المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فصل أما أداء الأمانات ففيه نوعان:   ‌ ‌أحدهما: الولايات ، وهو كان سبب نزول - السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية - ط عطاءات العلم - الكتاب

[ابن تيمية]

فهرس الكتاب

- ‌أحدهما: الولايات

- ‌ الولاية لها ركنان: القوة، والأمانة

- ‌فصلاجتماع القوة والأمانة في الناس قليل

- ‌كثيرًا ما يحصل للرجل إحدى القوتين دون الأخرى

- ‌فصلالقسم الثاني من الأمانات(1): الأموال

- ‌هذا القسم يتناول الرُّعاة(7)والرعية

- ‌ليس لولاة الأموال أن يقسموها بحسب أهوائهم

- ‌فصل(1)الأموال السلطانية التي أصلها في الكتاب والسنة ثلاثة أصناف:

- ‌ يجتمع مع الفيء جميع الأموال السلطانية التي لبيت مال المسلمين

- ‌لم يكن للأموال المقبوضة والمقسومة ديوانٌ جامع

- ‌كثيرًا ما يقع الظلم من الولاة والرعية

- ‌الظالم يستحق العقوبة والتعزير

- ‌ التعاون نوعان

- ‌المؤلفة قلوبهم نوعان: كافر، ومسلم

- ‌كثيرًا ما يشتبه الورع الفاسد بالجبن والبخل

- ‌ صلاح البلاد والعباد بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌إذا كان المحاربون الحرامية جماعة

- ‌ المقتتلون على باطل لا تأويل فيه

- ‌ إذا شَهَروا السلاح ولم يقتلوا نفسًا

- ‌ التمثيل في القتل

- ‌لو شَهَر المحاربون السلاح في البنيان

- ‌من آوى محاربًا أو سارقًا

- ‌ الواجب على من استجار به مستجير:

- ‌إذا قُطِعت يده حُسِمت

- ‌ تُقْطَع يده إذا سرق نصابًا

- ‌ الطائفة الممتنعة، لو تركت السنة الراتبة

- ‌ نفقةُ الإنسان على نفسه وأهله مقدَّمة على غيره

- ‌القتل ثلاثة أنواع:

- ‌من قَتَل بعد العفو أو أَخْذ الدِّية

- ‌النوع الثاني:

- ‌النوع(7)الثالث:

- ‌إذا كانت المَظْلَمة في العِرْض مما لا قصاص [فيه]

- ‌ حدُّ(2)القذف

- ‌أولو الأمر صنفان؛ الأمراء والعلماء

- ‌الواجب اتخاذ الإمارة(3)دينًا وقُربة

الفصل: فصل أما أداء الأمانات ففيه نوعان:   ‌ ‌أحدهما: الولايات ، وهو كان سبب نزول

فصل

أما أداء الأمانات ففيه نوعان:

‌أحدهما: الولايات

، وهو كان سبب نزول الآية.

فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما فتح مكة وتسلَّم مفاتيح الكعبة من بني شيبة

(1)

، طلبها منه العباس ليجمع له بين سِقاية الحاج وسِدانة البيت، فأنزل الله هذه الآية، فدفع

(2)

مفاتيح الكعبة إلى بني شيبة

(3)

.

فيجب على وليِّ الأمر أن يولِّي على كل عملٍ من أعمال المسلمين أصلح مَن يجده لذلك العمل. قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من وَلِيَ من أمر المسلمين شيئًا، فولى رجلًا وهو يَجِد مَن هو أصلحُ للمسلمين منه، فقد خانَ اللهَ ورسولَه وخانَ

(4)

المؤمنين» رواه الحاكم في «صحيحه»

(5)

.

