94 - 97) فقال: «صبغة الله افندي بن ابراهيم افندي ابن حيدر افندي البغدادي:
قالت الزوراء مذ
…
آنست منه الفطن
جاء بلعلم لنا
…
صبغة الله ومن
نادرة تحلت بوجود مثلها الأيام، ويتيمة تزينت بها نحور بلاد الاسلام. عالم أرسله أصله الشريف على فترة من العلم، فتقبله حكام الوقت بقبول حسن. وقرنوا حكمته مع الحكم، فاستمدت من علومه طلبة العلم. بل العلماء أهل الانتهاء، واهتدوا باشراق تحقيقاته في غوامض المباحث كما يهتدي المسافر بالنجم في الظلماء. بل كما يبيض البدر وجه الليلة الظلماء. فأزهر قنديل فضله ينشد عامة العلماء حيث يقول
قد أضاءت مشكاة ذاتي بمص
…
باح علومي وفي الزجاجة زيت
ولها قلبي المدينة كشفا
…
أين منها بغداد أو تكريت
هذا العالم من أهل بيت علم كلهم علماء فضلاء حتى قيل لي ان خادم بيتهم لمدارستهم الكتب قد شارف حد الانتهاء، وناهيك به شرفا ضاقت عن نيله الأكف لاستغلاء تجارته، وانشرحت به صدور الأكابر لاستحلاء ندارته. نسب تناسق كابرا عن كابر كالرمح انبوبا عل انبوب. انتظمت معه في سلك الاجتماع في جيد المجالس الجليلة فاقتطعنا هيبة الحكم عن مفاتحة العلم. ثم زرته في منزله وانا يومئذ في حوادث ومصائب قد أخمد نار ذكائي ترادف بعوثها، وتراكم غيومها، وانسكاب غيوثها. وهل علمي معدود في الحساب الا لمعة من بهائية غيوثه الدائمة الابراق، والسها في مطالع فلكياته المتواترة الاشراق.
وانشد الرامي في قوله ومدحه:
أقبل أهل العلم إلى طواف أركان فضله واستلامها، وتوجه أرباب الفهم إلى تقبيل حجر مجده الذي وضع من مدينة العلم عند باب سلامها، فأذعن أرباب الطلب لديه، وسلموا زمام انقيادهم اليه:
امام المعالي والفضائل والتقى
…
وراثة جد عن نمي إلى جد
إمام همام في الأنام وسيد
…
مناقبه جلت عن الحد والعد
أقام سوق المعارف على ساقها، وأبدع في نظام محاسنها واتساقها ملأ بعلومه الأقطار، وظهر ظهور الشمس في ضحوة النهار.
أقر لفضله ثغر الزمان وابتسم، وارتسم به نقش الفضائل واتسم.
فصيته الشائع دليل على قدره، دلالة أشعة الهلال ليلة بدره، إذ هو مطلع الأضواء والكمال، ومغارب الإفتاء والمعال. قد سقت بروج الكمالات كمالاته، وانسدلت على بدور الأذهان هالاته. تساقط على أوراق أغصان الفضل، تساقط الطل،
-
قد أنار الكون في
…
علمه شمس الزمن
جل من أهدى لنا
…
صبغة الله ومن
كان بعض أصحابه يعجبه هذا الاسم الذي لم يجعل له من قبل سميا فخطر لي فيه معنى:
قيل لي اسم لطيف
…
ذاته برق وحض
فهل الاسم المسمى
…
قلت ما هذا الغرض
ذاته نور أتاها
…
صبغة الله عرض
ثم اورد قصيدة نونية لبعض أصحابه في مدح والد صبغة الله».
وترجم له المؤرخ الموصلي ياسين بن خير الله العمري (غاية المرام ص 262) فقال:
«علامة العلوم، وحبر الفهوم، من بيت علم وعمل وزهد وعفاف وتقوى وانصاف، أخذ العلم عنه جميع العلماء المعاصرين له في الموصل وبغداد، وهو من قرية ماوران، ورحل الى بغداد واستوطنها، وحصل له الاكرام من وزرائها، توفي سنة 1187 في طاعون بغداد
…
».
وكلل أزهار المجد بحباب لطف هو كاللؤلؤ المنحل. إليه انتهت الرغائب، ولفضله قطعت الأودية والسباسب. فهو قبلة الأنام، وكعبة الخواص والعوام، والبدر المنير في حالك الظلام، الذي ما عليه في إشراقه كلام.
لو مد راحته لثغر مقبل
…
أنف الثريا أن تكون له فما
أو تنطق الدنيا بمدحة فاضل
…
نطق الزمان بمدحه وتكلما
فالآن هو مشرع الحكم، ومطلع الهمم. قد لاحت من مجلسه شموس، وارتاحت لفضائله نفوس. ركب صعب الكمالات فذللها، وطلب مخرجاً للثريا فانتعلها، فناديه مصب مزن الفضل، وسقيط ندى المعارف المخضل. وموقف الفصاحة والبيان، ومقذف أرباب المعارف والعرفان. له ثبت الإحسان وارتسم، وعن فضله افتر الكمال وبسم له فضل لو تصور شخصاً، لكان بالنفوس مختصا، وللانفراد آية ونصا. تفرد بكل فضيلة وحوى لكل مكرمة وجميلة، لم يأت الزمان له بمثال، إذ هو علامة الزمان على كل حال. فأكفه توشي أرض المعارف، وتجر على حافاتها الزخارف. وهو منبع البيان، الذي سحب ذيله على سحبان.
قد جلا خطب الليالي عزمه
…
مثل ما يجلو دجى الليل النهار
لم يكن للبحر أدنى بره
…
لم يلح للعين براً وقفار
لقد جر إلى نحو المجرة باعا، ووطد على هام فرق الفرقدين
ذراعا. وتقلد حسام فضل لا ينبو مضربه، ولا يخبو في قدح المكارم أربه. فأي مقال يفصح عن مجمل كماله، وأي ارقال يعرب عن حميد خصاله. إذ هو بحر الكمال العجاج، المتلاطم الغبة والأمواج. يقذف الدر والجوهر، ومع انه بحر يعيب مذاقه السكر المكرر.
هو رئيس هؤلاء الرجال، وجميع فضلاء هذا الكتاب عليه عيال. فلا نهاية لكماله، ولا غاية لفضله وافضاله. فغاية ما أقول فيه، انه فريد العصر، والواحد الذي ما نتج به الدهر.
وهو فوق ما أقول، صان الله هلال كماله عن الأفول.
قرأت عليه، وجثوت بين يديه، فلم أر الفضل الا منه واليه.
سود صحائف أعماله بالتدريس، وبذل من العلم كل غال ونفيس. فلا زال غصن حياته وريقا، ومرج أدبه بنماء الفضائل مباكراً أنيقاً.
وفي أثناء ملازمتي لناديه، واجتناء ثمر المعارف من أياديه، توفيت والدته رحمها الله تعالى، فكتبت لحضرته أبياتا. وهي:
أرى حدثان الدهر ناء عن الحد
…
فبالهزل يولينا المرار وبالجد
أأبصرته إذ هد شامخ ثلة
…
من الجود والإحسان والفخر والمجد
لك الله من دنيا لقد عشنا في هنا
…
فلم ندر ما نحس الزمان من السعد
رمتنا بأرزاء علتنا مصائب
…
مصائب لا تردي الجيوش كما تردي
تحملت أعباء الزمان على المدى
…
فأرزاؤه تربو عن الحد والعد
ولكن كهذا النعي لم أك حاملا
…
ولم ير قلبى مثل هذا ولا بعدي
فان ابنة الافضال والدة العلى
…
سليلة أمجاد أسود من الأسد
توارت بترب بعد مسك وعنبر
…
فأورثت الدنيا النكال من الفقد
وسيان عندي مرها ولذيذها
…
فلا المر مر لا ولا الحلو بالشهد
كذا القرب بل والبعد عندي تساويا
…
فلا بعدها مجدي ولا قربها مهدي
ولست أيا ابن الأكرمين بأول
…
من الناس قد صادفت رزء بلا حد
فكم جندلت من سيد في الورى وكم
…
أناخت لسرح كان كالعلم الفرد
وان لم يكن مثلا لما قد فقدته
…
فلم تحمنا منه السيوف من الهند
ولم يحمنا حزن ولم يحم سهلها
…
ولم يحتمى منه بغور ولا نجد
تسلت عن الوجه الحميد فقد سمت
…
برشد وافضال على كل ذي رشد
صلاة من الرحمن تنزل رحمة
…
على ذلك الوجه المجمل بالحمد
فكم أسدت الإحسان والفضل للورى
…
فسادت به فخراً على كل من يسدي
سمت وتسامت فهي محض مكارم
…
حوت كرماً حازت به جنة الخلد
سقى الله قبراً حله مثله سناً
…
هوامع لطف هاميات على اللحد
كريمة طبع بنت جود عفيفة
…
سليلة سادات كرام من المهد
فريدة ذات في المكارم نخبة
…
توفت فوافت بالنقاوة والزهد
مكارمها فيها خصصن جبلة
…
تجل وتسمو أن تحاول بالجهد
فصبراً وصبراً أيها الواحد الذي
…
علا في الورى بالفضل والأب والجد
تعلمنا الصبر الذي يدفع الأسى
…
فنحن عن التفهيم في غاية البعد
أجلك يا مولاي عن ذا وغيره
…
فانك فرد الوقت في كل ما تهدي
فلا زلت في حفظ الإله مبجلا
…
كريما نجيباً مفرداً كامل السعد
فاستحسن خزفي وعده لآل، لا زال في حفظ الكريم المتعال.
***