الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجند الأقوياء الأمناء، إلا أن يتعذَّر ذلك فيرسل الأمثَل فالأمثل.
فإن كان بعض نُوَّاب السلطان أو رؤساء القرى ونحوهم من يأمر الحرامية في الباطن بالأخذ أو الظاهر
(1)
، حتى إذا أخذوا شيئًا قاسمهم ودافع عنهم، وأرضى [أ/ق 37] المأخوذين ببعض أموالهم أو لم يُرْضِهم= فهذا أعظم جُرْمًا من مُقَدَّم الحرامية؛ لأن ذلك يمكن دفعُه بدون ما يُدْفع به هذا.
والواجب أن يقال فيه ما يقال في الرِّدْء والعون لهم، فإن قَتَلوا قُتِل هو على قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأكثر أهل العلم، وإن أخذوا المال قُطِعَت يدُه ورجله، وإن قَتَلوا وأخَذوا المال قُتِل وصُلِب. وهو على قول طائفة من أهل العلم يُقْطع ويُقْتل ويُصْلَب، وقيل: يُخيَّر بين هذين.
[وإن كانوا لم يؤذن لهم لكن لما قدر عليهم قاسمهم الأموال
(2)
وعطل بعض الحقوق والحدود]
(3)
، فهذا ليس بمنزلة الذين أذن لهم ابتداء، وإن كان جُرْمه من أعظم الجرائم، فيعاقب بما دون ذلك
(4)
.
و
من آوى محاربًا أو سارقًا
أو قاتلًا ونحوهم ممن وجب عليه حدٌّ أو حقٌّ لله سبحانه وتعالى أو لآدمي، ومنعه ممن
(5)
يستوفي منه الواجب بلا
(1)
بقية النسخ: «بالأخذ في الباطن أو الظاهر» .
(2)
(ظ): «قاتلهم» ، و (ف، ي) زيادة: «على» .
(3)
ما بين المعكوفين من بقية النسخ، وقوله «الحدود» ليست في ي. وينظر الفتاوى:(28/ 323).
(4)
من قوله: «فهذا ليس بمنزلة» إلى هنا من الأصل فقط.
(5)
(ز): «أن» .
عدوان= فهو شريكه في الجرم
(1)
، ولقد لعنه الله ورسوله، روى مسلم في «صحيحه»
(2)
عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لعنَ الله من أحدَث حدثًا أو آوى محدثًا» .
وإذا ظُفِر بهذا الذي آوى المُحْدِث، فإنه يُطلَب منه إحضاره أو الإعلام به، فإن امتنع عُوقِب بالحبس والضرب مرَّةً بعد مرة حتى يُمَكِّن من ذلك المُحْدِث، كما ذكرنا أنه يُعاقَب الممتنع من أداء المال الواجب
(3)
. فما وجب حضورُه من النفوس والأموال يُعاقب من منعَ حضورَها.
ولو كانَ رجلٌ يعلمُ
(4)
مكان المال المطلوب بحق، أو الرجل المطلوب بحق وهو لم يمنعه، فإنه يجبُ عليه الإعلامُ به، والدلالةُ عليه، ولا يجوز كتمانه، فإن هذا من باب التعاون على البر والتقوى وذلك واجب، بخلاف ما لو كان النفسُ أو المالُ مطوبًا بباطل، فإنه لا يحلُّ الإعلام به؛ ولأنه من
(5)
التعاون على الإثم والعدوان، بل يجب الدفع عنه لأن نصر المظلوم واجب. وفي «الصحيحين»
(6)
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا» قلت: يا رسول الله، أنصره مظلومًا فكيف
(1)
(ي، ظ، ل): «الحرام» واستظهر في هامش (ي) أنها الجرم.
(2)
(1370)، وأخرجه البخاري أيضًا (1870).
(3)
انظر ما سبق (ص 60 - 62، 114).
(4)
بقية النسخ: «يعرف» .
(5)
(ي، ب): «من باب» .
(6)
هو في البخاري (2443)، ولم أجده في مسلم، وقد ذكره الحميدي في «الجمع بين الصحيحين» (2014) في أفراد البخاري.
أنصره ظالمًا؟ قال: «تمنعه من الظلم فذلك نصرك إياه» .
وروى مسلم نحوه عن جابر
(1)
.
وفي «الصحيحين»
(2)
عن البراء بن عازب قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع، ونهانا عن سبع: أمرنا بعيادة المريض، واتباع الجنائز، وتشميت العاطس، وإبرار القَسَم أو المُقْسِم، وإجابة الدعوى، ونصر المظلوم، [وإفشاء السلام]. ونهانا عن خواتيم الذهب، وعن شرب بالفضة، وعن المياثر، وعن لبس الحرير، والقَسِّي، والاستبرق، والديباج.
فإن امتنع هذا العالِمُ به من الإعلام بمكانه جاز عقوبته بالحبس وغيره حتى يخبر به؛ لأنه امتنع من حقٍّ وجَبَ
(3)
عليه لا تدخله النيابة، فعُوقِب كما تقدم، ولا تجوز
(4)
عقوبته على ذلك إلا إذا عُرِف أنه عالم به.
وهذا مُطَّرِدٌ فيما يتولاه الولاة والقضاة وغيرهم في كل من امتنع من
(5)
واجبٍ من قول أو فعل، وليس هذا بمطالبةٍ للرجل بحقٍّ وجب على غيره، ولا عقوبةٍ على خيانةِ
(6)
غيره حتى يدخل في قوله: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164][أ/ق 38]، وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم: «ألا لا يجني جانٍ إلا
(1)
(2584).
(2)
البخاري (1239) ومسلم (2066).
(3)
(ي، ز، ظ، ل): «واجب» .
(4)
(ف): «تجب» .
(5)
(ي): «عن» .
(6)
بقية النسخ: «ولا عقوبته على جناية» .
على نفسه»
(1)
. وإنما ذاك مثل أن يُطْلَب بمالٍ قد وجب على غيره، وهو ليس وكيلًا ولا ضامنًا ولا له عنده مال، أو يُعاقَب بجريرة
(2)
قريبه أو جاره، من غير أن يكون هو قد أذنب لا بترك واجبٍ ولا فعل محرَّم، فهذا الذي لا يحل.
فأما هذا فإنما يُعاقَب على ذنب نفسه، وهو أن يكون قد عَلِم مكان الظالم الذي يُطْلَب حضورُه لاستيفاء الحق، أو يعلم مكان المال الذي قد تعلق به حقوق المستحقين، فيمتنع من الإعانة والنُّصْرَة الواجبة عليه بالكتاب والسنة والإجماع؛ إما محاباةً وحميَّةً لذلك الظالم، كما قد يفعل أهل المعصية بعضهم لبعض
(3)
، وإما مُعاداة وبغضًا للمظلوم، وقد قال الله تعالى:{وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة: 8]. وإما إعراضًا عن القيام لله، والقيام بالقسط الذي أوجبه الله تعالى، أو جُبْنًا وفشلًا وخذلانًا لدينه، كما يفعله التاركون لنصر دين الله ورسوله وكتابه
(4)
، الذين إذا قيل لهم: انفروا في سبيل الله اثَّاقلوا إلى الأرض.
(1)
أخرجه أحمد (16064)، والترمذي (2159)، والنسائي في «الكبرى» (4085)، وابن ماجه (2669)، والبيهقي:(8/ 27)، وغيرهم من حديث عمرو بن الأحوص رضي الله عنه. قال الترمذي: حديث حسن صحيح. وللحديث شواهد من حديث جماعة من الصحابة. انظر «البدر المنير» : (8/ 472 - 474).
(2)
(ف): «أو يعاقب الرجل
…
»، (ز):«بجريمة» .
(3)
(ف): «ببعض» .
(4)
بقية النسخ: «لنصر الله ورسوله ودينه وكتابه» .
وعلى كل تقدير فهذا الصنف
(1)
يستحق العقوبة باتفاق العلماء. ومن لم يسلك هذا السبيل
(2)
عطَّل الحدود، وضَيَّعَ الحقوق، وأكلَ القويُّ الضعيفَ. وهو يشبه من عنده مال الظالم الماطل
(3)
من عين أو دين، وقد امتنع من تسليمه إلى حاكم
(4)
عادل يوفي به دينه، أو يؤدي منه النفقة الواجبة عليه لأهله أو لأقاربه أو مماليكه أو بهائمه.
وكثيرًا ما يجب على الرجل حقٌّ بسبب
(5)
غيره، كما تجبُ عليه النفقة بسبب حاجة قريبة، وكما تجب الدية على عاقلة القاتل. وهذا الضرب من التعزير عقوبة لمن عُلِمَ أن عنده مالًا أو نفسًا يجب إحضارُه وهو لا يُحْضِره؛ كالقُطَّاع والسُّرَّاق وحُماتهم، أو عُلِم أنه خبير به وهو لا يخبر بمكانه.
فأمّا إن امتنع من الإخبار والإحضار؛ لئلا يعتدي
(6)
عليه الطالب أو يظلمه؛ فهذا محسن، وكثيرًا ما يشتبه أحدهما بالآخر، وتجتمع شبهة وشهوة، والواجب تمييز الحق من الباطل.
وهذا يقع كثيرًا في الرؤساء من أهل البادية والحاضرة إذا استجار بهم مستجير
(7)
، أو كان بينهما قرابة أو صداقة، فإنهم يرون الحَمِيَّة الجاهلية،
(1)
بقية النسخ: «الضرب» .
(2)
(ز، ظ): «هذه السبل» .
(3)
(ز، ل): «المماطل» .
(4)
الأصل و (ي): «بحاكم» و (ز): «لحاكم» ، والمثبت من باقي النسخ.
(5)
الأصل: «ليست» ! (ي): «بسبب من» .
(6)
(ي، ظ، ب، ل): «يتعدى» . «والإحضار» ليست في (ف).
(7)
سقطت من (ز، ب): «مجير» .
والعزة بالإثم، والسمعة عند الأوباش= أنهم ينصرونه ويحمونه ــ وإن كان ظالمًا مُبْطلًا ــ على المُحِقِّ المظلوم، لاسيما إن كان المظلوم رئيسًا يناوؤهم ويناوِؤنه
(1)
، فيرون أن في تسليم المستجير
(2)
بهم إلى من يناوؤهم ذلًّا وعجزًا، وهذا ــ على الإطلاق ــ جاهلية محضة، وهي من أكبر أسباب فساد الدين والدنيا، وقد ذُكِر أنه إنما كان سبب حروبٍ من حروب الأعراب؛ كحرب البسوس، التي كانت من
(3)
بني بكر وتغلب إلا نحو هذا، وكذا سبب دخول الترك المغول
(4)
إلى دار الإسلام، واستيلاؤهم على ملوك ما وراء النهر وخراسان= كان سببه نحو هذا.
ومن أذلَّ نفسه لله تعالى فقد أعزَّها، ومن بذل الحقَّ من نفسه فقد أكرم نفسه [أ/ق 39]، فإنَّ أكرم الخلق عند الله أتقاهم. ومن اعتزَّ
(5)
بالظلم مِن
(6)
مَنْع الحق وفِعْل الإثم، فقد أذلَّ نفسَه وأهانها، قال الله تعالى:{(9) مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا} [فاطر: 10]، وقال تعالى عن المنافقين:{يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [المنافقون: 8]، وقال جل جلاله في صفة هذا الضرب: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ
(1)
(ي): «ينادّهم» ، (ز، ط): «يناديهم ويناويهم» .
(2)
الأصل: «المجير» .
(3)
بقية النسخ: «بين» ، (ي):«التي بين» .
(4)
(ي، ب): «المغل» .
(5)
الأصل: «اغتر» .
(6)
الأصل: «ممن» والمثبت من (ي، ظ، ب، ل). وفي (ز): «فقد» .