(1)

(ز): «بني أبي طلحة» وكذا في الموضع الثاني، وهو صحيح. والذي سلم مفاتيح الكعبة للنبي صلى الله عليه وسلم ثم ردَّها إليه هو عثمان بن طلحة بن أبي طلحة العبدري، ومن ولده: شيبة، والنسبة إلى الشيبي، ومعهم مفاتيح الكعبة إلى يومنا هذا. انظر «تفسير الطبري»:(7/ 171)، و «جمهرة الأنساب» (ص 127) لابن حزم، و «الإصابة»:(4/ 450 - 451).

(2)

(ظ): «فأعاد» .

(3)

أخرجه ابن جرير: (7/ 171)، وابن المنذر في «تفسيره»:(2/ 762) عن ابن جريج، وأخرجه ابن مردويه ــ كما في «الدر المنثور»:(2/ 312) عن ابن عباس.

(4)

«وخان» من الأصل.

(5)

«المستدرك» : (4/ 92 - 93)، وأخرجه ابن أبي عاصم في «السنة» (1462)، وابن عدي في «الكامل»:(2/ 352)، والعقيلي في «الضعفاء»:(1/ 247) من طريق حسين بن قيس الرحبي عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما.

قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وتعقبه الذهبي بأن حسين بن قيس ضعيف. وقال العقيلي في ترجمة الرحبي: وله غير حديث لا يتابع عليه ولا يعرف إلا به. وقال: إن هذا الحديث يُرْوى من كلام عمر بن الخطاب.

ورواه البيهقي: (10/ 115)، والطبراني في «الكبير» (11216)، وأبو نعيم في «فضيلة العادلين» (ص 107)، والخطيب في «تاريخه»:(6/ 76) من طرقٍ أخرى عن ابن عباس، وكلها ضعيفة. انظر «نصب الراية»:(4/ 62)، و «السلسلة الضعيفة» (4545).

ص: 6

وفي رواية

(1)

: «من قلَّدَ رجلًا عملًا على عصابة وهو يجد في تلك العصابة أرضى منه فقد خان الله ورسوله وخان المؤمنين» .

وروى بعضهم

(2)

أنه من قول عمر لابن عمر، روى ذلك عنه

(3)

.

وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: من وَلي من أمر المسلمين شيئًا فولَّى رجلًا لمودة أو قرابة بينهما، فقد خان الله ورسوله والمسلمين.

وهذا واجبٌ عليه، فيجب عليه البحث عن المستحقين للولايات من نُوَّابه على الأمصار، من الأمراء الذين هم نُوَّاب ذي السلطنة

(4)

، والقضاة ونحوهم، ومن

(5)

أمراء الأجناد ومُقدَّمي العساكر الكبار والصغار، وولاة الأموال؛ من الوزراء والكتاب والشادِّين

(6)

والسُّعاة على الخراج

(1)

لم أجد هذا اللفظ.

(2)

ذكره العقيلي (1/ 247) بدون إسناد.

(3)

هذه الفقرة سقطت من (ف، ظ). وفي (ي): «لأن ابن عمر» .

(4)

بقية النسخ: «السلطان» .

(5)

الأصل: «من» .

(6)

شادّ، مفرد جمعه مشدِّية، من الشد بمعنى الضبط والتفتيش. والشادُّ موظَّف من العَصْرَيْن الأيوبي والمملوكي، كانت الدولة تعهد إليه القيام ببعض الأعمال التي يضاف اسمها إلى هذا اللقب، فيقال: شادّ الحوش للمسؤول عن إصلاح حوش القلعة ونحوه، وشادّ الخاص للذي كان إليه النظر في استخلاص المال وما يحتاجه السلطان، وشاد الزردخاناه وهو المسؤول عن آلات الحرب بأنواعها، وهو المسؤول أمام السلطان عن العاملين في مجال صناعة الأسلحة. ومنهم شادُّ الأوقاف، وشادُّ الزكاة، وغيرهم. انظر «معجم المصطلحات والألقاب التاريخية» (ص 265) للخطيب، و «المعجم الكبير»:(2/ 40) و (5/ 379، 382) لأحمد تيمور باشا.

ص: 7

والصدقات، وغير ذلك من الأموال التي للمسلمين.

وعلى كل واحد من هؤلاء أن يستنيب ويستعمل أصلح مَن يجده، وينتهي ذلك إلى أئمة الصلاة، والمؤذنين، والمقرئين، والمعلمين، وأمراء الحاج، والبُرُد، والعيون ــ الذين هم القصاد ــ وخُزَّان الأموال، وحُرَّاس الحصون، والحدادين ــ الذين هم البوابون على الحصون والمدائن ــ ونُقباء العساكر [أ/ق 3] الكبار والصغار، وعُرَفاء القبائل والأسواق، ورؤساء القرى ــ الذين هم الدهاقين ــ.

فيجب على كل مَن ولي شيئًا من أمر المسلمين، من هؤلاء وغيرهم أن يستعمل فيما تحت يده في كل موضع أصلح مَن يقدر عليه، ولا يقدم الرجل لكونه طلبَ الولاية

(1)

، أو سبق في الطلب، بل ذلك سبب المنع. فإن في «الصحيحين»

(2)

عن النبي صلى الله عليه وسلم: أن قومًا دخلوا عليه فسألوه ولاية، فقال:«إنَّا لا نوليِّ أمرنا هذا مَن طلبه» .

(1)

ليست في (ف، ظ، ي).

(2)

أخرجه البخاري (2261)، ومسلم (1824) من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.

ص: 8

وقال لعبد الرحمن بن سَمُرَة: «يا عبد الرحمن، لا تسأل الإمارة، فإنك إن أُعْطِيتها من غير مسألة أُعِنْتَ عليها، وإن أعطيتها عن مسألة وُكِلْتَ إليها» أخرجاه في «الصحيحين»

(1)

.

وقال صلى الله عليه وسلم: «مَن طلبَ القضاءَ واستعانَ عليه وُكِلَ إليه، ومَن لم يطلب القضاءَ ولم يستعِنْ عليه، أنزل الله إليه ملَكًا يُسَدِّدُه» رواه أهل السنن

(2)

.

فإن عَدَل عن الأحقِّ الأصلح إلى غيره، لأجل قرابة بينهما أو ولاء عتاقة، أو صداقة، أو موافقة في بلد أو مذهب أو طريقة أو جنس، كالعربية والفارسية والتركية والرومية، أو لرشوة يأخذها منه من مال أو منفعة أو غير

(1)

أخرجه البخاري (6622)، ومسلم (1652) من حديث عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه.

(2)

أخرجه أحمد (13302، 12184)، وأبو داود (3587)، والترمذي (1323)، وابن ماجه (2309)، والحاكم:(4/ 92)، والبيهقي:(10/ 100)، والضياء في «المختارة» (1581، 1580) من حديث إسرائيل عن عبد الأعلى بن عامر الثعلبي عن بلال بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري عن أنس رضي الله عنه به. وصححه الحاكم. لكن عبد الأعلى ضعيف.

وأخرجه الترمذي (1324)، والبيهقي:(10/ 100) من حديث أبي عوانة عن عبد الأعلى بن عامر عن بلال بن مرداس عن خيثمة عن أنس به. وهذا الطريق فيه ــ إضافة إلى عبد الأعلى ــ بلال بن مرداس مجهول، وخيثمة قال فيه ابن معين: ليس بشيء.

وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب، وهو أصح من حديث إسرائيل عن عبد الأعلى. وتعجب ابن القطان من كلام الترمذي وقال: إن إسرائيل أحد الحفاظ، ولولا ضعف عبد الأعلى، كان هذا الطريق خيرًا من طريق أبي عوانة الذي فيه خيثمة وبلال بن مرداس. اهـ من «بيان الوهم والإيهام»:(3/ 547 - 548).

ص: 9

ذلك من الأسباب، أو لِضِغَنٍ في قلبه على الأحق، أو عداوة بينهما= فقد خان الله ورسوله والمؤمنين، ودخل فيما نُهي عنه في قوله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} ثم قال: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} [الأنفال: 27 - 28].

فإن الرجل لحبه لولده أو لعتيقه، قد يؤثره في بعض الولايات، أو يعطيه ما لا يستحقه، فيكون قد خان أمانته، وكذلك قد يؤثر زيادةَ ماله أو حفظه

(1)

بأخذ ما لا يستحقه، أو محاباة من يداهنه في بعض الولايات، فيكون قد خان الله والرسول وأمانته

(2)

.

ثم إن المؤدي للأمانة ــ مع مخالفة هواه ــ يُثيبُه

(3)

الله فيحفظه في أهله وماله بعده. والمطيع لهواه يعاقبه الله بنقيض قصده فيُذِلُّ أهلَه ويُذهِب مالَه.

وفي ذلك الحكاية المشهورة: أن بعض خلفاء بني العباس سأل بعض العلماء أن يحدثه عن بعض ما أدرك، فقال: أدركت عمر بن عبد العزيز وقد قيل له: يا أمير المؤمنين أفرغت

(4)

أفواه بنيك من هذا المال، وتركتهم فقراء لا شيء لهم

(5)

ــ وكان في مرض موته ــ فقال: أدخلوهم عليَّ، فأدخلوهم ــ

(1)

في بعض النسخ: «يورث زيادة

»، و (ي):«زيادة حفظه أو ماله» . وفي المطبوعة مع شرح العثيمين: «زيادة حظه» ولم يشر إلى مصدر التغيير.

(2)

بقية النسخ: «وخان أمانته» .

(3)

أكثر النسخ: «يثبته» والمثبت من (ظ) وهو المناسب للسياق.

(4)

(ف، ي، ظ، ز): «أفغرت» ، وفي (ل):«أفقرت» .

(5)

سقطت من الأصل.

ص: 10

وهم بضعة عشر ذكرًا

(1)

ليس فيهم بالغ ــ فلما رآهم ذرفت عيناه، ثم قال: يا بني والله ما منعتكم حقًّا هو لكم، ولم أكن بالذي آخذ أموالَ الناس فأدفعها إليكم، وإنما أنتم أحد رجلين: إما صالح فالله يتولَّى الصالحين، وإما غير صالح فلا أخَلِّف له ما يستعين به على معصية الله، قوموا عني

(2)

.

قال: فلقد رأيت بعضَ ولده حَمَل على مئة فرس في سبيل الله. يعني: أعطاها لمن يغزو عليها.

قلت: هذا وقد كان خليفةَ المسلمين من أقصى المشرق ببلاد الترك إلى أقصى المغرب بالأندلس وغيرها، ومن جزيرة قبرص وثغور الشام والعواصم كطرسوس ونحوها إلى أقصى [أ/ق 4] اليمن. وإنما أخذ كل واحد من أولاده من ماله

(3)

شيئًا يسيرًا يقال: أقل من عشرين درهمًا.

قال: وحضرتُ بعض الخلفاء وقد اقتسم تركته بنوه، فأخذ كل واحد منهم ستمئة ألف دينار. ولقد رأيت بعضهم يتكَفَّفُ الناس ــ أي: يسألهم بكفه ــ. وفي هذا الباب من الحكايات

(4)

والوقائع المشاهدة في هذا الزمن، والمسموعة عما قبله، ما فيه عبرة

(5)

لكل ذي لب.

(1)

(ي): «رجلًا ذكرًا» .

(2)

أخرجه القصة بنحوها البسوي في «المعرفة والتاريخ» : (1/ 147، 137)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق»:(25/ 272، 45/ 252)، وابن الجوزي في «سيرة عمر بن عبد العزيز» (ص 320)، وأخرجها ابن سعد:(7/ 393) مختصرة.

(3)

(ف، ي، ظ، ز): «تَرِكَته» ، وسقطت من (ل، ب).

(4)

ليست في الأصل.

(5)

(ف، ي): «عبر» .

ص: 11

وقد دلَّت سنةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن الولاية أمانة يجب أداؤها في مواضع: مثل ما تقدم، ومثل قوله لأبي ذر رضي الله عنه في الإمارة التي هي الولاية

(1)

: «إنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة، إلا من أخذها بحقها، وأدَّى الذي عليه فيها» رواه مسلم

(2)

.

وروى البخاري في «صحيحه»

(3)

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا ضُيِّعت الأمانة فانتظر الساعة» قيل: يا رسول الله وما إضاعتها؟ قال: «إذا وُسِّدَ الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة»

(4)

.

وقد أجمع المسلمون على معنى هذا، فإنَّ وصيَّ اليتيم، وناظر الوقف، ووكيل الرجل في ماله، عليه أن يتصرف له بالأصلح فالأصلح، كما قال الله:{وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الإسراء: 34]، ولم يقل: إلا

(5)

بالتي هي حسنة.

(1)

«التي هي الولاية» من الأصل.

(2)

(1825).

قال الشيخ ابن عثيمين في «شرحه» (ص 32) تعليقًا على الحديث: (فلابد من أمرين ــ أي لجواز تولي الولايات ــ أمر سابق وأمر مقارن، الأمر السابق: هو أن يأخذها بحقها بحيث يكون أهلًا لها. والثاني المقارن: أن يؤدِّي ما أوجب الله عليه فيها، فمن لم يكن أهلًا فإنه لا يحل له أن يتولَّاها حتى لو عُرِضت عليه، ومن كان أهلًا ولكن خاف أن لا يعدل فإنه أيضًا لا يجوز له أن يتولاها؛ لأن الله تعالى قال في العدل بين النساء ــ وهو دون ذلك ــ:{فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً} [النساء: 3]

فكيف بالولاية؟!).

(3)

(59).

(4)

هذا الحديث سقط من (ي).

(5)

ليست في (ظ).

ص: 12

وذلك لأن

(1)

الوالي راعٍ على الناس، بمنزلة راعي الغنم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:«كلكم راعٍ وكلُّكم مسؤولٌ عن رعيته، فالإمام الذي على الناس راع وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسؤولة عن رعيتها، والولد راع في مال أبيه وهو مسؤول عن رعيته، والعبد راع في مال سيده وهو مسؤول عن رعيته، ألا فكلّكم راع وكلّكم مسؤول عن رعيته»

(2)

. أخرجاه في «الصحيحين»

(3)

.

وقال صلى الله عليه وسلم: «ما مِن راعٍ يسترعيه الله رعيةً يموتُ يومَ يموتُ وهو غاشٌّ لها إلا حرّم الله عليه رائحةَ الجنّة» رواه مسلم

(4)

.

ودخل أبو مسلم الخولاني على معاوية بن أبي سفيان فقال: السلام عليك أيها الأجير، فقالوا: قل: السلام عليك أيها الأمير. فقال: السلام عليك أيها الأجير. فقالوا: قل: السلام عليك أيها الأمير. فقال: السلام عليك أيها الأجير، فقالوا: قل: أيها الأمير

(5)

. فقال معاوية: دعوا أبا مسلم فإنه أعلم بما يقول. فقال: إنما أنت أجير استأجرك ربُّ هذه الغنم لرعايتها، فإن أنت هَنَأْتَ جرباها، وداويتَ مرضاها، وحبست أُولاها على أُخراها وفَّاك سيدُها أجرَك، وإن أنت لم تَهْنَأ جرباها، ولم تداو مرضاها، ولم تحبس أولاها على

(1)

(ي): «أن» .

(2)

«ألا

رعيته» ليست في الأصل و (ي).

(3)

البخاري (893)، ومسلم (1829) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.

(4)

رقم (142)، وأخرجه البخاري (7150) من حديث معقل بن يسار رضي الله عنه.

(5)

في النسخ خلاف في عدد المرات التي رُدَّ فيها على أبي مسلم، والمثبت من الأصل.

ص: 13

أخراها عاقبك سَيِّدُها

(1)

.

وهذا ظاهر الاعتبار، فإن الخلقَ عبادُ الله، والولاة نُوَّاب الله على عباده، وهم وكلاء العباد على نفوسهم، بمنزلة أحد الشريكين مع الآخر، ففيهم معنى الولاية والوكالة.

ثم الوليّ

(2)

والوكيل متى استناب في أموره رجلًا وترك مَن هو أصلح

(3)

(1)

أخرج القصة أبو نعيم في «الحلية» : (2/ 125)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق»:(27/ 223)، (67/ 218) وقال: هذه الحكاية محفوظة عن أبي مسلم الخولاني.

قوله: «هنأت جرباها» الهناء هو القطران، يقال: هنأت البعير إذا طليته لعلاجه بالقطران. انظر «النهاية في غريب الحديث» : (5/ 276).

وقوله: «حبست أولاها على أخراها» أي: تمنع عِلْيَة القوم أن يتقدموا على مَن دونهم، بل تجعلهم سواسية لا يتقدم أحد على أحد.

علق الشيخ العثيمين على القصة في «شرحه» (ص 36) بما حاصله: (هذا الكلام العجيب يدل على أمرين:

الأول: جرْأة السلف على مجابهة الملوك والخلفاء، ومَن دونهم من باب أولى، وهي جُرْأة بصراحة وأمامهم ليست جرأة من وراء الجدران.

الثاني: حِلْم الخلفاء السابقين، وعلمهم بأنهم كما يقال لهم، فهو يقول: هو أعلم بما يقول. وهذا إقرار من معاوية على ما قاله أبو مسلم الخولاني

فأبو مسلم جريء، ولا يعد هذا جفاء منه على الولاة إذ الولاة في وقتهم يتحمَّلون مثل هذا، ولا يرون في هذا مصلحةً لهم، حيث يقول لهم الناصح أمام الناس مثل هذا الكلام وهم صابرون وموافقون عليه

) اهـ بتصرف.

(2)

(ف): «الوالي» .

(3)

(ي، ظ): «أصلح منه» .

ص: 14

للتجارة أو العقار منه، أو باع السلعة بثمن، وهو يجد من يشتريها بخير

(1)

من ذلك الثمن، فقد خان صاحبه، لاسيما إن كان بينه وبين مَن حاباه مودة أو قربة، فإن صاحبه يبغضه ويذمّه، ويرى أنه قد خانه وداهن قريبَه

(2)

[أ/ق 5] أو صديقَه.

فصل

إذا عُرِفَ هذا فليس عليه أن يستعمل إلا أصلح الموجود، وقد لا يكون في موجوده مَن هو أصلح

(3)

لتلك الولاية، فيختار الأمثل فالأمثل في كل منصبٍ بحسبه. وإذا فعل ذلك بعد الاجتهاد التام، وأخْذِه للولاية بحقها، فقد أدى الأمانة، وقام بالواجب في هذا، وصار في هذه المواضع من أئمة العدل والمقسطين

(4)

عند الله.

وإن اختلَّت بعضُ الأمور بسبب من غيره إذا لم يمكن إلا ذلك، فإن الله سبحانه وتعالى يقول:{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16]، وقال عز وجل:{لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286]، وقال جل جلاله في الجهاد:{فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: 84]، وقال عز وجل:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة: 105].

فمن أدى الواجبَ المقدورَ عليه فقد اهتدى، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا

(1)

(ظ): «بأكثر» .

(2)

(ظ): «قرابته» .

(3)

(ف، ي، ظ، ز): «صالح» .

(4)

(ف): «في هذا الموضع» ، و (ي، ز): «المقسطين» .

ص: 15