الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[عين] الوجهين. فإنه يريد الوجهين المتقدمين من الطول والتوسط بدليل قوله: والطول فضلا، ولو أراد القصر لقال: والقصر فضلا، ومقتضى كلام الشاطبي عدم القصر في سكون الوقف، فكذلك سكون الإدغام الكبير عنده أنه لا فرق بينهما.
القسم الثاني من سببي المد: السبب المعنوي
وهو قصد المبالغة في النفي، وهو عند العرب سبب قوي مقصود، لكنه ضعف عن اللفظي عند علماء هذا الفن، ومنه المد للتعظيم، وبه قال بعضهم لأصحاب قصر المنفصل فيما نص عليه الطبري، وابن مهران، والهذلي، ومنه مد نحو:{لا إله إلا الله} [محمد: 1] يسمى مد التعظيم ومد المبالغة؛ لأنه طلب للمبالغة في نفي الألوهية عن سوى الله تعالى، ولذا استحب بعض المحققين مد الصوت بـ {لا إله إلا الله} لما في ذلك من التدبر.
وفي مسند الفردوس- وذكره في "النشر" من غير عزو، وضعفه- عن ابن عمر مرفوعا:"من قال: لا إله إلا الله، ومد بها صوته أسكنه الله دار الجلال، دارا سمى بها نفسه، فقال: ذو الجلال والإكرام، ورزقه النظر إلى وجهه".
قلت: أخرج ابن النجار عن أنس- رضي الله تعالى عنه- عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من قال: لا إله إلا الله، ومدها هدمت له أربعة آلاف ذنب من البكائر".
وأخرج الديلمي في الفردوس عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: "من قال: لا إله إلا الله، و [مدها] هدمت له أربعة آلاف ذنب من البكائر". انتهى.
وهو مروي عن حمزة في {لا ريب فيه} [البقرة: 2]، {لا شية} [البقرة: 71]، {لا مرد له} [الروم: 43]، {لا جرم} [هود: 22] كما نص عليه صاحب "المستنير" و"المبهج" من رواية خلف عنه، وبه قرأ الخزاعي أداء من طريق خلف وخلاد عن حمزة. والحكمة فيه المبالغة في النفي، لكنه لا يبلغ به الإشباع؛ بل يقتصر فيه على الوسط لضعف سببه عن سبب الهمزة فهذا ما جرى به القلم من ذكر حكم المد في حروفه حسبما لخصته كغيره من "النشر" وغيره.
وأما [حرفي] اللين الياء والواو الساكنين المفتوح ما قبلهما فألحقوهما بحروف المد وأجروهما مجراها، وإن كان دونها/ في المرتبة لقربهما منه؛ لأن فيهما شيئا من الخفاء وشيئا من المد وإن كانا أنقص في الرتبة مما في حروف المد، وإنما يسوغ زيادة المد فيهما بسببية الهمزة وقوة اتصاله بهما في كلمة وقوة سببه السكون، فإذا لقي حرف اللين
همزة متصلة بكلمة واحدة كـ {شيء} [البقرة: 20] كيف وقع، و {كهيئة} [آل عمران: 49]، و {سوءة} [المائدة: 31]، و {السوء} [النساء: 17]، ففيه وجهان عن ورش من طريق الأزرق:
أولهما: إشباع المد وصلا [ووقفا إجراء لها مجرى حروف المد، وإليه ذهب المهدوي]، واختاره الحصري حيث قال:
وفي مد عين ثم شيء وسوءة خلاف جرى بين الأئمة في [مصر]
فقال أناس: مده متوسط وقال أناس: مفرط وبه أقري
وهو أحد وجهي الحرز
الثاني: التوسط مراعاة لجانبي اللفظ، وبه قرأ الداني على ابن خاقان وأبي الفتح فارس، وهو الثاني في "الشاطبية"، وهو مراده بالقصر في قوله:
بطول وقصر وصل ورش ووقفه ..........
علم ذلك من قوله: بعد سقوط المد، ويصدق عليه القصر بالنسبة إلى الإشباع.
وخرج بقيد الاتصال إذا انفصلا، نحو:{خلوا إلى} [البقرة: 14]، {ابنئ ءادم} [المائدة: 27]، فالإجماع على ترك الزيادة، ولم يفرقوا بينه وبين ما لا همز بعده نحو:{هونا} [الفرقان: 63]، و {عينا} [البقرة: 60].
