الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تقريض الكتاب
وقد قرض عليه بعض الفضلاء، والسادة الكملاء. فلنذكر تعريضهم، ونتلو عليك تقريضهم.
فمن جملة من تلطف وقرض عليه، وأظهر بذلك مكنون ما لديه، لطفاً وكرماً وإحساناً، وفضلا ومنة وامتناناً، مولانا الحبر الفهامة، والإمام العلامة، منشئ الزمان، عماد الوقت والأوان. المنسي بتحريراته ذكر القاضي الفاضل، حريري الإنشاء، زمخشري الإملاء. حضرة كاتب ديوان بغداد، صاحب الرشد والرشاد، السيد عبد الله الحسيني، سلمه الله تعالى آمين، وحرسه بمحمد وآله الغر الميامين، بقوله:
بخ بخ يا للعجب العجاب، ما لهذا الكتاب، لا يغادر من اللطائف العربية، والظرائف الأدبية، صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها. ولم يترك سدى من غرر الأشعار، وبنات الأفكار، طريفة ولا تليدة إلا احتواها. بمبان كغمزات الخرد الحسان، ومعان بديعة مشتملة على سحر البيان، كأنها فك عان. وبعبارة رشيقة استعارت حلاوة العتاب بين الأحباب، وفقرات أنيقة استرقت شكوى العشاق من رجاء الفراق. وسجعات تزري
بأسجاع الورق والبلابل. وبلاغات لم يأت بمثلها سحبان وائل.
وكلمات تسلى الثكلان، وتنشط الكسلان، وتشرح الصدور، وتنفس عن المصدور، ترقص الرءوس، وتطرب النفوس وتغني عن المدام والنديم. وتورث نشوة النعيم المقيم، جمع فيه مؤلفه لله دره، لكل أديب من أهل عصره، أمير شعره، وبكر فكره وواسطة عقده، ودرة نظامه، وغرة كلامه، وبيت قصيدته، وفرائد قلادته. نظماً كدر السبك رائقاً كالشمول المشمول أو أرق، ونثراً كنثر الورد مونقاً. كالسحر أو أدق. يغص النظم من نسيم الصبا، وطيب عيش الصبا، رقة ونفاسة. ويربو النثر على ماء السماء لطافة وسلاسة.
واستتبع نوادر المحاضرات والمستملحات، وتنقل إلى ما حضرته من المناسبات والاستطرادات. ولعمري قد أصبح هذا الكتاب كغادة متبرجة، تختال في حلل الحسن والنضارة، وخريدة متغنجة تميس في جلابيب البهاء والغضارة، أو حديقة ذات بهجة تبسم ثغور ورودها، أو عشيقة رشيقة تتورد أزهار خدودها أو جنة بربوة تجري تحتها الأنهار، أو روضة أنف تصدح في أفنانها الأطيار.
جمعت فيه دلائل الإعجاز وأسرار البلاغة، وتعانقت في حقائق البراعة ودقائق الفصاحة. فهو العذب الزلال، والسحر الحلال، وأنفاس الشمال، وأنموذج الوصال.
نعم، وهو في بهائه عقد الجمان، وفي سنائه قلائد العقيان، وفي روائه روض الأخبار وفي نفاسته يتيمة الدهر، وفي نظامه درر النحور، وفي حسن انتظامه تقاصير الحور.
بل هو سرور الأرواح، ومربع الأرواح. والسمر بلا سهر، والصفو بلا كدر. والأنيس الذي لا يمل، والجليس الذي لا يبتغى له بدل. حقيق بأن يكتب بذوب التبر، لا بالنقش والحبر، وعلى صفحات الأحداق، لا على المهارق والأوراق.
فيا له من كتاب، معجز للكتاب، مناحر للألباب. شاهد لمؤلفه سلمه الله بطول المباع، في المحاضرات الأدبية، وغزارة الأتساع والاطلاع، في فنون الآداب واللطائف العربية، وجودة القريحة الوقادة، وذكاء الطبيعة الكريمة النقادة.
شاهد عدل لا تجرح شهادته، ولا تخشى جهالته، وأنا أقول وفق ما يشهد هذا الشاهد العدل لله در مؤلف هذا الكتاب، ومرصف هذا السفر المستطاب، فقد أتى بما يبهر الألباب من كل غريب وغريبة، وبالفصل الخطاب، من كل نادرة عجيبة.
