الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
«السنن» . قال الترمذي: حديث حسن صحيح
(1)
.
ف
من قَتَل بعد العفو أو أَخْذ الدِّية
، فهو أعظم جُرمًا ممن قَتَل ابتداء، حتى قال بعض العلماء: إنه يجب قتله حدًّا، ولا يكون امره إلى أولياء المقتول، قال الله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (178) وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 178 - 179].
قال العلماء: إن أولياء المقتول تغلي قلوبهم بالغيظ، حتى يُؤثروا أن يقتلوا القاتل وأولياءه، وربما لم يرضوا بقتل القاتل، بل يقتلون كثيرًا
(2)
من أصحاب القاتل، كسيد القبيلة، ومُقَدَّم الطائفة، فيكون القاتل قد اعتدى في الابتداء، ويتعدَّى
(3)
هؤلاء في الاستيفاء، كما كان يفعله أهل الجاهلية، وكما يفعله أهل الجاهلية
(4)
الخارجون عن الشريعة في هذه الأوقات، من الأعراب والحاضرة وغيرهم.
وقد يستعظمون قتل القاتل لكونه عظيمًا أشرف من المقتول، فيفضي ذلك إلى أن
(5)
أولياء المقتول يقتلون من قدروا عليه من أولياء القاتل، وربما
(1)
لم أجد قول الترمذي. وهو إنما ذكره في «الجامع» بعد (1406)(ق/102 - نسخة الكروخي) بدون إسناد ببعض لفظه، ولم يتكلم عليه بشيء.
(2)
(ي): «كبيرًا» .
(3)
(ي، ظ، ب): «ويعتدي» ، (ف، ل): «وتعدى» .
(4)
«وكما يفعله أهل الجاهلية» سقط من (ي، ز، ظ، ب، ط).
(5)
«أن» من بقية النسخ، و «إلى» ليست في (ي).
حالف هؤلاء قومًا واستعانوا بهم وهؤلاء قومًا، فيُفْضِي إلى الفتن والعداوات العظيمة.
وسبب ذلك: خروجُهم عن سَنَنِ العدل الذي هو القصاص في القتلى، فكتب الله علينا القصاص ــ وهو المساواة والمعادلة
(1)
ــ وأخبر أن فيه حياةً بحقن دم غير القاتل من أولياء الرجلين.
وأيضًا: فإذا عَلِم من يريد القتلَ أنه يُقتل كفَّ عن القتل، وقد رُوي عن علي بن أبي طالب وعبد الله بن عمرو
(2)
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «المؤمنون تتكافأ دماؤهم
(3)
، وهم يدٌ على من سواهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، ألا يُقتَل مسلم بكافر ولا ذو عهدٍ في عهده»
(4)
رواه أحمد وأبو داود وغيرهما من أهل السنن.
فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن المسلمين تتكافأ دماؤهم ــ أي تتساوى وتتعادل ــ ولا يُفَضَّل عربيٌّ على عجميّ، ولا قرشيّ أو هاشميّ على غيره من المسلمين، ولا حرٌّ أصليّ على مولًى عتيق، ولا عالم أو أمير على أميٍّ أو مأمور
(5)
، كما قضى أنهم يتساوون في الأموال في مثل المواريث، فإن البنين يتساوون في إرثهم من أُمِّهم وإن تفاضلوا في الدين والدنيا.
(1)
(ي، ل) زيادة: «في القتل» ، (ز، ظ، ب): «في القتلى» .
(2)
في بقية النسخ: «وعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده» . ووقع في الأصل: «عمر» .
(3)
(ظ، ب): «وأموالهم» .
(4)
تقدم تخريجه (ص 101).
(5)
(ي) سقطت: «على أمي» ، وسقطت جملة: «من المسلمين
…
» إلى هنا من (ب).
وهذا الذي قضاه رسول الله صلى الله عليه وسلم من العدل بين المسلمين في النفوس والأموال
(1)
متفق عليه بين المسلمين، بخلاف ما عليه أهل الجاهلية وحُكَّام اليهود، فإنه كان بقرب مدينة النبي صلى الله عليه وسلم صنفان من اليهود: قُرَيظة والنَّضير، وكان النضير تُفَضَّل
(2)
على قريظة في الدماء، فتحاكموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، وفي حدِّ الزَّاني، فإنهم كانوا قد غيروه من الرجم إلى التحميم، فقالوا: إن حَكَم بينكم
(3)
بذلك كانت لكم حجة، وإلا فأنتم قد تركتم حكم التوراة، فأنزل الله تعالى:{يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ} إلى قوله: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ [أ/ ق 64] هُمُ الظَّالِمُونَ}
(4)
[المائدة: 41 - 45].