ثم إن كل من روى الإشباع في اللين استثنى مد كلمتين {مويلا} في (الكهف)[الكهف: 58]، {وإذا الموءدة} [التكوير: 8] (بالتكوير)، فلم يزد أحد فيهما تمكينا على ما فيهما من المد لعروض سكونهما؛ لأنهما من (وال) و (وأد)، ليعادل {ميلا} {موعدا} [الكهف: 48]، ولئلا يجمع بين مدتي الموؤودة، قاله الجعبري.
واختلف في واو {عنهما من سوءاتهما} [الأعراف: 20]، و {بدت لهما سوءاتهما} [الأعراف: 22]، {ليريهما سوءاتهما} [الأعراف: 27]، {يواري سوءاتكم} [الأعراف: 26] بالأعراف، فلم [يستثنها] الداني في شيء من كتبه، واستثناها صاحب "الهداية"، و"التبصرة"، و"الكافي"، و"الهادي" وفاقا للجمهور، وحكى الخلاف فيها ناظم "التيسير".
وقال الجعبري: سوآت جمع سوءة، وفعله الاسم إذا [جمعت] بالألف و [التاء] فتحت عينها كتمرة وتمرات، فرقا بينه وبين الصفة كصعبة وصعبات، ثم خصوا من الاسم المضاعف فسكنوه كسلة وسلات،
محافظة على الإدغام، وسكنوا الأجوف- أيضا- كجوزة وبيضات محافظة على ذات عينه، وفتحت هذيل عين المعتل على الأصل وصححوها محافظة على صيغة الجمع .. فوجه مد الواو جريه على القاعدة باعتبار اللفظ، ووجه قصرها تقدير الحركة الأصلية التي ظهرت في هذين، ووقع للجعبري حكاية ثلاثة أوجه في الواو: المد، والتوسط، والقصر، تضرب في ثلاث الهمزة فتبلغ تسعة.
وتعقبه في "النشر" بأنه لم يجد أحدا روى إشباع اللين إلا وهو يستثني {سوءاتهما} . قال: فعلى هذا يكون الخلاف دائرا بين التوسط والقصر، قال: وأيضا، كل من وسطها مذهبه في الهمز [المتقدم التوسط، فعلى هذا لا يكون فيهما إلا أربعة أوجه، توسط الواو مع الهمز، أي مع توسط الهمز]، وهو طريق الداني والأهوازي، وثلاثة في الهمز مع قصر الواو، ونظمها في بيت وهو:
وسوات قصر الواو والهمز ثلثا ووسطهما فالكل أربعة فادر
وخص ابن غلبون صاحب "العنوان"، وابن بليمة في {شيء} [البقرة: 20] فقط مرفوعا أو منصوبا، أو مخفوضا.
وذهب بعضهم إلى أنه السكت دون المد، وبه قرأ الداني على ابن غلبون، وبالوجهين السكت والمد قرأ صاحب "الكافي".
لكن المراد بالمد عند من رواه من هؤلاء التوسط، قال: وبه قرأت من طريق من روى المد ولم يروه عنه إلا من روى السكت في غيره.
وأما السكون: وهو إما لازم/ أو عارض، وكل منهما إما مشدد أو غير مشدد.
فاللازم المشدد في [حرفين]: {هتين} [القصص: 27] في (القصص)، و {الذين} / [فصلت: 29] في (فصلت)، في قراءة ابن كثير بتشديد النون.
واللازم غير المشدد حرف واحد، وهو "عين" أول (مريم) و (الشورى).
والعرض المشدد: نحو: {الليل لباسا} {النبأ: 10]، {كيف فعل} [الفجر: 6]، {الليل رءا} [الأنعام: 76]، {بالخير لقضى} [يونس: 11] في قراءة الإدغام لأبي عمرو.
والعارض غير المشدد: كـ {الميل} {النساء: 129] و {الميت}
[آل عمران: 27]، و {الخوف} [البقرة: 38]، و {الطول} [التوبة: 86] حالة الوقف بالإسكان أو بالإشمام حيث يصح.
فالأول: يجوز لابن كثير فيه ثلاثة أوجه: المد، كـ {الضالين} [الفاتحة: 7] كما هو ظاهر "التيسير"، وبه صرح في "الجامع"، والتوسط، والقصر، لكن الذي نبه عليه سائر المؤلفين القصر، ولم يذكروا الإشباع والتوسط.
وأما الثاني: وهو {عين} أول (مريم) و (الشورى) ففيهما الثلاثة: الإشباع لالتقاء الساكنين، واختاره الشاطبي، وخصه في "الهداية" لورش من طريق الأزرق، والتوسط نظرا لفتح ما قبل الحرف ورعاية الجمع بين الساكنين، وإليه ذهب ابن غلبون، وصاحب "العنوان"، وهو الوجه الثاني في "الشاطبية" كجامع البيان، وهو قياس من روى عن ورش التوسط في (شى) وبابه، وهو الأقيس لغيره والقصر إجراء لها مجرى الحروف الصحيحة، وإليه ذهب أبو العلا الهمداني، وابن سوار.
وأما الثالث: وهو العارض المشدد ففيه الأوجه الثلاثة كما نص عليه ابن القصاع، لكن الجمهور على ما فيه.
وأما الرابع: وهو العارض ففيه لكل القراء الثلاثة أوجه حملا على حروف المد لما ثبت بينهما من المشابهة، إلا أنه يمتنع القصر لورش من طريق الأزرق في متطرف الهمز، نحو:{شيء} [البقرة: 20]، فالإشباع مذهب من يأخذ بالتحقيق وإشباع التمطيط من المصريين وأضرابهم.
والتوسط اختاره الداني، وبه كان يقرئ الشاطبي كما حكاه ابن القصاع عن الكمال الضرير عنه، وهو مذهب أكثر المحققين. والقصر مذهب الحذاق، وحكى أكثرهم الإجماع، [قاله] الداني. [و] عامة أهل الأداء والنحويين لا يرون الإشباع فيهما لزوال معظم المد منهما، وخروجهما من الخفاء إلى حال البيان، وقد حكى الثلاثة في "الشاطبية"، لكن في كلامه التسوية بين المشهور وغيره.
والتحقيق في ذلك: أن الأوجه الثلاثة لا تجوز هنا إلا لمن أشبعوا حروف المد في هذا الباب، وأما [القاصرون] فالقصر لهم هنا [متعين]، والذين [وسطوا] لا يجوز لهم [هنا] إلا التوسط والقصر، سواء اعتد بالعارض أو لم يعتد به، ولا يجوز الإشباع، فكذلك كان الأخذ به في هذا النوع قليلا كما نص عليه في "الطيبة" ولفظه:
...... وفي اللين يقل
…
طول .................
وصرح الجعبري بأنهما دخيلان في المد، وعلل بكونهما عاريين عن المجانسة الناقلة لهما من الحيز المحقق إلى المقدر المصوغ لجريانهما بالساعة.
وقد يحصل لورش في نحو: {شئ} و {سوء} وجهان، المد والتوسط في الوصل، والوقف بالإسكان المجرد مع الإشمام، وبالروم كما قال الشاطبي:
وإن تسكن اليا بين فتح وهمزة
…
بكملة أو واو فوجهان جملا
بطول وقصر وصل ورش ووقفه .....................
ومراده بالقصر التوسط.
فإن قيل: إن علم مراده بالقصر التوسط، أجيب بأنه مفهوم من قوله بعد: وعنهم سقوط المد.
ويصدق عليه القصر بالنسبة إلى الإشباع، ويحصل للباقين فيهما ثلاثة: المد، والتوسط، والقصر في الوقف على الهمز المتطرفة بالإسكان المجرد/ عن الإشمام ومعه القصر فقط، في الوصل والوقف على غير المتطرفة، وعليها بالروم، وذكر هذا الأصل في "التيسير" في (البقرة)، ولم يذكر لورش سوى وجه عبر عنه بالتمكين، وهو ظاهر في التوسط، ومتى {ءآمين البيت} [المائدة: 2]، {وجاءو أباهم} [يوسف: 16]، و {رءآ أيديهم} [هود: 70]، و {السوأى أن} [الروم: 10]، فلا يجوز توسط ولا قصر لورش من طريق الأزرق. ونحو:{السماء} [البقرة: 19]، و {هؤلاء} [البقرة: 31]، ولا يجوز فيه القصر وقفا عن أحد ممن همز. ونحو:{يستهزءون} [الأنعام: 5]، و {خطئين} [يوسف: 97]، و {المئاب} [آل عمران: 140]، ولا يجوز فيه القصر وقفا إلا على مذهب من قصر وصلا. وإذا تغير سبب المد جاز المد والقصر مراعاة للأصل، أو نظرا للفظ سواء كان [السبب] همزا أو سكونا، وسواء كان تغير الهمزة بين بين، أو بالإبدال، أو بالحذف.
والأولى المد فيما بقي التغيير أثره، نحو:{هؤلاء إن كنتم} [البقرة: 31] في رواية قالون والبزي، والقصر فيما ذهب أثره نحو:{هؤلاء إن كنتم} في قراءة أبي عمر، وفي أحد الوجهين لقنبل، وكذا رويس، وابن محيصن، والله أعلم. انتهى منقولا من كتاب القسطلاني في القراءات رحمه الله تعالى.