فكأنه جمع الكلام بين يديه، حتى انتقى منه وانتخب، وألقت إليه العبارات مقاليدها حتى اختار منها ما رام وطلب. أو أوعى البلاغة في صدره، وحبس الكلام بين طبعه وفكره، حتى انقادت له شوامس البلاغة بأزمتها، ولانت له عريكة الفصاحة، فاقتادها برمتها.
يتصرف في الكلام كما رام، ويسبق فيه كما يريد إلى بلوغ المرام. سهلت له من سبك العبارات حزونه، ولانت له متونه ونبعت له عيونه، ودانت له إبكاره وعونه.
فهو أسعد الله كوكب بهائه، ومتع الأحباب بطول بقائه المعي نسيج وحده، وأوحدي فريدة عهده. أديب أتى على الأدب الأقصى من النظم والنثر فلا يشق غباره. ولبيب لا يبرح في سماء الفصاحة تبدر أقماره. ومع هذا فهو ذو النورين، إذ جمع النسب إلى الأدب، وصاحب المجدين النجابة وسمو الأدب، وسليل الغطارفة الأكارم، وغرة قلادة الصيد الخضارم. واقر عيون الأدب بنور محياه، بحرمة النبي ومن والاه.
حرره العبد الضعيف السيد عبد الله الحسيني، الشهير بفخري زاده، جعل الله التقوى زاده، وزاده فيما يقرب إليه وآتاه الحسنى وزيادة.
*** وممن صاغ لها عقود التقريض وحلاها، الأديب الكامل، والأريب الفاضل، أخونا المكرم، الشيخ محمد الغلامي، سلمه الله تعالى:
أطلقت سحر العيون في هذا الروض النضر، وأنا على ثقة من نفسي بعلم الأدب فذكرني علم موسى والخضر. فرأيته روضاً قامت نسائم النفحة تفاخره بما أوعته من طولها، حتى تبسم ضاحكاً من قولها، فكانت في معيار النظر نملة سلمانية بالنسبة إلى جنود هذا الفكر الوقاد، وشرارة طائرة من بعض سقط هذا الزناد.
فيا له مؤلف لو تقرب له ابن بسام بما ادخره في الذخيرة ليرى لمحة من هذه الفنون، لقيل له بل أنتم بهديتكم تفرحون.
كتاب انجلى له صدر مرآة الزمان وتزخرفت زينة للدهر.
وتفتحت صدفة المعارف عن اليتيمة وبرزت من خدرها دمية القصر. ودارت السلافة على الراحات فأبى أن تضاهيه مع قدم العصر. وجرت ذيول سطوره النجاشية على ملاعب خرائد الفتح ابن خاقان، فتعثرت له بأذيالها وانقطع سلك قلائد العقيان.
وهل الريحانة إلا فرد من نوع هذا الجنس، وتاء الوحدة أعدل شاهد لهذا الروض عند الحدس. وإذا كان الأمر كذلك فما ترى ترقى إلى هذه الشمة صاحب الشمامة، فهو من الشهود عليهم بأن أقلامه جارية في الثناء على هذا المرسوم الشريف وخدامه.
لله روض نضير لا نظير له
…
من كف منشيه أو منه خذ الثمرا
فالكف يوليك يوم الجود وبل ندى
…
والروض قم واجن من أوراقه دررا
كلاهما فاق هذا في جمال هدى
…
من العلوم وهذا في جمال قرى
فالكف يغبطه طبع الكرام عطا
…
والروض يحسده في السحر من سحرا
فكان بينهما عندي بواحدة
…
فرق إذا ما أعاد العاقل النظرا
بأن علمك كالطود المنيف رسا
…
وان كفك في أوج النمو سرى
أما وبنانه التي حل رموز المشكلات رسم عقودها. وامتص العفاة في هجير المحل ما تقاطر من جودها. وقنا أقلامه التي في صدر الصدور ركزها، وكماله استصغر المراتب فوكزها.
وعالي همته التي خفقت أجنحة النسرين صاعدة لإدراكها فعجزت وبياض أيامه ولياليه التي ضمن التأثيرات مطالع السعود فأحرزت وروض أدبه الذي أورث الورد والنرجس حمرة الخجل وصفرة الوجل. وشمس كرامته التي استلت سكاكين أشعتها على ريقه خرفان الموائد لأهل الأمل.
ألم تر الشمس حلت الحملا
…
وطاب وقت النهار واعتدلا
لقد كنت أتفرس من هذا المنشأ هذه النباهة والفصاحة. ولم يزل من نفسه العصامية هذه الظرافة والملاحة، إلى أن صار الغيب شهادة، ولا بدع أن هؤلاء القوم السادة، لهم محاسن الأدب ومكارم الأخلاق عادة وعبادة.
يا أديب الزمان هل يرضيك
…
من بديع الكلام ما يسليك
قم تعرض لنفحة عبقت
…
فإلى كل ملحة تهديك
هات قل لي يا من فتنت به
…
شابهت منك نفحة من فيك
فاقتبس من علومها قبساً
…
فعن الدرس نوره يغنيك
واصطحبها مع كل ذي أرب
…
هو بالفن لا يرى التشريك
علمها جملة العلوم به
…
فتحرى ذا خبرة ينبيك
يا لها أسطراً لها نشرت
…
بين أحشاي رأيه التمليك
ونديماً أضنى الفؤاد هوى
…
يا نديمي بمهجتي أفديك
وأيم الله أني رشفت من حديثه ما ذكرني ذات العصر القديم تشابها. لو سمعها ابن الرومي لتلا ألم غلبت الروم، وكان من حسده في كلتا الحالتين ألم. ورقائق تغزل لو مرت نسائمه على معطس ابن هاني لاستشعر ان تنبيه الكأس والإبريق وهما جمادان خطرة من وسوسة. وفصاحة لسان يعلم سامعها أنها حمامة تسجع لا يصيدها من نصب لها الشرك في المدرسة.
بل هي أمر وهبي ليس للمكسب فيها مدخل، وملكة نفسانية من لدن حضرة القدس تتنزل. لا أقول هذا وعندي إن صدره الشريف ليس هو بالعلوم معمور مغمور، بل أقول انه فتح له هذا الفيض الإلهي فكانت هذه الموهبة له نوراً على نور
فيا له فصيحاً سحب الذيل على سحبان، وتسلطن مؤلفه على ابن خاقان. وتزخرفت له جنان الجناس فلم يرض ورودها عند ورودها، بل مال إلى قريحته المشتعلة ونادى فكره قودها عند وقودها.
ولقد ذقت الكلام فلم أذق أحلى من كلامه، وان كان لكل منا الدعوى في الأدب عريضة طويلة، فسكرنا لا عن جهل به ولكن كضرائر الحسناء الجميلة. وأبيك هو رب الألفاظ الجزلة والكرم الجزيل.
أديب قال مؤلفه لذكر الصفدي بظهوري دليل على أن لا يدوم خليل. وإن ضربت لشرحه على اللامية نوبة خليلته في الآفاق.
وكان لطول باعه في المحاضرات والاستطرادات ما يرسل الساق إلا ممسكا ساق. فما حلبة الكميت إلا رشحة من هذه الحانة، ونفحة من هذه الريحانة.
وتالله لا أقول هذا عن عمياء، ولا أسلك مع هذا الخليل منهج المداهنة والرياء. كيف أشهد على عماء، وأنا لم استعمل هذا الفن حين أعجزتني باقي العلوم، وقصرت يدي عن تناولي ما في كتب أهل العلم مدون مرسوم، فما منا معاشر الطلبة الأول إلا وله مقام معلوم، ورزق من العلوم مقسوم
أم كيف أداهن وأرائي، وهذا كلامه لم تغيره الحوادث، واقف على عهد الألى قد تقدموا فاتحة على الناكث. والراسم والمرسوم شاهدان عدلان فلا حاجة إلى ثالث.
ولقد كنت أجد في نفسي عند جمع الشمامة وحشة الانفراد في هذا الفن، ودهشة الاغتراف من هذا الدن، وان ترادفت الطامات من الدعاوى فهي في أذني طنين ذباب وفي عيني لمع سراب.
فاشهد بصدق مقالتي
…
أو لا فكذبني بواحد
إلى أن أحيت دولة الأدب هذه الإمارة العثمانية، والنفس
العصامية، والبهجة اليوسفية، والنفحة العيسوية. فأتحف أولى الألباب، ألم يكن لهم في حساب. فطفقت من فرحي أشارك بارتشافي من كأس أدبه كل غبي ولبيب. وللأرض من كأس الكرام نصيب. وأنشئ لأهل الإنصاف، ما يقربهم إلى جادة الاعتراف.
قل لمن ضيع الأوقات بالدر
…
س وبحث المقصور والمهموز
وانثنى في مسائل الفقه يفتي
…
قاطعاً بالتحريم والتجويز
قد أحطنا بما أحطت ولكن
…
أدب النفس واستمع يا عزيزي
ليس كل الزمان للبحث لكن
…
بعضه للنشيد والأرجوز
قد ملى لي بين الملا لي أديب
…
أدباً للعلوم كالتطريز
فتحقق بكتبه ثم ميز
…
بين قدر الرصاص والإبريز
انه الجوهر الثمين فهذا
…
حاله مفصح عن التمييز
فشهادتي لهذا الأديب العارف شهادة من سمع فوعى، ولم يخرص فيما ادعى، بأنه من أكابر أهل الأدب معدود، وربك انه اصلح الموجود عقمت أم الزمان بعده بمثله مولود. مؤلفه الدر الفائق، وصدر البحر الرائق.
أعدى الزمان سخاؤه فسخا به
…
ولقد يكون به الزمان بخيلا
قال ذلك باللسان، ورقمه بالبنان، الفقير إلى ذي الجلال والاكرام، محمد بن مصطفى بن علي بن غلام والسلام.
سنة 1171 هـ.
ومن رشحها بحلة مطرزة للتزيين. وقلد جيدها بقلادة اللؤلؤ والدر الثمين. المحرر فتح الله الشريف المتولي، بقوله:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أبدع جنس الإنسان لا من مثال سبق، ونظمهم في سمط العبودية فمنهم من أطاع ومنهم من أبق، ومنهم ذكي، ومنهم غبي، ومنهم بليد، ومنهم من بحمده نطق. وتجلى على من شاء ففهمه بديع معانيه، وعرفه جناس الصفات فذهنه لمعانيها انطلق. واشكره على ما أينع في روض قلوبنا من أشجار التوحيد، ونضر عقولنا بنطم لآلي التمجيد والتحميد
وأصلى وأسلم على أفصح من نطق بالضاد، وأرجح من روى معرض دعوته كل صاد. محمد الخصال، أحمد الشيم، أفضل الأنام أشرف النسم. وعلى آله نجوم الهداية والهدى، وصحابته مصابيح الاقتداء والاهتدا.
أما بعد فلما وشحتني يد الزمان بوشاح التحرير لهذا الروض النضر، وصدح حمام قلمي على سطح أغصان هذا الزهر العطر.
وقد استوعبت جواهر نظامه ولآلي نثره. ونشقت مسك آدابه وبدائع عطره، من مبدئه إلى الختام، وسرحت نظري في نضرته فإذا هو منتظم أحسن انتظام، ومنسجم أحسن انسجام. ووجدت نظم ألفاظه ألذ من سكر الحبب، واشهى للظمآن من الماء النمير العذب.
وإذا هو قد قلد جيد البلاغة بجواهر وعقود، فزانها حسناً كما
تزان نهود الأبكار باللالئ وخدودها بالورود. فما غادر من حسن أساليب، وبديع سبك إلا حواه، ولا ترك جناس معنى إلا ذهبه وحلاه.
لو رآه الذهبي لوزنه بالجوهر والدرر، أو تلاه الحريري لكان عند مقاماته أضوأ من القمر، أو اطلع صاحب الريحانة عليه لاقتطف من ورد زهر مستحسناته، وظرائف محسناته ريحانة وشمها. أو سمع به المحبي لما نفح من نفحته نشر أدب وقال هذا للآداب أبوها وأمها. وان ذاق ابن نباتة قند نظم سكره المكرر، لقال هذا السكر والضرب الصرف أو النقش في الحجر أو أوحي إلى المتنبي سورة من نبأ معناه الكريم، لتلا: عم يتساءلون عن النبأ العظيم.
فما بلاغة سحبان وقس وحجة
…
وحسان والحلي إلا كقطرة
هذا وقد صعدت بلابل آدابه على أكمام النظام يخطبون، وينادي هزار فصاحة أدبه وأنتم لا تفقهون. زاجراً من ادعى الإتيان بمثله، ورادعاً لمن أرد الإنشاء لأمثال مثله. يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون، كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون.
وقد قال هذا الروض النضر بلسان حاله، ما ينبئ عن لسان مقاله.
حويت من الآداب والفضل جملة
…
وإن كنت تال لم تطقه الأوائل
لعمرك لقد دخلت من بابه. حتى انتهيت إلى محرابه، مع قصر باعي في هذا الفن وعدم اغترافي من هذا الدن. وإذ شممت
رائحة من ذلك، ومددت يدي لتناول بعض ثمر ما هنالك. ومع علمي القاصر، وذهني المتقاصر، وجدته أسحر من السحر الحلال، ومبتكراته أضوأ من الدر واللآل. لأنه روض قد ارتوى نبع أغصانه من نبعة الغصن الناضر الزاهر، خلاصة البيت العمرية ونتيجة الدرة الثمينة العثمانية، وزهرة سماء العصامية. من ارتحلت إلى خطة دائرة فلكهم نجوم الرافدين. ورست عند حوطة بحورهم فلك القاصدين.
فعصامهم سودته نفسه، وأجله ذهنه وحسه. قد جمع في هذا المصنف أشتات البديع والمعاني، وألف بين متفرقات الآداب والمباني.
أتى أبحر الآداب غاص بقعرها
…
واخرج منها كل در وجوهر
وشام المعاني الباكرات ففضها
…
بسيف مبانيه الصقيل المجوهر
فما غادرت ألفاظه الغر خصلة
…
من الفضل والآداب والمتصور
وجمع أشتات المحاسن كلها
…
بحسن معان مثل قند مكرر
فلما رأيته بحراً ليس له قرار، وألفاظ جيش بديعه لا يقاومها كل بطل مغوار، أردت أن أثبت نفسي مع الأدباء أهل التقريض، الذين طالعوا بحر مستحسناته الطويل العريض. وقرضوا عليه ما هو به أولى وأحرى، وإن كان بحره من نهر نيلهم أجرى.
فأولهم مثل الأديب الفاضل، والبطل المغوار في هذا الفن الكامل، صاحب الكمال والسيادة والسداد، كاتب ديوان الإنشاء في بغداد. ومثل شيخ هذا الفن والأديب السامي، الشيخ محمد القائل صانع برود هذا الفن غلامي. وأمثالهما من الأدباء؛ الفاضلين الكاملين النجباء.
أسيم لدر الروض قيما ولم أكن
…
بأهل له حتى يقال فلان
فقلت فيه مرتجلا، وعلى تقريضه معولا:
دخلت إلى روض المعاني وجدته
…
نضيراً بأنواع البلاغة أينعا
كجنة فردوس زهت بزهورها
…
وفي وسطها خلت الحواري رتعا
وثماره تدنو فطاف بدائع
…
وأغصانه تندو بدر مرصعا
ومنثوره مثل الربيع يرى به
…
جميع ورود عطرها قد تنوعا
وكل رجال فيه أهل بلاغة
…
بديع معانيهم تراه تضوعا
تراهم جميعاً في القرى عند سيد
…
بروض نضير نائلين ترفعا
وكان القرى أطباق در وجوهر
…
بمنثور منظوم اللآلي تقشعا
فيا نعم روض كان تشييد فاضل
…
فمن نظمه المنثور فاح تضوعا
وكل بديع في معاني نظامه
…
وكل نثار في البدائع أودعا
فلم يدن ذو فضل لإنشاء مثله
…
وإن جد طول العمر في ذاك أو سعى
فما شم ذو العقيان نفحة عقده
…
وأما الحريري لو رآه تروعا
ومن قال أني منشئ مثل نظمه
…
مسيلمة أمسى وقال وما وعى
وما ذاك إلا منحة بل ونفحة
…
ومعجز آداب فما فيه مدعى
فليس بكسب ينظم العبد مثله
…
نعم هو وهبي من الحق أودعا
وفتح من الله العلي معمه
…
والهام ذهن بالذكاء تدرعا
فكيف وقد أنشاه نعم سلالة
…
ومن روضة الفاروق نبع ترعرعا
فصيح رجيح لوذعي مكمل
…
تقي نقي ألمعي تورعا
عصامي نفس بل علي شمائل
…
بجد وجد قد سما وترفعا
وإن كان تقريضي على الروض ناضرا
…
فمن شم ذلك العرف نشري تضوعا
ولما ختمت هذا النثر والنظام، وكان هذا التقريض من بعض الالهام، والصفح عن نقائصه من شيم الكرام، ومن سجايا العظام. والسلام.
حررته بالقلم واليراع، وأنا معترف بحسن انسجامه مع الانطباع.
العبد المذنب فتح الله الشريف المتولي سنة 1171 هـ
*** وقد كتب بعض من تملك مخطوطة الكتاب على الورقة الأخيرة منه التشطير التالي:
ومشمولة بالكأس تحسب إنها
…
يواقيت فجر في لجين السحائب
إذا ما تعالاها الحباب تخالها
…
سماء عقيق رصعت بالكواكب
بنت كعبة اللذات في حرم الصفا
…
لتصفى بها الأرواح من كل شائب
وطاف بها الساقي مزمزم كأسها
…
فحج إليها الأنس من كل جانب
***
ومشمولة بالكأس تحسب أنها
…
صفاء من الياقوت يبدو لراغب
تخال إذا ما افتر بالثغر مزجها
…
سماء عقيق رصعت بالكواكب
بنت كعبة اللذات في حرم الصفا
…
وطافت بها الحور الحسان الكواعب (كذا)
ونادي منادى اللطف في حان أنسها
…
فحج إليها الأنس من كل جانب
كما كتب التشطير التالي بخط فارسي جميل:
الأصل لجناب علي أفندي العمري والتشطير للسيد شهاب الموصلي.
رتبة قد حوت فخاراً وعزا
…
وحواها حاوي الدقائق كنزا
حسدتنا مراكز النجم لما
…
ركزت في خيالنا العز ركزا
عز سلطاننا بتوجيه قرم
…
ما جد لا يرام مغنى ومغزى
من لدنه بلا تدل ترقى
…
لمقام قد جل فيه وعزا
ولسان الأفراح بالحمد نادى
…
أحمدي الجنان قد فاز فوزا
بترقيك معلنا لمحبي
…
ك بنطق ما ان ترى فيه همزا
أنت فرع الخطاب كم لك منه
…
كلما طاب بالخطاب مهزا
أنت ذو عروة بفرقان مجد
…
نسبة للفاروق تنمى وتعزى
هذه البرد من مكارم حيكت
…
لا تخلها من صنع صنعاء طرزا
منسج قد يبز كل محوك
…
لا الذي حكت منه خزاً وبزا
صافنات السرور تعدو نشاطاً
…
وانبساطاً منه المكابر فزا
ولطرد الأتراح من كل فج
…
تحت نقع الأفراح يحجزن حجزا
نحر الله للعداة نحورا
…
عاطلات عما تحليت عزا
قاطعاً مهجة المساكين منهم
…
بسكاكين تقطع القلب حزا
قد قطعنا من اللئام وتينا
…
لا متينا وقطعه كان وفزا
ولكم لحية بمحكم نص
…
ونواص جززن بالبيض جزا
كأس أفراحنا لدى الضد مر
…
منه ذاق العذاب من ذاق رجزا
ذاك كأس لدى المحبين حلو
…
ولدينا نراه حلواً ومزا
أنا جزء من كل فضلك لوحان
…
اغتراب فعنك بالكل أجزا
وكلانا يأبى التجزؤ إذ طا
…
ل اغتراب فالجزء لا يتجزا
كان ذلك 1301
***
ترجمة صبغة الله الحيدري ترجم له في الروض النضر ج 3 ص 21 وترجمة في مجلة لغة العرب المجلد 3 ص 635 وتاريخ الادب العربي للعزاوي ج 2 - 129 - 130 وتاريخ علم الفلك في العراق ص 262 والاعلام للزركلي 3 - 286 - 287
العلامة الشيخ صبغة الله بن ابراهيم بن حيدر بن احمد بن حيدر بن محمد بن حيدر بير الدين.
ولد في قرية ماوران من اعمال اربيل سنة 1107 هـ وقدم بغداد في صباه. ايام الوزير احمد باشا ابن الوزير حسن باشا. واخذ عن شيوخها وفضلائها حتى برع في العلوم والآداب والفنون. وكان من مشاهير علماء العراق وتقلد الافتاء وله دراية في علوم الهيئة.
وقد اخذ عنه كثير من العلماء واهل الفضل. منهم الشيخ امين العمري والشيخ موسى الحدادي الموصلي والملا جرجيس الاربلي والملا احمد الجميلي وخير الدين العمري وغيرهم.
وله حواش جليلة منها.
1 -
حاشية على حاشية عصام على شرح الكافية للجامي.
2 -
حاشية على البيضاوي.
3 -
حاشية على كتاب المحاكمات لجده احمد بن حيدر.
4 -
حواش على الكتب الحكمية الصعبة المآخذ.
وتوفي ببغداد في الطاعون سنة 1187 هـ
ترجمة عبد الله باشا الجتجي ترجم بالروض النضر ج 3 ص 187 ترجمته كذلك في سلك الدرر ج 3 ص 81 خلاصتها: عبد الله باشا بن ابراهيم الشهير بالجتجي الحسيني الجرمكي.
ولد في جرمك من اعمال ديار بكر سنة 1115 هـ، حصل علوم وقته، وبرع بحسن الخط، تولى منصب طرابلس سنة 1170 ثم حلب سنة 1172 وحصل في ذلك الوقت غلاء عظيم، فعزل عن حلب وولي دمشق وحج سنتين وعزل من دمشق بسبب عزله شريف مكة الشريف مساعد بن سعيد وتولية الشريف جعفر بن سعيد مكانه، فلما قفل الحجيج من مكة عاد الشريف مساعد وازاح اخاه عن الشرافة ووليها وعرض للدولة بذلك فكان ذلك اقوى سبب في عزله، وولي ديار بكر فدخلها وهو متوعك المزاج الى ان توفي بها سنة 1174 هـ. وحصل بدمشق وغيرها سنة 1173 زلازل متكررة وتهدمت مبان كثيرة منها الرواق الشمالي من مسجد بني امية بدمشق وقبته العظمى والمنارة الشرقية واعقب ذلك طاعون شديد، فتم تعمير غالب مساجدها من وصايا الاموات وعمر جامع دمشق والقلعة والتكية السليمانية باموال الدولة.
وفي اول سنة من امرته قضى على طائفة حرب وافرد تلك الواقعة السيد جعفر البرزنجي بكتاب سماه النفح الفرجي في الفتح الجتجي.
(سلك الدرر ج 3 ص 81 و 82)(وفي كتاب تذكرة شعراء آمد لعلي اميري ترجمة له) وفي بحث علي اميري في كتابه تذكرة شعراء آمد اشارة الى حرب المترجم مع نادر شاه عند بحثه عن الحاج حسين باشا الجليلي (انظر ترجمة ذلك في منهل الاولياء ج 1 ص 320)
ومما ورد عنه في الدر المكنون ص 597 مخطوط
وفيها (سنة 1160) ولي مدينة ارزروم الوزير عبد الله باشا الجيتجي فارسل اهل البلد يخبرونه ان السراي خراب لا يمكن تعميره بالشتاء، فارسل اليهم ننزل في البيوت، وجعل يكتب كل أمير في بيت وكان في ارزروم بيت يعرف ببيت قره جهنم وكان من مصاحبي الوزير المذكور احمد افندي كفري زاده فكتب له في ورقة «وسيق الذين كفروا الى جهنم» ففطن وقال محلي في بيت قره جهنم.
وكان قد رتب فهرسا لآيات القرآن الكريم انجزه سنة 1164 سماه انهار الجنان من ينابيع القرآن نسخة منه في الموصل (مخطوطات الموصل ص 43 وفهرس مخطوطات مكتبة الاوقاف العامة بالموصل ج 2 ص 18)