بيَّن سبحانه وتعالى أنه سوَّى بين نفوسهم ولم يفضِّل نفسًا على أخرى كما كانوا يفعلونه. إلى قوله: {فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} إلى قوله: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة: 48 - 50]. فحَكَم الله في دماء
(1)
من قوله: «كما قضى
…
» إلى هنا من الأصل فقط. ولأجل الاختصار الواقع في بقية النسخ عُدّل النص إلى: «وهذا متفق عليه
…
».
(2)
(ز): «تتفضل» .
(3)
(ز، ب): «نبيكم» .
(4)
أخرجه مسلم (1700) من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه.
وفي النسخ اختلاف فيما أثبتته من الآيات وما اختصرته، وهذا سياق الأصل. وكذلك الفقرة التي بعدها.
المسلمين أنها
(1)
سواء، خلاف ما عليه أهل الجاهلية.
وأكثر سبب الأهواء الواقعة بين الناس في البوادي والحواضر إنما هو
(2)
البغي وترك العدل، فإن إحدى الطائفتين تصيب من
(3)
الأخرى دمًا أو مالًا، أو تعلوا عليها بالباطل فلا تنصفها، ولا تقتصر الأخرى على
(4)
استيفاء الحق.
والواجب في كتاب الله تعالى الحكم بين
(5)
الناس في الدماء والأموال وغيرها بالقسط الذي أمر الله تعالى به، ومحو
(6)
ما كان عليه كثير من الناس من حكم الجاهلية. وإذا أصلح مصلحٌ
(7)
بينهم فيصلح بالعدل، كما قال تعالى:{وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الحجرات: 9 - 10].
وينبغي أن يطلب العفو من أولياء المقتول، فإنه أفضل لهم، كما قال تعالى:{وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ} [المائدة: 45].
(1)
بقية النسخ: «أنها كلها» .
(2)
(ف، ز، ب، ل): «هي ــ زاد في (ب): من ــ» .
(3)
(ف): «قد تصيب .. » ، (ف، ي، ز، ب، ل): «بعضها من ــ (ز): في ــ» .
(4)
في الأصل: «ولا تقتضي الأخرى في
…
»، والمثبت من باقي النسخ.
(5)
الأصل: «من» !
(6)
الأصل: «وتجر» !
(7)
الأصل: «يصلح» .
قال أنس: ما رُفِعَ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرٌ فيه القصاص إلا أمر فيه بالعفو. رواه أبو داود وغيره
(1)
.
وروى مسلم في «صحيحه»
(2)
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما نقصت صدقةٌ من مال، وما زاد الله عبدًا بعفوٍ إلا عزًّا، وما تواضع أحدٌ لله إلا رفعَه الله» .
وهذا الذي ذكرناه من التكافؤ هو في المسلم الحر مع المسلم الحر، فأما الذِّمي؛ فجمهور العلماء على أنه ليس بكفْء للمسلم، كما أن المستأمن الذي يقدم من بلاد
(3)
الكفار رسولًا أو تاجرًا ونحو ذلك ليس بكفء له وفاقًا. ومنهم من يقول: بل هو كفء له. وكذلك النزاع في قتل الحر بالعبد.
ولا تعتبر المكافأة في العدد عند جماهير العلماء، بل لو قتلَ عددٌ واحدًا قُتِلوا به، كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لو تمالأ عليه أهل صنعاء لأقَدْتُهم به
(4)
. وكذلك قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه في الذين شهدوا على رجل بالسرقة، فقطعه، ثم رجعوا عن الشهادة، فقال: لو أعلم أنكم
(1)
أخرجه أحمد (13220)، وأبو داود (4497)، والنسائي (4783)، وابن ماجه (2692)، والبيهقي:(8/ 54). وإسناده حسن.
(2)
(2588).
(3)
من بقية النسخ.
(4)
أخرجه مالك في «الموطأ» (2552)، وعبد الرزاق:(9/ 476)، والبيهقي:(8/ 40) وغيرهم عن سعيد بن المسيب عن عمر. وسنده صحيح. وأخرجه البخاري (6896) من طريق نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما.